مدرسة إسنا الثانوية الصناعية تحصد المركز الأول على الأقصر في التأسيس العسكري (صور)    رئيس «هيئة ضمان جودة التعليم»: ثقافة الجودة ليست موجودة ونحتاج آلية لتحديث المناهج    محافظ كفرالشيخ يشهد الاحتفالات بعيد القيامة المجيد بكنيسة مارمينا والبابا كيرلس    8 معلومات عن مركز البيانات الحوسبة السحابية الحكومية P1    خبراء عن ارتفاع البورصة اليوم: صعود قصير الأجل    صرف مرتبات شهر مايو 2024.. اعرف مرتبك بعد الزيادات الجديدة و جدول الحد الأدنى للأجور الجديد    تفخيخ المخلفات في المنازل، جريمة جديدة لجيش الاحتلال داخل غزة    أحمد ياسر ريان يقود هجوم سيراميكا كليوباترا أمام فاركو بالدوري المصري    رقم سلبي يثير مخاوف برشلونة قبل مواجهة فالنسيا في الدوري الإسباني    أنشيلوتي يفوز بجائزة مدرب شهر أبريل في الليجا    حملات مكبرة على أفران الخبز البلدي والسياحي بالجيزة (صور)    إخلاء سبيل المتهمين فى قضية تسرب مادة الكلور بنادى الترسانة    وكيل تعليم دمياط يتفقد سير امتحانات المستوى الرفيع بمدرسة اللغات الرسمية    السكة الحديد تعلن جدول تشغيل قطارات مطروح الصيفية بدءا من أول يونيو    «خنقتها لحد ما ماتت في إيدي».. المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع تفجر مفاجأة    رئيس قضايا الدولة ينظم حفلا لتوزيع جوائز وقف الفنجري    ردود أفعال واسعة بعد فوزه بالبوكر العربية.. باسم خندقجي: حين تكسر الكتابة قيود الأسر    خالد جلال يشهد عرض «السمسمية» على المسرح العائم    جدول عروض اليوم الخامس من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    تحت شعار «غذاء صحي وآمن لكل مواطن».. «الصحة» تفتتح المؤتمر السنوي الثالث لمعهد التغذية    الإصابة قد تظهر بعد سنوات.. طبيب يكشف علاقة كورونا بالقاتل الثاني على مستوى العالم (فيديو)    بدون بيض أو زبدة.. طريقة عمل بسكويت العجوة في الخلاط    الكشف على 1270 حالة في قافلة طبية لجامعة الزقازيق بمركز مشتول السوق    تحذير قبل قبض المرتب.. عمليات احتيال شائعة في أجهزة الصراف الآلي    مشجع محلاوي يدعم الفريق بالجيتار قبل مباراة لافيينا    كرة اليد، جدول مباريات منتخب مصر في أولمبياد باريس    بث مباشر مباراة غزل المحلة ولافيينا (1-1) بدوري المحرتفين "مرحلة الصعود" (لحظة بلحظة) | استراحة    برلماني: زيارة أمير الكويت للقاهرة غدا يعزز التعاون بين البلدين و يدعم أمن واستقرار المنطقة    الصين تشارك بتسعِة أجنحة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب ال33    هنا الزاهد بصحبة هشام ماجد داخل الجيم.. وتعلق: "فاصل من التمارين العنيفة"    هل حبوب القمح يجب فيها الزكاة ومتى بلغ النصاب؟ الأزهر للفتوى يجيب    بيت الزكاة والصدقات يطلق 115 شاحنة ضمن القافلة السابعة لحملة أغيثوا غزة    مصرع 42 شخصا إثر انهيار سد في كينيا    برلماني: افتتاح السيسي مركز البيانات والحوسبة السحابية انطلاقة في التحول الرقمي    ب600 مليون جنيه، هيرميس تعلن إتمام الإصدار الخامس لطرح سندات قصيرة الأجل    رئيس جامعة أسيوط: استراتيجية 2024-2029 تركز على الابتكار وريادة الأعمال    تنظيم ندوة عن أحكام قانون العمل ب مطاحن الأصدقاء في أبنوب    صحتك تهمنا .. حملة توعية ب جامعة عين شمس    النشرة الدينية .. أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة .. "خريجي الأزهر" و"مؤسسة أبو العينين" تكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين    أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة.. سهلة وبسيطة    بعد أنباء عن ارتباطها ومصطفى شعبان.. ما لا تعرفه عن هدى الناظر    وزير المالية: نتطلع لقيام بنك ستاندرد تشارترد بجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر    علوم حلوان تناقش دور البحث العلمي في تلبية احتياجات المجتمع الصناعي    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    مقترح برلماني بدعم كليات الذكاء الاصطناعي بالجامعات الحكومية    تجليات الفرح والتراث: مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم 2024 في مصر    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    الصين فى طريقها لاستضافة السوبر السعودى    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    السيسي عن دعوته لزيارة البوسنة والهرسك: سألبي الدعوة في أقرب وقت    إصابة 3 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بأسيوط    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    تراجع أسعار الذهب عالميا وسط تبدد أمال خفض الفائدة    حالة وفاة و16 مصاباً. أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين بصحراوي المنيا    شبانة: لهذه الأسباب.. الزمالك يحتاج للتتويج بالكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بمناسبة غراميات هولاند.. أسئلة الهوى والجوى بين ثقافتين
نشر في البوابة يوم 20 - 01 - 2014

إنها أسئلة الهوى والجوى بمناسبة الجدل المثار حاليا حول العلاقة الغرامية بين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والممثلة الشقراء جولي جاييه!. في خضم تداعيات قضية الحب الجديدة التي تشد العالم مع أنه مثقل بالآلام، ثمة ذكريات ودموع وبكاء على صدر حبيب!.
يالها من دموع وياله من بكاء!. إنها دموع عمالقة وبكاء جبابرة بسبب الحب والحبيبة!. نبضات قلوب محبة وبكاء يغالب صمتا بالصبر يتجمل.. جرعات مرارة فى دنيا تلونها الرغائب وليل ينثر عبيره وأحلامه وخياناته!. في حديث الهوى والجوى وعذاب الحب. هل تختلف دموع هولاند عن دموع العقاد. هل الفارق كبير على هذا المضمار بين ثقافتين؟!.
ولعل المعنى الثقافي واختلاف الثقافات في قضايا الحب والهوى والجوى يتجلى في نتائج استطلاعات الرأي العام الفرنسي التي اظهرت بوضوح ان غالبية الفرنسيين يعتبرون مسألة غرام رئيسهم والممثلة الشقراء جولي جاييه "مسألة خاصة" لاتعني سوى فرانسوا هولاند فيما اقرت نسبة تصل الى 70 بالمائة منهم موقفه في هذه القضية التي بدأت سرا منذ نحو عامين.
فالحب في فرنسا كما يقول الشاعر والكاتب فاروق جويدة "قضية محسومة منذ مئات السنين لأن الفرنسيين يعتبرون العلاقات الخاصة جزءا من حياتهم وحقوقهم أيضا" ومع ذلك هاهو فرانسوا هولاند يعترف بأنه "مر بلحظة خاصة أليمة" بعد أن تحدثت الصحافة عن تفاصيل علاقة من تباريح عذابات الهوى بين خصام وجفاء وصلح ووفاق.
وإذا كان "الشتاء" عنوان أحدث رواية لكريستوفر نيكولسون والتي يتناول فيها قضية "الحب والفقد" ففي شتاء غير عادي بحث الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن شييء من الدفء بعيدا عن صقيع عالمه داخل قصر الاليزيه.
الغريب أن الرواية الجديدة لنيكولسون تتحدث عن رجل في خريف العمر يقع في حب ممثلة أصغر منه أما في قصة الرئيس الفرنسي على أرض الواقع الذي قد يكون أغرب من الخيال فيتسلل هولاند الذي يقف على باب الستين عاما في عتمة الشبورة الثلجية إلى مرأب سيارات قريب من القصر الرئاسي وعلى رأسه خوذة ضخمة لكنه لايستقل سيارة وإنما يمتطي دراجة بمحرك بخاري صغير خلف رجل أمن وحيد ائتمنه على سره.
عندما تصل الدراجة البخارية للدائرة الثامنة في باريس وهي غير بعيدة عن قصر الاليزيه يترجل هولاند وحده متسللا لشقة في الطابق الرابع بعمارة يعرفها جيدا، وكيف لايعرفها وهي عش الهوى والحبيبة الممثلة الشقراء واليسارية الميول جولي جاييه التي جاوزت الأربعين عاما.
