لم يكن الحاكم بأمر الله "الفاطمي" هو أول طفل يحكم مصر في التاريخ.. هناك علي الأقل فيما نعرف الملك توت عنخ آمون الذي تولي الحكم وعمره 11 عاماً ومات وهو ابن 18 عاما.. كما لم يكن الحاكم آخر طفل يحكم مصر.. فهناك الخليفة الفاطمي أيضا الآمر بأحكام الله الذي تولي الحكم وعمره خمس سنوات وبقي في الملك 29 سنة و9 شهور.. وهناك أيضا الأمير أحمد فؤاد الذي أعلن ملكا تحت الوصاية بعد ثورة 23 يوليو 1952 حتي تم اسقاط الملكية وإعلان الجمهورية. وإذا كانت حكايات الحاكم بأمر الله اتسمت بالغرابة والشذوذ واتخذ منها المؤرخون مادة للسخرية فإن حكايات المصريين الذين عاشوا زمن الحاكم بأمر الله كانت أشد غرابة.. وربما تكون هذه الحكايات هي التي دفعت الرجل الحاكم إلي الجنون واتخاذ قرارات تثير الشفقة أكثر مما تثير السخرية. فالحاكم بأمر الله كان ابن عصره وابن ناسه.. والمشكلة لم تكن فيه وحده وانما كانت فيمن أحاطوا به وشجعوه ودافعوا عن قراراته.. والحديث الشريف يقول: "كيفما تكونوا يولَّ عليكم". وإذا أتيح لك أن تقرأ قصة الحاكم بأمر الله من البداية إلي النهاية سوف تكتشف أن الناس في زمنه كانوا غريبي الأطوار وكانوا يأتون مثله بأفعال شاذة ننفر منها حتي الآن. تولي الحاكم بأمر الله الملك وعمره 11 عاماً واستمر حكمه 25 عاما وقتل في ظروف غامضة وكان عمره 36 عاما. يذكر المؤرخ المصري الأمير المسبحي أن الحاكم "وكان صديقا شخصيا له" قص عليه كيف تمت مراسم تنصيبه في الخلافة.. قال: "استدعاني والدي العزيز بالله قبل وفاته إلي بلبيس وهناك ضمني إليه وقال وهو علي فراش الموت: "أرجو ألا يغمي عليك ياولدي" ودمعت عيناه ثم قال: امض والعب ولا تخف فأنا في عافية.. فمضيت والتهيت بما يتلهي به الصبيان إلي أن نفذ أمر الله في والدي وهنا بادر إليَّ برجوان أمين القصر وأنا في أعلي شجرة جميزة كانت في الدار وقال: انزل ويحك.. الله الله فينا وفيك.. فنزلت وما كدت أطأ الأرض حتي وضع العمامة المرصعة بالجواهر علي رأسي وقبَّل الأرض بين يدي وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.. ثم أخذني بيدي وأنا علي تلك الهيئة إلي الناس فقبَّلوا جميعهم الأرض بين يدي وبايعوني وسلَّموا عليّ بالخلافة. وقد اختفلت المصادر التاريخية في أسباب تحريمه للملوخية والجرجير.. البعض يقول ان الحاكم نما إلي علمه أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تحب الجرجير ومعاوية كان يحب الملوخية وهو ضدهما باعتباره شيعيا.. والبعض الآخر يؤكد أن الحاكم كان ملماً بعلم النبات وأدرك كما يقول د. تامر عارف في كتابه "الحاكم بأمر الله" أن الاكثار من أكل الجرجير والملوخية يزيد من كميات الدم في جسم الانسان ويقوي الغريزة الجنسية ويغير الواقع النفسي فأراد أن يحد من ذلك درءاً للمفاسد. الأسوأ من ذلك أن الحاكم عنَّ له أن يعلن نفسه إلها بعد أن زينت له بطانة السوء تجسيد الإله في شخصه فاتخذ بيتا في جبل المقطم.. وفتح سجلا تكتب فيه أسماء المؤمنين به.. فاكتتب فيه من أهل القاهرة سبعة عشر ألفا جميعهم يخشون بطشه.. فتحول لقبه خلال تلك الفترة من الحاكم بأمر الله إلي الحاكم بأمره. وبعد هذا الخبل الذي ضرب الملك وتمدد إلي الرعية يقال ان ست الملك أخت الحاكم وكانت شخصية قوية ذات نفوذ استعانت بأحد قواد الجيش ويدعي حسين بن دواس ليقتل أخاها بعد ادعائه الالوهية ووعدته بقيادة الجيش والأموال والاقطاعيات فقبل الرجل وباشر التنفيذ. وهناك روايات أخري تختلف كلها في تفاصيل القتل والقاتل ولكنها تتفق علي اختفاء جثة الحاكم الذي أفسده عصره وأفسده ناسه.. حتي صار أمثولة في التاريخ.