محافظ أسوان يشهد حفل التخرج السنوي لمدارس النيل المصرية الدولية    أسامة الأزهري: وجدان المصريين السني رفض محاولة المد الشيعي    مدبولي مهنئا السيسي بعيد الأضحى: أعاهدكم على استكمال مسيرة التنمية والبناء    «التعليم» تحدد حالات الإعفاء من المصروفات الدراسية لعام 2025 الدراسي    عضو لجنة الرقابة الشرعية: فنادق الشركات المقدمة للخمور تنضم لمؤشر الشريعة بشرط    12 يونيو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 12 يونيو 2024    البورصة المصرية تطلق مؤشر الشريعة "EGX33 Shariah Index"    محافظ الغربية يتابع مشروعات الرصف والتطوير الجارية ببسيون    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لشركة «ألف للتعليم القابضة» بقيمة 515 مليون دولار في سوق أبو ظبي للأوراق المالية    محافظ الفيوم يوجه بتشكيل لجنة للمرور على كافة المصانع    إسرائيل تهاجم لجنة تحقيق أممية اتهمتها بارتكاب جرائم حرب في غزة    أ ف ب: لجنة تحقيق أممية تتهم إسرائيل و7مجموعات فلسطينية مسلحة بارتكاب جرائم حرب    الكويت: أكثر من 30 حالة وفاة وعشرات الإصابات في حريق جنوب العاصمة    رئيس الوزراء اليوناني: تيار الوسط الأوروبي لديه الزخم للتغيير بعد انتخابات البرلمان الأوروبي    اليونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة يواجهون خطر الموت أمام أعين عائلاتهم    أيمن يونس: الموهبة في الزمالك بزيادة.. ولدينا عباقرة في المدربين    سر البند التاسع.. لماذا أصبح رمضان صبحي مهددا بالإيقاف 4 سنوات؟    بيراميدز يرد على مطالب نادي النجوم بقيمة صفقة محمود صابر    خلال 24 ساعة.. تحرير 562 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    تشديدات أمنية مكثفة قبل بدء أولى جلسات محاكمة سفاح التجمع| صور    إصابة 34 راكبا إثر انقلاب أتوبيس برأس سدر    الذروة 3 أيام.. الأرصاد تحذر من موجة حارة تضرب البلاد في عيد الأضحى    مناسك (6).. الوقوف بعرفات ركن الحج الأعظم    والدة طالب الثانوية الذي مُنع من دخول امتحان الدين ببورسعيد: «ذاكروا بدري وبلاش تسهروا»    ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العمرانية    حسام حبيب يُهنئ شيرين وخطيبها ويهديها أغنية    أفضل أدعية يوم عرفة.. تغفر ذنوب عامين    توقيع بروتوكول تعاون ثنائي بين هيئة الرعاية الصحية ومجموعة معامل خاصة في مجالات تطوير المعامل الطبية    رئيس إنبي: لم نحصل على أموال إعادة بيع حمدي فتحي.. وسعر زياد كمال 60 مليون جنيه    ترتيب مجموعات أفريقيا في تصفيات كأس العالم بعد الجولة الرابعة    بايدن يدرس إرسال منظومة صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا    تفاصيل مشاجرة شقيق كهربا مع رضا البحراوي    تعرف على التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    بدأ مشوار الشهرة ب«شرارة».. محمد عوض «فيلسوف» جذبه الفن (فيديو)    طفرة تعليمية بمعايير عالمية    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    دار الإفتاء: يجوز للحاج التوجه إلى عرفات فى الثامن من ذى الحجة يوم التروية    "مقام إبراهيم"... آيةٌ بينة ومُصَلًّى للطائفين والعاكفين والركع السجود    مصطفى مدبولى يهنئ الرئيس السيسى بعيد الأضحى المبارك    احذري تعرض طفلك لأشعة الشمس أكثر من 20 دقيقة.. تهدد بسرطان الجلد    وزير الصحة: تقديم كافة سبل الدعم إلى غينيا للتصدي لالتهاب الكبد الفيروسي C    أفلام عيد الأضحى تنطلق الليلة في دور العرض (تفاصيل كاملة)    موعد مباراة سبورتنج والترسانة في دورة الترقي للممتاز والقنوات الناقلة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: موقف السيسي التاريخي من العدوان على غزة أفشل مخطط التهجير    ماذا يحدث داخل للجسم عند تناول كمية كبيرة من الكافيين ؟    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    «الزمالك بيبص ورا».. تعليق ناري من حازم إمام على أزمة لقب نادي القرن    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مثقفون: انتحار "روميو وجولييت" الإسكندرية واقعة حزينة
نشر في البوابة يوم 29 - 08 - 2015

أثارت واقعة محزنة لانتحار حبيبين مؤخرا ووصفت "بقصة روميو وجولييت المصرية" حالة من الجدل حول معنى الحب فيما يتساءل بعض المثقفين: هل يختلف الحب باختلاف المكان كما يختلف باختلاف الزمان؟!.
