رئيس جامعة مصر للمعلوماتية: فرص لطلابنا للعمل في 250 شركة يابانية    مهرجان أنغام الصباح تستقبل اليوم الثاني لمهرجان «طرب الأول».. صور    أسعار اشتراكات قطارات السكة الحديد للطلاب    عقب التجديد لحسن عبدالله.. تفاصيل أول اجتماع للرئيس السيسي مع محافظ البنك المركزي    رسائل السيسي ل رئيسي وزراء وجهاز أمن الدولة القطري.. فيديو    نيابة عن رئيس الجمهورية: رئيس الوزراء يتوجه إلى اليابان للمشاركة في قمة "تيكاد 9"    جوارديولا: عدد اللاعبين في مانشستر سيتي ليس صحيا.. أنتظر رحيل المزيد    الداخلية تكشف ملابسات واقعة سرقة أحذية من داخل مسجد بالجيزة وتضبط الجاني    قانون التعليم الجديد.. نهضة تعليمية في مسار التحديث والتطوير المهني    المسلماني وهاني أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل    الأعلى للإعلام يعلن انطلاق الدورة التدريبية رقم "61 " للصحفيين الأفارقة من 18 دولة    نائب وزير الصحة يعقد اجتماعًا لتطوير منظومة المخازن الاستراتيجية والتموين الطبي    نص القرار الجمهورى بالتجديد ل"حسن عبد الله" محافظًا للبنك المركزى    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    تعليم الوادي يعلن مواعيد المقابلات الشخصية للمتقدمين لشغل الوظائف القيادية    برشلونة يرفض ضم نجم إنتر ميلان    يتضمن 20 أغنية.. التفاصيل الكاملة لألبوم هيفاء وهبي الجديد    أسامة السعيد: الموقف المصرى تجاه القضة الفلسطينية راسخ ورفض للتهجير    «أحمديات»: غياب ضمير العشرة    تعديل موعد انطلاق بطولة أفريقيا لأندية كرة اليد بالمغرب    كشف ملابسات قيام سائق "توك توك" بالسير عكس الإتجاه بالإسكندرية    إصلاحات شاملة لطريق مصر - أسوان الزراعي الشرقي في إسنا    تمكين الشباب.. رئيس جامعة بنها يشهد فعاليات المبادرة الرئاسية «كن مستعدا»    تووليت وكايروكي يحيون ختام مهرجان العلمين الجديدة (أسعار التذاكر والشروط)    تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما الأحد (تفاصيل)    «ربنا يرجعك لينا بالسلامة».. هالة صدقي توجه رسالة مؤثرة ل أنغام بسبب أزمتها الصحية    «بيطري قناة السويس» تُطلق برامج دراسات عليا جديدة وتفتح باب التسجيل    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    تحذير رسمي.. عبوات «مجهولة» من «Mounjaro 30» للتخسيس تهدد صحة المستهلكين (تفاصيل)    هام وعاجل من التعليم قبل بدء الدراسة: توجيهات للمديريات    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    "كان واقف على الباب".. مصرع شاب سقط من قطار الصعيد بسوهاج    "بعد أزمته الأخيرة مع الأهلي".. 10 معلومات عن الحكم محمد معروف (صور)    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    الرئيس السيسي يوجه بتعزيز الموارد الدولارية وتمكين القطاع الخاص لجذب الاستثمارات ودعم النمو الاقتصادي    موقع واللا الإسرائيلي: كاتس سينظر خطة لمشاركة 80 ألف جندي في احتلال غزة    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «الديهي»: حملة «افتحوا المعبر» مشبوهة واتحدي أي إخواني يتظاهر أمام سفارات إسرائيل    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    وزارة التعليم: قبول تحويل الطلاب من المعاهد الأزهرية بشرط مناظرة السن    إصابة 14 شخصا فى تصادم ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    استقرار أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن الإمدادات الروسية    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طاهر الطناحي.. كاتب راقت له الصراعات المذهبية فقدم منها قصصاً حية
نشر في القاهرة يوم 07 - 09 - 2010

طاهر الطناحي، كانت نشأته ودراسته أدبية، ثم استهوته الصحافة، وأدخلته في بلاطها، فلا جرم أن جمع بين الصحافة والأدب طيلة حياته الثقافية، وإذا كان الأدب يتأني لأن غايته الاقناع، ويتعامل مع فئات قليلة في المجتمع، والصحافة سريعة الإيقاع، وتتناول الأحوال السائرة، والأخبار العارضة، وتخاطب جمهرة كبيرة من الناس، فإن الطناحي كان مستوعبًا لهذا التفاوت، ولم يغب عن ذهنه أن لكل منهما سُننه وميادينه، ومن هنا فإنه لم يكن صعبًا عليه مسايرة طبيعة الفن، في الوقت الذي يلبي فيه مطالب الصحافة، وقد سهل عليه ذلك بلوغ الفوز حسبمًا قدرته له إمكاناته.
نشأته
ولد طاهر أحمد الطناحي بمدينة دمياط في 11/8/1902، ونشأ بها، ويقول في كتابه «شوقي وحافظ» إنه تلقي تعليمه في مدرسة علي العزبي الابتدائية، والعزبي شاعر وكاتب وصحفي أنشأ جريدة دمياط، وكانت تربطه علائق قوية بشعراء عصره ومفكريه، وعند موته عام 1942 كتب عنه لطفي جمعة ثلاث عشرة مقالة متتابعة في «منبر الشرق». وقد حاكي الطناحي أستاذه في اتجاهاته.
ثم التحق بالمعهد الديني بدمياط حيث حفظ القرآن الكريم، وتثقف بثقافة إسلامية واسعة، وبخاصة عندما أنهي المرحلة الابتدائية وانتقل إلي القاهرة ليلتحق بمدرسة القضاء الشرعي، وكان لهذه الثقافة الدينية أثرها في كتاباته، ومنها الكتب التي قدم لها بمقدمات ودراسات مثل «دروس من القرآن الكريم» و«الإسلام دين العلم والمدنية» و«رسالة التوحيد» وجميعها للشيخ محمد عبده.
الليالي
وفي عام 1924 أدخل مدرسة دار العلوم، وتواصل درسه فيها، وتوسع في قراءة الكتب القصصية، وتطلعت نفسه إلي التأليف والشهرة. ولماذا لا يكون له كتاب من ثمرات فكره؟ فأقدم علي إنشاء أربع قصص صغيرة أطلق عليها اسم «الليالي»، وجعل كل قصة منها في كتيب صغير، وجاءت الأولي تحت اسم: «الليلة الحزينة» والثانية هي «في ضوء القمر» وطبعهما عام 1926، والثالثة «مدرسة سقراط» وتتضمن دعابة وفكاهة، والرابعة «جميل بثينة» وتتناول قصة العشق الشهيرة، وصدرتا عام 1927.
وينتقد في هذه القصص زخرفة الأساليب وتنميقها، ورأي أن تكون القصة مرتبطة بالحياة وروح العصر، وأحداثها واضحة، ومتسلسلة، ويمهد كل جزء منها لما يليه، وتصور حالة الشخوص، وعلائقهم بالحياة، وحديثه عن البناء القصصي، والاهتمام بالشخوص، وتجلية الحوادث من التصورات الفنية للقصة، جاءت في زمن شح فيه النقد القصصي.
وهذه «الليالي» وبخاصة الأولي والثانية، رومانتيكية الطابع، خيالية النزعة، عاطفية المنحي، تصور الآلام المتكاثفة، والنفوس الكآبية القلقة الحزينة، وخيبة الآمال، ومع ذلك لانعدم حركة الواقع فيها، إذ ينتقد أوضاع المرأة العصرية، وبعض العادات والتقاليد الاجتماعية.
وسماع الطناحي للقصص من الأقارب، ومطالعتها في الكتب والصحائف من مكوناته الثقافية، ومن العوامل التي وجهت ذهنه إلي كتابة مزيد من القصص، يقول في مقدمة الليلة الحزينة: «نشأت وللخيال في نفسي أثر لا يفارقها منذ كنت أجلس إلي قريباتي لسماع ما يروينه من الأساطير حتي شببت محبًا للقصص علي اختلافها، فطالعت ما شاء الله أن أطلع، فكان ذلك في تكوين ملكتي الإنشائية».
