فى الوقت الذى نعيش فيه عصراً من التسيب والأخطاء الكبيرة المقصودة منها وغير المقصودة، بات السؤال عن المسئول والمتسبب فيها، والتى كان آخرها أحداث الشغب التى وقعت بمدينة بورسعيد، والتى جعلتنا نتساءل حول مدى تقصير وزارة الداخلية وتراخيها فى السيطرة على الموقف، وهل كانت هناك بالفعل، حسبما ورد فى وسائل الإعلام، تعليمات من الوزير بعدم التدخل فى تلك الأحداث، وهى التعليمات التى لا يصدرها إلا من يحتل منصبه كوزير للداخلية. مع كل تلك المعطيات تتداعى إلى الأذهان العديد من الأسئلة حول كيفية محاسبة أى من المسئولين بالدولة بدءاً من رئيس الجمهورية مرورا بالوزراء بالطبع وحتى كبار الموظفين. إلا أننا نركز فى هذا التقرير على المادتين 58 و79 من قانون العقوبات واللتين وردتا فى الدستور السابق الذى تم تعليق العمل به، وهما تنصان على محاكمة الوزراء جنائياً فى حالة ارتكاب أى منهم لجريمة مخلة بمنصبه. والسؤال.. هل يجوز محاكمة الوزراء جنائياً أم أن الأمر يقتصر على المحاسبة السياسية فقط؟ وما الفرق بين المحاسبة الجنائية والسياسية؟ وهل فى الدستور الجديد سيتم مراعاة إدراج مواد لمحاسبة الوزراء حتى أثناء شغلهم لمناصبهم أم لا؟ الغريب أنه وبالرغم من وجود تلك المادتين إلا أنه لم يتم تفعليهما، اللهم إلا مع الوزراء المغضوب عليهم من قبل النظام السابق. "المصريون" تطرح تلك الأسئلة ليرد عليها أساتذة وفقهاء القانون. يقول الدكتور يحيى الجمل، الفقيه الدستورى من الطبيعى أن يتضمن الدستور الجديد هذه النصوص وتفعيلها أيضا، والآن نحن فى مرحلة يحاكم فيها الوزير سياسيا وجنائياً، فأى فعل أو أى اشتعال لنار الفتنة أو خرق لسلام وأمن المجتمع، تقع المسئولية المباشرة على المسئول الأول عن ذلك الأمر وهو الوزير بحكم منصبه، ودرجة إهماله وتقصيره. وبعيدا عن محاكمة الوزراء يقول يحيى، لابد من أن ينفصل سجناء طرة عن بعضهم البعض، لأن تحركاتهم الخبيثة تظهر الواحدة تلو الأخرى، ولابد من حرمانهم من كل وسائل الاتصال وعزلهم عما يجرى خارج أسوار السجن، بالإضافة إلى (الحيزبون) الست سوزان، التى لن تهدأ حتى تترك مصر مشتعلة بالنار، ولذلك لابد من محاسبتهم هم أيضا سياسيا أمام الرأى العام، وجنائيا إذا ثبتت صحة الادعاءات الموجهة إليهم بأنهم هم المدبرون الحقيقيون والمتسببون فى إشعال نار الفتنة، ويجب أن تجرى بحقهم محاكمات عاجلة وفورية. ويقول الدكتور شوقى السيد، المستشار القانونى ورئيس قسم القانون الدستورى بكلية الحقوق جامعة القاهرة، إن الأمر يتوقف على الدستور الجديد فى إضافة وتفعيل المادتين، حتى لا يظلا مجرد ديكور لتكميل النصوص بها، فلم تفعل هاتان المادتان إلا مرتين فقط، أولهما مع الوزير الذى جاء بصفقة البوينج لمصر، والوزير الآخر هو نائب وزير اقتصاد وتمت أيضا محاكمته من خلال هاتين المادتين، إبان فترة حكم جمال عبد الناصر، ومنذ ذلك الحين لم نسمع عن وزير تمت محاكمته حتى الآن سوى وزير العدل السابق والذى يحاكم حاليا، ولكن بعد الثورة وبعد أن ترك منصبه. ويضيف شوقى بأن المادة 79 من قانون العقوبات مازالت قائمة والمختصة بها المحاكم الجنائية والموجودة حاليا أيضا وفى ظل الأحداث التى نعيشها اليوم أقول، نعم للمحاكمات السياسية والجنائية لتكون رادعاً لكل مسئول يأتى يضع فى فكره أنه لن يسأل. من ناحيته، قال نجيب جبرائيل، الناشط الحقوقى ومحامى الكنيسة الأرثوذكسية، إن منصب الوزير هو منصب تنفيذى كأى موظف حكومى، وفى النظام الأمريكى يسمى الوزير (رجل إدارة)، وهو ليس منصبًا محصنًا، بل يخضع للثواب والعقاب، وفى القانون الجنائى يجوز محاسبته، لكن النظام السابق أخفى تلك المادة وجمد العمل بها حتى لا يأخذ كل فى يده المسئول الكبير فى الدولة!!. وأضاف، العجيب فى الأمر أن كل وزير يخرج من منصبه إذا ثبتت إدانته بأى جريمة يعاقب، ولكن إذا كان من أزلام النظام، يتم التحفظ على قضيته مثلما حدث مع الوزير محمد سليمان، وزير الإسكان الأسبق. وطالب جبرائيل بمحاكمة الوزير سياسيا عندما لا ينفذ سياسة الوزارة، وقال، إذا ما أخذنا وزير الداخلية الحالى كمثال والأحداث التى جرت فى بورسعيد كحدث، وقلنا إنه لا يعلم أن هناك أحداث شغب مدبرة، وإنه اعتبرها مجرد مباراة فى كرة القدم، فى تلك الحالة يجب محاسبته سياسياً، ولكن يجب محاسبته جنائياً إذا ثبت أنه يعلم بوجود مؤامرة ولم يكثف الجهود للسيطرة على الموقف فإنه يعاقب جنائياً أمام الرأى العام. وقال المستشار القانونى الدكتور إبراهيم العنانى، أستاذ القانون الدولى الأسبق بكلية الحقوق جامعة عين شمس، إن الدستور القديم موقوف العمل به حاليا، ولحين إتمام وضع دستور جديد ستتم العديد من المحاكمات الجنائية والسياسية، ويجب على الدستور الجديد المزمع وضعه أن يضع لمثل تلك المحاكمات ضوابط فى ظل النظام الجديد. وأضاف، اليوم تتم محاكمة العادلى جنائيا وليس سياسيا، وهو يواجه العديد من التهم، ولم يتخذ ضده هذا الإجراء إلا بعد قيام ثورة يناير وكان لا يزال فى منصبه، فتم إلقاء القبض عليه ومحاكمته أمام الرأى العام، ووجهت إليه تهم قتل المتظاهرين والتربح واستغلال النفوذ وتسببه فى الكثير من الأخطاء التى أفسدت الحياة العامة، وأكبر شىء أفسده جهاز الشرطة هو العلاقة مع المواطن العادى، حيث يلاقى حتى اليوم أكبر قدر من الحقد والغليان ضده، بسبب ما لاقاه الشعب المصرى من قهر وظلم تحت ظلال هذا الجهاز الطاغى. ودعا العنانى، لمحاكمة الوزير جنائياً وألا يقتصر الأمر على المحاكمة السياسية، خاصة فى ظل الأحداث الأخيرة التى نعيشها وتكاسل جهاز الشرطة عن أداء واجبه فى السيطرة على الموقف الأمنى بالبلاد، وهم يعلمون أن الجو العام محتقن، وقد يحدث فى أى وقت جريمة مثلما حدث فى كارثة بورسعيد. ويقول المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض، إن أى وزير