رحلة العودة من عش الحب للقصر الرئاسي لاتخلو أيضا من تمويه بارع لكنه لم ينطل على صحفيين من طراز هؤلاء الذين يعملون في مجلة "كلوزر" ورئيسة تحريرها لورنس بيو التي كشفت المستور بالصور والكلمات لتتسبب في صدمة للشريكة الرسمية للرئيس وهي فاليري تريرفيلر الصحفية بدورها ولكن في مجلة باري ماتش.
على حد تعبير صحفي صديق لتريرفيلر التي أودت بها الصدمة للمستشفى فإنها عندما طالعت هذا العدد من مجلة كلوز بصوره الصارخة وكلماته المثيرة شعرت وكأن "قطارا قد ضرب وجهها"، لكن فاليري تريرفيلر بدورها كانت قد أخذت الرئيس من شريكته السابقة وأم ابنائه الأربعة سيجولين روايال التي انفصلت عن هولاند بعد ربع قرن زواج!.
وبعد أن تجاوزت الأربعين بعام يبدو أن الممثلة الشقراء جولي جاييه ستكون معنية بكتب حول اشكالية الاحتفاظ بالجمال الأنثوي بعد أن يعبر قطارالعمر محطة الصبا والشباب من طراز ذلك الكتاب الجديد بعنوانه الدال "ايتها المرأة الفرنسية لاتجري عمليات تجميل" وهو من تأليف ميريلي جوليانو التي سبق وأن اصدرت كتابا آخر بعنوان: "أيتها المرأة الفرنسية لاتكوني بدينة"!. المرأة الفرنسية والباريسية على وجه الخصوص هاجسها الحفاظ على جمالها..ولم لا أليست باريس مدينة الجمال؟!.
باريس التي تقول عنها الكاتبة سناء البيسي "باريس كريستيان ديور وايف سان لوران ونهر السين وبرج ايفل والكوت دازور وموناليزا اللوفر والمولان روج ورقصة الكان كان ولوحات مونيه ومانيه وتولوز لوتريك وذكريات مسرح سارة برنار وروايات كوليت وبارفان كوكو شانيل".
إنها باريس "حدائق التويليري ومرحبا أيها الحزن لفرانسواز ساجان وعشق سارتر لسيمون دي بوفوار وسجن الباستيل وفيكتور هوجو وجان فالجان وجاذبية ايف مونتان ومقاهي مون مارتر والشانزلزيه ومطعم مكسيم والحي اللاتيني".
في باريس شييء ما يثير خيال الشعراء والكتاب والمبدعين المصريين والعرب مثل الشاعر والكاتب المصري فاروق جويدة الذي يقول "كان فيكتور هوجو صادقا حين قال إن باريس عاصمة الكون وبقية الدنيا ضواحيها وكان طه حسين مبهورا بها وهو يقول إنها مدينة الجن والملائكة"، ثم إن عميد الأدب العربي عرف الحب مع سوزان الفرنسية التي كانت زوجته ورفيقة عمره وحياته.
ويعيد جويدة للأذهان حديث الكاتب الكبير توفيق الحكيم في مذكراته عن فتاة المسرح التي أعجب بها وكانت تبيع التذاكر كما أن أمير الشعراء احمد شوقي كان مبهورا بباريس، وقد نقل هذا الحب إلى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وكان متيما بباريس، لكن لماذا استدعى فاروق جويدة باريس ؟!.
إنها قضية حب الرئيس الفرنسي وإنه ليقول: "باريس لاتستطيع أن تعيش بدون حب ويبدو ان الحب اختارها منذ سنين وطنا.. وفي كل عام تطل علينا قصة من قصص العشق لرئيس أو فنان أو كاتب أو مبدع"، فباريس في حالة حب دائم ولهذا انطلقت أخيرا اشاعة عن قصة حب بين رئيس فرنسا وممثلة شابة مغمورة.
والمثير للتأمل بالفعل أن مسألة الحب خارج اطار الزواج طالت برذاذها أسماء شهيرة وصلت لقصر الاليزيه مثل الرئيس المثقف فرانسوا ميتران فضلا عن فاليري جيسكار ديستان وجاك شيراك اما الرئيس السابق نيكولا ساركوزي فكان كما أشارت كاتبة الأهرام الكبيرة سناء البيسي أول رئيس "تطلق وتزوج خلال ولايته الرئاسية من عارضة الأزياء والمغنية كارلا بروني".
ولن تعفي دموع الحب ولاثقافة فرنسية متسامحة مع قضايا الحب والهوى والجوى فرانسوا هولاند من أسئلة مزعجة مثل تعريض أمن البلاد للخطر بخروجه من الاليزيه متنكرا في هدأة الليل في رحلة لايرافقه فيها سوى حارس واحد يتركه بمجرد صعوده لعش الهوى ولايعود إلا بعد ساعات يكون فيها رئيس فرنسا خارج مظلة الحماية الأمنية ولايحرسه سوى كيوبيد!.
وفيما تزخر المواقع الالكترونية على شبكة الانترنت فى زمن الحداثة بالكتابات والطرائف حول الحب وأشهر الثنائيات العربية فى الحب فإن دموع الحب تضارع معارك الفكر التى خاضها جبابرة وعمالقة الكلمة مثل عباس محمود العقاد كما أن هذه الدموع حاضرة فى ابداعات الساعة واللحظة الراهنة.
وقد تحدث الكاتب طاهر الطناحى أحد اقرب المقربين لعملاق الكلمة عباس محمود العقاد عن "دموع الحب بين الآنسة مى والعقاد"، وأكد أن هذا العملاق أحب فى حياته مرتين :"سارة" وهذا ليس اسمها الحقيقى وإنما اسم مستعار ومارى زيادة الأديبة اللبنانية المعروفة "بالآنسة مى".
كانت سارة مثالا للأنوثة الدافقة الناعمة الرقيقة لايشغل رأسها سوى الاهتمام بجمالها وانوثتها وكانت مى مثقفة قوية الحجة وجليسة علم وفن وادب وزميلة فى حياة الفكر. كلتاهما جميلة ولكن الجمال فى مى "كالحصن الذى يحيط به الخندق" أما الجمال فى سارة "فكالبستان الذى يحيط به جدول من الماء النمير. هو للعبور أكثر مما يكون للصد والنفور".
ذلك ماسمعه طاهر الطناحى من العقاد الذى كتب قصة عن "سارة" أما قصته مع مى فكانت أكثر تعقيدا بعد أن تطورت من صداقة أدبية إلى حب فغرام وهيام ودموع والحقيقة أن هذه الأديبة اللبنانية الجميلة كانت تحترم عباس محمود العقاد وتجله ككاتب ومفكر أما الحب الذى تنافس فيه الكثيرون من عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر فى ذاك الزمان فكان من نصيب مبدع كبير يعيش فى أمريكا هو الشاعر والكاتب اللبنانى الأصل جبران خليل جبران.
وعلى مدى نصف قرن وربما أكثر ظلت كتب جبران خليل جبران الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة فهو نموذج للكاتب الفنان مع نزعة روحية تجتذب الغارقين في مجتمعات صناعية مادية وتطحنهم أزمات روحية.
والذى لم يقله طاهر الطناحى أن شخصا فى قيمة وقامة عباس محمود العقاد كان لابد وأن يتألم لفوز جبران بقلب مى التى طلبت من العقاد صراحة ألا يقسو فى كتاباته على جبران بعد أن كتب عملاق الكلمة فى مصر والكاتب الأول لحزب الأغلبية حينئذ وهو حزب الوفد "عن أخطاء لغوية وانحراف فى الفطرة والطبيعة الشاعرة والخيال السليم" فى كتاب المواكب الذى كان جبران قد اصدره عام 1919.
الاحترام شىء مختلف عن الحب ومى التى كانت تخاطب العقاد فى رسائلها :"بالأستاذ الجليل العقاد" منحت الحب لجبران والحب لايفسر غير أن الأمر قد يؤلم عملاقا كالعقاد بل ويجعله يبكى وهو الذى احبها بكل عواطفه وبعث لها عندما كانت فى روما بأبيات شعر نظمها جاء فيها: "آل روما لكمو منى الولاء وثناء عاطر بعد ثناء..وسلام كلما ضاء لنا طالع الاصباح او جن مساء".
وهاهو الأديب مصطفى صادق الرافعى يتنافس بروح اليائس ضمن المتنافسين من عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر على قلب مى زيادة ويخاطبها من بعيد :"يامن على البعد ينسانا ونذكره..لسوف تذكرنا يوما وننساك..ان الكلام الذى يجلوك ياقمر له صبح متى تدركه أضناك"!.
