محافظ القاهرة: أعلى قيمة لساعة انتظار السيارات 10 جنيهات    الخارجية الروسية: محاولات تبرير العدوان الإسرائيلي على إيران مثيرة للسخرية    مجموعة الأهلي.. لعنة أتالانتا تطارد إنتر ميامي ضد بورتو في مونديال الأندية    الأهلي وبالميراس.. صدام متكافئ و3 غيابات تهدد المارد الأحمر    الصحة": نستهدف المشاركة في مبادرة الاتحاد الأفريقي لتوفير 60% من احتياجات القارة من اللقاحات البشرية مُصنعة محليًا بحلول عام 2040    تحذير روسي لإسرائيل بشأن مفاعل بوشهر الإيراني    ليفركوزن يفاوض مدافع ليفربول    إصابة 5 أشخاص بحادث تصادم سيارتين في الفيوم    الرئيس اللبناني: قررنا زيادة قوات الجيش في جنوب الليطاني إلى 10 آلاف جندي    4 وزراء يبحثون التعديات على ترعة السويس وتوفير مياه الشرب    إنهاء العقد.. قانون العمل يوضح مصير العامل حال العجز الكامل أو الجزئي    رئيس الوزراء: الخميس 26 يونيو إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية والخميس 3 يوليو إجازة بمناسبة ذكري ثورة 30 يونيو    تراجع مؤشرات البورصة المصرية بمنتصف اليوم الخميس    البورصة تعلن قيد أسهم "سولار سول للطاقة" بشكل مؤقت ب 25 مليون جنيه    رئيس جامعة القاهرة: ارتقينا 23 مركزًا عالميًا بفضل استراتيجيات البحث العلمي    إعفاء إدارة مدرسة ببنى سويف بعد رسوب جماعى لطلاب الشهادة الإعدادية.. والتحقيق مع مدير الإدارة    موعد التقديم وسن القبول في رياض الأطفال وأولى ابتدائي بالأزهر 2025    الرقابة النووية: نرصد الإشعاع عالميا ومصر على اتصال دائم بالوكالة الذرية    إسرائيل: قصفنا مفاعل آراك ومواقع نووية في بوشهر وأصفهان ونطنز    شيخ الأزهر لوفد أمريكي: الحضارة الغربية ليست كلها خيرًا وبعضها دمار للإنسانية    ترحيل إجازة 30 يونيو 2025.. قرار رسمي بالتفاصيل    10 مشاهد من مران الأهلي الختامي قبل مواجهة بالميراس البرازيلي    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الأهلي وبالميراس    وزارة البترول تعزز البنية التحتية لتأمين إمدادات الغاز خلال الصيف    تعرف على حالة الطقس اليوم الخميس 19-6-2025 فى الإسماعيلية.. فيديو    «نهشته الحيوانات المفترسة».. ضبط 3 سيدات بتهمة إلقاء رضيع وسط الزراعات في قنا    "اتصالحنا وكله تمام".. تفاصيل جلسة معارضة نجل محمد رمضان على إيداعه في دار رعاية    ضبط 7 قضايا مخدرات وتنفيذ 818 حكمًا قضائيًا خلال حملات أمنية بأسوان ودمياط    ننشر نتائج الطلبة المصريين بالخارج من مرحلة الابتدائي وحتى تانية ثانوي    نتائج جهود الأجهزة الأمنية بالقاهرة في مجال مكافحة جرائم السرقة    بالصور- توقف مفاجئ لقطار بكفر الشيخ بسبب عطل فني    الليلة.. فرقة موط تعرضحجر القلب بالمهرجان الختامي فرق الأقاليم المسرحية    أحمد الجنايني يرد على شائعات ارتباطه ب أيتن عامر    مرقس عادل: "في عز الظهر" يتناول الهوية المصرية ولا أحب تناول الرسائل بشكل صريح    الدموع تغلب ماجد المصري في حفل زفاف ابنته | صور    بعد تداول أنباء ارتباطهما.. 10 صور تجمع أحمد مالك وهدى المفتي    محمد فراج يربي طفليه بعد وفاة زوجته في «كتالوج»    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس مدينة الغردقة يتفقد المركز التكنولوجي ويشدد على سرعة إنهاء معاملات المواطنين    الصحة: الارتفاع غير المبرر بالولادات القيصرية يؤثر سلبًا على جهود الدولة    وزير الصحة يترأس الاجتماع الأول للمجلس الوطني للسياحة الصحية    تنسيق الجامعات.. كلية الاقتصاد المنزلي جامعة حلوان    محمد الشناوي: نحلم بالفوز أمام بالميراس وتصدي ميسي لحظة فارقة.. والظروف الآن في صالحنا    الرزق ليس ما تملك..بل ما نجاك الله من فقده    محافظ الدقهلية يستقبل نائب وزير الصحة للطب الوقائي    نصائح مهمة للوقاية من أمراض الصيف.. وتحذير من الفاكهة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    خارجية أمريكا: نطالب جميع موظفى السفارة فى تل أبيب وأفراد عائلاتهم بتوخى الحذر    وزير الاستثمار: تأهيل شركة "جسور" كشريك فعال لزيادة الصادرات إلى أفريقيا    بونو يحصل على التقييم الأعلى في تعادل الهلال وريال مدريد    بعد فشل القبة الإسرائيلية.. الدفاعات الأمريكية تعترض الموجة الإيرانية الأخيرة على إسرائيل    وسط تصاعد التوترات.. تفعيل الدفاعات الجوية الإيرانية في طهران    كوريا الشمالية تندد بالهجوم الإسرائيلي على إيران    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    ريبييرو: مواجهة بالميراس صعبة.. وسنبذل قصارى جهدنا لتحقيق الفوز    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    تامر حسني وهنا الزاهد يتألقان في دور السينما المصرية ب "ريستارت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآنسة مي زيادة..قصة النبوغ والعشق ومواجع الرحيل
نشر في محيط يوم 13 - 10 - 2011

