«رب ضارة نافعة».. عبارة تلخص تلك المواقف الشعبية الرائعة التى عاشتها مصر خلال ازمتها الأخيرة، وعلى الرغم من الأزمة ومرارتها وتأثيراتها السلبية على البلاد، فإنها أسفرت عن إزاحة الغبار عن المعدن الأصيل للشخصية المصرية، وظهر ذلك جلياً من خلال اللجان الشعبية التى شكلها الأهالى خلال فترة الانفلات الأمنى لحماية أرواحهم وممتلكاتهم والممتلكات العامة. وقد التحمت كل فئات الشعب وطوائفه من كل الأعمار والمستويات الاجتماعية ووقفت صفاً واحداً للدفاع عن مصر وأمنها الداخلى أثناء فترة عصيبة تهدد فيها أمن الوطن والمواطنين. واستطاعت اللجان الشعبية بالتعاون مع رجال القوات المسلحة البواسل فى صد المحاولات الإجرامية لترويع المواطنين وسلب ونهب الممتلكات الخاصة والعامة.. وأدى المواطنون دورا وطنيا بارزا خلال الأزمة سيشهد له التاريخ.. أكتوبر جابت شوارع مصر والتقت مع العديد من المواطنين الذين شاركوا فى هذه اللجان. «زينب محمود» طالبة انضمت إلى إحدى اللجان الشعبية بالقاهرة وكلفت بتنظيف ميدان التحرير هى ومن معها تقول: دفعنى حبى لوطنى وحرصا منى على نظافته وخصوصاً ميدان التحرير إلى التطوع للقيام بهذا العمل أنا وبعض الشباب الجامعى وغيرهم وذهبنا إلى ميدان التحرير وسط المظاهرات نجمع علب العصير وبقايا الطعام والأوراق الملقاة على أرضية الميدان.. احضرنا أكياساً كبيرة وكراتين لنجمع فيها مخلفات المتظاهرين ونضعها فى مكان بالميدان إلى أن تأتى سيارات جمع القمامة لنقلها.. وهكذا يومياً منذ بدء المظاهرات إلى أن تنتهى. «سيد على» شاب فى مقتبل العمر يحمل كيساً به كمية من البلح الجاف (التمر) يوزعه على المتواجدين بالميدان وابتسامة خفيفة لا تغادر وجهه سعيداً بهذا العمل البسيط. كما رأيت عددا من المواطنين يحملون كميات كبيرة من علب الزبادى وأصابع الفينو ويدخلون بها إلى ميدان التحريرلإعطاء من يحتاج منهم إلى طعام ممن ليس معه مال ليشترى طعاماً. وعند مغادرتنا للميدان وجدناً شباباً يحملون مسَّاحات يرفعون بها المياه المتراكمة فى الحفر والمنخفضات عند حافة الميدان من جهة المتحف المصرى ويدفعونها إلى خارج الميدان. يقول عباس على شاب من القاهرة أردت أن أقوم بشئ أحافظ به على النظافة فى موقع المظاهرات وتطوعت فى إحدى اللجان الشعبية التى سلمنا المسئولون فيها بعض أدوات النظافة مثل المسَّاحات وغيرها لتصريف المياه المتراكمة فى وسط وأطراف الميدان. بقى أن نقول إن عباس شاركه عدد كبير من الشباب لتطهير الميدان من المياه والحفاظ عليه من أى تلوث. وفى طريق العودة شاهدنا عدداً كبيراً من الشباب يرفعون آثار الحرائق التى اندلعت فى عدد من السيارات ويضعونها على جانب الطريق تمهيداً لرفعها من قبل سيارات المحافظة ومنها كاوتشات محروقة وعدد كبير من الحجارة والأخشاب وغيرها والتى تعيق حركة المرور. الدفاع الشعبى وننتقل بالصورة من ميدان التحرير والميادين المحيطة به بوسط القاهرة إلى داخل الأحياء الشعبية والتى انتشرت بها مظاهر الخوف والقلق خصوصاًُ أثناء حظر التجول ومع دخول الليل يزداد الخوف والرعب فى نفوس المواطنين وخصوصا الأطفال وكبار السن والمرضى. ففى حى المرج خرج كثير من شباب المنطقة وفى أيدى كل منهم الشوم والأسلحة البيضاء وغيرها يدافعون بها عن منطقتهم وشكّل الشباب مجموعات تقف عند مداخل الشوارع يتحققون فيها من شخصية أى شخص غريب لا يعرفونه يريد دخولها، ولو شكوا فى أحدهم يسلمونه فوراً إلى أقرب نقطة عسكرية. كما قام الأهالى بحماية منازلهم ووقفوا أمام تلك المنازل لساعات متأخرة من الليل