فالشاعر الكبير مصطفى صادق الرافعى ينتظر الصباح الذى يخفى هذه المحبوبة لكن مى زيادة انكرت هذا الحب وإن ظل الرافعى يحبها مثل غيره من عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر كالعقاد وسلامة موسى وإن كان هذا الحب الرومانسى من طرف واحد هو الذى جعل الرافعى يبدع "السحاب الأحمر" و"أوراق الورد" و"رسائل الأحزان" .
حالة مى زيادة تشكل نموذجا لدموع الحب التى تنثال من عيون عمالقة الكلمة وجبابرة الفكر فيما تكشف الصيحة الملتاعة التى أطلقها عباس محمود العقاد من الأعماق عند قبر مى: "كل هذا فى التراب..آه من هذا التراب" عن مدى نظرته لجميلة الكلمة بقدر ماتومىء لحالة من الرثاء لذاته وحبه الكبير وايامه معها التى انتهت بدموع وحسرة الهزيمة أمام جبران خليل جبران.
وعند الكاتب الراحل انيس منصور الذى ارتبط بقوة بعملاق الفكر العربى عباس محمود العقاد واصدر كتابه الشهير عن صالون العقاد وأيامه للحب دموع ودموع على حبيبة فاتنة جميلة العينين مع أنه كمتفلسف وقريب للغاية من عالم الفلاسفة قال: "شىء غريب..كل معشوقات الفلاسفة دميمات أو لسن جميلات ابتداء من استاذ الجميع سقراط وأرسطو حتى سالومى التى أحبها وأنهار أمام جمالها وذكائها الفيلسوف نيتشة وعالم النفس فرويد والشاعر ريلكة كانت جذابة ولم تكن جميلة" .
من أجل حبيبته الجميلة نفى انيس منصور عن نفسه أى صفة للفيلسوف فحبيبته ليست دميمة وهى مختلفة عن تلك المرأة الغبية التى تزوجها الفيلسوف مارتين هيدجر كما أنها مختلفة عن سيمون دى بوفوار رفيقة عمر الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر.
هؤلاء الفلاسفة الكبار يقول عنهم انيس منصور:"ليس لديهم وقت للتفكير. وفى لحظات الضعف يهيمون بهذا النوع من النساء" أما حبيبته الايطالية فنموذج للجمال ومعها أقسما عند "نافورة الطرق الثلاثة" فى روما على الحب حتى الموت. وقد وفى انيس منصور بالوعد حتى موتها.
ومعها كانت أيام فى الريفييرا الايطالية وبعدها كان يتضرع لخالقه أن يخفف أحزانه "فلولاها ماكتبت ومابكيت".
وانيس منصور صاحب :"فى صالون العقاد كانت لنا أيام" كتب فى الحب كثيرا وحكى وبكى وهو يتحدث عن "الحبيبة التى كانت فى ايطاليا" ويتساءل بلوعة:"لماذا لم أقف معها ..فالحياة لاكانت قبلها ولاهى بعدها ..لقد أخذت حياتى معها وتركت بقاياى تبكى على بقاياى ".
معها كانت السنوات الذهبية من عمره - كما يقول - ومعها كانت سنوات تذكرها فبكى طويلا :"آه من تلك الأيام..أه على القوة وآه من تلك الليالى..من روما نسافر بالقطار لبرلين ونحرك الليل والنهار والساعات وبعد أيام نذهب الى البندقية والساعات تهون وتتلاشى من اجل العيون الجميلة".
وبسببها اضطر للكذب فى برنامج اذاعى عندما سألوه عن المرأة الجميلة فقال اوصافا لايحبها لأنه يخشى ان يكتشف الناس من هى حبيبته!..ومن اجلها ايضا عاد لايطاليا كثيرا حتى انه سلم بأن الأمر لايخلو من جنون!..ولذلك كله يعذر انيس منصور شعراء التروبادور الأسبان الذين يقفون تحت شباك المحبوبة ليلا ونهارا اذ لاليل عندهم ولانهار!.
عن هؤلاء الشعراء الذين يتعذبون بسبب الحبيبة يقول انيس منصور:"الحب يصل الليل بالنهار والشوق والحنين والأنين..لقد كنت فى حبى مثل اولئك الشعراء..احيانا كنت احس ان الأرض صارت كوكب اخر يدور بنا حول الشمس وحدنا..لم اكن اريد ان اخرج من هذه التجربة فأنا ولدت لأعيش".
