عيار 21 بكام.. انخفاض سعر الذهب الأحد 28 أبريل 2024    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 28 أبريل    طالبوا بصفقة لتبادل الأسرى.. شرطة الاحتلال تعتقل 7 متظاهرين في تل أبيب    الأهرام: أولويات رئيسية تحكم مواقف وتحركات مصر بشأن حرب غزة    الزمالك يتحدى دريمز في مباراة العبور لنهائي الكونفدرالية الإفريقية    حطموني بعد 23 سنة والآن مفلسة، أيقونة المطبخ الجزائري تستنجد بالرئيس (فيديو)    الأرصاد: اليوم طقس حار نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 31    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    لا بديل آخر.. الصحة تبرر إنفاق 35 مليار جنيه على مشروع التأمين الصحي بالمرحلة الأولى    كينيا: مصرع 76 شخصًا وتشريد 17 ألف أسرة بسبب الفيضانات    محاكمة المتهمين بقضية «طالبة العريش».. اليوم    محافظ الإسكندرية يطلق مبادرة توظيفك علينا لتشغيل 1000 شاب وفتاة    موعد مباراة إنتر ميلان وتورينو اليوم في الدوري الإيطالي والقناة الناقلة    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    الأطباء تبحث مع منظمة الصحة العالمية مشاركة القطاع الخاص في التأمين الصحي    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    سيد رجب: بدأت حياتى الفنية من مسرح الشارع.. ولا أحب لقب نجم    عاجل.. قرار مفاجئ من ليفربول بشأن صلاح بعد حادثة كلوب    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    أسعار الأسماك واللحوم والدواجن والخضروات.. اليوم 28 أبريل    زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمان لبناء العلاقات مع روسيا    التصريح بدفن جثة شاب صدمه قطار أثناء عبوره المزلقان بقليوب    تسليم أوراق امتحانات الثانوية والقراءات بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    أتلتيكو مدريد يفوز على أتلتيك بلباو 3-1 في الدوري الإسباني    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    غدا.. محاكمة عاطل متهم بإنهاء حياة عامل في الحوامدية    بعد التراجع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 28 أبريل 2024 بالأسواق    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    حسام البدري: أنا أفضل من كولر وموسيماني.. ولم أحصل على فرصتي مع منتخب مصر    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    بعد جريمة طفل شبرا، بيان عاجل من الأزهر عن جرائم "الدارك ويب" وكيفية حماية النشء    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد: العالم ينفق 40 مليار دولار سنويًا علي الرشاوي
نشر في القاهرة يوم 26 - 01 - 2010

وجاءت هذه ( الالتزامات ) المهمة من جانب مصر في كلمة النائب العام أمام مؤتمر الدول الأطراف في " اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد "، الذي عقد مؤخرا في الدوحة ، وطالبت فيه مصر بتفعيل الحوار البناء بين خبراء الدول من أجل تنفيذ فعال لاتفاقية مكافحة الفساد ، وتحديد الصعوبات التي تواجهها وتقديم المساعدة التقنية التي تسهم في تخطي هذه الصعوبات ، كما دعت مصر إلي دعم العمل المشترك بين مختلف الدول لقطع دابر الجريمة ، وعدم توفير ملاذ آمن للمجرمين ، ولإيجاد ثقافة التعاون القضائي الدولي علي جميع المستويات.
هذا الالتزام الرسمي من جانب مصر باتخاذ جميع التدابير التشريعية والرقابية لمكافحة الفساد، واكبه حدثان علي جانب كبير من الأهمية علي المستويين المصري والعالمي. علي مستوي مصر صدرت دراسة عن وزارة الدولة للتنمية الإدارية عن " الأطر الثقافية الحاكمة لسلوك المصريين واختياراتهم دراسة في قيم النزاهة والشفافية في المجتمع المصري " . وعلي المستوي الدولي، أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرها لعام 2009 ، والذي تضمن بحث الروابط القوية بين تنامي الفساد ، ومستويات الشفافية والحوكمة ، ونتائج الأزمة المالية والاقتصادية في العالم.
ومن المفارقات أيضا ، أن يواكب هذه الأحداث ، تصريحات ومطالبات في الولايات المتحدة تهدف إلي " تفعيل عمل مكتب ولجنة "الأخلاق" التابعة للكونجرس الأمريكي من أجل وضع حد لثقافة الفساد ، والأعمال والسلوكيات المخزية من جانب النواب الأمريكيين " في الولايات المتحدة.