متسلحين بالعصى والشوم وكل ما يستطيعون حمله لحماية أنفسهم وأبنائهم ومنازلهم ومتاجرهم من أى مخرب يستغل عدم وجود الامن النظامى للسلب والنهب. وفى عين شمس والزهراء قام الشباب متطوعاً بحماية المحلات التجارية منذ بدء سريان حظر التجول حتى انتهاء اليوم التالى متسلحين بما يستطيعون لمواجهة الخارجين عن القانون فى ظل غيبة رجال الأمن. يقول مصطفى فرج من شباب حى الزهراء بعين شمس.. أقوم أنا وبعض شباب الحى بحمل ما تيسر لنا من أدوات ونقف على مداخل حوارينا وشوارعنا إلى ساعة متأخرة من الليل بعدما سمعنا عن هروب كثير من المساجين من سجون أبوزعبل والمرج وبعض المسجونين فى أقسام الشرطة التى خلت من رجال الأمن فهرب السجناء وانتشروا فى الشوارع يروعون الناس وينهبون متاجرهم ومحلاتهم مصدر رزقهم.. فخرجنا ندافع عن أهالينا ومنازلنا ومصادر رزقنا. ويقول إسلام المصرى بكفر الشرفا: رأيت فى وجوه أخواتى البنات الخوف من طلقات النار فى أرجاء المنطقة فعزمت أنا وبعض الشباب على أن نتسلح بما نستطيع وحملت بندقية رش وانتشرنا أمام الشوارع فأقمنا المتاريس لتفقد الغرباء الداخلين إلى شارعنا والتأكد من شخصياتهم وتسليم من نشتبه فيهم للشرطة العسكرية ونقوم بهذا العمل من تلقاء انفسنا وبدافع من حبنا الشديد لأمن وطننا وأهلنا وممتلكاتنا. متطوعون عبد الرحمن إبراهيم شاب من المطرية يقول لم استطع أن أجلس فى بيتى دون أن أفعل شيئاً من أجل منطقتى وطنى الصغير فخرجت أنا وكثير من شباب الحى بتنظيم المرور فى ميدان المطرية حتى لا يحدث ارتباك قبيل بدء حظر التجول ووزعنا انفسنا علىالميدان كله وساهمنا بخبرتنا البسيطة وفى غياب رجال المرور ساهمنا فى تسيير حركة المرور بالميدان وندعو جميع الشباب للقيام بدوره الوطنى. ويقول رمضان أمين من سكان مدينة السلام بعدما سمعت عن هروب المسجونين من سجن أبى زعبل القريب منا وانتشار أخبار مقلقة عن وجود خارجين عن القانون داخل المدينة قمت وبعض شباب المنطقة بأخذ احتياطاتنا لحماية شققنا ومحلاتنا من هؤلاء المخربين الذين نشرت أخبارهم الرعب بين أهالينا وأبنائنا.. وأعددنا ما اتيح لنا من إمكانات بسيطة لندافع بها عن انفسنا.. وأقمنا المتاريس لمراقبة الغرباء والمشبوهين. انت مين يا جدع؟! ومن الصور الرائعة التى شاهدناها خروج امرأة فى الأربعينات من عمرها وبصبحتها أولادها (ولدان وبنتان) لمشاركة الشباب المتجمع على رأس شارعهم وتحمل معها عصا غليظة ويحمل أبناؤها عصى أخرى تناسبهم وقفت أمام منزلها مصممة على أن تهوى هى وأبناؤها بعصيهم على أى معتدٍ عليهم.. فأعطت القدوة لبعض نساء الشارع وابنائهن للخروج للدفاع عن بيوتهم من المخربين والخارجين على القانون.. ولما اقتربت منى لأحييها على تصرفها فقالت لى: أنت مين يا جدع أنت ونادت على أحد الشبان الواقفين فأسرع نحوى وهّم بالاشتباك معى فأخبرته بأننى صحفى ومن سكان شارع آخر بالمنطقة وتعرف علىّ بعض الشباب وفضوا سوء التفاهم فأنقذونى من علقة ساخنة وتسليمى للشرطة العسكرية. ويقول بكرى محمد من الفيوم: صنعت حربة من نصل سكين بدون يد وعصا غليظة ولففتها بلاصق جيدا فبدت كأنها حربة أو سونكى بندقية لأطعن بها كل من يحاول ترويعى أنا وأهل بيتى ولن أتركها حتى يسود الأمن والأمان فى المنطقة وتعود الشرطة لمزاولة عملها المكلفة به. أما هانى محمود وجاره أحمد السيد فقد أخرجا البنزين من سيارتيهم وملأن به عدة زجاجات فارغة واحكما غلقها ووضعاها على أهبة الاستعداد لإشعالها فى وجه من يهاجمون منزليهما أو أحد منازل الجيران إلى أن يعود الأمن والهدوء الغائب