فضاء مطلق
مازلنا في مرحلة دار العلوم، وقد كتب هذه القصص وهو طالب بالقسم العالي فيها، ونهاية هذه الفترة تتنافر الأقوال فيها، فيقول علي بركات في كتابه «مفكرون وأدباء من بورسعيد» وكان من مخالطيه: «وواصل دراسته وتخرج في مدرسة دار العلوم» وقال ذلك غيرة. ويقول نقيض هذا الدكتور محمد رجب البيومي في (مجلة الهلال سبتمبر 1989) وكان من عارفيه وخلصائه، ونص عبارته: «ولأمر ما ترك دار العلوم قبل أن يظفر بشهادتها العلمية، لأن عمله بالأهرام فدار الهلال قد اتجه به إلي الفضاء المطلق، مادام يملك الموهبة المسعفة والقلم المبين»، وهذه القضية لا يؤخذ فيها بالكثرة أو بالأغلبية، وإنما بقول رسمي يصدر من «دار العلوم» وعلي أية حال فإن النجاح والتفوق في الحياة الأدبية والفكرية والفنية ليس موقوفًا علي الشهادات.
في دار الهلال
ويستنتج من كلام د.رجب البيومي وسياق الأحداث أنه بدأ العمل بالصحافة في جريدة «الأهرام»، ولما لم يطب له العمل بها بحث عن صحيفة أخري، ويقول الأستاذ مؤمن حسين: إنه التحق بدار الهلال بتوصية من أحمد حسنين باشا، وقد يكون كل هذا صحيحًا، ومهما يكن من أمر فإنه عمل في دار الهلال منذ عام 1927، وكتب المقالات، وأجري التحقيقات الصحفية في مجلاتها الأسبوعية مثل «المصور»، «كل شيء»، «الدنيا» وفي عام 1943 تولي تحرير مجلة «الهلال» وبعد عدة سنوات صار رئيسًا لتحرير سلسلتي «كتاب الهلال» و«روايات الهلال»، وبذلك يكون حقق شيئًا من طموحه الشخصي، بعد أن لانت له صعاب المهنة، ولكن يؤخذ عليه إغفال أسماء كثيرة من المترجمين في روايات الهلال المترجمة.
ولم تقتصر الفائدة علي ما ذكرنا وإنما مكنت له المهنة، أثناء ممارسته لها من التعرف علي وجهاء مصر والعالم العربي مثل النقراشي، والنحاس وأحمد ماهر وعمر طوسون، ومحمد علي بن توفيق، ورياض الصلح والأمير مجيد أرسلان وغيرهم، ولا شك أن الحياة ارتفع شأنها في نظره بمعرفة هؤلاء وأمثالهم.
وفي عام 1936 وضع كتاب «فاروق الأول» وعند صدوره كان الملك تحت مجلس الوصاية لصغر سنه (تولي الملك فاروق سلطاته الدستورية في 29/7/1937 عندما أتم 18 سنة) أي أنه غير مسئول عن شيء، والكتاب بمنزلة تهنئة من دار الهلال للملك بمناسبة توليه العرش، وتقديم التهنئات بأشكالها المتنوعة للملوك والرؤساء تقليد مازال قائمًا. وكتاب «فاروق الأول» عمل صحفي أكثر منه أي شيء آخر، وقد تم تزويده بصور كثيرة لأسرة محمد علي، ويتضمن فصلاً عن ملوك مصر من الشباب منذ العصور الموغلة في القدم.
مذكرات وذكريات
وقد استطاع بلطفه، وحسن تدبيره أن يهيئ الجو الملائم لأحمد لطفي السيد باشا، وعبدالعزيز فهمي باشا، ويحملهما علي تدوين سيرتيهما من خلال أحاديثهما معه، أو باملائهما عليه ما كان من أمورهما، ولابد أن نتصور أنه خلال هذه الأحاديث والإملاءات كان يستفسر عن شيء، أو يطلب إيضاح أمر، فلم يكن مسجلاً فحسب، ثم كان بعد ذلك يقوم بتنسيق هذه المادة، وترتيبها، وتبويبها وإعدادها للنشر. ففي فبراير 1962 نشر في سلسلة كتاب الهلال «قصة حياتي» لأحمد لطفي السيد، وكان علي قيد الحياة (توفي عام 1963)، وفي أبريل 1963 نشر في سلسلة كتاب الهلال «هذه حياتي» لعبد العزيز فهمي، وكان قد توفي. وهما علمان مهمان لا يغفل أدوارهما من يؤرخ لمصر الحديثة، وبهذه الطريقة جعلهما يبوحان بأسرار دفينة، ويجودان بمعلومات مستورة.
