عودة رجال الشرطة إلي الشوارع والميادين أعادت الاطمئنان بعض الشيء إلي النفوس والفرحة بدت علي وجوه الكثيرين تقديرا لدور الأمن في الحياة فالبلاد بلا أمن يؤدي إلي الفوضي واتاحة الفرصة للخارجين علي القانون لمزاولة نشاطهم في النهب والسلب وقد لمس المواطنون وشاهدوا هؤلاء وهم يسطون علي المحلات التجارية. يخربون ويسرقون في بجاحة غير مسبوقة كما ان بعض الخارجين شاهدته يحمل المسروقات ويمشي في الطريق مطمئنا وكأن الأمر شيء عادي. لا حياء ولا تقدير لأي ضوابط وكم شاهدنا أحد أصحاب المحلات يبكي حزنا علي الخراب الذي لحق بتجارته ورأينا الكثير من المحلات قد تم تخريبها والادهي ان المجرمين لم يكتفوا بالسرقة وإنما اشعلوا النار في تلك المواقع واصبح ترويع المواطنين شيئا عاديا وناهيك عن القصص والحكايات عن الطريق الدائري حول القاهرة وغير ذلك من المواقع. وقد رحب المواطنون بعودة هؤلاء الرجال ينشرون الطمأنينة في ربوع الوطن ويرسمون البسمة علي الوجوه فرحا بهذا التواجد الذي غاب طويلا خاصة بعد ثورة الشباب في 25 يناير والأحداث المتعاقبة في ميدان التحرير ورغم التجاوزات والمخالفات التي ارتكبت وهي رهن التحقيقات لدي النيابة العامة إلا ان الحاجة الملحة استوجبت عودة الشرطة إذ لا بديل عن الأمن وتحقيق الانضباط في كل المواقع في اطار سيادة القانون وعدم التجاوز وانتهاك حرية وأمن المواطن وصورة رجل الشرطة محببة إلي المواطنين خاصة في المواقف الإنسانية. ولا شك ان هذه العودة ضرورة تستوجبها مصلحة الوطن ولكن لابد من استيعاب دروس 25 يناير واحداثه التي أدمت القلوب. الاحترام المتبادل بين المواطن ورجل الشرطة. التجاوز مرفوض لكلا الطرفين فقد رأينا كم هذا التجاوز مريرا في اثاره علي نفوس المواطن أو رجل الشرطة. الأهم ان نبادر لتجاوز تلك المرارة ونبذل اقصي الجهد لعودة العلاقات الطيبة بين رجل الشارع والشرطة وان تسود علاقات الحب والمودة بين الطرفين وان يكون للمواطن البسيط كل التقدير والأخذ بيده وحمايته وعدم استغلاله بأي صورة من الصور ورب ضارة نافعة كما نقول في أمثالنا الشعبية وأتمني مخلصا من كل قلبي أن تكون فترة الانفلات الأمني بمثابة درس وناقوس خطر لإيقاظها من تلك الغفلة التي أدت إلي الفوضي وانتشار الفزع في المدن والقري ومختلف المناطق بانحاء مصر ولابد أن تتبدل الصورة ونسعي جميعا لتحقيق الأمل والأمن. حقيقة في مفاجأة مذهلة أصبحت مصر من اقصاها لاقصاها يوم 28 يناير الماضي بلا رجال أمن. اختفوا بلا سابق انذار فراغ أمني رهيب مضت ساعاته بطيئة متثاقلة. الفزع يملأ القلوب الخوف يبدو في كل وجه. الشرطة كأنها لبست "طاقية الاخفاء" ماذا جري؟ لا أحد يعرف. الأكثر غرابة ان اقسام الشرطة تحولت إلي أماكن مهجورة والمدهش ان النيران اشتعلت بها. تدمير وخراب لمنشآت بنيناها بالعرق والجهد ولا أنسي تلك الصورة الرهيبة التي ارتسمت في الذهن حين شاهدت مقر شرطة الازبكية قد دمرته الحرائق. ياللهول كيف سمح أي مخرب لنفسه بتدمير هذا الموقع الذي عاصرته وعشت أوقاتا بين جدرانه متابعا ومحققا لبعض الوقائع والحوادث. المبني كان في حالة جيدة جدا. المبني يشمل قطاعا للاحداث. الاثاثات كانت جيدة. أرشيف وأوراق المباحث بالقطع أكلتها النيران وما جري بالازبكية تعددت صورته في مواقع أخري ولعل الصور الدرامية كانت أشد قسوة بالاسكندرية والسويس. في هذه الفترة العصيبة كان هناك دور رائع للجان الشعبية التي قام