كانت الأديبة الراحلة مي زيادة – التي تحل هذه الأيام ذكرى رحيلها في 19 من أكتوبر 1941م - هي المرأة الوحيدة التي تألقت وتفردت وسط باقة من العمالقة الرجال في عصر لم يكن مسموحا للمرأة بأن تخرج للحياة العامة. ولم يكن متاحاً لها أن تلتقي بالرجال في ندوات ثقافية أو ملتقيات أدبية.

ولدت ميّ أو ماري إلياس زيادة وهذا هو اسمها الحقيقي في مدينة الناصرة بفلسطين عام 1886 لأب لبناني ماروني وأم فلسطينية أرثوذكسية .. وقضت سنوات عمرها الأولى في مدارس داخلية في لبنان , ثم نزحت مع والدها ووالدتها إلى مصر في عام 1908 .. كان عمرها اثنين وعشرين عاماً .. فتاة في ريعان الشباب .. وظلت في مصر حتى الرحيل.

وحيدة والديها

أحبت مي الشاعر اللبناني الرقيق جبران خليل جبران وفي أول رسالة أرسلتها إليه في 29 مارس 1912، كتبت تقول: "أمضي مي بالعربية، وهو اختصار اسمي، ويتكون من الحرفين الأول والأخير من اسمي الحقيقي الذي هو ماري، وأمضي إيزيس كوبيا بالفرنجية، غير أن لا هذا اسمي ولا ذاك، إني وحيدة والدي، وإن تعددت ألقابي".

ظلت مي تراسل جبران وتنتظر حضوره إلى القاهرة دون جدوى وكانت قد تجاوزت الخامسة والثلاثين من العمر، فكتبت له أجمل رسالة حب قالت فيها:

"...جبران! لقد كتبت كل هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب. إن الذين لا يتاجرون بمظهر الحب ودعواه في المراقص والاجتماعات، ينمي الحب في أعماقهم قوة ديناميكية قد يغبطون الذين يوزعون عواطفهم في اللألأ السطحي لأنهم لا يقاسون ضغط العواطف التي لم تنفجر، ولكنهم يغبطون الآخرين على راحتهم دون أن يتمنوها لنفوسهم، ويفضلون وحدتهم، ويفضلون السكوت، ويفضلون تضليل القلوب عن ودائعها، والتلهي بما لا علاقة له بالعاطفة. ويفضلون أي غربة وأي شقاء (وهل من شقاءٍ في غير وحدة القلب؟) على الاكتفاء بالقطرات الشحيحة.

