يمتلك مسعود شومان .شاعر العامية الكبير. سيرة ذاتية تضعه في مصاف كبار الشعراء والباحثين في مصر والوطن العربي .. فقد أنجز حتي الآن عشرة دواوين شعرية يمثل كل واحد منها تجربة مهمة ومختلفة. كما أصدر العديد من الكتب النقدية . وحقق عدداًمن دواوين العامية . وقدم دراسات نقدية عن عشرات الشعراء . وكتب للطفل . وكتب للمسرح.. فضلاً عن دوره كناشط ثقافي يجوب أقاليم مصر من شرقها إلي غربها ومن شمالها إلي جنوبها منشداً شعره ومكتشفاً المبدعين الشباب وباحثاً عن ثراث مصر الشعبي المطمور . وكان شومان من أوائل الباحثين الذين توجهوا إلي حلايب وشلاتين لرصد الكنوز التراثية لهذه المنطقة المصرية الأصيلة. مؤخراً كرمت شعبة العامية في اتحاد الكتاب مسعود شومان خلال مؤتمرها العامية جلابية مصر كواحد من أبرز شعراء العامية في مصر الآن . سألت مسعود شومان عن انطباعه حول هذا التكريم ؟ قال :كرمت في عدد من المحافل الإقليمية والدولية . وحصلت علي جوائز وشهادات تقدير من جهات مقدرة . لكن تكريم اتحاد كتاب مصر له طعم خاص لأنه بيت الكاتب المصري وحين يأتي التكريم من شعبة العامية فهذا يؤكد علي تقديرهم لما انجزته في هذا الحقل علي المستويين الشعري والبحثي . - قمت بإهداء التكريم إلي شعراء العامية الراحلين .. ما دلالة ذلك ؟ * نعم أهديت التكريم لزملائي من الشعراء الراحلين وقد سبق التكريم أن كتب ديوانا كاملا عنهم لاستعادتهم وتعويضهم عن أعمارهم التي سرقت منا . وأخذتهم لأريهم مصر الآن . فإذا كان البعض ينادي بالعدالة الاجتماعية فكان ديواني اكتبوا تحت الضلام بكره صرخة نحو تحقيق العدالة في توزيع العمر. وكيف تنظر إلي مسألة الرحيل المبكر لشعراء العامية ؟ من الظواهر التي يجب أن نتوقف عندها وهي ظاهرة اجتماعية وثقافية تحتاج إلي كثير تأمل هي رحيل عدد كبير من شعراء العامية في سن مبكرة عن أقرانهم من شعراء الفصحي ومن كتاب القصة والرواية والمسرح. لذا فإن قراءة لحال الشعر المصري خلال ثلاثين عاما ستؤكد علي عدد من الظواهر لعل منها ظاهرة رحيل شعراء العامية في سن مبكرة. وسيقف المتتبع مندهشا أمام رحيل عدد كبير من الشعراء. وستزيد الدهشة حين نطالع أسماء شعراء العامية من الراحلين سواء من حققوا شهرة ومكانة كبيرة أو من لم يقدر لحياتهم أن تمنحهم الذيوع. ويمكن أن نرصد أسماء: فؤاد حداد. صلاح جاهين. حجاج الباي. فؤاد قاعود. زكي عمر. مجدي الجلاد. محمد إبراهيم أبو سعدة. محمد النبوي سلامة. محمد حمد. محمد صابر مرسي. كامل حسني. عبد الدايم الشاذلي. أحمد عبيدة. عمر نجم. خالد عبد المنعم. مجدي الجابري. إبراهيم عمر. عصام رخا. ليلي محمد علي. فنجري التايه. إبراهيم رضوان مجاهد. إبراهيم غراب. السيد الغواب. فاوي الشريف. أسامة الدناصوري. محمد عبد المعطي. عصام حجاج. محمد الحسيني. كامل عيد رمضان. عصام العراقي. صابر فرج. عبد الرحمن درويش. محروس الصياد. محمد العتر. الشربيني خطاب. إبراهيم الباني. أحمد فؤاد نجم. أحمد الشربيني. تشير القائمة إلي رحيل عدد كبير من شعراء العامية في جيل الثمانينيات في سن مبكرة. فمعظم من رحلوا لم يكملوا 50 عاما. بل إن بعضهم لم يكمل عامه الثلاثين. وهي ظاهرة تستأهل الدرس مع هذا الجيل تحديدا الذي يمثل قنطرة بين جيلين» قنطرة عبرت عليها التغيرات السياسية والاجتماعية الحادة. فضلا عن الإهمال النقدي الذي لقيته هذه المرحلة. فظل النقاد يتابعون شعر السبعينيات والتسعينيات وكأن جيلا كاملا قد سقط من حسابات التأريخ والمتابعة النقدية. من هنا أود أن ألفت النظر إلي أن ظاهرة موت عدد كبير من الشعراء في هذا الجيل ربما ترجع في أحد أسبابها إلي هذا النفي الذي تم بقصد أو بسوء نية. أو عن جهل وعدم دراية بأهمية ما قدم هذا الجيل من كتابات شعرية مائزة. وينضم إلي ذلك غياب عدد من الشعراء الذين بشرت كتاباتهم في أوائل ومنتصف الثمانينيات بشعرية جديدة لكنهم آثروا الانسحاب أو اعتزال الحياة الثقافية أو اللجوء لنوع آخر من الكتابة. خارطة العامية وماذا قدمت أنت من دراسات لإنصاف شعر العامية؟ كتبت عشرات الدراسات عن شعر العامية ويكفي أن أقول إن هذه الدراسات كان لها الفضل في إمساكي بإحداثيات خارطة شعر العامية في مصر . فقد جبت كل أقاليم مصر تعرفت علي شعرائها ودرست دواوينهم علي تنوعها الإبداعي فمن فنون الزجل لفن الواو لشعر التفعيلة لقصيدة النثر اتضح لي التضاريس التي رسمتها العامية كفن . هذا علي مستوي التجليات النوعية للعامية وعلي المستوي الجغرافي قمت بدراسة عدد كبير من شعراء مصر علي سبيل المثال : الأسكندرية الغربيةالبحيرةالمنوفيةسوهاجأسوانالدقهليةأسيوطالمنياالشرقية. كما درست شعر الجدود والرواد فقدمت كتابي عن ابن عروس وسألحقه بكتاب جديد اعتبره اكتشافا لواحد من كبار الجدود في الشعر كما قدمت دراسات عن بيرم التونسي فؤاد حداد صلاح جاهين فؤاد قاعود متولي عبد اللطيف سيد حجاب عبد الرحمن الأبنودي -سمير عبد الباقي أحمد فؤاد نجم - حامد البلاسي إبراهيم الباني - مجدي الجابري يسري حسان صادق شرشر طاهر البرنبالي - جاسر جمال الدين عزت إبراهيم - أشرف عتريس مأمون الحجاجي محمد هاشم زقالي رجب الصاوي عبد الستار سليم - حمادة عبد اللطيف صالح الغازي- وليد طلعت مدحت منير عبده المصري عبد الدايم الشاذلي حسام العقدة شريف صلاح الدين فتحي البريشي - محمد داود- حمدي عبد العزيز- سمير الفيل - ضاحي عبد السلام - محروس الصياد صلاح الفيراوي جمال عدوي طارق فراج أحمد سليمان بكري عبد الحميد أحمد العشاوي أحمد عبد الحكم بهاء توفيق عبير نصر أيمن نور عبد المنعم البنا نصر الله إبراهيم نجوي عبد العال عبد اللطيف مبارك علي نظير هويدي جيهان الشعراوي محمود الشاذلي - محمود سلام محمد عبد القوي حسن مختار عبد الفتاح محمد فاروق عبد اللطيف رجاء أبو عيد أحمد شلبي سيدة الشولي علي عبيد فتحي بكر إبراهيم خطاب محمد عزيز إبراهيم الملاح السعيد المصري محمد رشاد عبد الناصر حجازي خالد الكيلاني كامل عيد رمضان كابتن غزالي كامل عيد محمد أبو يوسف عبد القادر مرسي حسونة فتحي حسونة حازم المرسي فتحي نجم عبد القادر عيد عياد أحمد أبو سمرة خالد حريب زينب أبو الفتوح عصام دغيدي محمود الأسواني إبراهيم البستاوي محمد الدروفي محمد دغيدي أحمد زغلول - شعبان حسن خميس محمد عبد المعطي محمد حسني إبراهيم محمد مطر بكري عبد الحميد أمينة عبد الله سعدني السلاموني وقدمت مجموعة من الشعراء في عدد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية وأدعو الله أن يمنحنا الجهد والعمر لاستكمال دراسة خارطة الشعر العامي في مصر. علاقة مبكرة اتجهت إلي دراسة الفو لكلور وأصبحت واحداً من أشهر وأمهر العاملين في هذا المجال.. ما أسباب هذا الاتجاه؟ علاقتي المبكرة بالفولكلور بدأت قبل توجهي لدراسته. فقد كانت علاقة حياة وممارسات تركت بصماتها علي الروح والجسد. والوعي. فدراستي له كانت مبنية علي رغبتي في فهم ما امتلكته من عناصر تمر أمامي. وتكبر داخلي دون أن أعيها جيدا. لذا فقد كان اختيار الدراسة. فقد كانت مساهمة المكان والأسرة في التكون كبيرة. بل عظيمة. وقد قامت بدور فعال في اكتناز حقيقتي الثقافية والإبداعية. واكتسابي كما هائلا من الموروث الشعبي من خلال حكايات أمي. وإيمانها بالعادات والمعتقدات الشعبية. فهذه المعتقدات التي اختارت اسمي. بل وتوجهي فيما بعد لدراسة الفولكلور. وربما لكتابة شعر العامية تحديدا. فضلا عن جدي الذي كان واحدا من كبار المريدين للموالد الكبري وكان يصحبني إليها. من هنا فقد تمرنت العين علي أن تري أشياء مدهشة بألوانها "الصواري . الزخارف علي الحوائط . المشغولات المبهجة التي تغطي الجِمال في الليلة الكبيرة ". والأذن علي سماع الأصوات والإيقاعات. طبول النقرزان أصوات الدفوف والمزاهر والصاجات. والطبول الكبيرة .