والحبيبان المصريان اللذان جمعهما الموت بعد فشلهما في الارتباط الزوجي بسبب رفض الأهل اثارا حالة من الجدل العام في وقت تبدو فيه الكتابات الغربية بشأن البشر في الشرق حتى على مستوى الإبداع القصصي متجهة نحو تكريس صورة الشخصية المتطرفة كما هو الحال مثلا في القصة الجديدة "كوثر" للكاتب مايك زيرفوجيل وان كان يحمد لهذا الكاتب انه ميز بوضوح بين صحيح الاسلام والتطرف.
ومع التسليم برفض مسألة الانتحار فان قصة هذا الشاب الذي كان يبلغ من العمر 25 عاما والفتاة التي بلغت من العمر 18 عاما أثارت اهتمام الكثيرين ومن بينهم بعض المثقفين البارزين مثل الدكتور وحيد عبد المجيد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية.
واعتبر وحيد عبد المجيد ان القصة التي وصفها "بقصة حب رائعة وحدث استثنائي في هذا الزمن" تبرهن على ان الحب مازال قائما مستعيدا في جريدة الأهرام ماكتبه فقهاء عظام في قضايا الحب مثل ابن حزم في كتابه "طوق الحمامة" وابن قيم الجوزية في كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين".
واللافت أن مواقع التواصل الاجتماعي ومايعرف بوسائط الاعلام الجديد لعبت دورا كبيرا في خلق حالة من الاهتمام العام بقصة الحبيبين اللذين انتحرا مؤخرا فيما كان الشاب الذي اخفق في الزواج من الفتاة التي تمناها يستخدم بدوره هذه المواقع في التعبير عن مشاعره ومكنون فؤاده.
وكانت تفاصيل القصة التي دارت بمحافظة البحيرة ووصفت "بروميو وجولييت الجديدة" قد حظت بمعدلات قراءة عالية في المواقع الإلكترونية للصحف ووسائل الاعلام التي مضت في وصف تفاصيل تشييع الحبيبين للمثوى الأخير في مدينة دمنهور فيما ذهب البعض الى ان القصة تعيد للأذهان قصص الحب الخالدة مثل "قيس وليلى".
وبقلمه اللامع تناول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة مسألة "الحب والندم" واعتبر ان عودة الحب ليست امرا مستحيلا "وان كان صعبا لأن للحب شروطا ومطالب والتزامات" مضيفا انه "عقد بين قلبين واذا اخل احدهما بشروط الاتفاق فان من حق الطرف الثاني أن ينسحب في هدوء".
قصة "روميو وجولييت" المصرية ..إضافة أولى.
والحب عند الشاعر فاروق جويدة "كائن شفاف وضعيف لايحتمل كثيرا حماقات البشر" وهو "يزورنا بلا موعد ويأتينا بلا استئذان" ومن اصعب الأشياء في نهايات الحب كما يقول " ان تتدخل الكرامة ويسيطر الكبرياء ويتساءل كل طرف من يبدأ بالعتاب".
