هل يمكن تعريف الحب ثقافيا أم أن الحب اكبر من كل ماتدعيه التعاريف؟!.سؤال بمناسبة كتاب جديد عن التاريخ الاجتماعي للحب في بريطانيا ولعله يثير سؤالا آخر عن التاريخ الاجتماعي الغائب للحب عند المصريين وتساؤلات عن الحب في زمن الثورة!. ثمة قصص للحب بالفعل في زمن الثورة وتوجت بزيجات بين شباب وشابات شهد ميدان التحرير مولد حبهم على ايقاع الحب الكبير لمصر، هل يجد الحب في زمن الثورة من يؤرخ له مثل هذا الكتاب الجديد للمؤرخة الاجتماعية كلير لانغامير عن الحب عند الانجليز والتي تستخدم مصطلحات طريفة مثل القوة المستديمة للحب؟. على المستوى الشعوري هل يختلف مشهد عاشقين صغيرين على كورنيش النيل في القاهرة لحظة غروب الشمس عن مشهد عاشقين صغيرين في ميدان البيكاديللي بلندن ساعة الأصيل؟!. هل للحب بالمعنى الرومانسي والتصورات العذرية مساحة في زمن مراقص الديسكو كما كان الأمر في قاعات السينما المطفأة الأنوار التي تتيح قدرا من الخصوصية بين عاشقين عز عليهما مكان للحب وتبادل المشاعر الحميمة؟!. كتاب "الانجليز في الحب : القصة الحميمة لثورة شعورية" لكلير لانغامير تأريخ حميم لغراميات الانجليز منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ولعله يصحح بعض التصورات المعاصرة حول الحب في بلاد الانجليز والغرب عموما وربما الأكثر أهمية أنه يظهر اوجه تشابه في قضايا الحب بين البشر في كل مكان شمالا وجنوبا.. وغربا وشرقا. فأسئلة الحب لاتختلف أحيانا هنا وهناك كما يتجلى في هذا الكتاب الجديد الذي يتناول مسائل مثل حنين الأجيال الأكبر سنا لزمن شبابهم الذي ولى واستعادة مشاهد حبهم بمقارنة مع الحب في هذا الزمان ومع ذلك فهناك اختلافات بينة بين الانجليز والمصريين في شؤون الحب وشجونه. صحيح أن الأجواء كانت منفتحة اجتماعيا في مصر الستينيات لكنها لم تكن بأي حال من الأحوال مثل بريطانيا التي يسرد هذه الكتاب ويؤرخ للحب حينئذ عندما سقطت مفاهيم الرومانسية والحب العذري في حانات ومراقص حي سوهو اللندني ولم يعد الزواج هو النهاية الطبيعية للحب!. ذاك ماسمي بزمن الثورة الحسية في الغرب وفرق وصرعات وافكار "الخنافس" و"الهيبيز" و"البيتلز" وبالطبع فان كتاب كلير لانغامير المتخصصة في التاريخ الاجتماعي يسجل الكثير من مشاهد الحب عند الانجليز في ستينيات القرن العشرين وشهادات واعترافات شيوخ كانوا حينئذ من الشباب البوهيمي. وعلى نحو ما عرفت مصر في النصف من الستينيات وخاصة بعد حرب يونيو 1967 انتشارا لما عرف بموضة او صرعة "الخنافس" في الأزياء وطريقة تصفيف الشعر مع قدر من التحرر الاجتماعي دون ان يصل الأمر لما عرفه الغرب حينئذ ويوثقه كتاب "الانجليز في الحب". لكن الكتاب ليس عن المسائل الحسية وإنما يركز على الحب كعاطفة ومشاعر والمؤلفة عندما تتناول مسائل مثل الثورة الحسية يكون ذلك بغرض التفسير العلمي والتأصيل حتى أنها ترى أن الأمر لم يكن ثورة حسية بمعنى الإغراق في قضايا الجسد وإنما هي ثورة شعورية بلغت أوجها في الستينيات وبدأت منذ اربعينيات القرن العشرين. فمع نهايات الحرب العالمية الثانية في عام 1945 ظهرت أنماط جديدة للزواج كان الحب فيها هو السيد والمطاع قبل أي عامل آخر كما تقول استاذة التاريخ الاجتماعي ومؤلفة الكتاب كلير لانغامير، فيما الحب هنا بالمعنى الشعوري الخالص عندما يتحد الحبيبان في كل واحد ويكون الحب هو المحرك الفعال لحياة الحبيبين. لكن لماذا ظهرت هذه الثورة الشعورية في نهاية الحرب العالمية الثانية؟. هل هي فظائع الحرب والبحث عن حياة مغايرة للمادية المتوحشة أم أنها دواعي الحاجة في سنوات التقشف والمعاناة الاقتصادية التالية للحرب وغياب عوامل الترف بالنسبة للأغلبية؟..