عن المنطقة. وأخيراً.. أعظم ما افرزته اللجان الشعبية وتطوع الشباب للدفاع عن أنفسهم ومنازلهم بقدر إمكاناتهم أفرزت هذه المشاركات الشبابية الوحدة الشعبية لحماية الوطن وتيسير أموره من مرور وضبط المخالفين ومطاردة المجرمين فى غياب الأمن النظامى وأكدت تلاحم الشعب المصرى مع الجيش من أجل الحفاظ على أمن وأمان الوطن وحماية أهله وممتلكاته.. ولم يتكاسل أحد فى تلبية نداء مصر لحمايتها من البلطجة والخروج عن القانون وواجهوا الانفلات الأمنى والفوضى التى خلفها اختفاء رجال الشرطة عند نزول الجيش وهروب عدد كبير من المساجين مما نشر الرعب بين المواطنين ودفع الجميع أولاداً وبنات رجالاً ونساء كباراً وصغاراً للقيام بواجبهم الحتمى للدفاع عن وطنهم وهذا هو معدن المصرى الذى ينحاز لوطنه وقت المحن ولا يسمح لأحد بزعزعة استقراره وأمنه والقيام بدوره وقت المحن والشدائد.. ومستعد أن يضحى بنفسه فى سبيل حماية بلده من أى معتدٍ سواء كان هذا المعتدى خارجياً أو داخلياً من البلطجية واللصوص.. ليبقى المصرى بثقافته العريقة مثالاً حياً على حبه لوطنه فيدافع عنه ويحميه بما تيسر له من سلاح بسيط من المجرمين وينظف الشوارع وينظم المرور وسط الأزمات والمظاهرات. يد واحدة وشعب واحد ومنطقة شبرا الخيمة: يقول أحد أفراد اللجان الشعبية ويدعى محمد أحمد محمد مهندس إننا لجنة متكاملة مكونة من 30 فرداً فى أعمار مختلفة وثقافات مختلفة مثل أطباء ومهندسين ومحامين ومحاسبين أن طبيعة الشارع تتطلب منا أن نكون يدا واحدة وندافع عن أرض مصر لأننا تربينا فيها ونتصدى لكل المجرمين وحماية كل شىء فى الشارع من تخريب ويسيئ لسمعة مصر. وأضاف أنه كان لزاماً على كل مصرى النزول فى الشارع لحماية بلده حتى نحمى مصر لأنها أم الدنيا فلماذا كل هذا التخريب والدمار لصالح من؟ فيجب أن يكون هناك وعى سياسى بين الشباب الذى لم يعرف مصلحة بلده. أنور عبد السميع محامى قال إننا مصريون وهذه فتنة وتلاعب بسمعة مصر والقضاء على كل ما هو جميل وتاريخى، فمصر لا تستحق كل ما حدث من تخريب ودمار من أبنائها.. وأضاف أنه بالأمس القريب تم القبض على مجموعة كانت تقوم بنشر منشورات لتهييج الشارع المصرى ضد النظام فتم القبض عليها وأيضاً تم القبض على ثلاثة أفراد كانوا يقومون بسرقة بعض المحلات فى منطقة شبراء الخيمة وتسليمهم إلى القوات المسلحة الموجودة بمنطقة التحرير وقال إن التعبير عن الرأى حق سياسى بدون تخريب لأن الابتزاز السياسى له عواقب سيئة على الاقتصاد المصرى نقوم بدفع فاتورته بعد ذلك من دم الغلابة فالتخريب ليس من صالح أحد. محطة الإثارة أحمد السيد عبدالستار محاسب من بنها يقول إن هذه الفكرة جاءت بعد ملاحظة وجود البلطجية والمسجلين خطر بكثرة فى الشارع وأصبحنا مهددين بسبب عدم وجود الشرطة فقمنا على الفور بتشكيل لجان شعبية لكى ندافع عن بيوتنا ونسائنا وأطفالنا والتصدى لكل الأعمال الإجرامية التى أثارت الذعر والهلع فى الشارع. فقررت اللجان الشعبية التعامل بكل قسوة مع كل ما هو خارج على القانون بحزم وشدة وتسليمه إلى أقرب وحدة للقوات المسلحة. ومن مدينة قها يقول هيثم فراج ليسانس آداب إن تدهور الحالة الأمنية يؤدى إلى خراب للجميع حيث تعرض مصنع باندا للجبنة للهجوم من قبل بعض البلطجية بالسلاح ولكنهم لم يستطيعوا أخذ أى شىء بسبب صحوة اللجان الشعبية وأمن المصنع وأيضاً مول ماكرو الذى تعرض للسرقة من قبل فئة مجهولة قامت بسرقة معظم محتوياته دون التعرض لهم لأنه يقع فى منطقة زراعية بعيدة عن السكن فنحن مجموعة كبيرة من اللجان الشعبية حاولنا بقدر