واذا كان فاروق جويدة من اصحاب اسئلة الحب في الثقافة المصرية والعربية فالاسئلة كثيرة في جغرافيا الحب شرقا وغربا وهاهو كتاب صدر بعنوان "رسائل حنة ارندت ومارتين هيدجر" ترجمه للعربية الكاتب والمترجم المغربي المقيم في النمسا الدكتور حميد لشهب يكشف النقاب عن اسرار الحب لأحد اكبر الفلاسفة في الغرب وهو هيدجر صاحب كتاب "الوجود والزمان".
وقد يشعر البعض بالدهشة حيال فيلسوف مثل هيدجر عرف بشخصيته القوية وارادته الحديدية بينما يقرأ في مثل هذا الكتاب انه "كان يبكي في حضرة الحب" غير انه علم أيضا الحبيبة "حنة ارندت" وهي مفكرة المانية الأصل "كيف ترى العالم وتفهمه".
وهاهي المؤرخة الاجتماعية كلير لانغامير تتحدث في كتاب عن الحب عند الانجليز وتستخدم مصطلحات طريفة مثل "القوة المستديمة للحب" فيما اثارت قصة "روميو وجولييت المصرية" تساؤلات عن معنى الحب عند المصريين المعاصرين.
وكتاب "الانجليز في الحب : القصة الحميمة لثورة شعورية" لكلير لانغامير تأريخ حميم لغراميات الانجليز منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ولعله يصحح بعض التصورات المعاصرة حول الحب في بلاد الانجليز والغرب عموما وربما الأكثر اهمية انه يظهر اوجه تشابه في قضايا الحب بين البشر في كل مكان شمالا وجنوبا.. وغربا وشرقا.
فأسئلة الحب لاتختلف احيانا هنا وهناك كما يتجلى في هذا الكتاب الجديد الذي يتناول مسائل مثل حنين الأجيال الأكبر سنا لزمن شبابهم الذي ولى واستعادة مشاهد حبهم بمقارنة مع الحب في هذا الزمان ومع ذلك فهناك اختلافات بينة بين الانجليز والمصريين في شؤون الحب وشجونه.
صحيح ان الأجواء كانت منفتحة اجتماعيا في مصر الستينيات لكنها لم تكن بأي حال من الأحوال مثل بريطانيا التي يسرد هذا الكتاب ماحدث فيها من سقوط لمفاهيم الرومانسية والحب العذري في حانات ومراقص حي سوهو اللندني ولم يعد الزواج هو النهاية الطبيعية للحب!.
ذاك ماسمي بزمن الثورة الحسية في الغرب وفرق وصرعات وافكار "الخنافس" و"الهيبيز" و"البيتلز" وبالطبع فان كتاب كلير لانغامير المتخصصة في التاريخ الاجتماعي يسجل الكثير من مشاهد الحب عند الانجليز في ستينيات القرن العشرين وشهادات واعترافات شيوخ كانوا حينئذ من الشباب البوهيمي.
قصة "روميو وجولييت" المصرية ..إضافة ثانية.
وعلى نحو ما عرفت مصر في النصف الثاني من الستينيات انتشارا لما عرف بموضة او صرعة "الخنافس" في الأزياء وطريقة تصفيف الشعر مع قدر من التحرر الاجتماعي دون ان يصل الأمر لما عرفه الغرب حينئذ ويوثقه كتاب "الانجليز في الحب".
وكلير لانغامير معنية بالتركيز على الحب كعاطفة ومشاعر اكثر من المسائل الحسية وحتى عندما تتناول هذه المؤرخة الاجتماعية مسائل مثل الثورة الحسية يكون ذلك بغرض التفسير العلمي والتأصيل حتى انها ترى ان الأمر لم يكن ثورة حسية بمعنى الاغراق في قضايا الجسد وانما هي ثورة شعورية بلغت اوجها في الستينيات وبدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .
لكن لماذا ظهرت هذه الثورة الشعورية في نهاية الحرب العالمية الثانية؟..هل هي رغبة في تجاوز فظائع الحرب والبحث عن حياة مغايرة ؟!..الواضح ان هناك "خطابا جديدا للحب" ظهر في سنوات العسر بالغرب.
