ثمة معالم مهمة في عادات وتقاليد المجتمع المصري. أهمها ما ارتبط بالعقيدة الدينية. شهر رمضان -علي سبيل المثال- الذي يظل موعد بدئه غير محدد. حتي تثبت الرؤية: بكره صيام؟- لسه مقالوش!. رمضان هو شهر جمع الشمل. تجتمع الأسر حول مائدة الإفطار. يتشاركون -بلذة- في ترقب المدفع واستطعام الفول المدمس والكنافة والقطايف وقمر الدين والمكسرات. أو النقل. والكعك يأتي في آخر رمضان. وكذلك الثياب الجديدة. ويستعد الناس في الريف والأحياء الشعبية بتنظيف الطرقات أمام البيوت. وشراء فوانيس للصغار. وتوفير البن والسكر والشاي وغيرها من لوازم رمضان. وتمتليء الأجولة أمام الدكاكين بالفطرة والياميش "الياميش كلمة تركية معناها الفواكه المجففة". وتنشغل الأسر- في الأيام السابقة لرمضان- بتهيئة المطبخ. وتبييض الأواني. وتخزين ما تيسر من البقل والسكر والبصل والتوابل. الدعاء الذي يستقبل به المسلمون كل شهر عربي جديد هو: "هل هلالك.. شهر مبارك.. علي أمة الإسلام. وفي اليوم التاسع والعشرين من شعبان. يصعد أحد قضاة الشرع إلي مئذنة الجامع الكبير ومعه مرافقان. وينتظر غروب الشمس. حتي يظهر الهلال او لايظهر. فإن ظهر الهلال أوقد القاضي مصباحا معلقا أعلي المئذنة. فيعرف الجميع أن اليوم التالي هو أول أيام شهر الصوم. ويبدأ موكب الرؤية. يشارك فيه فرسان الشرطة وأصحاب الحرف ومشايخ الطرق الصوفية. وتعلو البيارق والأعلام والزغاريد والأغنيات. ويوزع الشربات والحلو. وتوقد المصابيح علي واجهات المنازل ومآذن المساجد. وفي نواصي الشارع والحارات. وتقام الأذكار في الساحة المقابلة لجامع الإمام الحسن. وتلقي خطبة في فضل شهر رمضان. الأمر نفسه بالنسبة لساحة جامع السيدة زينب. وتطوف بشوارع القرية- أو الحي- جماعات مطبلة صائحة: "صيام صيام. .كما أمر قاضي الإسلام". وقيل إنه كان محرما خروج السيدات- أيام الفاطميين- ليلا أو نهارا. فيما عدا ليالي رمضان التي كان يسمح للنساء فيها بالخروج لزيارة الآباء أو الأعمام أو الأخوال. علي أن يتقدم كل سيدة خادم. يحمل فانوسا تضيئه شمعة. وحمل الرجال الفوانيس في خروجهم من البيوت لتبادل الزيارات. فلم تكن شوارع القاهرة قد عرفت الكهرباء بعد. فلما أدخلت القناديل "اللمبات" أنير "الفضاء بنور مستعار. يأخذ الأبصار". ثم لحق التطور كل شيء. وان ظل الفانوس معلما مهما من معالم رمضان. بل انه يقتصر علي شهر الصوم. كانت ليالي رمضان فرصة جميلة للصغار من الجنسين. يجتمعون في الشارع. ويتراءون علي ضوء الفوانيس. وهم يلوحون بها في أيديهم. ويترنمون بأناشيد رمضان. إنهم يهزون الفوانيس الصفيح ذات الواجهات الزجاجية الملونة. وأضواء الشموع تتراقص علي أرضية الطريق وسط الظلام. وهم يرددون الأغنيات التي يحفظونها جيدا. إنهم يلوحون بالفوانيس الصغيرة. يسألون المارة وأصحاب البيوت والدكاكين "العادة" من النكل والملاليم. وهم يرددون أغنية رمضان: رحت يا شعبان.. جيت يا رمضان بنت السلطان.. لابسة قفطان وحوي يا وحوي.. إياحه وهذه الأغنية ترجع في نشأتها إلي مصر القديمة. حين كان المصريون يستقبلون أهلة الأشهر القمرية بترديد الأغنيات الشعبية علي ضفاف الوادي. ولفظ "وحوي" يفسر بأنه كلمة مصرية قديمنة من حوي. يحوي. أي عمل كما يعمل الحواة. أما "أيوحة" فهي -في بعض الاجتهادات- مأخوذة من "أيوح". ومعناها في اللغة المصرية "أبوح" الآن يشق السمع دوي المدفع. فتنظر إلي الظماء وقد وردوا الماء. وإلي الجياع طافوا بالقصاع. تجد أفواها تلتقم. وحلوقا تلتهم. وألوانا تبيد. وبطونا تستزيد. ولاتزال الصحائف ترفع وتوضع. والأيدي تذهب وتعود. وتدعو الأجواف: قدني.. قدني.. وتصيح البطون: قطني.. قطني.. تعدد أصناف الطعام علي مائدة الفطور في رمضان. فإن الفول المدمس هو الصنف الأهم. والأكثر ابتعاثا للشهية. والمتوارث عن الفول انه طعام قوي. وكما يقول صاحب "العقد الفريد" فإن كل ما غلظ من الاطعمة إذا انهضم غذي غذاء كثيرا.