عندما نشكو من غياب الشرطة فإننا لا نشكو غياب الأفراد وإنما نشكو غياب الدور.. هناك أفراد من جنود الشرطة وضباطها يظهرون الآن في الشوارع والميادين وهذا أمر جيد ومطلوب.. ولكن دور الشرطة الحقيقي في حماية الأمن العام وتطبيق القانون مازال غائبا للأسف الشديد. الناس يشعرون أنهم بلا حماية حقيقية.. الجرائم تتكاثر في الشوارع.. والاعتداء علي الممتلكات والأشخاص يتزايد بمعدلات مخيفة.. وحوادث المرور بلغت الذروة.. والانفلات الأمني جعل الفوضي في كل مكان وترك للبلطجية واللصوص الحبل علي الغارب. علي الجانب الآخر.. لم يعد هناك ما يعوق أداء الشرطة.. بعد أن تم تجاوز مرحلة الفتنة والوقيعة التي مرت أثناء المواجهات التي شهدتها الثورة.. وعبر الشعب بكل قطاعاته عن ترحيبه بعودة الشرطة في ثوبها الجديد واستعداده لمساعدتها حتي تتجاوز المحنة وتسترد عافيتها. والآن.. ماذا تريد الشرطة حتي تحقق رغبة الشعب وتقوم بدورها الوطني بكامل طاقتها وكفاءتها؟! وماذا يريد اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية لكي يستكمل إعداد وتجهيز رجاله لكي يؤدوا الدور المنوط بهم؟! وماذا ينتظر الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء لكي يواجه التحديات الأمنية المتزايدة بكل حسم حتي يسترد الناس ثقتهم في الحكومة وفي الدولة؟! إن غياب دور الشرطة يعني بكل صراحة غياب دور الدولة فالشعب في الشارع لا يري رئيس الوزراء ولا الوزراء.. ولا يتعامل مع رأس الدولة.. لكنه يتعامل مع جندي الأمن والضباط ورجل المرور.. هؤلاء هم مظهر الدولة بالنسبة له.. وعندما تسرق سيارته أو ينتهك منزله أو يتعدي علي زوجته أو يختطف ابنه فإنه يفقد الثقة في الدولة وفي الحكومة وفي الناس أجمعين. وغياب الدولة يعني الفوضي والدمار والهلاك.. والاستهتار بالقانون والقيم والأخلاق.. ويتحول الجميع إلي غابة.. وتسوء سمعتنا في الداخل والخارج.. ونتحول لا قدر الله إلي دولة فاشلة. بالأمس القريب قطع نحو ألفي شخص من أهالي وادي النطرون طريق "مصر الإسكندرية" الصحراوي حوالي 7 ساعات بعد منتصف الليل احتجاجا علي حادث تصادم راح ضحيته صبي من أبناء القرية.. وقطع أهالي قرية "عبادة" بإدفو الطريق السريع "أسوانالقاهرة" حوالي 6 ساعات احتجاجا علي ارتفاع منسوب المياه الجوفية التي تهدد منازلهم وأدي ذلك إلي توقف السيارات في طوابير طويلة ومن بينها 9 أتوبيسات تقل عدداً من السائحين.. كما توقفت حركة القطارات في الوقت ذاته في أسيوط لمدة ساعتين بسبب تجدد الاشتباكات المسلحة بين عائلتين بقرية الحواتكة التابعة لمركز منفلوط. ومن حقنا.. ومن حق الناس جميعا أن يسألوا أين دور الأجهزة الأمنية في هذا الانفلات الذي يعم بلادنا؟! للمظلوم أن يحتج.. ولصاحب المطالب أن يرفع صوته وأن يذهب إلي آخر الدنيا.. ولكن ما ذنب الآخرين الذين يتم قطع الطريق عليهم.. وما ذنب السائحين الذين جاءوا إلي بلادنا بحثا عن المتعة والراحة؟!.. هل فكرنا فيما سيقولونه ويكتبونه عن مصر بعد عودتهم إلي بلادهم؟! ولماذا لم تهرع أجهزة الشرطة إلي تلك الأماكن التي يتم فيها قطع الطرق أو وقف قطارات السكة الحديد لمنعها بكل السبل وإحالة أسباب الشكوي إلي الأجهزة المختصة للتعامل معها؟! كفانا فوضي واستهتاراً بالقانون.. وكفانا استعطافا للشرطة حتي يعودوا لدورهم الوطني الشريف.. وكفانا جرائم ما سمعنا بها من قبل.. يجب أن يضطلع جهاز الأمن بدوره لحماية المواطنين وحماية النظام العام وتطبيق القانون.. ومن يتخاذل أو يتهاون من رجال الشرطة عن أداء واجبه لابد أن يحاسب حسابا عسيرا مثلما يحدث مع كل صاحب مسئولية لا يتحمل مسئوليته علي الوجه الأكمل. وحتي لا تتحمل الشرطة الأمانة وحدها علينا أن نجتهد في نشر ثقافة احترام القانون.. واحترام حقوق الغير.. ونشر القيم الرفيعة والحث علي الأخلاق الحميدة للحد من الجرائم ومحاربة المجرمين والبلطجية بسلاح الضمير قبل سلاح الشرطة.. ولكن في النهاية لابد من الشرطة وبأسها.. فإن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن.