مونبلييه مدينة العلم.. والعلوم.. الثقافة والفنون.. بها أعرق وأشهر وأرقي الجامعات العالمية.. التي تحمل تاريخا طويلا.. خاصة في مجال الطب.. مدينة الدراسة والتعليم، حيث تعد قبلة لشباب العالم لتلقي العلم.. الوافدون إليها ضعف سكانها.. وفي السنوات الأخيرة فضل عدد كبير من الباريسيين الانتقال إليها بسبب الطقس والمناخ المتوسطي.. حيث الشمس تسطع صيفا وشتاء. مدينة العلوم هي أيضا مدينة «العري».. ضواحيها الساحلية بها أشهر شواطئ «العراة».. رغم أنها تصنف من المدن الدينية بعد مدينتي «لورد» و«آفينيون».. حيث إنها كانت مقرا للقديس «يعقوب» ومازالت كاتدرائيتها الفريدة في معمارها من أجمل الأماكن التي يقصدها الوافدون والسائحون إلي هذه المدينة.. وهي تضم عددا كبيرا من مسلمي فرنسا بعد مدينتي «ليون» و«باريس» وقد تم بناء رابع مسجد إسلامي كبير بها وتم الانتهاء منه منذ فترة وجيزة وهو يعد أضخم جامع بعد الجامع الكبير في باريس.. وبني بتبرعات وصلت قيمتها إلي مليون «يورو» وغير مساهمة البلدية.. وفي فرنسا يوجد مايقرب من ألفين ومائتين وستين جامعا متفرقة في أنحاء البلاد.. لكن المساجد التي بها مآذن يبلغ عددها «ستين» جامعا فقط من بينها جامع «الاتحاد» في مونبلييه. هذه المدينة العريقة المحافظة علي تاريخها الثقافي الديني التعليمي.. أصبحت اليوم من أهم المراكز للموضة وصناعة المنسوجات في فرنسا وأوروبا .. السير في شوارعها القديمة متعة لا تضاهيها متعة أخري فمازالت شوارعها وأزقتها الضيقة مرصوفة «بالبلاط» القديم.. فهنا الاحترام الكامل للمعمار ربما قبل الإنسان للحفاظ علي جمال التاريخ وروعته.
مونبلييه هي مدينة المهرجانات الدولية.. حيث يقام بها علي مدار العام العديد من المهرجانات المسرحية والموسيقية.. والكرنفالات الراقصة.. ومهرجان السينما الذي يعد واحدا من أشهر المهرجانات في فرنسا بعد «كان» وإليه يعود الفضل في تقديم مخرجين شباب أصبحوا اليوم من المشاهير.. يحتلون الصفوف الأولي عالميا في مجال الإخراج.. هو مهرجان يهتم بسينما البحر المتوسط.. وبالتالي كان للدول العربية تواجد كبير به.. ولهذا تحرص إسرائيل علي التواجد دائما.. وللأسف الشديد تقلصت مشاركة السينما العربية.. وفي العام الماضي فاز الفيلم المصري «فرش وغطا» بجائزة «أنتيجون دور» وهي الجائزة الذهبية للمهرجان.. والفيلم من إخراج الفنان الشاب المتميز «أحمد عبدالله». لي في عشق هذه المدينة مايزيد عن العشر سنوات منذ أول مرة زرتها.. لأشارك في لجنة تحكيم النقاد الدولية.. وهي لجنة شبه دائمة وقد شرفت برئاستها العديد من المرات.. وهي تعد شاهدا رئيسيا علي تطور هذا المهرجان العريق عاما بعد عام.. حيث يحتفل بدورته السادسة والثلاثين ويعرض به ما يقرب من مائتين وعشرة أفلام روائية طويلة.. في أقسامه المختلفة..
في هذه الدورة يتم الاحتفاء بالممثلة الجزائرية الأصل «ليلي بختي» التي ولدت في «سيدي بلعباس» لتنتقل مع عائلتها إلي فرنسا.. وقبل أن تتلقي دروسا في التمثيل لتعمل بمجال الفن الذي كانت تحلم به صغيرة.. جاءتها فرصة للعمل في فيلم «sheitau» لتثبت في أول يوم كفاءتها.. حتي إنها حصلت علي جائزة «السيزار الفرنسية عن فيلم «كل شيء يلمع» «لجيرالدين ناكاش» وهو يعرض في إطار تكريمها مع فيلمين آخرين هما «النبي» لرادوميهالينو»..و«نبع النساء».
كما يكرم المهرجان المنتج الشهير «توسكان دي بلانتيه» الذي رحل سنة 2010 عن عمر يناهز 61 عاما.. وإليه يعود الفضل في النجاح الكبير وتأسيس مهرجان مراكش السينمائي. وقد رأس «توسكان» «أونر فرانس» اتحاد المنتجين الفرنسيين وإليه يعود الفضل في انتشار السينما الفرنسية علي أوسع نطاق.. وتقديم العون من خلال المشاركة في دعم الإنتاج المشترك.. والمهرجانات العربية. وقد شاركت في تكريمه ابنته «أريان» وزوجته الأولي «كريستين بارو»،
وقد افتتح المهرجان بفيلم «تنفس» للمخرجة ميلاني لوران» الذي عرض بأسبوع النقاد بمهرجان «كان».. وهذا هو عرضه الأول في فرنسا.. وهو يروي علاقة صداقة تجمع بين فتاة عادية في السابعة عشرة من عمرها.. بفتاة أخري تماثلها في العمر وصاحبة مواهب متعددة.. ورغم اختلاف شخصيتهما إلا أن ثمة صداقة وطيدة تجمع بين الاثنتين. في إطار المسابقة الرسمية التي تضم اثني عشر فيلما روائيا طويلا من خمس عشرة دولة.. بينها «تونس».. «والجزائر».. و«المغرب». وترأس لجنة التحكيم الدولية لجائزة «أنتيجون الذهبية» المخرجة الفرنسية «دوروتيه صباغ».. والممثلة «سالومي ستيفنين» والكاتب «برونوكرا».. والمخرج والممثل «سيمو ريجياني».. والمنتج والموزع «مايكل زانا». أما لجنة تحكيم النقاد فترأسها كاتبة هذه السطور «نعمة الله حسين» وتضم «ليلي عمار» من تليفزيون فرانس42» «بافلينا جيلينا» بلغاريا.. الناقد الكبير «آلان ماسون» فرنسا.. والناقد الإيطالي «إمبراتوروس».
وفي إطار المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة التي تضم 22 فيلما.. تشارك مصر بفيلمين.. «الحمام بالكيلو 375».. إخراج «عمر الزهيري».. والثاني «نظام» للمخرج كريستوف محمد صابر.. وهو إنتاج مصري سويسري مشترك بينما تخلو المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة من أي مشاركة. أما مسابقة الأفلام الوثائقية فإن مصر والمغرب تتشاركان بفيلم «أمواج» إخراج «أحمد نور» وهو عن بدايات الثورة في مدينة السويس. كما يشارك الفيلم الفلسطيني «فيللا توما» للمخرجة «سهي عراف».. ومن المغرب «العجل الذهبي» للمخرج «حسن الغزولي».. ومن الجزائر فيلمان.. «سينما قديمة» للمخرجة «باهيا علواش».. «والجزائر دائما» «لجان مارك مينو». والطريف أن شعار الدورة الماضية كان لامرأة تعطي «ظهرها» للبحر وكأنها تخاف أو ترفض المجهول.. أما في هذا العام فالشعار يحمل وجه امرأة تواجه مصيرها وقدرها بشجاعة رغبة في التغيير إلي الأفضل.