اتساقاً مع ميل منتجي مسلسلات القنوات الفضائية لتقليد ما يجد هوي في نفوس المشاهدين. طالعنا في رمضان مسلسل باسم "سراي عابدين" يتناول عصر الخديو إسماعيل. ويتضمن ما يتصوره مشابهة لعناصر الإبهار والتشويق التي تضمنها المسلسل التركي "حريم السلطان". وصم المسلسل إسماعيل بسلبيات كثيرة. أبسطها أنه كان طاغية. وسفيها. ومبذراً. وزئراً للنساء. ما غاب عن واضعي المسلسل أن عهد إسماعيل لم يكن خطأ كله. ولم يكن صواباً كله. إنما هو بشر أخطأ وأصاب. وكان ينبغي في دراما تاريخية أن نناقش تلك الفترة في ضوء من الموضوعية المنصفة. من الصعب إهمال اللمسات المدنية التي أضفاها إسماعيل علي الحياة المصرية. كي تصبح قطعة من أوروبا. لكن من الصعب كذلك إغفال التصرفات اللامبالية والمظهرية التي أغرقت مصر في وحل الديون. أستاذنا محمد عودة يذهب إلي أن إصلاحات إسماعيل لم تكن سطحية. لم تكن ديكوراً أو قشرة كما وصفها البعض. ولعلي أوافق علي تسمية عصر إسماعيل بأنه عصر التجدد الاجتماعي. فمما يحسب له إصراره علي أن تكون "القناة لمصر. لا أن تكون مصر للقناة". كانت الدولة في عصر إسماعيل والكلام للويس عوض منحازة "إلي تحرير العبيد. وإلي تحرير المرأة. وإلي تحرير المواطن. سواء بممارسة الحياة النيابية. أو بتطبيق أرقي نظام قانوني عرف يومئذ. وهو قانون نابليون". كان الهدف الذي سعي إليه إسماعيل هو أن يحيل مصر من بلد إفريقي خامل ومستكين. إلي بلد أوروبي حديث له برلمانه. ويرتدي أهله اللباس الغربي. ويمارسون العادات الغربية. بل لقد دفع المصريين إلي التزوج من الغربيات. كان عدد المدارس في بداية عهد إسماعيل 185 مدرسة. فأنشأ خلال أعوام حكمه 4817 مدرسة. وازدادت رقعة الأرض الصالحة للزراعة أكثر من مليون وربع مليون فدان في مدي ستة عشر عاماً هي فترة حكمه. بعد أن كانت شبه ثابتة في السنوات العشر السابقة علي عهده. وأضاف إلي شبكة الري ما يزيد علي 8400 ميل من الترع وقنوات الري الجديدة. وأضاف 910 أميال من السكك الحديدية. ربطت بين مدن الدلتا الأساسية ووصلت إلي أسيوط والفيوم. وبني 430 جسراً. ومد 5200 ميل من الخطوط التلغرافية. وعني بتحديث الإسكندرية وبورسعيد والسويس. وافتتح مدينة الإسماعيلية. وعهد إسماعيل إلي المهندس الفرنسي جورج هاوسمان رئيس بلدية باريس أن يخطط القاهرة مثلما خطط العاصمة الفرنسية من قبل. كما عهد إلي المهندس المصري علي مبارك بعمل الرسومات. ومباشرة تنفيذ المشروع. وأعاد المهندسان تخطيط القاهرة من مرتكزات ثلاثة. هي حدائق الأزبكية. قصر عابدين. ميدان السيدة زينب. وتحول عمران القاهرة إلي الغرب. وأنشئ بينها وبين النيل حي جديد هو حي الإسماعيلية. وتجاوزت حدودها ضفة النيل الشرقية إلي الجيزة والجزيرة. وكان مجلس شوري القوانين أول مجلس نيابي برلماني في تاريخ الشرق. الأمر الذي دعم التيار الوطني بين صفوف الجيش والرأسمالية الوطنية. ومع أن إسماعيل أراد أن يجعل من المجلس واجهة مدنية. فإن المجلس قد جاوز الهدف الذي حدده له الخديو. بدأ الأعضاء منذ اللحظة الأولي يسألون ويناقشون ويعرضون الاقتراحات ويعترضون. وكانوا بالفعل نواة الحياة الديمقراطية في البلاد. وبعد عشرة أسابيع فقط من طرد إسماعيل للوزارة الأوروبية. وتشكيل وزارة مصرية برئاسة شريف باشا. بهدف تطبيق مشروع جديد للإصلاح الاقتصادي بدلاً من المشروع الذي كانت قد أعدته لجنة التحقيق. كانت مساعي الحكومتين البريطانية والفرنسية لدي الباب العالي قد أثمرت. فتم عزل إسماعيل في 26 يونيو .1879 وتهيأت الظروف أمام الثورة العرابية في 1881. لتتكرر بعد قيامها قصة الذئب والحمل. وتدخل قوات الاحتلال البريطاني مصر في العام التالي.