البيروقراطية بمعني الجهاز الإداري للدولة أو بالمختصر "موظفو الحكومة" يقارب تعدادهم في مصر 6 ملايين موظف.. جهاز عتيد "ابن أصول" الأول في التاريخ يرجع إلي أجدادنا الفراعنة قبل 1500 سنة قبل الميلاد. وهو أيضا الأكبر في العالم يزيد علي 10 أضعاف موظفي أمريكا القوة الضاربة الأولي علي هذا الكوكب.. وأكبر من موظفي الصين ذات التعداد السكاني الأكبر في العالم.. فقد جاء وقت بعد ثورة يوليو اختلط الأمر بين الاحتياجات الفعلية للجهاز الإداري من الموظفين وبين واجبات الدولة في توفير معاش للبطالة أو الضمان الاجتماعي.. حتي فقدت الوظيفة مكانتها وزادت أوجاع أصحابها ذوي الدخول الثابتة.. لكن مازالت الوظيفة الحكومية محط الأنظار لضمان المرتب الثابت مقابل ما تيسر من العمل إلي جانب نشاط آخر يوفر دخلاً حقيقياً. تبدو البيروقراطية المصرية كشبكة حريرية منعت تفكك الدولة حينما انهار النظام في ثورة يناير وحافظت علي أصول المجتمع.. فكل شبر فيك يا مصر عهدة ميري لدي واحد من موظفي الحكومة يحافظ عليه بعينيه. لكن هذه الشبكة كما تحمي هي أيضا تحافظ علي بقاء الأحوال في وضع الثبات وتمنع إحداث أي تغييرات سريعة في النظام.. حالت دون انهيار الدولة لكنها تحول أيضا دون التطور وإحداث تنمية حقيقية.. البيروقراطية تعادي السرعة.. الإفساد يأخذ وقتاً طويلاً.. وكذلك مع الإصلاح.. الثبات واحد من أبرز خصائصها.. يكون محموداً أحياناً لكنه مكروه في أحيان أخري.. تحولت البيروقراطية من أداة في يد الحكومة تمارس بها عملها وتنفذ قراراتها وتوجهاتها إلي جهاز صخري ثقيل لا تبدو أحصنة القوة الوزارية قادرة علي تحريكه.. البيروقراطية في الأساس جهاز وطني.. لكن عجزه عن مجاراة حركة الحكومة وقراراتها تجعله يبدو مخرباً.. فلا جدوي من سياسات طموحة إلا بنزولها إلي أرض الواقع.. لذلك لا ينبغي التقليل من شأن الجهود الحكومية الجارية الآن لإعادة الانضباط إلي الجهاز الإداري حتي يبدو قرار مجازاة موظف مقصر ولو في قرية صغيرة عملاً وطنياً بامتياز.. باعتبار أن الثواب والعقاب مبدأ إلهي لا غني عنه لأداء جيد.. لكن التأثير مرهون بالعدالة والاستمرار والاقتناع بأن ذلك هو السبيل لإنجاح جهود التنمية.. وليس الأمر مجرد هوجة إعلامية تخفت سريعاً.