وهذا الخطاب الجديد للحب في الغرب تولت السينما اشهاره عبر سلسلة من الافلام التي حظت بشعبية كبيرة ايامئذ عندما ارتفع بين الشباب في بريطانيا شعار "البحث عن الحب الحقيقي" واليوم ستجد جيهان سليمان مثلها مثل كلير لانغامير تركز في كتابها على ماتسميه "بالحب عند الناس العاديين" وقوام هؤلاء الناس عندها في الطبقة الوسطى..هل هو تقسيم طبقي في الحب؟!.
كلير لانغامير تدافع عن اختيارها موضحة ان الطبقة الدنيا الكادحة اقل اهتماما بقضايا الحب او ليس لديها متسع من الوقت لشؤون الحب وشجونه اما الطبقة العليا فهي مستعدة دوما لأن تضرب بتعاليم مجلس الارشاد الزوجي عرض الحائط.
وهاهي سيسيليا اتياس طليقة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي تتناول في كتابها "رغبة في الحقيقة" طرفا من الحب عند الطبقة العليا وهي وان كانت لم تسيء لساركوزي في كتابها واعتبرت قرار انفصالها عنه "ضروريا من اجل الصدق مع النفس" فانها لم تقدم اجابة بدورها عن السؤال الكبير:"كيف يموت الحب"؟!.
مازالت كلمة "الحب" في حيرة تتقاذفها اسمى المشاعر وابغض التفاهات واحيانا احط التصرفات في خضم الابتذال!..من هنا فان الحب احيانا بحاجة لكتاب وشعراء ومثقفين كبار وفيما تزخر المواقع الالكترونية على شبكة الانترنت فى زمن الحداثة بالكتابات والطرائف حول الحب واشهر الثنائيات العربية فى الحب فان دموع الحب تضارع معارك الفكر التى خاضها جبابرة وعمالقة الكلمة مثل عباس محمود العقاد كما ان هذه الدموع حاضرة فى ابداعات الساعة واللحظة الراهنة .
قصة "روميو وجولييت" المصرية ..اضافة ثالثة.
وقد تحدث الكاتب طاهر الطناحى احد اقرب المقربين لعملاق الكلمة عباس محمود العقاد عن "دموع الحب بين الآنسة مى والعقاد" واكد على ان هذا العملاق احب فى حياته مرتين :"سارة" وهذا ليس اسمها الحقيقى وانما اسم مستعار ومارى زيادة الأديبة اللبنانية المعروفة "بالآنسة مى".
كانت سارة مثالا للأنوثة الدافقة الناعمة الرقيقة لايشغل رأسها سوى الاهتمام بجمالها وأنوثتها وكانت مى مثقفة قوية الحجة وجليسة علم وفن وادب وزميلة فى حياة الفكر ..كلتاهما جميلة ولكن الجمال فى مى "كالحصن الذى يحيط به الخندق" اما الجمال فى سارة "فكالبستان الذى يحيط به جدول من الماء النمير..هو للعبور اكثر مما يكون للصد والنفور".
ذلك ماسمعه طاهر الطناحى من العقاد الذى كتب قصة عن "سارة" اما قصته مع مى فكانت اكثر تعقيدا بعد ان تطورت من صداقة ادبية الى حب فغرام وهيام ودموع والحقيقة ان هذه الأديبة اللبنانية الجميلة كانت تحترم عباس محمود العقاد وتجله ككاتب ومفكر اما الحب الذى تنافس فيه الكثيرون من عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر فى ذاك الزمان فكان من نصيب مبدع كبير يعيش فى امريكا هو الشاعر والكاتب اللبنانى الأصل جبران خليل جبران.
وعلى مدى نصف قرن وربما اكثر ظلت كتب جبران خليل جبران الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة فهو نموذج للكاتب الفنان مع نزعة روحية تجتذب الغارقين في مجتمعات صناعية مادية وتطحنهم ازمات روحية.
