"الاستقالة" باب سرى لإفلات الوزراء والمحافظين من العقاب.. و137سنة حكومة بلا "إقالة" - شعراوى جمعة وإسماعيل وبدر والألفى وعبد الحليم موسى ورشدى أشهر وزراء تم إجبارهم على الاستقالة - المستشار أحمد سليمان: "الاستقالة" حرمتنا من معاقبة كل من يخطئ.. وتسمح للوزير والمحافظ بامتلاك كل الامتيازات - د. فينيس جودة: اختيار الوزراء والمحافظين يتم بعشوائية ونحتاج لقانون محاسبة المسئولين لمعاقبتهم - المستشار عادلى حسين: لن نجد مسئولاً إذا فرضنا مبدأ "الإقالة".. و75% من سياسات أى مسئول تتم ب"التليفون"
"الفساد فى المحليات وصل للركب".. هل تذكرون تلك العبارة التى أطلقها ذكريا عزمى ابن الحزب الوطنى البار، وأحد الأعمدة الرئيسية الأربعة للفساد وقتها فى النظام ومصر بكاملها، تلك المقولة لخصت رغم مرور سنوات طويلة ما عاشته محافظة الاسكندرية من كارثة إنسانية عاشها سكانها مع أول نوة لهذا العام. والحقيقة أن ما تعيشه الإسكندرية وما نعيشه فى مصر المحروسة يؤكد أن مقولة "الركب" تطورت كثيرًا حتى وصلت إلى "الحلقوم"، ورغم ذلك لم تجرؤ الحكومة أى حكومة مصرية سواء قبل أو بعد ثورة 25 يناير أن تعلن عن الاستغناء عن وزير أو محافظ لأنه فشل فى أداء مهمته، فطفت على السطح عبارة "دعنى أرى استقالتك على مكتبى". "هل تريدين منهم أن يعترفوا بفشلهم".. عبارة اتفق عليها أغلب من تحدثت معهم من السياسيين والوزراء والمحافظين السابقين، مبينين أن الحكومات المصرية منذ عام 1952 وهى تتفنن فى الحفاظ على هيبة اختيارها، ولا ترى أن يعلم الشعب أن هذا المحافظ فشل فى إدارة مسئوليته، وبالتالى يتهمهم الشارع بالفشل فى الاختيار. نظرة تاريخية طبقا للمؤرخين مصر تعد أول دولة فى التاريخ تؤسس لنظام الحكومة المركزية فى 3232 قبل الميلاد، وكانت عاصمتها ومقر حكمها مدينة "ممفيس"، وخلال العصر الإسلامى كانت شئون البلاد تدار بواسطة الوالى الذى كان يعين من خلال الخليفة، وفى العصر الحديث تشكلت أول حكومة مصرية 28 أغسطس 1878، أى منذ 137 عامًا بقرار أصدره الخديوى إسماعيل، برئاسة نوبار باشا، وكالعادة تم حلها فى 23 فبراير 1979، أى بعد حوالى 179 يومًا لم تجتمع خلالها سوى 30 اجتماعًا لمناقشة الحالة الاقتصادية والاجتماعية لمصر. وطيلة 137 عامًا لم يصدر مجلس الوزراء قرارًا رسميًا صريحا بإقالة وزراء أو محافظى مصر للإخفاق فى المسئولية التى يحملها، رغم اعتراف رئيس ديوان عام رئيس الجمهورية بجلالة قدرة "زكريا عزمي" بأن الفساد وصل إلى الركب، وهو صادق فى ذلك فى حينها، فمصر على خلاف باقى بلدان العالم لا يحكم النظام سوى شكلا فقط, بينما السيطرة والهيمنة للمحليات وموظفيها. أسطورة الداخلية الحقيقة أنه رغم ما شهدته الحكومات المصرية من جمود فى علاقتها مع الوزراء والمحافظين، ولكن الحقيقة دائما تقول إن استقالة المسئولين فى مصر تتم بعد كارثة او حادث جلل، كما حدث مع هانى المسيرى محافظ الإسكندرية، أو كما حدث مع وزير النقل عاطف الدميرى الذى استقال عقب حادث حريق قطار الصعيد عام 2001. كانت وزارة الداخلية أكثر الوزارات التى تعرض وزراؤها للاستقالة الجبرية، وحظيت ب14 وزيرًا، أولهم "شعراوى جمعة" الذى سجنة الرئيس أنور