لم يعد الحديث عن الأداء الحكومي في مصر حديث صالونات كما يروق للبعض وصفه, وإنما أصبح حديث الواجب والاستحقاق الراهن. فعلي مدي الأشهور الماضية لم يشعر المواطن المصري بأي وجود او تواجد للحكومة وأدائها في مختلف قطاعات الدولة, بل الاكثر سوءا ان القضايا الملحة وفي مقدمتها عودة الامن وضبط الاسعار وتوفير الخدمات, لم تنل الاهتمام الواجب من المسئولين عن هذه الملفات, فمتابعة وسائل الإعلام المختلفة تكشف عن عدد من الجرائم اليومية التي تؤكد تراجع مستوي الأمن, أو علي الاقل استمرار الضعف الامني علي وتيرته في احسن الاحوال, وهو ما ينطبق بدوره علي قضية ضبط الاسعار وتخفيف المعاناة عن الفئات الاكثر فقرا والأشد احتياجا, ويرتبط ذلك أيضا بغياب إحساس المواطن بدور حكومي فاعل, بما يجعل من السهولة بمكان القول إن ثمة فجوة تتزايد يوما بعد يوم بين الحكومة والمواطنين نتيجة لسوء الإدارة او عدم القدرة علي التفاعل بكفاءة وفاعلية مع مشكلات المواطن اليومية, وهو ما يدفعنا إلي طرح التساؤل التالي: إزاء كل هذه التراجعات والانتكاسات التي تعيشها مصر اليوم, ألم يأن للحكومة ان تسرع بتقديم استقالتها علي غرار ما يحدث في بلدان العالم المتقدم, حيث يسرع المسئول او الوزير الي تقديم استقالته حينما يصبح غير اهل لهذا المنصب, او ليس علي قدر من الثقة الممنوحة له نتيجة تقصيره او اهماله, فيبادر من تلقاء ذاته علي خيار الاستقالة؟ وهو ما يعد من المعجزات التاريخية في أغلب البلدان العربية إن لم يكن جميعها ومن بينها مصر, فلا تعترف ثقافة المسئولين بهذا التقصير او الإهمال, بل نجد ثمة كثيرا من المبررات التي تقدم في حالة وقوع إهمال او خطأ كارثي فاضح, فيظل المسئول محتفظا بكرسي الوزارة ولا يتركه إلا تحت امرين: الإقالة أو الإعفاء. والحقيقة أن هذا التباين بين الثقافتين يرجع الي مدي توافر مفاهيم وقيم المحاسبة والرقابة والمساءلة القانونية والقضائية تجاه كل مسئول مهما علا قدره ومكانته في حالة تقصيره او إخفاقه في أداء مهمته. فما يحدث في البلدان الديمقراطية كما هو الحال في بريطانيا حينما تقدم وزير البيئة كريس هيون باستقالته في فبراير الماضي بعد ان وجه الادعاء العام إليه تهمة التأثير في سير العدالة بالتحايل للتهرب من مخالفة مرورية, بل يظل ما حدث في الهند دليلا أخر علي مدي تردي الوضع في مصر, فقد استقال وزير في حكومة أوتار براديش الهندية عزام خان بعد مقتل عدد من الحجاج الهندوس في نهر الغانج نتيجة تدافع بينهم في محطة القطار, صحيح ان الحادثة لم تقع في حدود موقع الاحتفال الديني الذي يقع تحت مسئوليته, إلا ان الوزير قال تحمل المسئولية المعنوية واستقال من منصبه كمسئول عن تنظيم هذا الاحتفال. ولكن في حالة حوادث القطارات والطرق يظل الوزير يبرر ويفسر ويشرح ويعلل دون ان يوضح مناط مسئوليته عن الحادثة. ما أريد قوله, إنه في ظل سيادة القانون ورقابة المؤسسات المعنية في تلك الدول تتوافر الضمانات التي تجعل المسئول يسرع بتقديم استقالته نتيجة تقصيره او فساده او فشله في القيام بمسئوليته كما ينبغي, وهو ما نفتقده في بلادنا, فما وقع من أحداث جسام وخطيرة بدءا من غرق للمراكب في نهر النيل, والاعتداء علي المواطنين وسحلهم في الشوارع, مرورا بحوادث الطرق, وصولا الي احتراق المنطاد ثم الفشل في مواجهة اسراب الجراد التي تهدد امننا الغذائي, بما يؤكد فشل الحكومة في ادارة الدولة, وعدم امتلاكها لرؤية شاملة ونظرة متكاملة للتعامل مع المستجدات والتطورات التي تعيشها البلد, يجعل استقالتها واجبة اذا ادركت ذلك, واعفاءها من المسئولية فرضا لحماية امن البلاد واستقرارها إذا رأت في ذاتها تشريفا للمنصب, لأنه في هذه الحالة نصبح جميعا مسئولين عما تؤول إليه الأوضاع المتردية علي المستويات كافة. جملة القول إن حكومة الدكتور هشام قنديل لم تعد لديها خطط تطويرية للخروج بالبلاد من هذا النفق المظلم, بما يجعل الابقاء علي وجودها ليس له اي مبرر او ضرورة ملحة, إلا اذا كانت هناك أمور خافية اخري تتعلق بإنجازاتها لم يطلع عليها الشعب. حينذاك علي الجميع ان يعيد النظر في مواقفه تجاه حكومة لا يعنيها الأخطاء التي تقع او التجاوزات التي ترتكب ما دامت في مأمن من المحاسبة والمساءلة علي الإخفاق أو التقصير.