والذى لم يقله طاهر الطناحى ان شخصا فى قيمة وقامة عباس محمود العقاد كان لابد وان يتألم لفوز جبران بقلب مى التى طلبت من العقاد صراحة الا يقسو فى كتاباته على جبران بعد ان كتب عملاق الكلمة فى مصر والكاتب الأول لحزب الأغلبية حينئذ وهو حزب الوفد "عن اخطاء لغوية وانحراف فى الفطرة والطبيعة الشاعرة والخيال السليم" فى كتاب المواكب الذى كان جبران قد اصدره عام 1919.
الاحترام شىء مختلف عن الحب ومى التى كانت تخاطب العقاد فى رسائلها :"بالأستاذ الجليل العقاد" منحت الحب لجبران والحب لايفسر غير ان الأمر قد يؤلم عملاقا كالعقاد بل ويجعله يبكى وهو الذى احبها بكل عواطفه وبعث لها عندما كانت فى روما بأبيات شعر نظمها جاء فيها:"آل روما لكمو منى الولاء وثناء عاطر بعد ثناء..وسلام كلما ضاء لنا طالع الاصباح او جن مساء".
حالة مى زيادة تشكل نموذجا لدموع الحب التى تنثال من عيون عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر فيما تكشف الصيحة الملتاعة التى اطلقها عباس محمود العقاد من الأعماق عند قبر مى:"كل هذا فى التراب..آه من هذا التراب" عن مدى نظرته لجميلة الكلمة بقدر ماتومىء لحالة من الرثاء لذاته وحبه الكبير وايامه معها التى انتهت بدموع وحسرة الهزيمة امام جبران خليل جبران.
قصة "روميو وجولييت" المصرية ..اضافة رابعة.
وهاهو الأديب مصطفى صادق الرافعى يتنافس بروح اليائس ضمن المتنافسين من عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر على قلب مى زيادة ويخاطبها من بعيد :"يامن على البعد ينسانا ونذكره..لسوف تذكرنا يوما وننساك..ان الكلام الذى يجلوك ياقمر له صبح متى تدركه أضناك"!.
فالشاعر الكبير مصطفى صادق الرافعى ينتظر الصباح الذى يخفى هذه المحبوبة لكن مى زيادة انكرت هذا الحب وان ظل الرافعى يحبها مثل غيره من عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر كالعقاد وسلامة موسى وان كان هذا الحب الرومانسى من طرف واحد هو الذى جعل الرافعى يبدع "السحاب الأحمر" و"أوراق الورد" و"رسائل الأحزان" .
يالها من احزان ودموع وياله من بكاء !..انها دموع عمالقة وبكاء جبابرة بسبب الحب والحبيبة !..نبضات قلوب محبة وبكاء يغالب صمتا بالصبر يتجمل..جرعات مرارة فى دنيا تلونها الرغائب وليل ينثر عبيره واحلامه وخياناته!..في حديث الهوى والجوى وعذاب الحب..هل تختلف دموع بودليرعن دموع العقاد..هل الفارق كبير على هذا المضمار بين ثقافتين؟!.
ثمة تأملات بالغة العمق والعذوبة للشاعر الأمريكى هنرى كول فى قضايا الحب وشجونه وهو ينظر فى قصائد الشاعر الفرنسى الكبير شارل بودلير موضحا ان كثيرا من قصائد صاحب ديوان "ازهار الشر" كانت "تستكشف الطابع المتغير للجمال فى خضم تحولات باريس الى مدينة صناعية".
وينظر كول لديوان "ازهار الشر" الصادر عام 1857 باعتباره "اللحن الآخير للرومانسية قبل ان توارى الثرى" فيما يتناول نظرة بودلير للحب الى جانب فنانين وكتاب عظام قدر لهم ان يعيشوا فى باريس مثل الفنان الأسبانى بابلو بيكاسو والكاتب الروائى الأمريكى ارنست هيمنجواى والأديبة والناقدة الأمريكية جيرترود شتاين.
