لا يخفى على المتابع التطور الحادث فى الاقتصاد المصرى منذ بداية العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، ولاسيما منذ بداية تعويم سعر صرف الجنيه المصرى مقابل الدولار فى يناير عام 2003، إبان وزارة الدكتور عاطف عبيد، المحبوس حاليًا على ذمة التحقيقات معه فى قضايا فساد متعددة، من حدوث موجات تضخمية متتالية فى جميع قطاعات النشاط الاقتصادى المصرى. على أن الموجات التضخمية التى تحدث فى أى قطاع اقتصادى لها مجموعة من الأسباب، والتى لا محل لذكرها فى هذه المقالة، التى تُعجل بحدوثها، كما يترتب عليها مجموعة أخرى من النتائج السلبية على مجمل الأوضاع الاقتصادية . فالنتيجة الرئيسية المترتبة على حدوث الموجات التضخمية، التى تحدث فى الاقتصاد القومى تؤثر مباشرة على إعادة توزيع الدخل والثروة القومية، لصالح عوائد التملك وفى غير صالح عوائد العمل، أو بمعنى آخر فى صالح رجال الأعمال وفى غير صالح العمال، بما يساعد على تكريس تدهور النشاط الاقتصادى الحادث الآن فى مصر . خذ هنا مثلا القطاع العقارى المصرى وما يمثل من أهمية استثنائية كبيرة لارتباطه بروابط قوية بجميع القطاعات الاقتصادية الأخرى، وقدرته الكبيرة على استيعاب العمالة وتوليد جزء كبير من الدخل القومى، فهذا القطاع قد أصابته الموجات التضخمية فى مقتل، ولاسيما فى قدرته على استيعاب استثمارات جديدة . فموجات التضخم تؤثر على محددات الاستثمار فى القطاع العقارى حيث يميل المستثمرون إلى الاستثمار فى هذا القطاع لارتفاع متوسط العائد على رأس المال فيه بالمقارنة بالقطاعات الانتاجية الأخرى (صناعية وزراعية)، وذلك لكون الموجات التضخمية ترفع من أسعار الأراضى ومن أسعار الوحدات السكنية . وتظهر الآثار السلبية للموجات التضخمية فى القطاع العقارى إذا صاحبها الفساد فى الجهاز الإدارى للدولة، كما هو حادث فى الحالة المصرية، وذلك لأن الفساد فى تخصيص الأراضى لإنشاء الوحدات السكنية الجديدة –الإسكان الفاخر والمتوسط وإسكان محدودى الدخل - يترتب عليه ارتفاع غير مبرر اقتصاديًا لأسعار تلك الوحدات . وتأسيسًا على ما سبق فى الفساد فى تخصيص الأراضى الحادث فى قطاع العقارات فى مصر تنسحب آثارها السلبية، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية، ولذلك فإن أى محاولة جادة لإعادة ضبط إيقاع النشاط الاقتصادى فى مصر عمومًا وفى قطاع العقارات خصوصًا، يتطلب، والحال هذه، القضاء على الفساد فى تخصيص الأراضى كأولوية أولى فى سلم أولويات الحكومة المصرية المنتخبة ديمقراطيًا لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث .