«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخديوي اسماعيل.. عين على مصر وأخرى مع أوروبا
نشر في محيط يوم 03 - 03 - 2008


الخديو اسماعيل عين على مصر وأخرى لأوروبا
محيط - سميرة سليمان
الخديوى اسماعيل
تمر علينا ذكرى رحيل الخديوي إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي باشا عام 1895، وهو من الشخصيات التاريخية الهامة والبارزة في تاريخ مصر في القرن التاسع عشر.
اختلف المؤرخون اختلافا كبيرا حول تحديد شخصية اول خديوي لمصر اسماعيل باشا ثالث حكام مصر في اسرة محمد علي الشهيرة. فمنهم من قال إنه كان مبذرا انفق الملايين على قصوره ومباهجه ، وانفق ملايين اخرى في احتفال افتتاح قناة السويس الذي حضره أباطرة اوروبا وعلى رأسهم الامبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث.
وقال البعض الآخر ومن أشهرهم لويس عوض ردا على هؤلاء في كتابه "تاريخ الفكر المصري الحديث" إن اسماعيل باشا كان حاكما عظيما فهو الذي منع اعمال السخرة، خاصة في حفر قناة السويس، وهو الذي الغى العبودية وشراء العبيد في السودان والحبشة، وهو باني الكباري وآلاف الكيلو مترات من الترع الزراعية، وما زالت ترعة الاسماعيلية تحمل اسمه ، وهو الذي نشر التعليم وافتتح المدارس الحكومية ، انه باني مصر الحديثة بعد محمد علي الجد الكبير" .
فرمانات إسماعيل
يتحدث المؤرخ "إلياس الأيوبي" في كتابه "تاريخ مصر في عهد الخديوي إسماعيل باشا" والذي هو واحد من سلسلة كتب أصدرها تحت عنوان صفحات من تاريخ مصر، قائلا أنه الابن الثاني لإبراهيم باشا بن محمد علي باشا ولد بالقاهرة عام 1830 م وتعلم في مدرسة القصر الخاصة التي أنشأها جده لتعليم أفراد أسرته، فدرس الفرنسية وبعض العلوم الحديثة ومنها الهندسة ، وبعد وفاة جده محمد علي تولى ابن عمه عباس حلمي الأول ابن طوسون حكم مصر ، وأمضى إسماعيل بعض الوقت في اسطنبول سعياً وراء دعم السلطان عبد المجيد لمواجهة عباس، وقد سمّاه السلطان عضواً في مجلس الدولة.
آل إليه حكم مصر عام 1863م فكانت مرحلة جديدة في تاريخه وتاريخ مصر. حيث نجح إسماعيل في بداية ولايته أن يقنع السلطان العثماني بزيارة مصر، وكانت أول زيارة لسلطان عثماني لمصر بعد فتحها العثماني على يد سليم الأول، وحصل إسماعيل على لقب "خديوي" وهي كلمة فارسية تعني السيد أو المليك، ثم صدر فرمانا آخر يقضي بتغيير نظام وراثة ولاية مصر من أكبر أبناء أسرة محمد علي إلى أكبر أبناء إسماعيل، وبذلك اًصبح يتمتع بقدر كبير من الاستقلال، خاصة في النواحي الإدارية والتشريعية والمالية، ثم استصدر فرمانا آخر من السلطان يعترف بأن السودان وما يفتحه الخديوي فيه من أملاك الخديوية المصرية، ثم توالت الفرمانات التي توسّع استقلال مصر الذاتي فيما يتعلق بسنّ القوانين والنظم، وإبرام الاتفاقيات الجمركية والمعاهدات التجارية، وعقد القروض وزيادة عدد الجيش وبناء السفن الحربية.
أما عن العلاقات مع الدول الأوروبية فقد قرر الخديو إسماعيل ألا يصطدم بأوروبا، وأن يبني دولته الحديثة بالتعاون مع أوروبا وليس بالتحدي لها؛ لذا انفتح عليها جميعا، وأقام لأول مرة علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
نهضة مصرية شاملة
بدأ إسماعيل عهده بإلغاء نظام السخرة الذي أرهق المصريين، وتحرير التجارة، والاهتمام بالتعليم؛ باعتباره أساس الرقي والتقدم؛ فشهد عصره إتمام حفر قناة السويس، واحتفل بافتتاحها عام 1869م احتفالاً باهرًا؛ حيث دعا إلى الحفل ملوك أوروبا، وأنفق عليه ببذخ شديد، وبمناسبة هذا الحفل أنشأ دار الأوبرا، وحديقة الأزبكية، واختط شارع الهرم، وأنشأ سككًا حديدية بطول 1085 ميلاً، وشيد مدينة الإسماعيلية.
