أثارت الموافقة المبدئية لصندوق النقد الدولي علي منح مصر قرضاً يبلغ 12 مليار دولار علي ثلاث سنوات بواقع 4 مليارات عن كل عام مخاوف في الشارع المصري أن تؤدي هذه الموافقة إلي موجة جديدة من ارتفاع الأسعار في الأسواق وتخفيض جديد في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار ورفع الدعم مما يؤدي إلي زيادة الاعباء علي المواطن المصري وخاصة محدودي الدخل. التقينا الخبير الاقتصادي د. طارق حماد عميد تجارة عين شمس السابق للرد علي التساؤلات التي تدور في الشارع المصري في البداية سألناه: * لماذا توافقون علي حصول مصر علي قرض الصندوق رغم الاعتراضات التي يبديها البعض ولها وجاهتها؟ ** هذه الموافقة ليست علي بياض كما يتصور البعض ولكنها تنبع من أن هذا القرض سوف يستخدم في تمويل الناحية الانتاجية وعودة المصانع المغلقة للعمل وزيادة الانتاج وفي هذه الحالة يصبح القرض ضرورة لا غني عنها لأننا في ظروف اقتصادية صعبة حيث توجد فجوة هائلة بين الاستيراد والتصدير تصل إلي 4 مليارات دولار شهرياً ولابد من مواجهة ذلك. بحلول عملية لأن استمرار ذلك يمثل نزيفاً دائماً للاقتصاد الوطني وبالاضافة إلي هذه الفجوة فنحن نعاني من تراجع غير مسبوق في عوائد السياحة وتراجع تحويلات المصريين في الخارج وانخفاض اسعار البترول في الاسواق العالمية مما أثر علي حجم الناقلات العملاقة المستخدمة لقناة السويس أي أن النتجية في النهاية ضعف شديد في مواردنا الاقتصادية الاساسية وقد يساهم القرض في مواجهة ذلك بشرط ألا يستخدم في مجالات استيرادية ونفقات استهلاكية فساعتها سيكون مجرد مسكن للداء الذي نعاني منه وتأجيلا للمواجهة الجذرية للمشكلة والتي لن تنتهي إلا بزيادة الانتاج وتجويده أولاً لسد احتياجات المواطنين المتزايدة وثانياً لفتح أسواق عالمية جديدة أمام الصادرات المصرية. * ولماذا لا نتجه إلي بدائل اخري بدلاً من الاقتراض مثل تشغيل المصانع المغلقة والاهتمام بزيادة الانتاج؟. ** لا يمكن لشخص عاقل أن يعترض علي هذا الأمر فلا خلاف علي اننا نحتاج مضاعفة الانتاج اضعافاً مضاعفة للقضاء علي المشكلة الحادة التي نعاني منها والمتمثلة في استيراد اكثر من 75% من احتياجاتنا بسبب ضعف الانتاج وما يترتب علي ذلك من زيادة مستمرة في الضغط علي النقد الأجنبي ولكن هذا الأمر لن يتحقق بين يوم وليلة ولكنه يحتاج وقتاً طويلاً ومتطلبات واحتياجات الناس لا تتوقف ومن ثم يجب أن نسير في الاتجاهين معاً بتوفير موارد نقدية من خلال وسائل مختلفة ومنها قرض الصندوق بجانب العمل علي زيادة معدلات الانتاج التي يجب أن نعترف بأنها مازالت متدنية للغاية.. ويجب ونحن نناقش قضية الاقتراض أن نضع في اعتبارنا أن البديل للاقتراض كان يتمثل في استمرار المنح والمساعدات من الدول العربية الشقيقة والتي لانقول إنها لا ترد ولكنها بشروط ميسرة فهذه لم تعد بالصورة التي كانت عليها من قبل وعقب ثورة 30 يونيو حيث أصبح هناك احجام من جانب بعض الدول الشقيقة علي تزويد مصر بما تحتاجه للخروج من أزمتها رغم أن لديهم احتياطياً هائلاً من النقد الأجنبي والذي لم يتأثر بانخفاض أسعار البترول عالمياً لأن المخزون لديهم قادر علي تجاوز أي انخفاض أو تذبذب في أسعار البترول. * لكن البعض يري أن عواقب اللجوء للصندوق من أجل الاقتراض ستكون خطيرة فما رأيك؟ ** الأمر هنا لا يتعلق بقوالب جامدة ولكن كل تجربة لها ظروفها صحيح أن هناك دولاً أضيرت بشدة من التعامل مع الصندوق مثل تجربة تايلاند في عام 1987 حيث اقترضت حكومتها في ذلك الوقت من الصندوق ولم توجه الاموال التي حصلت عليها لنواح انتاجية ولكن تم توجيه الجزء الأعظم منها لجوانب استهلاكية مثل اقامة مدن ساحلية وناطحات سحاب وحدثت مشكلة اقتصادية جراء ذلك وفي المقابل هناك دول لجأت للاستدانة من الصندوق مثل اليونان مؤخراً لعبور أزمتها الاقتصادية وكانت النتائج جيدة وبدأ اقتصادها في التعافي اذن فالفيصل هنا المجال الذي توجه اليه الاموال فاذا كان انتاجياً فالنتائج ستكون جيدة والعكس صحيح اذا تم توجيهها إلي مجالات استهلاكية أو لزيادة الواردات.. صحيح أن فواتير الاصلاح الاقتصادي والتي هي في نفس الوقت ضرورية غالباً ما يتحملها الفقراء ومحدودو الدخل وخاصة في الدول النامية ولكن هذا يمكن تداركه اذا توافرت الادارة السلمية من جانب الدولة لاموال القرض بحيث لا يتحمل الفقراء الفاتورة بالكامل ولكن يتحمل الجزء الأكبر منها الاغنياء والقادرون ولذلك سياسات اقتصادية معروفة للجميع يجب أن تسارع الدولة للأخذ بها. * وما رأيك فيما يطرح من آراء بأن القرض لن يفيد طالما استمرت السياسات الاقتصادية الحالية؟. ** هناك العديد من المدارس الاقتصادية التي تقدم الحلول المختلفة لعملية الاصلاح طبقاً للظروف والموارد المتاحة وطبقاً لفكرها الاقتصادي ولكن ونحن نناقش سياستنا الاقتصادية علينا أن نضع في اعتبارنا الظروف التي تمر بها مصر منذ 30 يونيو 2014 حيث تتعرض لموجة من الإرهاب ورغم النجاحات التي تحققت في مواجهة قوي الظلام إلا أنها مازالت مستمرة في حربها ضدنا وذلك أثر بشكل كبير علي مواردنا من السياحة التي تمثل أهم اضلاع الموارد الأجنبية كذلك تأثرت هذه الاضلاع بتراجع حصيلتنا من النقد الأجنبي وتدفق الاستثمارات الأجنبية الحقيقية التي تصب في المجال الانتاجي وليس المجال الاستهلاكي الذي يمثل أهم سلبيات الاقتصاد المصري وبجانب ذلك لا نستطيع أن ننكر ما تتعرض له مصر من حروب خارجية تضع العراقيل أمام خططها للاصلاح وما حدث من اسقاط لطائرات مصرية في الفترة الأخيرة لا يمكن اغفاله حيث اصابت هذه الاعمال السياحة في مقتل ولكن رغم كل هذه الصعوبات التي فرضت علينا يجب أن يكون هناك اتجاه اقوي لترشيد النفقات الحكومية بصورة أكبر واتباع سياسات مالية واقتصادية لا تلقي بالعبء الأكبر في منظومة الاصلاح علي الفقراء وان يتحمل الاثرياء الجزء الأكبر من فاتورة الاصلاح وبجانب هذه العوامل يجب أن نبحث عن صيغة مناسبة للتعايش بين كل الاتجاهات في المجتمع بدون أي تفريط في حقوق الدولة والمواطنين ولكننا في النهاية مطالبون بالتقليل من عدد الاعداء والخصوم.