9 ديسمبر من كل عام اليوم العالمي لمكافحة الفساد، صادف الأربعاء الماضي، لكن الأمر لم يعد مجرد شعار، أو احتفالية لإلقاء الكلمات أو التسابق في أدب الخطاب أو الأشعار والقصائد، حتي ولو كانت مناسبة الحماس لمكافحة الفساد قد ازدادت لهيبًا -علي المستوي الدولي- بعد أحداث 11 سبتمبر واختراق الطيران لسماء الولاياتالمتحدةالأمريكية ناسفًا مركزي التجارة بنيويورك الذي ما زال لغزًا حتي الآن! ويأتي تحديد هذا اليوم واعتباره يومًا عالميا لمكافحة الفساد، منذ أن اجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة وأصدرت قرارها في 4 ديسمبر عام 2000 بإنشاء لجنة متخصصة بشأن التفاوض حول صك دولي فعال لمكافحة الفساد ودعوة خبراء دوليين للتفاوض ودراسة مسألة الأموال المهربة بشكل غير مشروع وإعادة تلك الأموال إلي بلادها الأصلية. ثم توالت الدراسات والاجتماعات بشأن منع ومكافحة الممارسات الفاسدة وتحويل الأموال الآتية من مصادر غير مشروعة ومكافحة الفساد، بعدها تحركت المجالس المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، حيث دعت حكومة الأرجنتين لاجتماع تحضيري غير رسمي للتفاوض بشأن اتفاقية لمكافحة الفساد في الفترة من 4-7 ديسمبر 2001، ثم انعقاد مؤتمر دولي بالمكسيك عام 2002 لبحث المكافحة والتعاون علي جميع المستويات واعتبارها إحدي الأولويات لأنها تهدد استقرار المجتمعات وأمنها. المهم أن الأممالمتحدة اعتمدت نصوص اتفاقية دولية لمكافحة الفساد وفتحت باب التوقيع عليها في مؤتمر سياسي رفيع المستوي عقد في المكسيك في 9 ديسمبر 2003 لتشجيع الدول وحثها علي التصديق، بمكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وصندوق الأممالمتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، والبدء في تقديم تبرعات إلي الحساب وتبادل المساعدات والتقنيات للاستعداد للتصديق والتنفيذ. وكان من بين قرارات الأممالمتحدة اعتبار 9 ديسمبر يومًا دوليا لمكافحة الفساد، والهدف كما أشارت نصوص الاتفاقية ذاتها، أنه اليوم الذي فتحت فيه الاتفاقية الدولية أبوابها للتصديق لإذكاء الوعي بمشكلة الفساد ودور الاتفاقية في مكافحته ومنعه، وأكدت لنا اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، التي بلغ عدد الدول الموقعين عليها حتي الآن 141 دولة، إن مكافحة الفساد مسئولية تقع علي كل الدول وأن عليها التعاون والمشاركة أفرادًا وجماعات ومؤسسات من المجتمع المدني، والمؤسسات غير الحكومية والقطاع الخاص، كل هؤلاء مدعوون للمشاركة ومكافحة الفساد. وحددت أول مادة من مواد الاتفاقية أغراضها بالترويج لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة وتدعيم القواعد الرامية إلي منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجح، وتيسير دعم التعاون الدولي، وتعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشئون والممتلكات العمومية. وللحق كانت مصر مبادرة في التوقيع علي الاتفاقية، فحظيت بالترتيب العاشر بين الدول الموقعة التي بلغت 141 دولة وانضمت إليها ووافقت عليها في 11 سبتمبر 2004.. وما زال باب التصديق أمام الدول مفتوحًا.. كما أن الأمر لم يقف عند حد النصوص.. إذ اجتمعت الدول الأطراف الموقعة علي الاتفاقية في ثلاثة مؤتمرات آخرها بدولة قطر من 9-12 نوفمبر الماضي، خطت فيه الدول الأطراف برعاية الأممالمتحدة خطوات عملية نحو إنقاذ الاتفاقية من الضياع، فوضعت آليات للتعاون الدولي ومكافحة الفساد.. بتحديد الإجراءات والخطوات نحو مكافحة الفساد.. والمحافظة في ذات الوقت علي سيادة الدول.. كما جمعت أحكام الاتفاقية التدابير الوقائية والتجريم وإنفاذ القانون والتعاون الدولي واسترداد الموجودات والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات وآليات التنفيذ وأحكام ختامية في 71 مادة بالتمام والكمال. ويأتي الأربعاء الماضي موافقًا لليوم العالمي لمكافحة الفساد من هذا العام، بعد إجراءات جادة وعملية علي المستويات الدولية والإقليمية والمحلية لمكافحة الفساد.. بعد أن نجح المؤتمر الثالث للدول الأطراف الموقعة علي الاتفاقية الماضي.. واتفاقهم علي آلية الاستعراض التي يمكن للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية والمنظمات أن تقف علي جهود كل دولة في مكافحة الفساد.. بزيارة لجنة مختارة من الدول الأعضاء للوقوف علي ما آل عليه حال البلاد من مكافحة الفساد.. وبالطبع سوف يكون لذلك أثر كبير لدي المنظمات الدولية والبنك الدولي.. وصندوق النقد وغيرهما. كما يأتي اليوم العالمي لمكافحة الفساد هذا العام أيضًا بعد استضافة مصر لدول شرق آسيا والشرق الأوسط 41 دولة لعرض التجارب الناجحة في مجال محاربة الفساد والشفافية والنزاهة.. منها ماليزيا- باكستان- كوريا- سنغافورة- اليمن- المغرب- والأردن يومي 6-7 ديسمبر، كما تأتي أيضًا دعوة الدكتور أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية ورئيس لجنة الشفافية والنزاهة بالمشاركة في الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد بالتعاون مع مكتب الأممالمتحدة.. وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي.. وعرض صور مضيئة لنزاهة مواطنين مصريين! نعم لم يعد الأمر شعارات.. ولا خطبًا في الهواء! وما زال الطريق ممهدًا لإجراءات أكثر فاعلية وحسمًا بعد أن صارت مكافحة الفساد مسئولية قومية والتزامًا دوليا في ذات الوقت!