واهتم بالجيش؛ فأعاد تنظيمه وتدريبه، وأنشأ مختلف المدارس الحربية، واهتم بتثقيف العسكريين من خلال صحيفتين متخصصتين، واستعان بالضباط الأمريكيين في تدريب الجيش المصري، ووصل تعداد الجيش حوالي 120 ألف جندي.
احتفالات بافتتاح قناة السويس ايام الخديوى اسماعيل
وفي مجال التعليم والثقافة أعاد ديوان المدارس، وأنشئت في عهده حوالي 4817 مدرسة، بالإضافة إلى 5 مدارس في السودان، وافتتح مدرسة للخرس والعميان، وأنشأ أول مدرسة للبنات في مصر، وأمر أن تكون اللغة العربية لغة الدواوين بدلا من اللغة التركية، وأنشأ "دار الكتب المصرية"، وأعاد صحيفة الوقائع المصرية، وازدهرت الصحافة في عهده.
وزادت الرقعة الزراعية في عهده بمقدار مليون فدان تقريبًا، ونمت ثروة مصر الزراعية، وشُقت العديد من الترع، وبلغ عدد ما حُفر وأصلح 112 ترعة، أهمها الإبراهيمية بطول 267كم، والإسماعيلية بطول 129كم، وأعيد تخطيط المدن وتجميلها في عصره، وبنيت القصور الفخمة الفارهة "حوالي 30 قصرا" كقصر عابدين الذي اتخذه مقرًّا للحكم بدلا من القلعة، وحوَّل مجرى النيل في وسط القاهرة، وأنشأ أول كوبري على النيل "كوبري قصر النيل"، وأنشأ عددًا من الميادين، وشوارع هامة في القاهرة.
وكان بعض القصور التي يبنيها لا يكاد يتم بناؤها وتأثيثها حتى يعرض عنها ويهبها لأحد أنجاله أو حاشيته.
سبب في ديون مصر
تكلّفت خزانة مصر الكثير من الأموال بسبب إصلاحات إسماعيل وتوسعاته، وتراكمت الديون عليها، وقد حاول إسماعيل أن يسد العجز في الميزانية عن طريق الضرائب المختلفة، إلا أنه لم يفلح في ذلك، فلجأ إلى الاستدانة من الخارج، ولكن سماسرة الديون وقناصل الدول أخذوا ما يقرب من 40 مليون جنيه إسترليني من قروض مصر البالغة 90 مليونًا، فتعثرت مصر عن السداد، واضطرت إلى بيع أسهمها في قناة السويس بمبلغ هزيل للإنجليز، وهو ما جعلها على حافة الإفلاس والخراب المالي .
وفي ذلك يقول المستر " كيف" الذي عهد إليه إسماعيل فحص مالية مصر سنة 1875: "إن المبالغ الحاصلة من ميزانية مصر عن المدة الواقعة بين سنة 1864 وسنة 1875 بلغت 94,21,400 جنيه، خصص منها لحملة الأسهم نحو ستة ملايين من الجنيهات، أى أن مخصصات الديون ابتلعت معظم الميزانية، وظهر في ميزانية تلك السنة عجز مقداره 1,382,200 جنيه، نشأ عن فداحة مخصصات الديون ، وانتهى الأمر إلى طلب الدائنين فرض الوصاية المالية الكاملة على مصر، وأن يكون لسداد الديون الأولوية المطلقة.
وأدى هذا التعنت الأوروبي إلى انتفاضة وطنية عام 1879م جمعت قادة وطوائف الشعب المصري المختلفة، دعوا خلالها إلى اكتتاب عام لسداد قسط الدين الذي تعثرت الدولة في سداده، ويبلغ 1.5 مليون جنيه إسترليني، وتم تحصيله على الفور وسداده.
ودعوا أيضا إلى إقامة حياة نيابية كاملة، والعمل على سداد الديون والوقوف أمام التدخل الأجنبي، والتقوا الخديوي إسماعيل الذي أقر مطالبهم، وهو ما أثار مخاوف الدول الغربية، وقدم قنصلا بريطانيا وفرنسا إنذارا إلى إسماعيل بأن يرجع عن تأييد المشروع الوطني.
