لا صوت يعلو علي المطالبة برفع الأجور.. انطباع يمكن الالتفات إليه بسرعة بمجرد الاطلاع علي وسائل الإعلام أو الانصات لما تقدمه الفضائيات التي تغطي أنباء الاعتصامات والاضرابات والمسيرات باعداد رمزية أو كبيرة من فئات المجتمع المختلفة.. الحجة واحدة الأجور غير مناسبة تلتهمها نار الغلاء المشتعلة والمطالب تتعدد من رفع الحد الأدني للأجور لهذه الفئات أو اصدار كادر خاص جديد أسوة بما حصل عليه المعلمون مؤخرا وطبق بالفعل علي مدرسي التربية والتعليم والأزهر وهاهي الدعوة تمتد إلي هيئات التدريس بالجامعات الذين يتحدثون عن تدني المرتبات ومقابل الاشراف علي اللجان العلمية والرسائل الجامعية والباحثين بمراكز الأبحاث العلمية الذين لابد من تفرغهم لإنجاز المهمة الصعبة والقومية والبعض يتساءل من أين ستدبر لهم الدولة احتياجاتهم المادية والمالية في ظل اعتمادات متدنية للبحوث مهما كانت أولوياتها. وهذه الاعتصامات والمذكرات والمطالب قد تصل بشكل من أشكال الحوار إلي الحكومة في عقر دارها كما حدث بالنسبة للعاملين في مصلحة الضرائب العقارية الذين اعتصموا بصورة حضارية وتبنت مطالبهم المؤسسة التشريعية واضطر المسئول إلي مقابلة وفد مأموري الضرائب والتفاهم معهم علي حلول عادلة.. تقترب من الفجوة المالية بينهم والعاملين في الضرائب العامة وضرائب المبيعات.. ولأن الحجة تحقيق الفئتين الأخيرتين لحصيلة تقدر بالمليارات.. تجدد الحديث عن قانون جديد للضرائب العقارية ليتضاعف الدخل المحقق منها والذي يقتصر حاليا علي ما يغطي تكاليف الأجور الشهرية لهم وان كان ذلك من الناحية العملية لا يعني تحويل الضرائب إلي جباية نظرا لأنها تقتحم قضية المساكن القديمة ذات الايجارات الرخيصة.. ويستهدف مشروع القانون الذي ردته اللجنة البرلمانية المختصة تغطية ما أمكن من مساكن قديمة وحديثة والمباني الأخري مهما كانت طبيعتها.. حتي المقابر وأماكن النشاط مع فتح مظلة الاعفاءات لحين اشعار آخر.. الأمر الذي ارتفعت معه أصوات البرلمانيين والخبراء مطالبة بجداول واضحة للضريبة تسري مع القانون الجديد ولا يتم تعديلها الا بمشروع قانون معدل عند الحاجة مع الأخذ بالاعتبار الالتزام بالدستورية والمساواة بين المواطنين بعيدا عن شبهة عدم الدستورية وبعدها تحدت المسئولون ان التطبيق الكامل للقانون سيتم بعد 5 سنوات. ومع ان الانفتاح الاقتصادي كان فرصة لتعديلات غير مباشرة في جداول الأجور بالحكومة وقطاع الأعمال والهيئات الاقتصادية لمواجهة مبادرات القطاع الخاص ومرافق الاستثمار الأجنبي في البنوك وشركات الطيران والسياحة والخدمات علي سبيل المثال.. إلا أن هذه التعديلات لم تمس المرتبات الاساسية للموظفين الصغار مهما كانت مؤهلاتهم.. وحتي إذا ما حصل الموظف علي مؤهل أعلي خلال الخدمة فقد لا يعترف بهذا المؤهل أصلا أو يمنح الموظف زيادة مؤقتة تنتهي بالترقية إلي درجة أعلي واقتصرت التعديلات علي سلسلة عنكبوتية من بدلات طبيعة العمل والمخاطر وبدل اللجان.. أصبحت الآن مشكلة حقيقية أمام وزارة التنمية الإدارية التي تحاول تبسيط الهياكل الإدارية في قانون الوظيفة العامة الجديد.. وظل الباب مفتوحا الآن لتقدم هذه الحوافز المختلف علي قانونيتها ومستحقيها بدور مهم في ترتيب دخل الموظف وتؤكد الخلل المالي الذي تعاني منه الكثير من المصالح والجهات الحكومية والإدارية بحيث تداخلت الوظائف.. المسميات والواجبات والمسئوليات لتتقدم وظيفة ما الوظائف الأخري بحجة ندرة اعداد القادرين علي مهامها بينما تتركز البطالة والمرتبات المنخفضة بين خريجي الكليات النظرية أؤ الحاصلين علي مؤهل تجاري متوسط لأن السوق اعتمدت المعاهد المتوسطة والعالية ورفضت الدبلوم ومع صراع الدرجة المتوفرة بالمصلحة لشخص ما.. ترهل الجهاز الإداري وامتلأ ليس فقط بالزائدين عن احتياجات المصلحة وإنما تحولت الدرجة إلي لاصق بالغراء يمنع نقل موظف إلي مدينته الأصلية بهدف التخفيف من التكدس بالعاصمة والمدن الكبري بالمحافظات رغم صدور العديد من القرارات الإدارية التي يبدو من مظهرها انها فلتت من جدار البيروقراطية وانها ستسهل تحقيق رغبات الموظفين الذين نري كل صباح أكثر من مليون شخص يصلون العاصمة من الأقاليم القريبة لممارسة أعمالهم المصلحية ويصاحبهم عدد مماثل وربما أكبر من أصحاب المصالح الذين لا