كان الزعيم سعد زغلول يقول عن الأستاذ العقاد إنه جبار الفكر، وبالفعل كان العقاد عقلا جبارا، ويشعر بذلك كل من يقرأ ما كتبه شعرا أو نثرا، ولكن السؤال الذي يتبادر إلي الذهن، هل كان يحكم عقله في كل أمور حياته أم أن العقل يفسح مجالا للوجدان؟ دار هذا التساؤل في ذهني، وأنا أقرأ كتاب (أطياف من حياة مي) لطاهر الطناحي، إنه يتحدث فيه عن هذه الأديبة اللبنانية الجميلة، التي عاشت في مصر، وكيف كان يحتفي بها أدباء وشعراء ومفكرو مصر، وكان العقاد من الذين أعجبوا بها كأديبة، وأعجب بها لذكائها وجمال روحها، وثقافتها العالية، وكان بينهما مراسلات عندما كان يترك القاهرة لزيارة بلده أسوان. وكانت الأديبة (مي) تراسل جبران خليل جبران في بلاد المهجر.. في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأحبته رغم أنها لم تره ولم يرها، وحدث أن ظهر له كتاب (المواكب) فهاجمه العقاد هجوما عنيفا، وأغلب الظن أن هذا الهجوم علي جبران كانت لغيرته علي (مي) التي أحبها العقاد بعد أن انقلب الإعجاب بها إلي حب وغرام، ويتضح ذلك من الرسائل المتبادلة بينهما، ولم يخف علي (مي) أن هجوم العقاد علي جبران بسبب هذه الغيرة التي اعترته عندما عرف بمراسلتها لجبران، وقالت للعقاد في نهاية رسالة كانت قد كتبتها إليه: »لاتحسب أنني أتهمك بالغيرة من جبران، فإنه في نيويورك لم يرني، ولعله لن يراني، كما أني لم أره إلا في تلك الصور التي تنشرها الصحف، ولكن طبيعة الأنثي يلذ لها أن يتغاير فيها الرجال وتشعر بالازدهاء حين تراهم يتنافسون عليها أليس كذلك؟ معذرة فقد أردت أن أحتفي بهذه الغيرة، لا لأضايقك، ولكن لأزداد شعورا، بأن لي مكانة في نفسك، أهنئ بها نفسي، وأمتع بها وجداني.. فقد عشت في أبيات قصيدتك الجميلة، وفي كلماتها العذبة، وشعرت من معانيها الشائقة، وفي موسيقاها الروحية ماجعلني أراك معي في ألمانيا علي بعد الشقة وتنائي الديار«.. وكان العقاد قد أرسل لها رسالة عندما بارحت روما إلي برلين في يوليو سنة 5291، وفيها يعبر عن شعوره نحوها ويقول: أنت في روما وفي مصر أنا.. بعدت شقتنا لولا النجاء أرقب البدر إذا الليل سجا فلنا فيه علي البعد لقاء وأردد الشعر في مثل الكري فإذا فيه من الطيف عزاء وهكذا نري أن العقل كثيرا ما يتأثر بالعاطفة، ومن هنا نري أن النقد الموضوعي الخالص عزيز المنال.