ولم يكتف بالتدوين والتبويب والنشر، بل كتب لكل كتاب مقدمة طويلة شارحة لكيفية إتمام هذين العملين، وما هو غير مفهوم أنه عند إعادة طبع هذين الكتابين تحذف مقدمتا الطناحي مع أنهما توضحان كيف كتب الكتابان، وأعتقد أن هذين العملين من أهم أعماله الصحفية إذا نظرنا إليهما علي أنهما حديثان صحفيان طويلان.
القصص التاريخي
ولا يتصور القارئ أن صاحبنا صحفي فحسب، أو غلبت عليه الصحافة، فإنه مبتكر للقصص، وكاتب للتراجم، وناظم للشعر، وناقد للأدب، فقد كان ذهنه يجد في كل هذه الميادين أرضًا براحًا يجول فيها، ويعبر ويبدع الطرائف.
ومن هذا، قصصه التي استوحاها من التاريخ الإسلامي، والتاريخ الحديث، وكان الطناحي كثير التردد علي كتب التاريخ، ويختار منها فترة اشتد فيها الصراع، وتكاثرت فيها الأحداث، وانتفض فيها الأشخاص وتباينت فيها الرؤي والاتجاهات ثم يصورها في شكل قصصي، لأن كل هذه الأوصاف عندما تتمثل في قصة تشحذ الذهن، وتجعل القارئ شديد الاهتمام.
ومن هذا قصة «شروق وغروب» ضمن مجموعة «علي ضفاف دجلة والفرات» التي أعاد طباعتها عام 1959 تحت عنوان «معارك السيف والقلم» وقد صور في هذه القصة الصراع الدموي الذي جري بين الدولة الأموية الغاربة، والدولة العباسية الناشئة، وأظهر وقع الهزائم المتلاحقة علي الأمويين الذين ثابروا لاستبقاء عرشهم حتي قتل آخر خلفائهم مروان بن محمد، ومصرع دولتهم، وبين دور الجيش العباسي المرهوب في استخلاص الخلافة لأبي العباس السفاح أول خلفاء بني العباس وتصوير المنحنيات التاريخية من أفول دولة وشروق أخري لا يحتاج إلي معارف وحسب، وإنما تلزمها طرافة فنية، ورهافة حس، واستقراء لنفوس الرجال التاريخيين، وتحليل فترة الصراع، فالقصص التي من هذا النوع لابد أن تأخذ حقها من التاريخ، وحظها من الفن، وهذا ما نهض به الطناحي.
وقصته التاريخية «أمير قصر الذهب» التي نشرها في كتاب طبع عام 1948 من القصص التي تدور أحداثها في جو الصراع الذي دار بين الخليفة المأمون وإبراهيم بن المهدي أخي هارون الرشيد. وقصر الذهب هو القصر الذي شيده الخليفة أبوجعفر المنصور وسكنه إبراهيم بن المهدي، وقد اشتهر إبراهيم في كتب الأدب والتاريخ بالغناء والموسيقي، وعلا علي معاصريه في هذين الفنين، وقد قاد بن المهدي انقلابًا مع أنصاره الكثيرين ضد المأمون وخلعوه. وقد صور الطناحي أجواء هذه الفترة، وعرض في قصته لجانبين مهمين: جانب الغناء الذي يبهج، وجانب التمرد الذي يزعج، وهما الجانبان المتعلقان بأمير قصر الذهب.
وقد كتب القاص مقدمة لقصته عن الغناء والموسيقي، ومكانتهما في النفوس والدول، واستطرد في ذلك، وهذه المقدمة وإن كانت ملائمة لقصته، فإن ما جاء فيها كان يمكن تضمينه في السرد، لأنه أجدي في القص، أضف إلي ذلك أن القصص الحديثة، في الغالب، تخلصت من مثل هذه المقدمات.
ويبدو أن الطناحي قد راقته الصراعات المذهبية، أو فترات الهزاهز والنزاعات علي الحكم ليحوك منها قصصًا حية. ففي قصته «هند» ضمن مجموعة «نشيد الكروان» المطبوعة عام 1967، يتناول العراق الدموي والصدام الهائل الذي دار بين الحجاج بن يوسف الثقفي قائد الجيش الأموي، وعبدالله بن الزبير الذي كاد يفوز بالخلافة. وفي قصته «أوجيني الإمبراطورة اللعوب التي ضيعت العرش» ضمن نفس المجموعة يعرض للحرب السبعينية المهلكة التي دارت رحاها بين الألمان والفرنسيين، واندحرت فيها فرنسا وخسرت مقاطعتين من أراضيها.