تثبت عليه جريمة فلابد من محاكمته بالقواعد العادية ولا نعامله بالمساءلة السياسية، لأنه شخص إدارى ونقدمه للجنايات وننفذ عليه قانون العقوبات إذا ثبتت عليه الجرائم. وأضاف، أنه مع التحقيقات التى تجرى اليوم، فعلى البرلمان أن يقوم بإبلاغ النائب العام عن نتائج تحقيقات اللجنة المشكلة من خلال المجلس، وأن يطبقوا عليه قانون العقوبات إذا ثبت تورطه فى هذه المصيبة التى ألمت بالبلاد، ولابد من التعامل معه مثلما يتم التعامل مع أى مواطن عادى. وأوضح مكى، أنه إذا سقطت هذه النصوص بسقوط الدستور فلابد لنا من العودة إلى النصوص العامة، فمثلا إذا سقط الدستور بالبنود التى فيه، فهناك مواد ثابتة تسير عليها الدولة، ومنها القوانين التى تطبق على المواطنين العاديين، وبناءاً عليها يطبق القانون أيضا على أى مسئول حكومى فى حال إثبات تورطه بأى جريمة. أما المساءلة السياسية فيقول مكى، إنها تكون فقط من خلال حجب الثقة عنه كمسئول إذا تأخر عن عمله مثلا أو قصر فيه ولم يؤده كما ينبغى، واليوم إذا تبين أمام الجميع أن وزير الداخلية متورط فى تنفيذ كمين لقتل الناس فلابد من محاكمته فوراً، وتوجه إليه تهم القتل العمد، وإذا ثبت تقصيره فى أداء واجبه، يتهم بالقتل الخطأ لأنه علم ولم يقدر المسئولية، وبالتالى يُقال من وظيفته، ولكن إذا لم يعلم شيئًا واعتقد أنها مجرد مباراة لكرة القدم، فتهمة التقصير تقع على عاتق مدير أمن بورسعيد لأن أهل مكة أدرى بشعابها. وأضاف، أنه مما لا شك فيه أن هناك حاليا وزيرًا تتم محاكمته، وكان ذلك الأمل قد مات بداخلنا إبان حقبة النظام السابق، وأصبحنا على يقين أنه من المستحيل أن يحدث ذلك رغم وجود قانون للمحاسبة القانونية والجنائية لأى مقصر من المسئولين والوزراء، ولكنه وكما أسلفنا لم يفعل فى ظل حكم نظام المخلوع، فكيف يتأتى لأخطبوط ضخم الذراعين أن يقوم هو بنفسه بقطع أذرعه التى يبطش بها ويحتمى خلفها. وتابع مكى، لكن اليوم وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع تتم محاكمة النظام السابق بالكامل، وهى محاكمات وإن كانت فى نظر البعض وهمية، إلا أنها تمنحنا أملاً فى بزوغ فجر جديد يشرق بنوره على ارض هذا الوطن، بعدما بدأت بالمطالبة بقطع رأس النظام رغم محاولاته التوارى والاختفاء خلف حجج المرض الواهية التى أنكرها هو من قبل وزج بسببها المئات فى غياهب المعتقلات، ولكننا رغم كل ذلك لا نطمئن على وطننا، لأن أذناب النظام وزبانيته و"حيزبونه" لايزالون طلقاء. وفى النهاية دعا مكى، فقهاء القانون لوضع نظام دستورى جديد تسير عليه البلاد، كأن يتم تفعيل المادتين 58 و79 من قانون العقوبات، ومواد أخرى كانت مجمدة، حتى لا نفاجأ فى المستقبل المنظور بمسئول آخر يخطئ ثم يفلت من العقاب. وأعرب عن أمله فى أن يطبق القانون على الكبير قبل الصغير وعلى القوى قبل الضعيف، كى نصبح بحق، وكما قال الله الكريم (خير أمة أخرجت للناس).