الإمكان التصدى لكل مخرب ومشاغب ومثيرى الذعر حتى نتغلب على هذه المحنة التى تتعرض لها البلاد بسبب فئة قليلة تبحث عن مصالحها الشخصية. ومن قرية الابيارى بطوخ يقول رضا وجيه نعمة الله دبلوم صنايع إن جميع أفراد القرية قاموا بالدفاع عنها ليلاً ونهاراً من خلال التصدى لكل غريب يأتى لهذه المنطقة لأننا جميعا عائلات نعرف بعضنا. فالغريب معروف وأضاف أننا قمنا بعمل دوريات بالتناوب فى أول ووسط وأطراف القرية للتصدى لكل من يحاول التعدى علينا وخصوصاً أننا نعيش فى منطقة زراعية وإذا تم الشك فى أى أحد نقوم بتبليغ أقرب منطقة للقوات المسلحة ونحاول بقدر الإمكان التصدى لأى نوع من أنواع التخريب كتأمين عام لأولادنا وأمهاتنا. فرج أحمد فرج (سائق توك توك) قال أنا أقوم بالدفاع عن قريتى وأبناء قريتى ومتقاعد عن العمل خوفاً من أن يعتدى عليه أحد فى الطريق من المجرمين فى المناطق المجاورة مما أعطانا الامان وعرفت أن هناك جهازا قويا مشرفا يخاف على أبنائه لأننى رجل بسيط دخلى محدودى وغير متعلم فأى شىء يؤثر علىّ ولذلك شاركت فى هذه اللجان الشعبية للدفاع عن بلدى وأهل قريتى وأنا أكره القنوات الفضائية التى تعمل على إثارة الفتنة والشغب بين المواطنين. انتشرت فى المحافظة اعمال السلب والنهب التى مارسها البلطجية والمسجلون والحرامية واطفال الشوارع ولم يفرقوا بين الممتلكات العامة والخاصة.. وعاش أهالى الإسكندرية فى حالة من الرعب وخاصة الأطفال والنساء والشيوخ.. بعد الفراغ الأمنى، الذى ساد المدينة على مدار أيام الجمعة والسبت. وعندما نزلت القوات المسلحة شكل أهالى الإسكندرية لجانا للمقاومة الشعبية ودورعا بشرية لحماية المدارس والمستشفيات والبنوك. حماية الكنائس من المشاهد التى تدل على وحدة المصريين قيام اللجان الشعبية التى شكّلها أهالى الإسكندرية قيام الشباب من المسلمين والمسيحيين بعمل دروع بشرية أمام كنائس الإسكندرية ومنها البطرياركية المرقسية المقر الباباوى وكنيسة القديسين التى شهدت أحداث التفجيرات وجميع الكنائس بكل أحياء المدينة فى الأحياء الشعبية والراقية بالمدينة. ونجحت اللجان الشعبية بالتعاون مع قوات الجيش فى التصدى لمحاولات البلطجية والمسجلين خطر فى اقتحام سجن الحضرة بوسط المدينة وكذلك سجن الغربانيات بغرب المدينة وقد تعرض البلطجية لوابل من النيران حتى فشلت محاولات اقتحام السجون. وقام أئمة المساجد عن طريق مكبرات الصوت بالمساجد بدعم اللجان الشعبية إذاعة الأحاديث النبوية والآيات القرآنية التى تدعو المواطنين للمحافظة على المنشآت وأهمية المال العام وتحريم الاعتداء عليه وكذلك الأحاديث التى تدعو لتأمين المواطن والتصدى لمحاولات البلطجية وقد استطاع الشباب فى اللجان الشعبية بتشيكل المجوعات لتأمين المرور فى الشوارع وكذلك تأمين منشآت المياه والكهرباء والصرف الصحى وكذلك البنوك والمدارس والتليفونات. فى مقر مديرية أمن الإسكندرية والتى تحميها القوات المسلحة عقد اللواء محمد إبراهيم مدير الأمن اجتماعاً مع ضباط الشرطة مساء الأحد بحضور قيادات من القوات المسلحة.. وطالبهم فيه بالانتشار فى الشوارع ومساعدة قوات الشرطة العسكرية لتأمين المدينة فى دوريات مشتركة ومواجهة اعمال السلب والنهب والقبض على الهاربين من المساجين. اللواء عادل لبيب محافظ الإسكندرية قد وجه نداء إلى الأهالى بتشكيل اللجان الشعبية.. والمحافظة على الممتلكات العامة.. حتى يعود الهدوء للمدينة، فعاشت الإسكندرية حالة من الاستنفار الكامل من قبل الأهالى الذين تعاهدوا على الحفاظ علىمدينتهم وعودة الهدوء إليها.