أصوات أدوات الحرفيين في زفة الصنايعية. وحركات الحواة والقرادتية. وكلامهم المنغم. والأذكار والتواشيح .. إلخ . وتدربت الحواس جميعا في هذا الجو لتكتسب خبرتها الحياتية. فضلا عن خبرات التعلم في الكُتّاب وما يصاحب ذلك كله من مشاهد شعبية عديدة . كان النعش هو السبورة التي يكتب عليها سيدنا/ شيخ المسجد . فكان الحرف يولد علي الوسيط الذي يحمل الموتي . وكان اللوح الأردواز . و كوز الصبغة . والريشة المصنوعة من الغاب . وكانت زيارة أضرحة الأولياء في الموالد . خاصة مقام سيدي سعيد المقام ببلدة شبين القناطر للوفاء بالنذر وهو عبارة عن صفيحة جاز لتعمير الكلوبات.كي تنير للمريدين والذكيرة . وأصحاب الطرق الصوفية. ولم أكن بعيدا عن قلب وروح المشهد. لذا فقد كنت انجذب لحلقات الذكر مستمعا ومستمتعا بالجماعية في الأداء وأصوات الصييت منشد الذكر حينما كانت تتصاعد محدثة نشوة كبيرة في نفوس المريدين. وقد حدث أن وقعت في إحداها مغشيا عليَّ.. كل هذه الصور والمشاهدات والأصوات والكلمات الغامضة دفعتني إلي محاولة فهمها من خلال الدراسة فالتحقت بالمعهد العالي للفنون الشعبية وكذا دراساتي العليا في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية لاستجلاء ما استغلق علي ولا أجد له تفسيرا. لقد كانت الطفولة حافلة بالشقاوة وما كان ينجم عنها من كثرة الإصابات. مما دفعني إلي اكتشاف طاقات كامنة بداخلي. ومن خلال الألعاب الشعبية القديمة استطعت تكوين خريطة عامة لمدينتي الأقرب إلي الريفية. وأصبحت لدي قدرة جغرافية دربت حواسي. وقادتني إلي محاولة اكتشاف صورة جديدة للمكان وأبعاده وعلاقات ناسه. عاداتهم. تقاليدهم. احتفالاتهم . لقد تشكلت روحي في هذا العبق ووسط هذه الأصوات. وانا لا أتحدث عن الماضي بوصفي أسيرا له . وإنما لأنه حقيقة حية مارست نفسها علي الحياة التي أعيشها. من هنا فأنا لا استسلم له. وإنما أطوعه في الشعر متجاوزا أصواته الساكنة وعاداته الميتة ومعتقداته المعطلة. تنوع الكتابة كتبت القصيدة الزجلية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر والمربع والرباعيات والمووايل.. كيف يجمع شاعر بين كل هذه الأشكال والاتجاهات ؟ يمكن للشاعر الحقيقي أن يصيغ الشعر في أي شكل . وكبار الشعر يكتبون وهم يضعون أحلامهم الشعرية علي الورق. وتصور الشعر بدون وعي يعد تصورا ساذجا. ولننظر إلي مفردة قصيدة. أليس القصد أحد معانيها. فالشعر شغلانة تحتاج لدأب ودراسة وقراءة. القصد إلي الشعر لا يقتله. إذا كان الشاعر متوجها للشعر لا للنظم. وأنا من المؤمنين بأن يضع الشاعر خططه الشعرية كخيط يرشده لمساحات متسعة قد يتخطاها الشعر وعليه ساعتها أن يمارس فضيلة الدهشة ليكتشف فساد خطته التي كانت المفتاح لاكتشافه. لكن أن يظل ديوان الشعر مجرد تجميع لقصيدة من هنا أو من هناك فهو مسلك أرفضه. فعلي الشاعر أن يمتلك مشروعا وأن يرفد شعره. بل يرصف الطرق ليصنع مدينته التي تخصه وحده واتي ربما تجتذب أخرين ليسكنوا معه فيها. وماالجديد الذي تعد له الآن ؟ أعد لببليوجرافيا العامية المصرية بداية من عام 1951 وأنجزت الجزء الأعظم فيها يتبقي بعض الكشافات وبعض البيانات عن عدد من الشعراء الراحلين وبيانات بعض الدواوين التي لا يوجد لها توثيق وآمل أن أنهي هذا العمل الضخم مع نهاية هذا العام . كما أنجزت الجزء الأول من تاريخ الإبداع بالعامية "الجزء الأول" والذي يضم 100 زجال مصري معظمهم تم تهميشه وقد تعبت جدا في جمع المعلومات عن كل واحد منهم وسوف يضم الكتاب قصيدة زجلية معتبرة لكل زجال .