يستخدم منصور الحفني "أحمد السقا" كلمة "ملاجيط" لوصف جماعة "الرحالة" في فيلم "الجزيرة2": "الرحالة دول ملاجيط". لا أعرف من أين أتي كاتب الحوار بهذا الوصف.. الاغلب أنها كلمة موجودة في لغة الخطاب في هذه المنطقة. أو في حكايات الناس وقاموس تراثهم الشعبي.. أقول ربما لأن الاشقاء الثلاثة الذين اشتركوا في كتابة السيناريو والحوار من المرحج أنهم استعانوا بالانثروبولوجيا الاجتماعية بالاحاديث المنقولة أو بالحكايات الشعبية عند تصويرهم لحياة جماعة المطاريد الرحالة"الملاجيط" ورسموا بقدر من الخيال ليس قليلا من يمثلهم بالفيلم وهو شخصية "الشيخ جعفر" كبيرهم التي جسدها خالد صالح بفهم ووعي بما تحمله من ثقافة ومهارات عنف واجرام مما يشكل صلب سلوكهم المناهض للبيئة والناس. ومن الطبيعي في هذا السياق أن تستعين مصممة الازياء ناهد نصر الله وتستلهم مراجع مصورة أو مطبوعة في المخيلة عند تصميمها ملابس الشخصية. خصوصا انها حاضرة وفي مساحات موضوعية باعتبارها عنصرا رئيسيا في الصراع الدائر. علي أي حال في عمل علي غرار "الجزيرة 2" يغلب الخيال حتي لو لم يبتعد عن الوقائع التي شهدها ذلك الزمن القريب جدا والذي مازال حاضرا وبقوة في الذاكرة الجماعية للجمهور. الشيخ "جعفر" كبير الجماعة "الملاجيط" يستعين في استحواذه علي وعي الناس البسطاء وأعوانه الملاجيط بحكاية "الخضر والنبي موسي" "سورة الكهف" ويستشهد باجزاء منها ولكن في سياق يجردها من الفلسفة والحكمة ذلك من أجل تزيين وترويج ما ينشره من قيم تخدم ايدولوجيته التي تلخصها هذه الجملة "اللي حيكون مننا. يكون مننا وبس. انسي خانة الجنسية. احنا قبل الاهل والاصحاب والبلد". يقول موسي للخضر: أنا جيت علشان الخير مش علشان أقتل فقال الخضر: إن بعض القتل خير. ثم قال لموسي: "انك لن تستطيع معي صبرا". يلقي السيناريو الضوء علي حالة توظيف مثل هؤلاء "الملاجيط" واتباعهم للدين لتبرير القتل. فمثل "جعفر" ليس في حقيقة امره سوي لص يشتري السيارات المسروقة وهو يعلم ذلك ولديه منطقه الذي يسوقه مبررا فعلته. ويتاجر في المخدرات وفي السلاح ويقتل بقلب بارد إذا كان في القتل خير لهم.. وهو عليم بالامور اكثر من غيره بالضرورة وفن المفهوم الذي يسوقه للناس.. يقول الحق لتبرير الباطل: يقول "الشهيد لا يلثم ولا يكفن". لا يوجد بطولة ولا "أبطال" بالمعني الكلاسيكي في هذا العمل المهم فقط ابطال لزمن رديء.. مجرمون بصورة أو أخري. فاسدون كل علي طريقته. مشوهون إنسانيا رغم الوسامة والقوة الشكلية. إنجازات أي منهم تقاس بعدد الجرائم التي ارتكبوها. والاضرار التي تسببوا فيها والافراد الذين قاموا بقتلهم.. القتل هنا "فريضة" يلجأ اليها كل واحد منهم لتحقيق مصلحته الشخصية إنهم قالات.. من الانحطاط الاخلاقي. والض؟؟ والضعف. كل منهم يحارب من أجل قضية دنيوية يرضي بها طموحه الساعي إلي التسلط والسلطة والنفوذ والتحكم في أقدار الخلق وكل له حجته في ذلك.. قد يعجب المتفرج بنموذج من هؤلاء باعتباره "بطل" ولكن عليه أولا أن يقرأ "صفحته" جيدا حتي لاينساق إلي ما يشكل لديه وعيا زائفا. إن الرسالة الاخيرة في هذه السيرة الخاصة بحياه مجرم لم تسطر بعد. ربما تأتينا في جزء ثالث- اما الرسالة التي يحملها الجزء الثاني فانها تزرع الشك في خريطة المستقبل أو تدفعنا إلي اعادة نظر في المضمون الاخير لهذا العمل!