السادات باعتباره أحد رجالات الرئيس جمال عبد الناصر، وظل حبيسًا حتى مطلع الثمانينيات، يليه خليفته "ممدوح سالم" ويعتبر أول ضابط شرطة يتولى وزارة الداخلية، وهو من سلالة وزراء الداخلية الذين مزجوا بين السياسى والأمني، اختاره جمال عبدالناصر ليكون مسئولاً عن أمنه الشخصي، كما تمت إقالة الوزير "السيد فهمي" على خلفية مظاهرات الخبز فى 18 و19 يناير عام 1977، التى فوجئ بها الرئيس السادات أثناء تواجده فى أسوان، ثم "النبوى إسماعيل"، و"حسن أبو باشا" و"أحمد رشدي" و"زكى بدر" الذى تم التسجيل له صوتيًا فى اجتماعات مدينة بنها يهاجم فيها القوى السياسية، ثم "محمد عبد الحليم موسي" و"حسن الألفي" و"حبيب العادلي" و"محمود وجدي" و"منصور العيسوي" و"أحمد جمال الدين" وأخيرًا "الوزير "محمد إبراهيم". "الاستقالة باب سرى تفتحته الأنظمة المصرية المتعاقبة ليفلت المسئول عن الجرائم التى ترتكب فى حق الشعب المصري".. هكذا عبر وزراء ومحافظون وسياسيون مصريون عن تلك الظاهرة، قائلين إن الحكومات المصرية منذ تشكيلها عام 1978 لم تصدر تقريرا رسميًا أو حتى شفويًا بإقالة مسئول سواء كان محافظًا أو وزيرًا عن جرائم أو فشل فى أداء مهمته فى خدمة الشعب المصري. وأكد المستشار أحمد سليمان وزير العدل الأسبق، أن النظام لا يحارب الفساد كما يدعى وإنما يحميه ويرعاه، فالنظام يستخدم ملف الفساد فى تسيير المسئولين والوزراء، للضغط عليهم لكى يسيروا فى الطريق الذى يرغب فيه النظام، وإن انحرف قليلاً عن مخططهم يستخدمون كارت الفساد فى حقه، مبينًا أن وزير العدل الحالى تولى الوزارة رغم أنه تقدم فى حقه مجموعة من البلاغات التى لم تحاول الدولة مجرد التحقيق فيها. وتساءل سليمان: "كيف يتم القبض على وزير الزراعة فى قضية فساد ويظل المهندس محلب رئيسًا للوزراء وهو متهم فى قضية القصور الرئاسية؟"، خاصة وأن قضية وزير الزراعة نفسها تردد فى البداية تورط العديد من المسئولين الحاليين والسابقين فيها، ولكن لم تخرج أى تحقيقات تظهر ذلك، مشيرًا إلى أن من يدعى أن مصر تحارب الفساد إما مجرم أو مغفل، فمصر تساعده وترعاه بقانون الكسب غير المشروع، الذى يعاقب الموظف الذى يرتشى بالواقعة التى قبض عليه فيها، ولا يحقق فى ما فعله فى السابق، فقد تكون مجموع رشواته يصل الى مليار جنيه ولم يقبض عليه إلا فى واقعة واحدة، فكيف يرد الأموال التى قبض عليه فيها وتنقضى الدعوة القضائية ولا يحاسب على الباقي. وأوضح سليمان، أن أكبر دليل على أن الدولة ترعى الفساد أن المسئول الذى يجبر على استبعاده يقدم استقالته ولا يقال، الأمر الذى يؤكد عدم محاسبته على ما فعله أثناء توليه منصبه سواء كان وزيرًا أو محافظًا، فاستقالته تجعله يحتفظ بحقه أدبيا وماديا، فلا يحرم من معاشه ومكافآته المستحقة، كما يحدث فى حالة إقالة المسئول، فعلى سبيل المثال رامى عبد الهادى قاضى قضية الرشوة الجنسية أجبر على تقديم استقالته ولم يقال لذلك فمستحقاته المالية لا تتأثر ويمكنه العمل بالمحاماة، بينما القضاة الذين طالبوا باحترام القانون والدستور أحيلوا لعدم الصلاحية، وهم لا ينالوا معاشًا أو يقيدوا بالمحامين. وأشار سليمان، إلى أن قانون محاسبة الوزراء موجود بالفعل ولا يوجد