هذا شاعر فى حالة حب ومهموم بسؤال حول ديمومة الشعر الأمريكى كجزء من همومه كشاعر والطريف انه خلافا لما يردده البعض من ان "اجمل الشعر اكذبه"- يرى هنرى كول ان الشعر لايجوز له ان يكذب حتى لو كان النثر فى القصة او الرواية يكذب فى قضايا الحب.
وان حق التساؤل:هل للحب اعاصير ام انه لايعرف سوى الطبيعة العذراء والناى وموسيقى الشعر والسمو المتعالى على المادة ورومانسية الروح على ضفاف كون ساحر فلعل اسئلة كتلك الاسئلة بحاجة لاجابات شاعر كبير مثل فاروق جويدة الذى ماكان للحب ان يبتعد عن اجندته الفنانة.
تناول الشاعر والكاتب فاروق جويدة طرفا من قضايا الحب والمحبين بقوله: "بعض الناس يتصور ان الحب لايموت فى حين ان كل الأشياء فى الحياة لها بداية ونهاية" مضيفا:" وفى الحب شىء غامض لانراه ولكننا نشعر به وحين يختفى يتحول الحب الى تمثال من الشمع فيه الملامح والعيون ولكنه غارق فى صمت مخيف".
قصة "روميو وجولييت" المصرية ..اضافة خامسة واخيرة.
واذا كان فاروق جويدة يسلم بأن الحب مثل كل الأشياء "يرحل ويخرج بلا عودة" فانه يفضل دائما "ان ينتهى كل شىء بلا جراح" فيما توقف عند مشكلة الأنانية فى الحب قائلا : "فى الحب شىء من الأنانية وكثير من الغيرة ..من حق المحب ان يشعر انه يمتلك حبيبه والملكية هنا لاتشبه ملفات الشهر العقارى..ان الملكية فى الحب هى الالتزام والصدق والامانة".
وعند الكاتب الراحل انيس منصور الذى ارتبط بقوة بعملاق الفكر العربى عباس محمود العقاد واصدر كتابه الشهير عن صالون العقاد وايامه للحب دموع ودموع على حبيبة فاتنة جميلة العينين مع انه كمتفلسف وقريب للغاية من عالم الفلاسفة قال:"شىء غريب..كل معشوقات الفلاسفة دميمات او لسن جميلات ابتداء من استاذ الجميع سقراط وأرسطو حتى سالومى التى احبها وانهار امام جمالها وذكائها الفيلسوف نيتشة وعالم النفس فرويد والشاعر ريلكة كانت جذابة ولم تكن جميلة" .
من اجل حبيبته الجميلة نفى انيس منصور عن نفسه اى صفة للفيلسوف فحبيبته ليست دميمة وهى مختلفة عن تلك المرأة الغبية التى تزوجها الفيلسوف مارتين هيدجر كما انها مختلفة عن سيمون دى بوفوار رفيقة عمر الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر .
هؤلاء الفلاسفة الكبار يقول عنهم انيس منصور:"ليس لديهم وقت للتفكير..وفى لحظات الضعف يهيمون بهذا النوع من النساء" اما حبيبته الايطالية فنموذج للجمال ومعها اقسما عند "نافورة الطرق الثلاثة" فى روما على الحب حتى الموت..وقد وفى انيس منصور بالوعد حتى موتها.
ومعها كانت ايام فى الريفييرا الايطالية وبعدها كان يتضرع لخالقه ان يخفف احزانه "فلولاها ماكتبت ومابكيت".
وانيس منصور صاحب :"فى صالون العقاد كانت لنا ايام" كتب فى الحب كثيرا وحكى وبكى وهو يتحدث عن "الحبيبة التى كانت فى ايطاليا" ويتساءل بلوعة:"لماذا لم اقف معها ..فالحياة لاكانت قبلها ولاهى بعدها ..لقد أخذت حياتى معها وتركت بقاياى تبكى على بقاياى ".
معها كانت السنوات الذهبية من عمره-كما يقول-ومعها كانت سنوات تذكرها فبكى طويلا :"آه من تلك الأيام..أه على القوة وآه من تلك الليالى..من روما نسافر بالقطار لبرلين ونحرك الليل والنهار والساعات وبعد أيام نذهب الى البندقية والساعات تهون وتتلاشى من اجل العيون الجميلة".