خير للبنت أن تقرأ

ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب. أقول هذا مع علمي أن القليل من الحب الكثير. الجفاف والقحط واللاشيء بالحب خير من النزر اليسير.

كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا. وكيف أفرط فيه؟ لا أدري.

الحمد لله أني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به لأنك لو كانت الآن حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام، ولاختفيت زمناً طويلاً، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى.

حتى الكتابة ألوم نفسي عليها، لأني بها حرة كل هذه الحرية.. أتذكر قول القدماء من الشرقيين: إن خير للبنت أن لا تقرأ ولا تكتب.

إن القديس توما يظهر هنا وليس ما أبدي هنا أثراً للوراثة فحسب، بل هو شيء أبعد من الوراثة. ما هو؟ قل لي أنت ما هو. وقل لي ما إذا كنت على ضلال أو هدى فإني أثق بك.. وسواء أكنت مخطئة أم غير مخطئة فإن قلبي يسير إليك، وخير ما يفعل هو أن يظل حائماً حواليك، يحرسك ويحنو عليك.

غابت الشمس وراء الأفق، ومن خلال السحب العجيبة الأشكال والألوان حصحصت نجمة لامعة واحدة هي الزهرة، آلهة الحب، أترى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟ ربما وجد فيها بنت هي مثلي، لها جبران واحد، حلو بعيد هو القريب القريب. تكتب إليه الآن والشفق يملأ الفضاء، وتعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار سيتبع الليل مرات كثيرة قبل أن ترى الذي تحب، فتتسرب إليها كل وحشة الشفق، وكل وحشة الليل، فتلقي بالقلم جانباً لتحتمي من الوحشة في اسم واحد: جبران".

شقاء عاطفي

تقول السيدة "إيمي خير": إن الناحية العاطفية كانت سبباً من أسباب شقاء مي، فلقد كانت فتاة تأمل أمل الفتيات، وتحلم أحلام الفتيات، ولكن الأقدار باعدت بينها وبين الزوج الذي يسعدها، والبيت الذي يؤنسها، أي بيت الزوجية والأطفال، سألتها مرة عن صحة أبيها وأمها، فقالت في لهجة أدركت كل معنى: "ليس لهما غيري وليس لي غيرهما.."، آه كانت كلمات قصيرة تحمل معاني كبيرة.. ولم تكن هائنة حتى على المجد الذي أحرزته.

لكن الفصل الأخير في حياة مي كان حافلاً بالمواجع والمفاجآت ، والذي بدأ بفقد الأحباب واحداً تلو الآخر ، والدها عام 1929 . جبران عام 1931 . ثم والدتها عام 1932 .

ضاقت الحياة بمي زيادة بعد أن هدتها فجيعة رحيل والديها ، وكانت اللوعة برحيل جبران خليل جبران عام 1931 فادحة، وكان من الطبيعي أن تؤثر مي غلق أبواب صالونها وتنفرد بنفسها.. لم تنقطع صلتها بالناس فجأة وإنما حددت لقاء الأصدقاء، كذلك لم تنقطع عن التأليف ، كما حاولت السلوان في الرحلات فقررت الانتقال والتجوال ثم عادت إلى القاهرة .

لكن لم يفهم أقرباء مي من أهل والديها رغبتها في الانفراد بنفسها ، لكن كان هناك وجها مرجوا لديها هو ابن عمها الدكتور جوزيف ، فأرسلت إليه برسالة في بيروت قالت فيها :

" عزيزي جوزيف، منذ مدة لم أعد أكتب، وكلما حاولت ذلك شعرت بشيء غريب يجمد حركة يدي ووثبة الفكر لدي .. لقد تراكمت علي المصائب في السنوات الأخيرة، وانقضت علي وحدتي الرهيبة التي هي معنوية أكثر منها جسدية فجعلتني أتساءل: كيف يمكن عقلي أن يقاوم عذابا كهذا، وكان عزائي الأوحد في محنتي هذه مكتبتي ووحدتي الشعرية، فكنت أعمل كالمحكومة بالأشغال الشاقة لعلي أنسى فراغ سكني، أنسى غصة نفسي، بل أنسى كل ذاتي... وإنه ليدهشني كيف استطعت أن أكتب كل هذه الرقيمة، ولعل الفضل في هذا يعود جزئيا إلى اللفائف التي أدخنها ليل نهار – أنا التي لا عهد لي بذلك – أدخنها لتضعف قلبي ، هذا القلب السليم المتين الذي لا يزال يقاوم . واسلم لابنة عمك ماري ".


تروي الكاتبة صافيناز كاظم في كتابها "صنعة لطافة" أن جوزيف وجد فرصته للانقضاض حين تسلم رسالتها، فهرع إليها قادما من لبنان، وعن هذه الزيارة كتبت مي إلى صديقها أمين الريحاني " ... أليساعدني ويخفف من مصيبتي؟ .. الحقيقة أنه هرع ليستكشف أعمالي وماليتي ، ويقف على سرائر مصالحي وشئوني فيستولى على كل شيء في حياتي ، وكان ان خاطبني برقته المألوفة في تعيينه وكيلا عني ليخدمني ويطمئن بالي ، فأجبت بأن لا أملاك لي في مصر وأن أعمالي المالية منظمة تنظيما لا يحوجني لمساعدة أحد ، فألح وقال : فكري بها إكراما لي ، قلت : سأفعل وإن لم يكن هناك ما يدعو إلى التفكير .... وبعد هذا الكلام بيوم واحد جاءني مع رجلين من أنسابي ، كانا يلازمانه ، يتبعهم باشكاتب محكمة عابدين ووكيله ، وفتح الباشكاتب دفترا كبيرا على سريري ، وسحب جوزيف قلم الحبر وقدمه لي طالبا مني أن اوقع في الدفتر ، أي تأثير سيطر علي في تلك الساعة؟ كيف لم أعجب لمجيء الباشكاتب دون أن استدعيه؟ وكيف لم أرفض التوقيع؟ لست أدري ..... بحركة ميكانيكية تناولت القلم ورفعت نظري إلى الباشكاتب استفهم عن المكان في الدفتر حيث اكتب اسمي، فنظر إليّ نظرة طويلة كأنما هو عالم بما سيجره عليّ هذا التوقيع من المصائب، ثم أشار إلى مكانين ".

هكذا أصبح لدى جوزيف توكيل للتصرف فيم كل ما يخص مي ، والأصدقاء من حولها من أول أحمد لطفي السيد حتى طه حسين مرورا بالعقاد، لا يمدون يد المساعدة ولا يصدقون مخاوفها التي بدت لهم وكانها أوهام ناتجة من عقدة اضطهاد ، مصدقين أكاذيب جوزيف التي أطلقها ليمهد لنفسه اختطاف مي والسفر بها إلى لبنان.. قال أنها ستجدد الهواء في لبنان وتعود بعد أسبوع، لكن هذا الأسبوع امتد شهرين ونصف على مضض من مي التي ألحت في العودة إلى القاهرة وهو يرفض، فلم تجد وسيلة سوى الإضراب عن الطعام مع الاحتجاج. تطور الأمر من جانب ابن عمها وأعوانه حتى رأوا أن ينقلونها عنوة إلى "العصفورية" وهي مصحة للأمراض النفسية والعقلية.

وقد وصفت مي هذا اليوم فيما بعد: "حملت إلى العصفورية مقيدة برداء المجانين"، وقد ظلت مي على إضرابها حتى كسروا أسنانها ليرغموها عنوة على ابتلاع الطعام ، حتى تصادف مرور السيد مارون غانم – كان تاجرا بفلسطين – بطريق العصفورية، فتذكر مي وتأسف على ما أصابها، لكن سائق السيارة أخبره أن مي مسجونة في المصحة وليست مجنونة وأنه تأكد من ذلك عن طريق نسيبته الممرضة بالمستشفى.

