أكد د. حسين محمود خبير مكافحة الفساد بمركز العقد الاجتماعي ان الشفافية في عرض الحقائق ووجود قانون لتنظيم تداول المعلومات يمثل البداية لمكافحة الفساد. قال في حوار ل "المساء" ان نشر تقارير الجهات الرقابية يؤدي إلي شعور المواطن بوجود استراتيجية لمكافحة الفساد وهو ما يؤدي إلي التضامن الشعبي معها. طالب بان تكون هناك حماية للشهود في قضايا الفساد وتخصيص حافز مادي يشجعهم علي لإبلاغ وتعديل قانون الوظيفة العامة حتي نضمن ان يحصل عليها من يستحق بعيداً عن الوصاية والمحسوبية. أكد علي الحاجة لوجود تشريع لمنع تفشي المخالفات والفساد في القطاع الخاص حيث ان القوانين الحالية لا تستطيع التعامل مع القطاع الخاص. * سألنا د. حسين محمود هل هناك تعريف محدد للفساد يمكن ان نعتمد عليه في مواجهة هذه الظاهرة؟ ** هناك اختلاف بين المدارس العلمية في تعريف الفساد وهذا راجع إلي اختلاف الخلفية الخاصة بهذه المدارس ما بين قانونية أو اجتماعية أو سياسية ولكن بصفة عامة التعريف الذي لقي القدر الأكبر من الاتفاق بين الخبراء هو استغلال المنصب العام بفرض تحقيق مكاسب خاصة أي ميزه غير مستحقة سواء مادية أو معنوية كالمحسوبية أو الوساطة ومن هذا المنطلق هناك فساد كبير وفساد صغير ومعيار التفرقة هنا المقابل في الفساد فالشخص الذي يحصل علي رشوة مثلاً 10 أو 20 جنيهاً نموذج للفساد الصغير والفساد الكبير الذي يكون مقابله مبالغ مالية صخمة وان كان هناك رأي يري ان الفساد الصغير في مجمله يؤدي إلي الفساد الكبير. أشكال عديدة * إذا تحدثنا بصورة أكثر تفصيلاً ما هي أبرز مظاهر وأشكال الفساد؟ ** الفساد في مجمله يأخذ عدة أشكال ولكننا نستطيع ان نجمعها في عدة مظاهر مثل الفساد السياسي الذي يعني استغلال المنصب السياسي لتحقيق مكاسب حزبية لحزب من الأحزاب وتيسير مصالح الدولة من أجل البقاء في السلطة كذلك من أشكال الفساد السياسي عدم الالتزام باتفاق الأحزاب للدعم المخصص لها في موضعه أو عدم الالتزام بسقف الحملات الانتخابية والفساد المالي ويتمثل في الانحرافات المالية وتحصيل مبالغ مالية غير مستحقة وعدم الموازنة بين تحصيل الموارد وقواعد الانفاق والفساد الإداري يعني التقصير أو الاهمال في أداء واجبات الوظيفة العامة واستغلال المخصصات الحكومية لتحقيق مصالح خاصة وأخيراً الفساد الأخلاقي وهو علي قدر كبير من الأهمية حيث ان تساهل الثقافة العامة مع مظاهر الفساد المنتشرة يؤدي إلي زيادته بصورة كبيرة. التسامح الأخلاقي * بعد ان حددنا مظاهر الفساد ما هي من وجهة نظرك أهم الأسباب التي تؤدي إلي شيوعة؟ ** الأسباب وراء انتشار الفساد كثيرة ويأتي علي رأسها التسامح الأخلاقي مع ظواهر الفساد في مصر وهذا التسامح ناتج عن مشكلة متأصلة لدينا وهي تدني الأجور فبالرغم من زيادة المرتبات في الخمس سنوات الأخيرة بنسبة 100% إلا ان النسبة الأكبر من العاملين في الدولة لا يحصلون علي ما يكفي لسد احتياجاتهم الأساسية ويرتبط بهذا التساهل الحكومي في مواجهة الظاهرة وهناك أسباب تنظيمية متمثلة في عدم وجود تحديد دقيق للواجبات الإدارية والوظيفية أي لا يوجد إطار حاكم للهيكل الإداري وهناك أسباب هيكلية بمعني عدم وجود تفريق واضح بين السلطات الثلاثة في الدولة من تشريعية وتنفيذية وقضائية ومن ثم فالمواطن في أحيان كثيرة لا يعرف إلي من يلجأ لتقديم مظلمتة وأسباب طبقية تتمثل في عدم التوزيع العادل للدخل القومي وأسباب سياسية تتمثل في ضعف دور المعارضة ومدي تنظيمها حتي تكون قادرة علي مساءلة الحكومة وكشف أوجه الفساد وأسباب قانونية متمثلة في غياب الأطر التشريعية الحاكمة لعمل الأجهزة الرقابية بحيث تعطي لها اختصاصات واضحة بجانب غياب الشفافية فالفساد لا يستطيع ان يعيش في مجتمع شفاف وبه تداول للمعلومات. هروب المستثمرين * وما الآثار التي تنجم عن الفساد والتي تطول جميع القطاعات؟ ** هناك آثار خطيرة تترتب علي الفساد الكل يعلمها أولها علي الناحية الاقتصادية فأي مستثمر أجنبي يهرب من الاستثمار في الجو الفاسد ذلك يعطل استثماراته ويرفع تكلفة الاستثمار وهو ما يؤدي تباعاً إلي تراجع في الطلب علي الوظائف ومعدل النمو الاقتصادي وعدم القدرة علي خدمة الدين العام وحتي المستثمرين الوطنيين الشرفاء يحجمون علي الاستثمار في هذا المناخ وأيضاً تمتد الآثار إلي الناحية الاجتماعية وتوجد حالة من عدم الاستقرار السياسي وأخيراً افساد الثقة بين المواطن والحكومة وهو ما يؤدي إلي نتائج خطيرة. * وما هي سبل علاج الفساد من وجهة نظرك خاصة ان هذا أصبح مطلباً لقطاعات عديدة من المواطنين؟ ** هناك وسائل عديدة لعلاج الفساد تبدأ بعلاج الثغرات التشريعية الموجودة في القوانين مثل وجود قانون لتنظيم تداول المعلومات والشفافية في الحصول علي المعلومات فالفساد لا يعيش كما قلنا في بيئة شفافية أيضا نحتاج إلي قانون يتيح نشر تقارير الأجهزة الرقابية فهذا يؤدي إلي معرفة المواطن بالجهود التي تبذل لمكافحة الفساد وتجعل هناك نوعاً من التضامن الشعبي في مواجهته ويدرأ أيضاً عن الأجهزة الرقابية شبهة عدم القيام بدورها. * وهل نحن في حاجة إلي أجهزة جديدة لمواجهة الفساد؟ ** هناك مدارس متعددة في هذا المجال المدرسة الأولي تري وجود جهاز واحد يقوم بمهمة التحري والتحقيق والاحالة للمحاكمة حيث ان هذا من وجهة نظر المؤيدين لذلك يؤدي إلي قيام الجهاز بعمله بشكل أسرع وأقوي والمدرسة الثانية تري تعدد الأجهزة الرقابية حيث ان الاختلاف في التحقيق وأنواع الفساد يستدعي أيضا الاختلاف في تكوين الأجهزة والمدرسة الثالثة تري وجود أجهزة متعددة مع وجود تنسيق يحدد مهامها ويضع الاستراتيجيات العامة للمكافحة وأعتقد أننا كنا بدأنا مؤخراً الأخذ بهذا الاتجاه من خلال إنشاء اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد وكان الهدف إعداد خطة قومية لمكافحة الفساد وعموماً أري أنه بغض النظر عن وجود جهاز أو أكثر لمكافحة الفساد يجب ان تزيد المخصصات المالية للأجهزة الرقابية وتدريب العاملين بها بشكل أفضل مما هو حادث الآن بالرغم من اعترافنا بالجهد الذي يبذلونه في ظل الظروف لمواجهة الفساد. التعيينات والترقيات * وهل نحن في منظومة جديدة من القوانين القادرة علي منع ومكافحة الفساد؟ ** بكل تأكيد وعلي رأس هذه القوانين قانون حماية المبلغين والشهود وعن وقائع الفساد وجعل الاعتداء عليهم بمثابة ظرف مشدد ينال مرتكبه عقابا أكبر بجانب وجود حافز مادي للمبلغين عن الفساد أيضا يجب إعادة النظر في قانون الوظيفة العامة بحيث تكون التعينيات والترقيات بعيداً عن المحسوبية والوساطة وان تكون هناك أسس موضوعية لهذا الأمر وتعديل جداول الأجور بحيث يكون عادلاً ولا يحدث تفاوتا في الأجور مثلاً بين محاسب يعمل في جهة ما ومحاسب آخر يعمل في الوحدة المحلية علي سبيل المثال أيصا يجب ان يتم تحويل اقرارات الذمة المالية التي تجمعها الجهات الإدارية إلي إدارة الكسب غير المشروع لاختيار عينه عشوائية منها لمراجعتها والتأكد من صدقها أيضا نحتاج إلي تشريع يحكم الفساد في القطاع الخاص ويحاربه وان نعطي الحق للبنوك العاملة في مصر للتدقيق في حسابات العملاء في حالة حدوث أي زيادة غير منطقية فيها. * من ضمن مهاما كمركز عقد اجتماعي مكافحة الفساد فما هو الإطار الذي تعملون من خلاله وماذا قدمتم لمواجهته؟ ** المركز نشأ بعد ان ظهرت الحاجة إلي أهمية وجود عقد اجتماعي جديد يعيد صيانة العلاقة بين المواطن والدولة في إطار معين يضمن تنظيم المجتمع ويساعده علي البقاء بمعني انه يحدد الواجبات والمسئوليات وتركز عملنا علي مواجهة الفقر والفساد وقمنا بوضع 55 برنامجاً لإحداث تنمية اقتصادية شاملة وفيما يخص الفساد تحديداً قمنا بدون الدخول في تفاصيل في رصد مصادر الفساد واشكاله وكل ما يتعلق به وقمنا بإعداد استراتيجية متكاملة لمواجهته ولكن لم تصل بعد للجهات المسئولة للتنفيذ كان هدفها أيضا التوافق مع القوانين المنظمة لهذا الأمر خاصة ان مصر ستخضع في 2013 للمراجعة الدولية في هذا المجال وفقاً لاتفاقية الدوحة في .2009 * أخيراً كيف تري كباحث في هذا المجال كيفية خلق توافق مجتمعي علي مكافحة الفساد؟ ** نقطة البداية لذلك اتخاذ إجراءات فورية لإعادة الثقة المفقودة بين المواطن والدولة ولن يتحقق ذلك إلا بوجود إرادة سياسية قوية وفعالة لمكافحة الفساد بشرط ان يشعر بها المواطن والإعلان عن استراتيجية وطنية قومية لمكافحة الفساد لا تتغير بتغير المسئولين والقيادات واشراك جميع قطاعات المجتمع في هذا الأمر.