رفض إسماعيل إنذار القنصلين، وأصدر مرسومًا بتسوية الديون، وإزاحة الوزيرين البريطاني والفرنسي من الوزارة، وشكل شريف باشا وزارة وطنية؛ فتعالت الاحتجاجات الغربية من أصحاب الديون، وبدا المشهد أن أوروبا قد أعلنت الحرب على إسماعيل، وسعت لعزله، وكان أحد أشكال حربها هو أن تلجأ إلى الباب العالي لتحصل منه على فرمان بعزل الخديوي الذي تفاقمت ديونه بسبب إسرافه؛ فناصر إسماعيل الحركة الوطنية، وقبل بمبدأ مسئولية الوزارة أمام مجلس النواب، وسعى لمقاومة التدخل الأوروبي.
منتقدو عصره
وفق علياء دربك فإنه في عام 1873بدأ الخديوى إسماعيل تشييد قصره الكبير بالزمالك "فندق ماريوت الآن" واستلزم البناء تحويل مجرى نهر النيل لعزل جزيرة "الزمالك" ! وإحاطتها بالماء من كل جانب، حتى يمر نهر النيل في قلب القاهرة على غرار مرور نهر السين بقلب باريس لتصير حياة الخديوي لها خصوصية متميزة.
يقول كثير من المؤرخين بأنه ارتفعت الضرائب في الفترة منذ نهاية حكم محمد على حتى عهد إسماعيل بدرجة كبيرة. فعلى سبيل المثال، بمقتضى القرار الأول الصادر في عهد سعيد، ارتفعت الضرائب على الأراضي المتوسطة والضعيفة إلى ما يوازى ثلث محصولها ، وواصلت الضرائب ارتفاعها في عهد إسماعيل، فإلى جانب الضرائب المقررة استحدثت ضرائب إضافية جديدة مثل ضريبة الإعانة وضريبة السدس وضريبة الري ، وفق دراسة أعدها مركز الدراسات الإشتراكية بمصر.
كذلك فإن الحياة في عهد إسماعيل تطورت إلي حالات جديدة، وأخذت تقتبس من أساليب المجتمع الأوروبي وعاداته، ومال الناس إلي محاكاة الأوروبيين في المسكن والملبس والمأكل وسائر أنماط الحياة، وكان انتشار التعليم من العوامل التي ساعدت على هذا التطور، فإن الطبقة المتعلمة بحكم دراستها علوم أوربا ولغتها صارت طليعة الطبقات الأخرى في تقليد الأوروبيين واقتباس عوائدهم وأساليبهم، فأخذ الناس من كل ذلك مزيجاً من النافع والضار.
هجر المتعلمون والأعيان الملابس الشرقية، كالجبة والعباءة والعمامة، وارتدوا الطربوش والبدلات الإفرنجية، وتضاءلت الأزياء القديمة وحلت محلها الأزياء الأوروبية، فيما عدا القبعة، فقد استمسك المصريون بالإعراض عنها.
ودخلت العادات الأوروبية في أساليب المآكل والولائم ، فأخذ الناس يمدون الموائد ويتناولون الطعام على النمط الإفرنجي، وما استتبع الأمر من محاكاة الإفرنج في تعاطي المشروبات الروحية، وبدأ دخول هذه العادة إلى مصر على أيدي الأغنياء والسراة والمتعلمين، ثم سرت إلي الطبقات الجاهلة، فعم منها الفساد، وصارت من شر الآفات التي جاءت إلى المجتمع المصري.
أقبلت الطبقات الممتازة على حضور المسارح ومشاهدة الروايات التمثيلية، ثم قلدتها الطبقات الأخرى وابتدع الخديوي إسماعيل عادة الرقص الأفرنجي، فكان يقيم في سراي عابدين والجزيرة حفلات راقصة "باللو" بالغة الفخامة، وكان يدعو إليها الكبراء وذوي المراكز الاجتماعية، ورجال السلك السياسي وعقيلاتهم، وكانت صحيفة "الوقائع المصرية" تعنى بأخبار هذه الحفلات وتصفها في مكان بارز من صحائفها ، وفق الموسوعة الحرة " ويكيبديا ".
أما عن الاقتصاد نجد أن الحكومة لم يكن لها ميزانية بالمعنى الذي نفهمه اليوم، لأن الخديوي لم يفرق بين مالية الحكومة وماليته الخاصة، بل كان يعتبرهها أمراً واحداً، وكانت أموال الدول رهن إرادته، ومن هنا جاء الخلل وسوء الإدارة وضياع الأموال بغير حساب.