فراغ تشريعى فى هذا الأمر، ولكن يجب أن يقال أى فاسد أيا كان ويقدم لمحكمة الجنايات، حتى يمكن وضع أيدنا وأقدامنا على الطريق الصحيح، فمن جانب كل مسئول يخاف على سمعته وسمعة أبنائه إذا أقيل، ومن جانب آخر يخاف الأقل منه على نفسه وعلى وظيفته إذا أقدم على أى جريمة، فعلى سبيل المثال تقدم هانى المسيرى محافظ الإسكندرية باستقالته فى كارثة غرق الإسكندرية، ولم يتذكر أحد أنه يوجد بالاسكندرية ثمانية رؤساء أحياء لواءات جيش، رغم أن أحدهم صرح منذ سنة انه أنفق 16 مليار جنيه على البنية التحتية فى الإسكندرية فكيف إذا غرقت. وقال سليمان، عن أداء وزارة محلب، أن كل وزير يعمل فى عزبة منفصلة ويفعل بها ما يشاء، فالمستشار أحمد الزند استصدر قرارا من مجلس الوزراء بإزالة الأقفاص الحديدية من محاكم الجنح لأنها تتعارض مع حقوق الإنسان، مزامنة مع قضية صديقه أحمد موسى، أيضا استصدار قانون الحق فى إعفاء رؤساء الهيئات الرقابية كان من أجل الخصومة النارية التى تجمعه بالمستشار هشام جنينة، الذى يرغب فى تطبيق القانون على مراقبة ميزانية نادى القضاة. فى حين ترى الدكتورة فينيس كامل جودة وزير الدولة للبحث العلمى الأسبق، أن محاسبة الوزراء أو المحافظين عن أدائهم الوظيفى قد يكون غير عادلة فى الوقت الحالي، فقد يكون المسئول لا يصلح للمنصب من البداية، فيمكن أن يكون خبيرًا فى مجاله سواء كان دكتور أكاديمى أو لواء أو رجل أعمال، ولكنه لا يصلح لقيادة محافظة أو وزارة، مبينة أن المحافظ رئيس دولة محافظته، وأنه يجب أن تتوفر فيه مواصفات رئيس الدولة، وأن هذا يحدث فى العالم كله يحدث بطريقة منظمة وليس بطريقة هوجاء كما يحدث فى مصر. وأوضحت جودة، أنه يجب أن يوضع برنامج كبير يتضمن بيانات عن الخبرات فى كل المجالات الموجودة فى الدولة لاستخلاص المحافظين والوزراء وكافة المسئولين من بينهم، حتى تسير عملية اختيار المسئول بناء على معايير علمية، مشيرة إلى أن مصر فى حاجة ماسة لهذا النظام إذا كانت هناك إرادة لبناء مصر الجديدة، والتى تحتاج إلى تنمية مستدامة وتعليم جيد، وهذا لن يحدث بطريقة عشوائية وإنما بوضع برامج يلتزم بها المسئولين المتوالين على المنصب الواحد، قائلة إن اختيار المسئول فى مصر يحدث بطريقة خاطئة. وأكدت جودة، أنه آن الآوان لوجود نظام واضح لمراقبة العيوب المستقبلية والتنبؤات بالكوارث المستقبلية، لكى يعمل عليها المحافظ أو الوزير، فلا توجد دولة تعيش يوما بيوم تبعا للأحداث اليومية، قائلة إن مصر الآن تعتمد على جيشها فى كل شيء حتى فى إدارة الأزمات، وكأن الدور المدنى لم يعد له وجود فى مصر، مطالبة بوقفة كبيرة لإيجاد حل لعودة الدور المدنى فى إدارة الأزمات. وقالت جودة، إنه لا يجب أن يكون هناك قانون لمحاسبة الوزراء وإنما يجب ان يفعل قانون محاسبة العاملين بالدولة، فالكل سواء أمام القانون، ويجب أن يحاسب كل عامل على عمله، ولكن يجب أولاً أن يعد ويتدرب على عمله أولا قبل أن يتولى عمله حتى تكون المحاسبة عادلة. فى حين قال المستشار عدلى حسين محافظ القليوبية السابق، إن الوزير أو المحافظ فى مصر تنتهى خدمته بالاستقالة وليس بالإقالة إذا أخطأ أو كان نتاج عمله ضعيفا، كنوع من حسن العبارة أو