طبعا لا مغالاة إذا قلنا إن قضية الفساد تشغل بال العالم كله ، كما تشغلنا في مصر لدرجة أننا يمكن أن نعتبرها حديث الساعة . ولا يخفي أيضا أن السبب في ذلك أن ثمن الفساد بالغ الخطورة ، ولا يسلم منه أحد . فالعالم ينفق ما بين 20 40 مليار دولار سنويا علي الرشاوي ، وهذه تعادل حوالي 40 % من المساعدات التنموية الرسمية ، الأمر الذي يضر بالتجارة ، والتنمية ، وحقوق المواطن علي كل المستويات . كذلك ، أكدت عدة دراسات حديثة علي نماذج من الدول منها تايلاند وأندونيسيا والهند وكوريا ، ووجد أن الحكومات تدفع فيها ما بين 20 60 % زيادة علي الأسعار واجبة الدفع ، بسبب الفساد . ووفقا لتقرير الأمم المتحدة والبنك الدولي ، فإن التسربات العالمية الناتجة عن النشاطات الإجرامية والفساد والتهرب من الضرائب تقدر بما يتراوح بين تريليون دولار، و1.6 تريليون دولار في العام الواحد.
مضاعف الفساد
السؤال الذي أبادر بطرحه الآن هو: ما الفارق بين الفساد الذي تحدث عنه تقرير وزارة الدولة للتنمية الإدارية في مصر ، والفساد في الدول الأخري الذي تحدث عنه تقرير منظمة الشفافية الدولية؟
ولنبدأ الحكاية من البداية، أي نظرة الناس بوجه عام لما يرونه من أهم أسباب انتشار الفساد . ففي التقرير الدولي يري 8 % أن الفساد استشري بسبب القطاع الخاص، وبسبب عدم فعالية الإجراءات التي تتخذها الحكومات للحد من الفساد في الأحزاب السياسية ، والبرلمانات ، والإدارات العامة ، ويرون أيضا أن البرلمانات تأتي علي رأس المؤسسات التي يستشري فيها الفساد ، تليها المؤسسات العامة.
وفي الاستطلاعات العامة، ذكر 93 % أن سبب انتشار الفساد هو غياب العقوبات ، ويري 84 % أن السبب هو الرغبة في مضاعفة الثروة الشخصية ، ويري 78 % أن السبب هو سوء استغلال السلطة ، ويري 66% أن السبب هو عدم وجود معايير واضحة للسلوك، ويري 75 % أن السبب هو ضغوط المديرين والأشخاص في المراكز العليا ويري 81 % أن السبب هو انعدام الشفافية.
في مصر ، يغلب علي إدراك المصريين أن الفساد ينتشر فقط في ( فئة أصحاب المناصب الكبري )، واليوم عندما يتحدث أحد أمام المصريين عن مفهوم " الخصخصة " فإن المعني الذي يتبادر إلي الذهن هو ( نهب وسرقة أموال الدولة )، وهذا لا يقتصر علي إدراك المصريين ، ففي التقارير الدولية ، ينتشر اعتقاد لدي أغلبية من تستطلع آراؤهم أن الفساد ينتشر في القطاع الخاص (حوالي النصف) بزيادة 8 نقط حاليا، بالمقارنة مع نتائج سنوات سابقة.
بالنسبة للمصريين تبدو أهمية هذه النقطة لأنها مؤشر عن توجهاتهم نحو النظام الاقتصادي الذي تطبقه الدولة . ففي استطلاع للرأي العام المصري وجد أن 98.2 % يرون أن النظام الاقتصادي الأفضل لمصر هو الذي تقوم فيه الدولة والقطاع العام بالدور الرئيسي ، بينما تفضل نسبة 10.8 % القطاع الخاص ، ويعتبر نحو 20 % فقط أن الخصخصة مفيدة للاقتصاد المصري.
أيضا من أسباب الفساد (في إدراك المصريين) نوعية العلاقة بينهم وبين الحكومة ودرجة الثقة فيها. ويري 68 % من المصريين حسب الدراسة أن الحكومة لا تفي بوعودها معهم ، وأنه يغلب عليها الانحياز إلي رجال الأعمال ( 22 % ) ، وبنسبة 22 % تقريبا يسود الاعتقاد بأن الحكومة لا تتصدي للفساد . أما عن معدل الثقة في الحكومة بوجه عام ، فإن النسبة لا تتعدي النصف إلا بقليل ( 4 . 50 %) .