الواضح أن هناك "خطابا جديدا للحب" ظهر في سنوات العسر بالغرب. هذا الخطاب الجديد للحب في الغرب تولت السينما اشهاره عبر سلسلة من الافلام التي حظت بشعبية كبيرة ايامئذ وباركته المؤسسة الدينية على لسان الأب هربرت جراي رئيس مجلس الارشاد الزوجي الذي أعلن عام 1949 أن الحب وحده يكفي ويزيد كسبب للاقتران والزواج. أيامها ارتفع بين الشباب في بريطانيا شعار "البحث عن الحب الحقيقي" مع قناعة فحواها ان الزواج مؤسسة الحب وحافظته وراجت في خضم الصبابة والهيام ابواب المشاكل الغرامية والاستشارات الزوجية في الصحافة البريطانية ..هل نجح هذا النمط واستمر طويلا؟. الكتاب الجديد للمؤرخة الاجتماعية كلير لانغامير يقول للأسف إن مصيره في الغرب كان الفشل لأن الكثير من الزيجات لم تحقق الأماني أو تشبع الرغبات رغم أنها قامت أصلا على الحب أو هكذا كان التصور وهنا يكون السؤال حول معنى الحب؟!..هل العيب في الحب أم في المحبين؟. سؤال هام تثيره كلير لانغامير التي تسجل في كتابها "الانجليز في الحب" أن فشل هذا النمط أفضى لما يسمى بالثورة الحسية التي تصاعدت في سبعينيات القرن العشرين مقابل تراجع قيمة الزواج فهل يمكن وصف هذه الثورة الحسية بأنها "ثورة شعورية أو عاطفية جديدة" وهل بالفعل جذور هذه الثورة الحسية غير منبتة الصلة بالثورة الشعورية التي ولدت في منتصف اربعينيات القرن الماضي؟. مسألة ملتبسة حقا والمؤلفة سعت لفض تلك الالتباسات وهي تركز في كتابها على ماتسميه "بالحب عند الناس العاديين" وقوام هؤلاء الناس عندها في الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى..هل هو تقسيم طبقي في الحب؟. كلير لانغامير تدافع عن اختيارها، موضحة أن الطبقة الدنيا الكادحة أقل اهتماما بقضايا الحب أو ليس لديها متسع من الوقت لشؤون الحب وشجونه أما الطبقة العليا فهي مستعدة دوما لأن تضرب بتعاليم مجلس الارشاد الزوجي عرض الحائط. وهاهي سيسيليا اتياس طليقة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي تتناول في كتاب جديد صدر بعنوان "رغبة في الحقيقة" طرفا من الحب عند الطبقة العليا وهي وإن كانت لم تسيء لساركوزي في كتابها واعتبرت قرار انفصالها عنه "ضروريا من اجل الصدق مع النفس" فانها لم تقدم اجابة بدورها عن السؤال الكبير:"كيف يموت الحب"؟. بالتأكيد لن تنجح أي محاولة لاخضاع الحب لتجارب المعمل وتحويله إلى مسألة في المختبر وبرمجة المشاعر ومازالت كلمة "الحب" في حيرة تتقاذفها اسمى المشاعر وابغض التفاهات واحيانا احط التصرفات في خضم الابتذال!..من هنا فإن الحب بحاجة لكتاب وشعراء ومثقفين كبار مثل هذين المثقفين. كلاهما من المثقفين الكبار وللحروف شذى ياسمين وضمائم فل وندى وبيت موعده الحلم ومقامات الحرية..انها الكتابة الشاعرة بكلمات تستدعى صوت فيروز فى اخر العتبات نحو الشتاء عندما يحلو شدوها الفتان : اعطنى الناى وغنى .