تقضي مصالحهم الا في مركزية مصالح العاصمة ورغم ما صدر من تشريعات تؤكد ان اللامركزية قد وريت مثواها الأخير.. والأخطر من ذلك ان صراع الدرجة والحوافز وضرورة الترقيات لحماية الهرم الوظيفي من إغلاق النوافذ أو الخضوع للرسوب الوظيفي قد أدي إلي أوضاع تقترب من المأساوية وعلي سبيل المثال في مدارس التعليم الأساسي حيث تتم الترقيات داخل المدرسة إلي درجات الوكيل والمدير وربما مدير مرحلة وبالطبع فلابد من ايجاد وظائف اشرافية لهم قد تكون وهمية في الوقت الذي تقيد فيه المركزية يد المحافظ ومدير التربية والتعليم بالمحافظة عند تعيين مدرسين جدد ويضطرون لاعتماد نظام مدرسي الحصة الذي لا يشعر بالأمان أو الاستقرار وبالتالي لا يشعر باحتمال الاستمرار وتفقد هذه الكوادر التي تمتلك الحكمة والخبرة.. التي تقيدها في أعمال وهمية وربما بدون عمل حقيقي علي الاطلاق حتي يحين وقت الإحالة للمعاش ليحملوا درجة كبير ورغم ان القضية قد تبدو منفصلة إلا انها في واقع الأمر أحد مظاهر تدني الأجور وقلة تداول الدرجات وحبسها في نطاقات إدارية كالجزر المعزولة وربما نضيف إلي ذلك قضية مهمة تتعلق بالأجور يمكننا ان نطلق عليها فوضي الأجور أو الأجور المضللة ونشير إلي عدة أمثلة لذلك.. يتصدرها اختلاف دخل الشخص في وظيفة ما عن زميله الذي يعمل في جهة أخري تابعة لوزارته "حالة موظفي الضرائب" أو جهة مماثلة للواجبات في القطاع "بنك مملوك للدولة أو آخر استثماري" أو من يعمل في جمارك المطار مقارنة بمن يعمل في جمارك البحر أو المنافذ النائية وقد يحدث أن يكون هذا الموظف مستشارا بالحكومة أو معاونا للوزير أو في إحدي الهيئات الاقتصادية لنجد ان دخولهم تتجاوز في حالات كثيرة ما يتقاضاه رئيس المصلحة وربما معالي الوزير نفسه.. بسبب فيضان الخير من تحصيل رسوم أو غرامات أو مهام متعددة أو ربما أرباح وعلاوات استثنائية اقرتها الجمعيات العمومية لهذه الشركات مما يفتح باب الواسطة ليذهب أصحاب الحظ السعيد إلي هذه الجهات المليئة وتكون الحجة جاهزة.. انها جهات متعددة الروافد والموارد ومن حق العاملين عليها التمتع بجزء من هذا الدخل الحلال.. وحتي تمتليء القدور باللحوم والطعام الجيد.. تكفي الافواه والمعدة بدون اسراف أو تبذير. ومع تطور الأحوال الاجتماعية والاقتصادية منذ الانفتاح الذي تسعي الدولة مشكورة لتحويله إلي خطط متكاملة للتنمية الاقتصادية ومع تخفيف قبضة الدولة علي الأسواق واعتماد ارتفاع الأسعار وغيبة قاعدة المعلومات والتوقعات لكبح جماح هذه الزيارات التي لم تعد مقصورة علي موسم يوليو مع علاوات الموظفين فقد تراجع الكادر الوظيفي العام لصالح اللجوء إلي دراسة وتطبيق كوادر خاصة للفئات العاملة في المجتمع رغم ان الفكرة قد تقابل بالرفض أو مجرد الوعد بدراسة لزيادة معقولة للمرتبات إلا ان التجارب علمتنا ان هذه الكوادر الخاصة أصبحت تمثل اتجاها قابلا للتطبيق والانتشار والقائمة ليس صعبا تحديدها مما تنشره الصحف أو يطالب به نقباء المهنيين وبالطبع كما اعترف وزير التنمية الإدارية ان الفروق بين المرتبات والدخول من اصعب المشاكل التي تواجه الدولة وان الحل الوحيد هو هيكلة الأجور ورفع المرتبات من خلال العلاوات الاجتماعية بصفة أساسية ومن هنا فقد لجأت الدولة إلي تفعيل المجلس الأعلي للأجور باعتباره الجهة المختصة التي يمكن ان تستقبل طلبات الموظفين في الأرض وتسعي لتقريب الفجوة بين الأجور والاسراع وعلينا الا ننسي ان هذه الزيادات ان حدثت فلن يبق مصيرها عما يحدث حاليا مع علاوات الموظفين في يوليو أو يناير حيث أصبحت زيادات الأسعار تسبق الزيادة من الدخل وليس الأجر ليكون الأمر أكثر دقة وبالطبع فزيادات الأسعار من جانب آخر هي بمثابة العلاوة التي يحصل عليها الجزار والخضري والمكوجي والترزي وعامل النظافة والدروس الخصوصية والسباك والمرض ولكن من الموظف هذه المرة وكما يحدث كل مرة.. حتي ولو لم يتأثر واحد من هؤلاء بارتفاع سعر السولار مثلا والي الموظف الذي يدفع الثمن نؤكد مجددا ان العمل والاخلاص فيه علاقة بين المرء وخالقه سبحانه وتعالي يحاسبه علي أداء العمل بشرف وتجرد ولا يرتبط ذلك دائما بالمقابل.. هنا تحدث البركة ومعها راحة البال واعتقد ان تحقيق العدالة الاجتماعية يتقدم الأولوية بالكوادر الخاصة التي وصل ملفها للمجلس الأعلي للأجور.