هنا بدأت طاقة الانقاذ تنفتح لمي حيث تمكن التاجر الفلسطيني من تدبير خطو لانقاذها بعد سجنها عاما في العصفورية، لكنهم نقلوها إلى حبس أخر في بيروت هو مستشفى الجراح نقولا ربيز، وظلت به عاما أخر.

تخلي الأصدقاء

بعد ان خرجت مي أدارت ظهرها لكل أصدقائها القدامى الذين صدقوا مزاعم جنونها وتخلوا عنها حتى قالت "... اشتهيت الموت لأن الأهرام – الصحيفة – لم تمهلني دفع الإيجار لمنزلي في جناح من بنايتها فباعت أثاثي ومكتبتي بالمزاد العلني كما قيل لي، وفي لبنان لقيت من الناس رثاء لجنوني المزعوم وإشاعات تغري بتصديق الزعم الظالم.. وقد رفضت لقاء الأصدقاء لأنهم نسوني وصدقوا أني أحرقت مكتبتي كما أشاعوا، ومكتبتي هي أغلى ما أملك وفيها مؤلفات لي، وهدايا من مؤلفين أصدقاء حفظتها ذكريات ومراجع، وعدد مجلداتها ثلاثمائة ومعها مكتبة والدي وتضم خمسمائة من المجلدات..".

وتتساءل صافيناز كاظم في كتابها ، ألم يكن في وسع أصدقائها من أول لطفي السيد حتى طه حسين مرورا بالعقاد، دفع إيجار بيتها وحراسته بمقتنياته الفكرية الثمينة؟ ألم يكن بوسع جريدة الأهرام التي كان يرأس تحريرها أنطون الجميل – الذي زعموا أنه ظل بلا زواج بسبب حبه لمي زيادة وأنه كان يرجو الزواج منها ولو في كهولتها – ألم يكن بوسعها تدبير الايجار ولو بإعادة طبع مؤلف من مؤلفاتها؟ لم تمتنع مي من مقابلة الأصدقاء الجدد من الشباب فهم في رأيها أبرياء من نذالة الأصدقاء القدامى التي عانت منها.

مآساة النبوغ

الغريب أن مي أحست قبل لحظة اختطافها إلى لبنان أن هناك أمورا تدبر لتحكم حولها الحصار، وهذا ما أثبتته أوراقها التي حصلت عليها ونشرتها الباحثة سلمى حفار الكزبري في كتابها " مي زيادة أو مأساة النبوغ " فنقرأ منها: " أكتب إذ أنا مازلت قادرة على الكتابة لأعلن إرادتي التي لن تتغيرلو حدث ما يحرمني من الكلام، وأحظر تمزيق هذه الصحيفة. إني أحظر نقل أي شيء من غرفتي وبيتي قبل وفاتي، وأحظر دس أي شيء ليس موجودا عندي، وأحظر إبقاء ما دس لي على غير معرفة مني، كما أحظر أن تلصق بي تهم كاذبة.. لا أريد ان أموت خارج بيتيهذا، وخارج سريري هذا الذي أكتب جالسة عليه ، وبعد وفاتي بأربع وعشرين ساعة ، على شريطة ان تكون وفاتي حقيقية لا مصطنعة بفعل ما يوضع لي في السجاير والطعام والماء وغير ذلك ، أسمح باخراجي من هنا بعد أربع وعشرين ساعة ".

وفي حوار أجرته صافيناز كاظم مع السيدة نور هانم مرسي صديقة مي زيادة وزوجة المحامي الذي استطاع إلغاء الحجر على الأديبة المرموقة ، نفت ما ذكره سلامة موسى في أحد كتبه بأنه رأى مي وكانت منكوشة الشعر ورثة الملابس كالمجانين.

كذلك وصفت رحيل مي التي أصابها الضعف الشديد بعد إضرابها عن الطعام في أواخر أيامها وعدم رغبتها في المقاومة، حيث حضر اقرباءها فطردتهم من المنزل ، فأحضروا إليها قسا لكنها طردته أيضا، وبعد محاولات مستميته استطاعوا نقلها إلى المستشفى وهناك ظلت تردد: سيبوني أموت.. سيبوني أموت ! حتى فاضت روحها في 19 أكتوبر 1941 .

** نشر بالتعاون مع موقع "لهن"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.