ومن معتقدات المصريين أيضا أن الدولة ليست عادلة ، وحسب الدراسة المصرية ، يري 66 % أنها تنحاز إلي فئات معينة ( أصحاب النفوذ 70 % ، رجال الأعمال 55 % ) ، ويري 5 . 42 % أنها لا تقدم خدمات جيدة للفقراء ، ونسبة 31.1 أنها لا تطبق القانون . أما عن العلاقة بين الناس والمسئولين فإنها غير سوية، فيري 1 . 43 % أن المسئولين لا يقولون الحقائق ، ولا يتحدثون بصراحة ، بينما يري 41.4 % أن الحكومة أحيانا تقول الصراحة .
ولكن، هل الحكومات والمؤسسات هي فقط المسئول الأوحد عن انتشار الفساد؟ أليست هناك مسئولية تقع علي عاتق الفرد/ المواطن في تسهيل الفساد، أو قبوله، أو تمريره؟
ماذا إذا عرفنا أن 26.4 % من المصريين (حسب الاستطلاع) يقرون أنهم لجأوا بالفعل إلي تقديم الرشاوي لإنهاء مصالحهم الحكومية ، الأخطر من ذلك أن 49.9 % لا يرون في قبول الرشوة ما (يوصم الموظف الحكومي ). ثم تأتي الطامة الكبري حين تذكر الدراسة أنه حتي الذين ينتقدون الفساد ، ويرونه شيئا مشينا ، يفوضون أمرهم لله (بنسبة 50.4 % ).
وإذا كان الفساد في ذاته خطرا ، فإن الأخطر منه أن يتعايش الناس معه ، بحيث يصبح الفساد ممارسة يومية معتادة في الإدارات ، والمؤسسات، لأنه في هذه الحالة تصبح للفساد قواعد وآليات متداخلة في النسيج الاجتماعي والسياسي للمجتمع . فحين يري 49.9 % من المصريين أن تقديم الرشوة لايعيق ولايوصم الموظف الحكومي.
وإذا كان من أهم إيجابيات التقرير الذي صدر تحت إشراف وزارة الدولة للتنمية الإدارية أنه بين بوضوح أن كلا من الحكومة ، والمواطنين لديهم (إدراكا ) معقولا عن مشكلة الفساد في مصر ، فإن دراسة دولية تقول إن التحسن في مؤشر مدركات الفساد ( بزيادة نقطة واحدة ) يعني زيادة الانتاجية ، وزيادة تدفقات رؤوس الأموال بما يعادل 0.8 % من اجمالي الناتج المحلي للبلاد، وزيادة في متوسط الدخل بحوالي 4 % ، ويمكن أن تسهم في مساعدة الدولة علي تقييم الخسائر السنوية الناتجة عن الفساد.
مصر.. والتقرير الدولي
تعد مصر من أوائل الدول النامية التي صدقت علي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، وجاء ذلك انطلاقا من اهتمام واضح ، عكسته عدة اجراءات تصويبية وإصلاحية (لمواءمة) القواعد والتشريعات لتعزيز الشفافية والنزاهة والمساءلة ، وصولا إلي الحكم الرشيد. وفي مصر العديد من القوانين والتشريعات لمكافحة الفساد، وتم إنشاء لجنة الشفافية والنزاهة ، وتؤكد الشواهد علي قرب إنشاء هيئة قومية مستقلة لمكافحة الفساد.
ولا يخفي أيضا أن هناك اتجاهات بحثية ، وورش عمل تهدف إلي تعميق الفهم المشترك بقضايا الشفافية في مصر ، وتحليل المشكلات التي تفرز ظاهرة الفساد أو تحد من فاعلية الآليات القانونية والمؤسسية القائمة في مواجهتها . كما يتم التعريف بهيئات الرقابة ، والخبرات المقارنة في مجال تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، خاصة في قطاعات الخصخصة والجمارك والبنوك، والصحة. ومن المعروف أن جهات الرقابة في مصر هي: هيئة الرقابة الإدارية ، والجهاز المركزي للمحاسبات، والرقابة علي البنوك، وهيئة سوق المال ،و لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب.
هذه الخلفية، وهذه الخطوات، كان لابد من وضعها في الاعتبار عندما نتناول ما كشفه التقرير الدولي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2009 والذي يوصف بأنه (الترمومتر) الدولي لكشف الفساد علي مستوي ما يقرب من 180 دولة . هذا التقرير يمنح كل دولة درجة ( بين صفر/ أعلي درجات الفساد ) و (10/ أعلي درجات النزاهة) . ويأتي هذا علي أساس تقديرات الخبراء ، وإجراء مسح للرأي العام بشأن ممارسات الفساد. وفي التقرير تصدرت الدانمارك ونيوزيلندة والسويد قائمة الدول الأكثر نزاهة (9.3درجة ) وتلتها سنغافورة (9.2 درجة ) وفي المراكز الأخيرة جاءت العراق ، والصومال ، وبورما، وهاييتي.
وفي هذا التقرير ، جاء ترتيب مصرمتأخرا عالميا في مجال مكافحة الفساد ، لتحتل المركز111 من أصل 180 دولة . كان ترتيب مصر في عام 2006 (72) ، وفي عام 2007 (105) وفي عام 2008 (115) . وتساوت مع مصر في المركز في تقرير 2009 دولتا الجزائر وجيبوتي ، فيما سبقتها 8 دول عربية.
وقد أشار التقرير إلي أن مؤسسات المجتمع الدولي في مصر حاولت خلال السنوات الأخيرة تنظيم حملات من أجل مكافحة الفساد ، إلا أنها لم تحقق نتائج ملموسة في تحسين مركز مصر في هذا الصدد.
أما علي الصعيد الرسمي في مصر ، فإن المركز المصري في التقرير الدولي هو محل تشكيك، ويتم تقديم تقارير تدحض المعلومات التي أوردها تقرير المنظمة الدولية . وقد يكون لهذا التشكيك مبرراته المنطقية في ضوء عدة حقائق منها:
1 - أنه ربما يكون إدراك ووعي المواطنين في مصر بوجود جرائم وممارسات الفساد (أضعاف أضعاف) الحجم الحقيقي للفساد الموجود. ذلك انه عندما يكون أكثر من 45 % يشعرون بالظلم ، ويري نحو 76 % أن المساواة مفتقدة بسبب الفروق بين الأغنياء والفقراء ( وعندما يتشكك 7.3% في نزاهة القضاء) وعندما يثبت تقرير وزارة الدولة للتنمية الإدارية أن الدولة تتعمد (من وجهة نظر المواطنين) حجب المعلومات عن الناس ، وعندما نضيف إلي ذلك مشكلات الفقر والبطالة والعشوائية، أليس هذا هو المناخ المواتي لجعل المصريين يشعرون أن حياتهم مليئة ومترعة بممارسات الفساد (علما بأن الكثير من مشكلات المصريين يمكن أن تكون لها أسباب أخري) وهو ما توصل إليه ( التقرير الدولي) الذي يستطلع آراء عدد كبيرمن المصريين للوصول إلي نتائجه.
2- أنه نتيجة لذلك ، فإنه ربما تكون في مصر مشكلة يجب الاعتراف بها وهي أنه أصبح لدي الناس اعتقاد راسخ أن مصالحهم في أية هيئة أو مؤسسة، لن تتم إلا (بدفع المعلوم) وبالتالي يعرضون هم أنفسهم دفع (إكراميات) أو (مجاملات) حتي قبل أن يطلبها القائم بإنجاز الخدمة. وقد جاء ذلك من خلال اعترافات الناس في التقرير المصري، كما جاء في التقرير الدولي أن 60 % ممن شملهم الاستطلاع قالوا إن الرشوة واقع ملموس في دوائر الحكومة ، وهم يمارسون ذلك بالفعل ويتغاضون عنه ، الأمر الذي يجعل المواطنين (شركاء) مباشرين في قضية انتشار الفساد.
3 - في التقارير الدولية عموما ، هناك درجة من الانطباعية غير الدقيقة ، فقد يجيب الناس علي التساؤلات المطروحة ، وهم تحت تأثير نوعية الأداء الاقتصادي في لحظة إجراء الاستبيان، فتبدو النتيجة أقرب إلي المؤشرات السلبية.
الحالة التي تقترن بانتشار الفساد
من المقولات المتكررة إن "الفساد ظاهرة عالمية" تتصاعد خطورتها ، وأصبح تقريبا من الحقائق المعترف بها أن الفساد ، في أي بلد ، يستقوي بمركزي السلطة ، والقوة والنفوذ. وحين نتناول أحد تقارير لجنة الشفافية والنزاهة في مصر نجده هو نفسه يعترف بأن انتشار الفساد الإداري يرتبط بعناصر معينة هي :
1 - سوء استعمال السلطة.
2 - انتشار الرشوة والمحسوبية.
3 - الاختلاس من المال العام.