وهاهو انيس منصور يضيف فى رسالة لصديق :"انا غائب عن الحاضر ..غارق فى الماضى..وليس فى الماضى كله الا هى..التصقت صورتها..انطبع صوتها..لاأسمع سوى لها ولاأريد غيرها ولااريد بديلا عنه..انت تعرف كم امرأة عرفت ..كثيرات هنا وفى أوروبا ..كثيرات فى كل لغة ".
ويطلب من صديقه العذر بسبب عدم الوضوح احيانا فى رسائله مضيفا :"يجب ان تعذرنى عندما اكتب عنها بعد موتها واتذكر ماجرى لى..لاأجدنى قادرا على الكلام..لاأعرف كيف انا..كيف تماسكت وكيف عشت..لن اكتب كلمة واحدة عن زيارتى لأهلها لتقديم العزاء..لاأحد يعرفنى ولكنى اعرف الجميع من كلامها عنهم..كان يوما اسود عندما ذهبت الى قبرها وعندما عدت الى مصر لزمت الفراش".
ويرى انيس منصور أن الفن ليس إلا نوعا من الاعتراف اى ازالة الحائط الرابع بين الفنان والناس فيحدثهم عن نفسه بلا تحفظ حتى انه قال ان :"صفحات كتبى هى بقايا دموع..صدى صرخات ترددت بعيدا فى نفسى وفى نفوس الآخرين لها طعم الملح ولسع النار ووخز الابر والحاح الضمير وبريق الأمل".
ومن ثم فهو يعترف بأنه كذب على نساء عرفهن بسبب هذه الحبيبة الايطالية المجهولة التى يقول عنها وعن نساء عرفهن :"انا كذبت عليهن..اننى كنت انشغل بهن لأبعد عنها..فقد استولت تماما على كل حياتى وأريد الهرب منها..انها بعيدة جدا قريبة جدا..وعدت الى ايطاليا..مشيت فى نفس الطريق وجلست فى نفس المكان وبكيت فى كل مكان".
ويتابع:"فى نفس الساعة من كل يوم ..تماما مثل يوم قابلتها ..نفس الساعة..نفس الطريق ونظرت ورائى وعبرت الشارع وجلست على المقهى فوجدت واحدة تجلس على نفس المقعد..آه محترق أنا ..لمست المقعد بأصابعى قبل ان اجلس عليه كأننى أقبله بأصابعى وجلست لاأعرف كم من الوفت ونهضت..وفى نفس الطريق عدت ووقفت امام بيتها".
بمداد الصدق والدموع يقول انيس منصور فى هذه الرسالة لصديقه فريد حجاج :"استأذنك يافريد بعض الوقت فلا أريد ان تسقط دموعى على الورق" فيما يتساءل عما يمكن أن يفعله "إذا كان هذا قلمها وهذا عطرها وهذه صورتها وهذه هديتها..حتى القطرة التى اضعها فى عينى قطرتها كأننى اضع دموعها فى عينى"!.
هاهو يبوح لصديقه برغبته فى البكاء على الحبيبة وللحبيبة :"اريد ان ابكى ولذلك اتحدث عنها..اننى لم ابك بما فيه الكفاية ..لاتجف الدموع..لاأعرف من اين تجىء ولماذا تطاوعنى ولماذا اطاوعها؟..ان الفيلسوف باسكال هو الذى قال ان للحقب أحكاما يستأنفها العقل ولكن يبقى حكم الحس هو الحكم الذى لايقبل الاستئناف".
ويمضى انيس منصور مع الحبيبة فى رحلة الدموع والحب قائلا :"عدت الى رسائلها 87 خطابا اقرأها وأقبلها وأشم رائحتها..لماذا كان خطك جميلا ولماذا كانت رسائلك معطرة؟..أوجعت قلبى إلى الأبد..قرأت خطاباتها مئة مرة لا أريد أن أفرغ منها..لا أريد أن ينتهى أى شىء".
فهل انتهى كل شيء ولم يبق سوى الدمع والشجن وعزاء الذكريات؟!..ام ان ثمة سرا في القلب كشعلة ورد تتوهج في الأشواق ويضييء شذاها القلب؟!..شييء يضييء الدرب في عتمة الشتاء ووسط الأنواء..يتراءى وجه الحبيبة فيحيل العتمة وجها اخر للياسمين ويصنع افراحا في القلب الحزين..يصنع يدين كأغصان الورد وصدرا يخفق نشوان..شيء يمسح وطأة العتمة عن الجبين ويغنى للقلب :"ياجميل اشهد انني وصلت واختتمت الرحيل"!!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.