شباب الأحياء بتكوينها وحماية المنازل والمناطق وكما كانت روعة هذه اللجان في اعادة الاطمئنان إلي النفوس ورغم ضيق البعض من قسوة تعامل أحد أفراد هذه اللجان الا ان الظروف اقتضت ضرورة التحلي بالصبر والتعامل بسعة صدر وان تكون لغة التخاطب بمودة وحسن تصرف والتغاضي عن ثورة الشباب وحماسه وقد تجاوز الوطن هذه المحنة بالتلاحم واليقظة لتحقيق الأمن وحماية المنازل والمنشآت من انفلات الجناة وكم كانت الصورة رائعة أبهرت الجميع بجمالها وكشفت عن مدي حب الوطن في نفوس المصريين وأكدت ان الانتماء للوطن والحرص علي أمنه من أغلي الأماني وسوف يسجل التاريخ احداث تلك الفترة في سجلاته وستصبح علي مدي الأيام مثار حديث واهتمام الباحثين والمؤرخين والدارسين لاعداد الابحاث والرسالات العلمية التي تستخلص النتائج وتضع الضوابط والحدود التي يجب أن تكون ماثلة أمام كل مواطن غيور علي بلده وتضع القواعد التي يجب تطبيقها حتي لا يتكرر هذا العبث مرة أخري وان تكون الوطنية هي الحارس الأقوي في نفس المسئول عن الأمن قبل المواطن البسيط وان تكون اليقظة وسيادة القانون هي أهم الضوابط والروابط بين كل ابناء مصر. هذا الانفلات الأمني الذي عشنا لحظاته الرهيبة دفع إلي الذهن تساؤلات رهيبة ظلت تطاردني في فترات طويلة ومازالت تتردد في الصدر من بينها هل هانت مصر علي الشرطة وقيادتها التي تخلت عن مسئوليتها وتوارت وكأنها "فص ملح وذاب" في دقائق؟ وهل غاب الحس الوطني وتغلبت النوازع والاغراض الشخصية علي الصالح الوطني؟ ألم يدرك هؤلاء ان هذه الفوضي والانفلات الأمني يمكن أن تطول بيوتهم وابناءهم. مترادفات يضيق الصدر بها ولا يجب أن تبتعد كثيرا عن اذهاننا وان تكون هذه الفترة نصب أعيننا وأن نتابع فصول تحقيقاتها بكل عناية واهتمام خاصة انها لدي رجال القضاء الذين نكن لهم كل التقدير والاحترام لأنهم الحصن المنيع لحماية المجتمع والحرص علي كامل حقوقه وأمنه ولا يجب أن تأخذنا الرأفة أو التهاون وتطبيق القانون بكامل نصوصه حتي لا تتكرر تلك المأساة مرة أخري. العقوبة علي قدر المخالفة أو التجاوز بكل شدة وتحديد المسئولية بصورة تعيد الاطمئنان للنفوس وتؤكد للمواطن في أقصي ريفنا ان القانون يطبق علي الجميع وانه لا شيء يعلو علي تحقيق الأمن وترك البلاد بلا أمن أو أمان أمر خطير جدا. دعونا ننتظر كلمة قضائنا العادل لعلها تشفي النفوس وتعيد الاطمئنان للوطن والمواطن والآمال معقودة علي القضاء المصري العادل وكلمته ستكون خطوطا فاصلة بين الحق والباطل وتضع الأمور في نصابها الصحيح. الأمر الذي يجب أن يكون ماثلا في اذهاننا وأمام أعيننا انه لا بديل عن تواجد رجال الشرطة بكل الشوارع والمناطق وان يتجاوز الجميع احداث تلك الأيام المريرة وان نضمد جراحنا وان يكون الحب والتعاون مع رجال الشرطة علي أساس القانون وحماية الحقوق وان تكون الصورة الجديدة بعد احداث 25 يناير مثار تغيير في العلاقات بين الشرطة والمواطن. الترحيب والمودة في اطار من الاحترام والترحيب بعودة هؤلاء الرجال فهم الاخوة والابناء قبل أي شيء وما أحلي المشاعر الوطنية والانتماء حينما تسود العلاقة بين الطرفين. مرة أخري مرحبا وتحية لرجال الشرطة بعودتهم إلي مواقعهم ومرحبا بعودة الأمن والاستقرار لكي تمضي عجلة الانتاج بعد توقف طال أمده. يا أبناء مصر لا بديل عن تضافر الجهود حتي يسود الأمان القلوب قبل أرض الواقع. دعونا نتجاوز الأحزان فالوطن ينتظر منا الكثير.