مازالت ثقافة المساءلة في مصر غائبة حتي بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. تلك الثورة التي كان من أبرز نتائجها إرساء قيم الشفافية والمحاسبة. إلا أننا لم نسمع حتي اليوم خبر استقالة وزير أو مسئول كبير في الدولة رغم تواتر أخبار الفساد ومشاكل المؤسسات الحكومية وتلكؤ المشاريع وضعف الإدارة والضغوط السياسية. بل الأسوأ من ذلك حينما أعلن أحد الوزراء وتحديداً وزير الثقافة الحالي تقدمه بالاستقالة سرعان ما تراجع عنها وأعلن استمراره في منصبه. وبغض النظر عن مدي الاتفاق أو الاختلاف في النهج الذي يسير عليه الوزير. إلا أن الشاهد من هذه القضية يتلخص في أمرين: الأول: لابد أن نتفق علي أن ثقافة الاعتراف بالخطأ والاعتذار. وترك المنصب وتحمل مسئولية ما حدث من أضرار. تختلف من مجتمع لآخر فمثلاً نجد المسئولين في المجتمعات المتقدمة لديهم الشعور بالمسئولية والإحساس الكبير بها. علي الجانب الآخر. في المجتمعات العربية لا وجود لمثل هذه الثقافة. حيث يري المسئولون أن الوظيفة هي التي تشرفت بوجوده فيها. الثاني: يجب أن نتفق كذلك علي أن هذا الشعور لم يأت في الكبر. بل ينشأ من التربية المجتمعية منذ الصغر. فالاعتراف بالأخطاء وتحمل مسئوليتها سلوك اجتماعي مهم يجب تعليمه للطفل منذ نعومة أظافره ليشب معه. فضلاً عن أهمية وجود مجموعة من اللوائح والأنظمة والقوانين التي تضمن محاسبة كافة المسئولين إذا ما قصروا في أداء مهامهم أو أفسدوا في أداء وظائفهم. ولكن ما نعاني منه في مصر اليوم يعكس إلي أي مدي مازال المجتمع المصري بعيداً كل البعد عن كتالوج التقدم الذي وضعه العالم وتوافق عليه. وأن العيب والتقصير في أننا إما لم نقرأ هذا الكتالوج أو لا نريد أن نطبقه ونلتزم بما جاء فيه من أسس ومبادئ وقيم. وفي مقدمتها قيمة الضمير والأمانة والمحاسبة. والتي يرتبط بها قيمة الاعتراف والاعتذار والتنحي عندما يجد المسئول نفسه ليس أهلاً لهذا المنصب. ولا علي قدر المسئولية الممنوحة له. فإنه وبكل بساطة يقدم علي الاستقالة لا ينتظر الإقالة. وارتباطاً بما سبق. يصبح الحديث عن حكومة هشام قنديل التي لم تحقق انجازات تذكر منذ تولي المسئولية وحتي اليوم. بل يزداد الأمر سوءاً ويزداد الموقف تعقيداً وتشابكاً. بما ينذر بلا شك إلي وقوع المزيد من الكوارث والمشكلات التي لم يعد في إمكان المجتمع المصري تحملها بدءاً من غرق للمراكب في النيل. مروراً بحوادث الخطف والقتل والاعتداءات المستمرة علي المواطنين. وصولاً إلي احتراق المنطاد ثم الفشل في مواجهة أسراب الجراد. وأخيراً وليس آخراً استمرار مسلسل الاعتداءات علي المصريين في الخارج وآخرها الاعتداء علي المصريين الأقباط في ليبيا. حيث تعد تلك الحادثة كاشفة عن حجم التردي والتراجع في الأداء الحكومي سواء علي المستوي الداخلي أو الخارجي. وهو ما يجعل إقالة حكومة القنديل فريضة الساعة التي يجب ألا تتأخر وإلا دخلت مصر في نفق مظلم مع كل يوم تستمر فيه هذه الحكومة في مكانها. ولا يفيد الحجج البالية والمستهلكة التي يقدمها البعض حول جدوي استمرار الحكومة لأنها في النهاية لا تصب لا في مصلحة مصر ولا مصلحة المواطن المصري ولا حتي في مصلحة السلطة. جملة القول أنه عندما تفشل الحكومة في إدارة الدولة. حينما تفتقد إلي الرؤية الشاملة والنظرة المتكاملة للتعامل مع التحديات والمشكلات التي تواجهها البلاد. تصبح الإقالة واجبة إذا لم تقدم هي علي الاستقالة بنفسها.