ويرى فاروق جويدة ان المحب لابد وان يشعر بالأمان وانه لايبحر بلا شراع او ان يجد نفسه بين امواج متلاطمة ويكتشف انه يعيش أكذوبة كبرى اما الغيرة فهى الوجه الاخر لهذه الملكية الروحية.
غير انه اوضح "ان هناك الغيرة المجنونة التى تنتهى عادة بجريمة قتل وهناك الغيرة العاقلة التى تترك احساسا جميلا بالرضا..وكل الأشياء فى الحياة اذا زادت عن الحد تحولت الى كارثة افسدت كل شىء حتى فى الحب نفسه".
وأضاف فاروق جويدة:"اعرف صديقا وكان كاتبا كبيرا افسدت الغيرة حياته امام امرأة احبته بجنون وتحول الحب الى نكد دائم وكان الفراق ولم يتزوج صديقى بعدها" فيما رأى ان قليلا من الغيرة فى الحب مثل ملح الطعام يعطى مذاقا احلى وكثيرا من الملح فى الطعام يفسده وهذا مايحدث فى الحب ايضا".
طبيعى الا يذكر الكاتب والشاعر فاروق جويدة اسم صديقه اما فى امريكا فكتب السيرة الذاتية للمشاهير من الكتاب والفنانين تنقب فى قضايا الحب لهذا او ذاك كما يتجلى فى هذا الكتاب الذى صدر بعنوان:"ثورنتون وايلدر:حياة" بقلم بنيلوب نيفين.
وفى هذه السيرة الذاتية الجديدة عن حياة الروائى والكاتب المسرحى الأمريكى الراحل ثورنتون وايلدر الذى فاز بجائزة بوليتزر ثلاث مرات لم تأل المؤلفة بنيلوب نيفين جهدا للعثور على قصة حب كبيرة فاذا بها تكتشف ان حبه الكبير كان للكتابة والفن وحدهما واذا بالقارىء يكاد يشعر عبر صفحات الكتاب التى تتجاوز ال800 صفحة بزفرات الضيق والغيظ للمؤلفة التى اخفقت فى الوصول لمأربها!.
وقد يلتمس القارئ العذر لبنيلوب نيفين لأن ثورتون وايلدر الذى قضى فى اواخر عام 1975 كان من كبار الكتاب الأمريكيين فى الحب وشجونه فكيف لاتكون له قصة حب كبيرة بالمعنى الذى تبحث عنه المؤلفة دون جدوى؟!..وعلى اى حال فهناك شعراء كبار مثل محمد الماغوط بدوا فى حالة بحث عن شىء اسمه الحب!.
واذا كان الشاعر السورى الراحل محمد الماغوط قال يوما ما :لقد اعطونا العطر والخواتم واخذوا الحب فان الشاعر الأمريكى هنرى كول يرى ان اللغة تتحول بالحب الى فن ..فهل يمكن للكلمة ان تكون معادل الحب وان تتحول لأوراق تنبض بالحياة مقابل اوراق تتساقط فى الخريف؟!.
ولعل ابن القيم عبر عن النظرة العربية النبيلة للحب الحقيقي عندما قال منذ زمن بعيد ان الحب هو الميل الدائم بالقلب الهائم وايثار المحبوب على جميع المصحوب وموافقة الحبيب في المشهد والمغيب ناهيك عن ابداعات الشعر العربي في عالم الحب بكل تجلياته من سلطان العاشقين عمر بن الفارض وحتى نزار قباني.
هل تكون الكلمة علاج الروح من خريفها وتعود بها لأول النبع؟!..وهل تستمر اسئلة الحب مثل السؤال الشاعر :"سوف انساك ولكن كيف انسى ؟!..ليتني انسى ولكن كيف انسى"؟!!.. رغم الجراح سيبقى الحب منبعا نقيا للالهام والأحلام والنثر والشعر وروائع القيثار ومواكب الجمال وعذوبة المعاني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.