جبران الخواطر، ففى النهاية المسئول قام بعمله ولكنه لم يصيب، أما المسئول الفاسد الذى يتعمد الإفساد فيقال، مبينا أن الفرق بين الاستقالة والإقالة هى مرحلة الاستجواب، فالإقالة تقتضى تحقيق واستجواب فى البرلمان فإذا أدان يقال، وبالتالى الفرق بين الاستقالة والإقالة الاتهام المباشر للمسئول، ويجب أن نعلم أن الإهمال له درجات فهناك إهمال صغير وإهمال جسيم، ولكن فى النهاية لا يمكن مساواة الإهمال بالافساد. وأوضح حسين، أن صلاح هلال وزير الزراعة السابق عندما اتهم فى قضية فساد كبرى أجبر على تقديم استقالته ولم يقل، رغم أنه قبض عليه وحبس فى نفس الوقت، مبينا أن الصورة كانت واضحة بأن ما حدث إقالة وليس استقالة، ولكن لأنه لا يوجد برلمان يمكن أن يحقق إجراءات الإقالة خرجت على شكل استقالة، ولكن يجب أن نعلم جميعا أن حسن العلاقة هى التى تجعل أى شخص يعرض عليه المنصب، ولكن إن أخطأ وزير أو محافظ وتمت مساءلته ومعاقبته بهذا الشكل لن يقبل أى شخص بعده المنصب خوفا من الخطأ، فكل إنسان يمكن أن يخطأ، بالاضافة إلى أن الاقالة تحتاج إلى إدانة وأدلة، وهذا صعب لأن 75% من سياسات المسئول تكون شفوية ومن خلال التليفونات. وقال حسين، إنه قدم ضمن مشروع الإدارة المحلية الجديدة اقتراحا لإنشاء أكاديمية الإدارة المحلية العليا، يكون نواة لكل المسئولين فى الدولة سواء كانوا رؤساء مدن أو رؤساء مدينة أو رؤساء قرى أو خبراء فى المحليات، بحيث تكون مدة الدراسة فى الأكاديمية سنتين على أقل تقدير، حتى يخرج منها المسئول خبيرا فى مجاله، هذا المشروع ليس باختراع وانما تحقق فى دول كثيرة فعلى سبيل المثال يوجد فى باريس ولندن وبروكسيل معهد للإدارة العليا يخرج منه كل رؤساء فرنسا وكل عمد باريس ولندن. وأوضح حسين، أن هذه الأكاديمية ستوفر للدولة كشفا بأسماء الخبراء الصالحين للمسئولية، وستقضى على فكرة الواساطة والأقارب، وسيمنع الاستعانة بالمسئول السابق على أنه خبرة، مضيفًا أن المشروع وافق عليه مجلس الدولة، ويوجد فى أجندة وزير التنمية المحلية، وسوف يقدم فى البرلمان القادم، مشيرًا إلى أن هذه الاكاديمية ستقلل من فكرة الأخطاء التى يفعلها المسئولون ولكنه لا يمنعها. من ناحية أخرى أكد المستشار أيمن الجندى مدير عام الاتحاد العربى لتنمية الموارد البشرية أن المؤسسات الحكومية ليست حقل تجارب للمسئولين وعلى المسئول أن ينفذ ما وعد به، مطالبًا بضرورة ربط الإدارة بالنتائج والأهداف ومحاسبة المسئولين عن عدم تنفيذ ما وعدوا به وعمل رقابة على الأداء بصفة دورية عما تم انجازه من الخطة. وأشار إلى أن المسئول من خلال موقعه يكلف الدولة الكثير من الموارد ويتم شكره فى نهاية خدمته سواء أنجز أو لم ينجز وهذه جريمة إدارية حيث عطل الدولة وأهدر الموارد ولم يحاسب فترة توليه المسئولية هل كان هناك إنجاز مناسب أم لا. وقال الجندى، إنه لو أن الحساب والعقاب يكون للمسئول الذى أخطأ فقط فلن تبنى دولة حديثة، وأن المطلوب حساب المسئول الذى لم يقدم انجازات، ولم يضيف إلى مؤسسته، مشيرًا إلى أهمية محاسبة كل مسئول لم يحقق ما وعد به، على أن يتم تطبيق مفهوم الإدارة بالنتائج، أو الإدارة بالأهداف سعيا للوصول إلى الإدارة الرشيدة للأداء.