والصراع بين الشخوص والطوائف والدول، يشكل أحداث التاريخ ويوجهها، وربما هذا ما يفسر لنا سبب اهتمام المؤرخين بتصادم الدول، وتصارع الأبطال، والطناحي في هذا القصص التاريخي ليس مؤرخًا، وإنما هو يهيئ بيئة أدبية ملائمة أو مسرحًا تتلاعب عليه الشخوص والدول، وتؤدي أدوارها التي أدتها وفق رؤيته وتقديره.
التراجم
والطناحي ميال لكتابة التراجم، نزاع إلي تصوير الشخوص، وبخاصة أولئك الذين عاصرهم وخالطهم، ومن عرف طائفة متباينة من الشخصيات، تكون نفسه مهيئة لترجمتهم، لأن عناصر الترجمة حاضرة في ذهنه.
ومن طرائق الترجمة ما يعني بتقديم صور للشخوص، كل واحدة منها منحي من مناحي المترجم دون تركيب أو استطراد، وكتابه «حديقة الأدباء» عبارة عن تراجم صغيرة لعدد من كتابنا وشعرائنا وفنانينا مثل العقاد وطه حسين وميخائيل نعيمة وسليمان نجيب وأم كلثوم، وكل ترجمة منها عبارة عن صورة مكونة من خطوط قليلة، في مساحة صغيرة، مع تحليل محدود، وتقدير للعمل الفني، وهذه الصورة البسيطة لا تجلي، في الغالب كالجوانب الغامضة في الشخصية، ولا تمنحنا إلا انطباعات محدودة عن المترجم.
ومع أنه لا يعطينا ترجمة تامة عبر المكان، وتتابع الزمان، لنلمح أطوار الشخصية، فإننا نقف فيها علي العطاء الفني للشخصية، وتطورها الإبداعي، مثل ترجمته لعزيز أباظة التي يبين فيها أنه ظل صامتًا، وعندما رحلت زوجته نطق بالشعر ورثاها بديوان «أنات حائرة» ثم نظم بعد ذلك مسرحياته الشعرية، ثم قصائده التي تناول فيها الأحداث المعاصرة، وهو تدرج فني أكثر منه تدرج في العمر والنشأة.
وقد تميزت هذه التراجم القصيرة بما رمز به لكل شخصية منها بطائر أو حيوان يناسبه، ويلائم ما اشتهر به، فرمز لأحمد لطفي السيد بصورة النسر، ولعائشة عبدالرحمن بصورة البطة المائية، ولإبراهيم ناجي بالسنجاب ولعبدالرحمن صدقي بالبطريق، وبهذه الصياغة التخييلية الموحية، جعل
للرمز دورًا في تخيل الشخصية، مما قوي من تصور المتلقي للمترجم، وإذا كان الرمز بطبيعته لونا من الابهام، فإنه هنا في «حديقة الحيوان» يؤدي إلي التفسير والإيضاح، فلا أحد يجهل النسر والكروان وغيرهما، ومما هو جدير بالذكر أن المؤلف جعل كل مترجم في لوحة تصويرية وهو في صورة الطائر أو الحيوان التي خصه بها.
وللطناحي سيرة وافية مطولة عن «حياة خليل مطران» صدرت عام 1967، بسط فيها حياته من مولده في أول يوليو 1872 إلي وفاته في 30 من يونية 1949، وبين فيها أطوار الشخصية، وتجاربه الإنسانية، وملابسات بيئته وعصره، والوسط الذي عايشه، وعلائقه بأعلام عصره، مع الاستئناس بأقوال وآراء الآخرين، والاتجاه بالسيرة نحو شعر مطران الذي يرتكز عليه عمله وإبداعه، وعليه مدار الحديث، إضافة إلي شروح وتحليلات وكلمات نقدية مبينة، وبذلك تفتحت سيرة مطران، وصارت صالحة لإفادة القراء، فما أحوجنا إلي مطالعة كتب التراجم والسير للتعرف علي خصائص الأدباء والأبطال والفنانين.