4 - التسيب والاهمال الوظيفي واللامبالاة والتفريط في المصالح العامة.
5 - الاتجار في الوظيفة العامة.
إذا تناولنا هذه النقاط بالتحليل المباشر، نجدها نوعا من (الشفافية) و(المكاشفة) . أليست هذه اللجنة لجنة حكومية؟
إن القيمة الحقيقية لتقارير لجنة الشفافية والنزاهة أنها مرتبطة (بواقع محدد ترصده) ذلك أن أهدافها الحقيقية تتجاوز مسألة " التنظير الأدبي لظاهرة الفساد في مصر ".
وبكلام صريح ومباشر ، فإن الحالة التي تقترن بانتشار الفساد لاتبعد بحال من الأحوال عن انحراف سلوكي لدي شاغلي المناصب يضاعف من خطورته الأخطاء في (اختيارات التعيين ) من ناحية، وانعدام أو ضعف وتهاون نظم المساءلة والمحاسبة من ناحية أخري . وقد ذكرت إحدي الدراسات عن الفساد أن أسبابه ليست بالضرورة اقتصادية ، وإنما هناك مواكبات سياسية للفساد منها ، الخلل في العمل السياسي بين الحكومة والأحزاب، والنظام الشمولي في الإدارة ، وانخفاض درجة الوعي السياسي ، والتوسع غير الضروري وغير المبرر في إدارات الدولة، وأخيرا تعرض النظام القضائي لأية قيود أو استثناءات في تطبيق القانون. وبوجه عام، هناك ارتباطات بين الفساد، ونشاط الدولة، لدرجة دفعت جاري بيكر، الحائز علي جائزة نوبل في الاقتصاد إلي قوله (إذا ألغينا الدولة فقد ألغينا الفساد).
العالم يكافح الفساد
أسفرت الجهود الدولية الرامية لتشجيع الدول علي مكافحة الفساد عن صياغة (اتفاقية دولية لمكافحة الفساد) عام 2000، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وفتح باب التوقيع عليها منذ د يسمبر 2003، وبلغ عدد الدول الموقعة عليها 141 دولة. وانعقد المؤتمر الدولي الأول لمكافحة الفساد في الأردن، والثاني في اندونيسيا ، والثالث في الدوحة في نوفمبر 2009. وفي الدوحة بدأ وضع آليات التنفيذ، وصولا إلي نصوص محددة تضع الاتفاقية موضع التنفيذ. أما الآليات التي أعلن عنها فهي: العلانية ، وفضح الفاسدين ، وفرض إتاحة المعلومات والحصانة لمن يكشف الفساد من المواطنين أو الصحفيين. والمهم في هذا السياق أنه شاع الاهتمام بما يطلق عليه نشر (ثقافة مكافحة الفساد) .
ويلاحظ أن البنك الدولي يعتبر الفساد من أهم عناصر عرقلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقويض حكم القانون، وإضعاف القواعد المؤسسية التي ينبني عليها النمو الاقتصادي . ويضع البنك الدولي روشتة تتضمن أهم عناصر التصدي للفساد، ومن أهم بنود هذه الروشتة ما يلي:
- زيادة ودعم المحاسبة السياسية.
- تقوية وتعزيز نطاق المشاركة المجتمعية والمدنية.
- تشجيع وجود قطاع خاص منافس .
- تعزيز القيود المؤسسية علي السلطة السياسية.
- رفع مستوي إدارة القطاع العام.
وتؤكد روشتة البنك الدولي لمكافحة الفساد علي أن أكثر المناهج جدوي في محاصرة الآثار السلبية للفساد وعلاجه هو التوجه إلي (الجذور المسببة للفساد ) وليس مجرد احتواء ظواهره المباشرة. ومنذ عام 1996، فقد دعم البنك الدولي أكثر من 600 مبادرة وبرنامج ضد الفساد من جانب دول العالم.
وفي عام 2008 ، أعلنت منظمة مكافحة الجريمة التابعة للأمم المتحدة والانتربول أنه سيتم انشاء (أكاديمية لمكافحة الفساد) لتكون بمثابة مدرسة لتعليم الحكومات ومسئولي الشرطة المهارات اللازمة لاجتثاث الفساد والرشوة ، وتعليم المسئولين كيفية بناء ثقافة النزاهة في ممارسة الأعمال في السر والعلن.