وقد كتب القاضي الهولندي فان بملن الذي عاش في عهد إسماعيل يقول:
" إن الخديوي إسماعيل هو أول من مهد السبيل لسيطرة أوربا الاقتصادية على مصر، فإن أوربا وبخاصة باريس، قد أفسدت على هذا الأمير دينه وأخلاقه وماله، وفتنته فتنة شاملة، فلم يعد يعني إلا بكل ما هو أوروبي، وبكل ما يراه الأوروبيين واعتزم من يوم أن تولى عرش مصر أن يعيش كملك إفرنجي في قصوره وأثاثه، ومأكله ومظهره وملبسه، ومن الأسف أن كل ما انفقه في هذا السبيل لم يعد بالفائدة إلا على أوروبا، إذ كان يستورد من مصنوعاتها تلك الأشياء الهالكة، العديمة الجدوى، وكان يدفع أثمانها أضعافاً مضاعفة، ولأجل أن يستوفى مطالبه الخارقة في هذا الصدد، لم تكفه الأموال التي يجبيها من شعبه على فداحتها فأمده أصدقائه الأوروبيون بالقروض الجسيمة ذات الشروط المخربة .." .
اصطفاء إسماعيل للأوروبيين وركونه إليهم واجتذابهم إليه، مكّن لهم من مرافق البلاد، فجاءوا برؤوس أموالهم واستثمروها في إنشاء المتاجر والبنوك والبيوت المالية، والشركات، والمشارب والملاهي، فتفتحت الثغرات لخروج ثروة الأهليين إلى أيدي الأجانب، وامتدت أيدي الأعيان والكبراء والفلاحين وسائر الطبقات إلي الاستدانة من البيوت الأجنبية ليشتروا الأطيان والعقار، فوجدت في البلاد ثروات مادتها أجنبية ، ولا ريب في أن هذا الأساس يؤدى إلى تبيعة الثروة القومية للأجانب ، دولاً وشركات جماعات وافراداً، فالاستقلال المالي قد أصابه التصدع من هذة الناحية، فضلاً عن النواحي الأخرى، وأهمها القروض التي عقدها الخديوى.
ومما ساعد رؤوس الأموال الأوروبية على التغلغل في مرافق البلاد إنشاء المحاكم المختلطة، فإنها كانت ولم تزل حامية لهذه الأموال وسبيلها إلي تكبيل البلاد والأهليين بقيود الرهون العقارية ونزع الملكية ، والسيطرة على مرافق الأهليين وحقوقهم وأموالهم.
عزل اسماعيل
صورة عائلية لعائلة الخديوي اسماعيل
لم تجد الدول الأوروبية بُدًّا من اللجوء إلى السلطان العثماني لعزل إسماعيل، ووجدت هذه الدول الطريق معبَّدًا أمامها في الأستانة؛ لأن الدولة العثمانية كانت كارهة لإسماعيل لنزعته الاستقلالية، كما أنها في حاجة إلى تأكيد هيبتها وسلطتها؛ بإسقاط إسماعيل عن عرشه.
وفي الأستانة التقت المصالح، وتحالف الأعداء على ضرورة عزل الخديوي إسماعيل عن حكم مصر، وأصدر السلطان العثماني فرمانه في 8 يوليو 1879م بعزل إسماعيل عن حكم مصر، وتنصيب ابنه الأكبر محمد توفيق باشا على مصر بعدما حكم مصر 17 عامًا.
يقول الرافعي – مؤرخ مصر البارز - عن حكم إسماعيل: "...كان حقا عظيما في موقفه، شجاعا في محنته؛ فشجاعته جعلته يغامر بعرشه في سبيل مقاومة الدول الأوروبية جمعاء.. فآثر المقاومة على الاستمساك بالعرش، وقليل من الملوك والأمراء من يضحُّون بالعرش في سبيل المدافعة عن حقوق البلاد؛ فالصفحة التي انتهى بها حكم إسماعيل هي بلا مراء من الصحائف المجيدة في تاريخ الحركة القومية؛ لأنها صفحة مجاهدة وإباء وتضحية، وهي لعمري تضحية كبرى، ولهذه التضحية حقها من الإعجاب والتمجيد...".
ضاقت الدنيا بإسماعيل بعد عزله، ولم يعرف أين يذهب بعدما رفض السلطان العثماني أن يعيش في الأستانة أو أي مكان في الدولة العثمانية. أما الدول الأوروبية، فأعلنت الكراهية له، وانتهى به الأمر إلى أن يعيش في نابولي بإيطاليا، فأقام فيها هو وزوجاته وحاشيته، ولم تفارقه آماله بالعودة إلى مصر وعرشها، ثم انتهى به الأمر إلى أن استقر في الأستانة في قصر يملكه على البوسفور. وبعدما قضى حوالي 16 عامًا في منفاه لم يعد لمصر إلا ميتًا، حيث دفن في مسجد الرفاعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.