وقد دار حديثه في هذا الكتاب علي آداب مطران، وبخاصة الشعر، ومهما قلنا في نظراته النقدية المستندة إلي المنطق والعقل، والبحث والعلم، فإنه كان مثل كثيرين من نقاد جيله يعتمد علي الذوق في تقدير الفنون، فقد كان يتأمل النص، ويستلهم الذوق، ويستغرق في النظر قبل إبداء الرأي، وإصدار الحكم علي العمل الفني، والنصوص التي قدمها إلينا من شعر مطران وحاورها، تفيد إعجابه بها، واستمتاعه بصياغتها وموضوعها، ومدي تأثيرها في شعوره، ومن هنا ظهرت فيها الصور الجميلة، والأنغام المتسقة، والمشاهد المؤثرة، فهي رد فعل للمتعة والجمال، ولأن خليل مطران من رواد التجديد في الشعر فقد أوضح الطناحي أن «التجديد الفني هو التحسين والتجويد، والتقدم بالفن خطوات إلي الأمام مع المحافظة علي مزاياه، ودعائم وجوده» ورفض التجديد الذي يحطم قواعد الشعر الأصيل، وعده فوضي.
علي فراش الموت
ومن كتب التراجم الأخري للطناحي كتاب «علي فراش الموت» صدر عام 1939 بمقدمة للدكتور مصطفي فهمي سرور، وأعاد نشره سنة 1951 تحت عنوان «ألحان الغروب» بمقدمة لمحمد كامل سليم، وهناك طبعة ثالثة ظهرت عام 1962 عنوانها «الساعات الأخيرة» بمقدمة للأستاذ العقاد، وهكذا نشر هذا الكتاب ثلاث مرات، بثلاث مقدمات، والحقيقة أن جميع العناوين التي اختارها المؤلف ملائمة لموضوعه.
وهذه الكتب أو هذا الكتاب تتسع فيه مساحة الموت، ويتلون بلون قابض، وتطرد فيه نغمة شجية مبكية، وتتصايح فيه ألحان جنائزية، ففي كل ترجمة يتناول المؤلف الزمن الأخير من حياة المترجم، أو قل زمن رقاده علي فراش الموت، ويذكر آخر ما قاله من كلمات وهو يجود بنفسه، والأحاديث المتبادلة بينه وبين زواره، وإنه لتأخذنا الدهشة من توقعهم للرحيل، قبل الرحيل بقليل، فمنهم من أبدي فرحه لأن مهزلة الحياة انتهت مثل بيتهوفن، ومن قال بانتهاء معركة الليل والنهار مثل فيكتور هوجو، ومن أعلن عدم خوفه من الموت مثل مي زيادة، ومن كان يري العالم الآخر حلوًا مثل خليل مطران، وبعد زمن يسير يهلكون حقًا إنهم يعزفون ألحان الغروب علي فراش الموت في ساعاتهم الأخيرة، وهذه الكلمات، وغيرها، تلخيص لأفكارهم، وتحليل لعواطفهم عندما يستشعرون النهاية.
والكتاب ليس فيه حكايات الموت فحسب، وإنما فيه صور من كفاح مصطفي كامل، وأدب المنفلوطي، ومحن بوشكن، واضطراب نفسية مي وتوفيق البكري وغيرها من تراجم الراحلين في هذا الكتاب.
ولأن الباعث الأول للمؤلف في كتابه هو الموت، والموت بطبيعة الحال يدعو إلي التأمل والتفكير، فقد استهل كتابه بالحديث عن فكرة الموت عند بعض الشعوب، وخوف الإنسان من الموت، وبقاء الروح والحياة الأخري، وموضوعات أخري تستتبع الموت، ومثل هذه الموضوعات يخوض فيها العالم والجاهل لعله يظفر بجواب مريح.
والطناحي يترجم للأعلام من خلال فكرة تشمل تراجمه جميعًا، ففي «حديقة الأدباء» جعل لهم رموزًا من الطيور والحيوانات، وفي «الساعات الأخيرة» ترجم لأعلامه من خلال فكرة الموت، وصور أحوالهم في الساعة الأخيرة، وما قالوه فيها أي أنه يمنهج تراجمه، وقد عرفنا من قبل كتبًا يضم الواحد منها عدة تراجم، لا تشملها فكرة معينة أو اتجاه محدد.
وقد ترجم الطناحي لغيره، ولم ينس نفسه تمامًا، فكان بين كتاب وآخر يذكر أشياء عن نفسه، ويتخذ منها موضوعات الكتابة، ولعل في إشارتنا إلي عمله الصحفي فائدة، فقد تعرف علي العقاد ومحمد فريد وجدي ومصطفي صادق الرافعي وغيرهم وسجل ذكرياته عنهم في كتابه «ساعات من حياتي» وفي كتابه «أطياف من حياة مي» كتب عن علاقته بمي زيادة، ودون ماتناولاه من شعر، وأعطانا صورة واضحة عما كان يدور بينهما من نقاش، وهذا التفاعل بينه وبين غيره في مجتمعه وعصره، عنصر من عناصر ترجمته الشخصية.
وكانت تربطه بشوقي وحافظ علاقة ودية، وبحكم ما دار بينهم من أحاديث عرف عنهما أشياء كثيرة سطرها في كتابه «صور وظلال من حياة شوقي وحافظ» أورد فيه أقوالاً عن نفسه وتعليمه وغير ذلك. وقد يفيد قارئه من تصويره للحياة المعاصرة، ونظراته إلي المجتمع، وميوله الدينية، ونقده للتقاليد أشياء تجدي في ترجمته. مع ذلك فإن كل هذه الأشياء، لا تكون سيرة ذاتية متماسكة الأطراف، ولا تقدم لنا معارف وفيرة، وقد يأتي باحث آخر ويستنتج من هذه المعلومات الطفيفة شيئًا مهمًا.
مع العقاد
وهناك علاقة حافلة بالود، وأجدت علي الأدب والفكر بين الطناحي والعقاد طيلة أربعة عقود من الزمان، بدأت عندما ثار الطناحي علي الزي الديني وهو طالب بدار العلوم، وكتب في البلاغ، وناصره العقاد. وعندما تولي الطناحي إدارة مجلة الهلال، كانت مقالات العقاد المنتظمة تتصدر معظم أعداد المجلة، ولما رأس تحرير سلسلة «كتاب الهلال» كانت كتب العقاد لها النصيب الأكبر، حتي إنه يمكن القول إن عدد كتب العقاد في هذه السلسلة أكثر من نصيب أي كاتب آخر مهما كان اسمه ومكانته. ومرد هذا ليس إلي الود والمحاباة، وإنما إلي إعجاب الطناحي بالعقاد وعبقريته، وإلي إقبال الجمهور علي كتب العقاد، فلم يكن يقبل إميل زيدان صاحب دار الهلال أن يطبع الطناحي كل هذا الكم من كتب العقاد ويكدسها في المخازن وقد عبر الطناحي عن إعجابه بالعقاد بالشعر والنثر والمقال ومن هذا أحد العباقرة القلائل الذين تفخر بهم الأمم والشعوب، وقد ارتفع بعبقريته فوق الماديات، وفوق التقدير المحلي في هذا الجيل إلي التقدير العقلي الخالد علي مر الأجيال» وفي كتابه «حديقة الأدباء» جعل العقاد، منبعًا منيعًا، وقال عنه «مجمع عبقريات وروح عظيم» وخلاصة هذا أن العقاد عبقري يستحق التقدير.
للطناحي دور في لفت نظر العقاد إلي موضوعات كتبها. ففي أوائل ثلاثينات القرن العشرين استكتبه في مجلة «الدنيا» الفصول الأولي من قصة «سارة»، وفي الهلال اقترح عليه أن يكتب عن نشأته وحياته، وهي الفصول التي جمعها الطناحي بعد وفاة العقاد 1964 ونشرها في كتابين هما «أنا» و«حياة قلم» كتب لهما مقدمتين طويلتين. أما العقاد فكان بارًا بصديقه، إذ كتب له مقدمتين لكتابيه «حديقة الأدباء» و«الساعات الأخيرة» وكان مستجيبًا لمقترحات المترجم فيما يود تزويد الهلال به.
وكان الطناحي شاعرًا، وله قصائد صاغها من بحور الخليل، وكان ينبذ ما عداها، ويعد أي شعر آخر نثرًا. يقول في قصيدته «أشجان وألحان» ليس شعرًا ما كان كالنثر يُلقي/في جمود كساكن اللحد بارد/ إنما الشعر من حرارة قلب/ عبقري الجمال حلو المقاصد/ يتحلي بما تحلي به الفن/ من الوزن إتباع القواعد.
وقد أمضي الرجل في دار الهلال أربعة عقود يكتب فيها المقالات ويترجمها ويعرض ما استجد من كتب، وينشر نتاجه الأدبي إلي أن وافته المنية في 14 من ابريل 1967 رحمه الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.