اقترن إبداع الروائي الكبير فؤاد حجازي بالحرب والمقاومة. وبالحرص علي أن يظل في مدينته المنصورة. لا يغادرها. ويثري حياتنا الثقافية بالكثير من الاعمال التي تقدم عالماً إبداعياً متكاملاً. يذكرنا بالأدباء العالميين الذين صنعوا مجدهم دون أن يهجروا مدنهم الإقليمية. يقول عن مشواره الابداعي: أنا من مواليد المنصورة سنة 1938. وفي عدوان 56 شاركت في تنظيم فدائي سافر أفراده إلي القنطرة غرب. كانت المدينة مجرد شارع طويل. ومجموعة من البيوت المتناثرة. في ذلك الوقت. احتلت القوات الإنجليزية بورسعيد. واحتل الفرنسيون بور فؤاد. وتصدينا لهم من القنطرة كان لابد أن نقيم علاقة بالأهالي إحياء للمقاومة الشعبية. وهذا ما حدث حتي صدر قرار الجمعية العامة بانسحاب القوات المعتدية. عملت بعد ذلك في شركة ملاحة. وتعرفت علي الطبيعة إلي تأثيرات الأحداث في الناس الذين قاتلوا. وضحوا ومن هنا جاءت كتابتي في أدب المقاومة عن تأمل واستيعاب لما جري. ثم عملت في وحدة مجمعة من التي كان الهدف منها أن ننشيء مجتمعاً متكاملاً في القرية المصرية. يضم المدرسة والعيادة الطبية وغيرها من مستلزمات البيئة. بدأت الكتابة عن القرية. وعن مشكلاتها الرئيسة. ثم استدعيت للاحتياط قبل عدوان 1967. وأسرت أثناء الزحف الإسرائيلي علي سيناء. مع خمسة آلاف جندي. وخمسمائة ضابط. وظللنا في الأسر ثمانية أشهر. حاولنا أن نزجي فيها فراغ أوقاتنا باللعب. وبتقديم محاضرات توعية عن فلسطين وعن العدوان الصهيوني. وكتبت في مجلة الحائط عن المقاومة. المثل العليا * قلنا: بماذا يختلف أدب المقاومة عن أدب الحرب؟ ** قال: في تقديري أشمل من أدب الحرب. فهو لا ينتهي بانتهاء الحرب. إنه منذ الإلياذة والأوديسا يعني بالقيم النبيلة والمثل العليا. يتحدث عن الانسان. وعن مشاعره. وكتبت مجموعتي القصصية "كراكيب" ومجموعة "الزمن المستباح". وأسعدتني ملاحظة القراء أن البيئة التي أتناولها في كتاباتي لا تنفصل أبداً عن القيم الإنسانية العامة. * ماذا عن روايتك المهمة "الأسري يقيمون المتاريس"؟ ** بعد خروجنا من معسكرات الأسر كتبت هذه الرواية. وللأسف. فقد صادرتها الرقابة آنذاك. لأنهم رفضوا أن نذكر الناس بالهزيمة. وبعد انتصار 73 نشرت الرواية علي نفقتي أكثر من ست مرات. واحتفي بها القراء والنقاد. حرب أكتوبر هي الوحيدة التي اقتصر دوري فيها علي المتابعة. كتبت مجموعة "سلامات" عن حرب 1967. وثمة تجربة روائية عن عملية جمع القرآن الكريم. ولعلي أسأل بالمناسبة: لماذا لا نعني كما يجب بتراثنا الدنيي والقومي؟ *لماذا لا نكتب عن النيل الذي يمثل تكويناً في وجدان كل مصري؟ ** وعن تجربته في صياغة قصة القرآن الكريم. يقول فؤاد حجازي: القرآن الكريم هو أهم كتاب مؤثر في حياتنا. يغيظني أننا لا نستطيع أن نعارض السلفيين في آرائهم. بينما كان عمر بن الخطاب وغيره من كبار الصحابة يناقشون الثوابت. وكان لدي السيدة عائشة آيات من القرآن الكريم. لكنها أخفقت في أن تأتي باثنين من الشهود رغم تزكية رسول الله ليأخذوا عنها. الاحظ أني غير قادر علي إبداء رأي في التفسير. وهو عمل إنساني بحت. والاجتهاد فيه مطلوب. كتبت عن ذلك روايتي "عنقودة وسامورة". وأصدرتها هيئة قصور الثقافة في طبعتين. والآن أنا أشارك في ما يتيحه لي الوقت من المؤتمرات واللقاءات. التاريخ والخيال * ونسأل فؤاد حجازي عن الأدباء الذين تأثر بهم؟ ** يقول: أحب كتابات نجيب محفوظ منذ قرأت له الثلاثية. وأحب الآداب الأوروبية بداية من بلزاك وزولا وستدال وديكنز وديستويفسكي وغيرهم. وكل عمل يفوز بجائزة جونكور أحرص علي قراءته. أما في النشأة فقد أعجبت بكل ما كتبه جورجي زيدان. كانت كتابات جميلة ومفيدة ومشوقة. تمزج بين التاريخ والخيال. وكان لمصر الفرعونية تأثيرها الكبير علي أدبيات العالم. ثم انتقلت إلي فانتازيا ألف ليلة وليلة. وسعدت بتأثيرها الكبير علي الابداع العالمي. * أنت تكتب للأطفال.. وصدر لك العديد من الكتب في هذا المجال؟ ** كتاباتي للطفل تنطلق من الإيمان بأن الطفل هو المستقبل. وهو الحامل للحضارة والثقافة. وقد كتبت الكثير من الاعمال عن قيمة نهر النيل في حياتنا. وما يحفل به التراث والموروث من حكايات وأساطير. مثل عروس النيل والنفي أمام محكمة الآخرة إنها لوثت مياه النيل. ومع احترامي لمقوله هيرودوت بأن مصر هبة النيل. فإن النيل في المقابل هو هبة مصر. لقد حفر المصريون الأرض. وهذبوا شاطئي النيل. وصنعوا علي ضفتيه أقدم الحضارات. اكتشفوا الزراعة. وبنوا السدود والجسور. بحيث يصح القول إن النيل هو هبة المصريين. حاولت أن أثير تلك المعاني جيداً في نفس الطفل. ما تبثه من قيم الانتماء. * العادة أن الأديب المقيم في مدينة إقليمية يسعي للرحيل إلي العاصمة؟ ** لاشك أن القاهرة تعطي شهرة إعلامية. لكنني أعتقد أن العمل الجيد يقدم صاحبه. مثلي في ذلك أستاذنا نجيب محفوظ. فهو مثلاً لم يسع للحصول علي جوائز. وإن حصل منها علي الكثير. * ما رأيك في الحياة الثقافية الآن؟ ** أشعر أننا نعيش في مأساة. علي ماذا ندين أحمد ناجي وفاطمة ناعوت؟ ولماذا لم يمثل عدد من الكتاب المهمين في لقاء الرئيس؟.. لكن من الظواهر الطيبة مشروع النشر الإقليمي. صحيح به مشاكل. لكنه يفرج جزءاً من الأزمة. أما مشروع مكتبة الأسرة فقد نجح لأن هناك جهات كثيرة تكاتفت لانجاحه. ويبقي أن نعمق قيمة القراءة في معاهدنا. بداية من المدرسة وحتي الجامعة. يجب أن تسعي العملية التعليمية لتحفيز الانسان علي البحث وتثقيف الذات. الشباب الآن لا يقرءون. ويتجهون إلي وسائل الاتصال الإلكتروني. وأخشي أن الكتاب الورقي سيعاني بعد فترة من عدم الانتشار. بحيث يضطر المبدع الموهوب إلي النضال. أمام اختفاء رعاية المؤسسات. وعموماً فإن المبدع الذي يؤمن بموهبته هو الذي يصل إلي هدفه.. ولو بعد جهد!