وفي 13 اكتوبر 2008 أعلن في فيينا تأسيس أكاديمية دولية لتدريب مسئولي الحكومات علي استراتيجيات مكافحة الفساد بموجب اتفاق أبرم بين مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة ، والشرطة الدولية ( الانتربول ) . وتنظم الأكاديمية حلقات دراسية ودورات تدريبية لكبار مسئولي تنفيذ القانون ومسئولي السلطة القضائية للتدريب علي أساليب مكافحة الفساد.
وعلي المستوي العربي ، تأسست في عام 2005 (المنظمة العربية لمكافحة الفساد) مؤسسة غير ربحية ، مستقلة، تهدف إلي تعزيز الشفافية ،والحكم الصالح ، في العالم العربي. ومن أهدافها إحداث الوعي وتوسيع الإدراك بأهمية مناهضة الفساد، وحماية المصالح العامة ، والمال العام ، وكشف التأثير السيئ للفساد علي الوئام والتماسك الاجتماعي ، وعلي عملية التنمية المستدامة، والاضرار التي يلحقها بالاقتصاد الوطني والثروة القومية.
هناك أيضا، منظمة برلمانيون عرب ضد الفساد، وهي منظمة تهدف بشكل أساسي إلي تفعيل دور البرلمانيين في شتي أنحاء العالم العربي، في مكافحة الفساد ، وتطوير قدراتهم من أجل الإشراف علي أنشطة الحكومات والمؤسسات العامة.
روشتة مصرية لمكافحة الفساد
لا أشك لحظة واحدة ، في أن هناك رغبة مشتركة علي المستويين الرسمي والشعبي في مصر، لمكافحة الفساد، واستئصال شأفته من أنحاء المحروسة . هناك عناصر فاسدة، ولكن الأغلبية الكاسحة في مصر هي من العناصر الشريفة ، الخيرة، التي تتوخي كل الخير والمنفعة وحماية الصالح العام ، لمصر والمصريين، وهناك أدلة ومؤشرات عديدة علي أن في مصر اليوم، رأيا عاما معاديا للفساد .
وتؤكد تقارير لجنة الشفافية والنزاهة في مصر أنه لابد من الاستفادة من توافر الرغبة السياسية لدي القيادة للعمل علي نقل قوة الدفع للرؤساء والقيادات المحلية بالدولة لمحاصرة الفساد، بالإضافة إلي ما أكدت عليه مسبقا في شأن العمل علي إصدار القوانين والتشريعات اللازمة (قانون الافصاح وتداول المعلومات ، قانون أمن المعلومات ومكافحة الجرائم المعلوماتية ، قانون الوظائف المدنية) . وهناك تأكيد علي ضرورة إدخال القواعد الأخلاقية والمهنية كجزء مهم من تدريب الموظفين ، وتفعيل التعاون بين الجهات الرقابية ، والرقابة الإدارية ، ومباحث الأموال العامة.
وهناك طبعا الحديث عن (خطة قومية لمكافحة الفساد) لوضع تصور عام حول اجراءات ووسائل وسبل منع ومكافحة الفساد من الجوانب الإجرائية والوقائية والرقابية والعقابية ، والعمل علي تطبيقها مع الجهات المعنية (الجهات الحكومية التي يتوغل فيها الفساد- الأجهزة الرقابية- الجهات المختصة بتطوير دورات العمل وزارة الدولة للتنمية الإدارية)، ونشر ثقافة مكافحة الفساد ، وحماية المبلغين ، وتسهيل آليات الشكاوي ومتابعتها.
ومن المؤكد أن روشتة مكافحة الفساد لابد أن يكون من عناصرها انفتاح الحكومة علي المواطنين، ونشر مبادئ الشفافية والمصارحة والمتابعة الدقيقة ماليا، وإداريا، والاستعانة بنظم المعلومات الحديثة علي أوسع نطاق لزيادة القدرات الرقابية ، ومنح الإعلام والصحافة صلاحيات الكشف والرصد بصورة مهنية راقية ومتوازنة ، بما يتضمن نشر الوعي عن مخاطر الفساد، والجرائم المخلة بالشرف ، كذلك ، إعادة النظر في نظم الأجور ، والحوافز والمكافآت، لتحسين أحوال الموظفين وإبعادهم عن الموارد غير المشروعة. هذا بالطبع، بالإضافة إلي توافر الإطار القانوني لمكافحة الفساد ، والتعديلات التي طرأت لضمان الشفافية في البنوك والجمارك ، وهناك شبكة من القوانين المكافحة للفساد، والتي تلزم بأكبر قدر ممكن من الشفافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.