د. عبد المنعم إبراهيم الجميعي في عام 1866 أنشأ الخديو اسماعيل أو كهيئة نيابية تشترك في مظاهر الحكم شكلياً حيث لم يكن رأي المجلس قطعيا، بل كانت قراراته مجرد اقتراحات أو رغبات ترفع الي الخديو لاتحاذ ما يراه بشأنها، وليس للمجلس ان يبحث في موضوع لا تعرضه عليه الحكومة، وإلي جانب ذلك فقد كان حق الانتخاب مقصوراً علي العمد والمشايخ في المديريات وعلي جماعة الأعيان في ثلاث مدن فقط هي: القاهرةوالاسكندرية ودمياط وكان عدد أفراده 75 عضوا ينتخبون لمدة ثلاث سنوات. وقد وضع الخديو اسماعيل لهذا المجلس لائحتين، عرفت الاولي "باللائحة الاساسية": وهي مؤلفة من ثماني عشرة مادة تناولت بيان اختصاصاته وطريقة انتخابه وموعد اجتماعه، حيث كان المجلس يجتمع في القاهرة شهرين في كل سنة من 15 ديسمبر الي 15 فبراير، ويعين الخديو رئيسه ووكيله، وكان يفتتحه بخطبة العرش، وسميت اللائحة الثانية "نظامنامه" أي اللائحة النظامية وكانت بمثابة اللائحة الداخلية للمجلس، وقد اختار الخديو "اسماعيل راغب باشا" رئيسا للمجلس، ومن دراسة لوائح المجلس يتضح ان سلطاته لم تكن قطعية كما انه لن يبدي رأيه سوي في المسائل التي تراها الحكومة من اختصاصه، والتي أشير اليها في بعض المواد علي أنها المسائل المتعلقة بالمنافع الداخلية، وقد افتتح المجلس اولي جلساته في 25 نوفمبر 1866 بمكان انعقاده بالقلعة في القاهرة، وكان يتكون من نواب مسلمين واقباط. وقد حضر الخديو حفل الافتتاح واستمرت جلسات المجلس في دور انعقاد الأول حتي 24 يناير 1867 وانقضي معظمها حول المداولة في مقترحات الاعضاء التي تختص بالمنافع العامة والمحلية مثل انشاء مجلس زراعي في كل مديرية وانشاء حقول للتجارب الزراعية يعهد الي علماء النبات بإجراء تجارب الزراعات الحديثة عليها، واجراء تعداد السكان لتنظيم السخرة، وجواز دفع البدل النقدي مقابل الاعفاء من التجنيد، واتمام منشآت الري، وردم البرك والمستنقعات، وزيادة اعداد اطباء الصحة، وانشاء المستشفيات وتقسيط الاموال الاميرية، وتعميم المدارس الابتدائية وما الي ذلك دون ان يتطرق المجلس للميزانية، ولا أن يطلب من الحكومة الاطلاع عليها، ولما انتهت عضوية المجلس بانقضاء ثلاث سنوات علي انتخابه، أجريت الانتخابات للهيئة النيابية الثانية في أوائل 1870. وافتتح هذا الدور متأخراً عن موعده بنحو ستة اشهر وجاء الخديو من مصيفه في الاسكندرية لافتتاحه، ونظر المجلس في الميزانية التي عرضها "اسماعيل صديق" وزير المالية بشكل غامض استهدف منه طمس الحقيقة عن المجلس، ثم مر عام دون ان يعقد في المجلس جلساته وفي 26 يناير 1873 افتتح المجلس دوره كالمعتاد وبحث مشروع سكة حديد السودان، ونظر الميزانية، ويبدو ان الارتباك المالي في سنتي 1874، 1875 حال دون انعقاد المجلس فيها حيث لم تتم دعوة المجلس الي الاجتماع او تجري انتخابات جديدة بعد انقضاء الهيئة النيابية الثانية، ومنذ عام 1876 دخلت الحياة النيابية في مصر عصرا جديدا، فقداجتمع المجلس في السابع من اغسطس في مدينة طنطا بمناسبة قيام مولد السيد احمد البدوي فيها، وهناك برزت روح المعارضة في نفوس النواب. وبرز في ميدان النقاش نواب علي مستوي كبير من الكفاءة خاصة بعد أن رفع الخديو من مستوي المجلس وجعل له الحق في الاشتراك في ادارة شئون الحكومة وتصريفها، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً ففي يناير 1879 كان التدخل الاوروبي في شئون مصر المالية قد بلغ ذروته وتم تعيين الانجليزي "السير ريفرز ولسن" وزيرا للمالية، و"المسيو دي بلنيير" الفرنسي وزيرا للاشغال، وينتهي الأمر بعزل الخديو اسماعيل وتولية ابنه "توفيق" مكانه، وانتقال مصر الي عصر جديد فبعد ان تولي "شريف باشا" رئاسة الوزارة بناء علي طلب العرابيين قدم اعيان البلاد تقريراً مُوقعاً من 1600 شخص منهم متضمنا المطالبة بتأليف مجلس النواب لما فيه من مزايا تعود علي البلاد، وطلب موقعوه أن يكون للمجلس الجديد من الحقوق والسلطات مثل ما للمجالس النيابية في أوروبا، وفي 4 أكتوبر 1881 رُفع الي الخديو تقرير باجابة مطالب الأمة وصدر الأمر العالي باجراء الانتخابات العامة وتحدد 23 ديسمبر 1881 لافتتاح مجلس النواب، وخلال ذلك لم تتدخل الحكومة في الانتخابات ولم تتعرض لحرية الناخبين في انتخابات من يريدون، وكان افتتاح المجلس يوما مشهوداً من ايام مصر التاريخية، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً حيث تغيرت الأمور نتيجة للاحتلال الانجليزي لمصر عام 1882، وفي اعقاب ذلك اتخذت الحياة النيابية في مصر مظاهر متعددة اتخذت أحيانا اشكالا صورية وفي احيان اخري حقيقة خاصة بعد صدور دستور 1923 ونأمل في وقتنا الحالي أن تتم الانتخابات البرلمانية بشفافية ونزاهة وحسب رغبات المصريين ومتطلباتهم.