البابا تواضروس الثاني يصل التشيك والسفارة المصرية تقيم حفل استقبال رسمي لقداسته    أسعار الذهب اليوم الخميس 8 مايو 2025 وعيار 21 يتجاوز 4850 جنيهًا    بعد الانفجار.. تعليق حركة الطيران ب3 مطارات في باكستان    وول ستريت جورنال: أحمد الشرع طلب لقاء ترامب خلال زيارته لدول الخليج    قاض أمريكى يحذر من ترحيل المهاجرين إلى ليبيا.. وترمب ينفى علمه بالخطة    أنطونيو جوتيريش: الهجمات الأخيرة على بورتسودان تُمثل تصعيدًا كبيرًا    تفاصيل تعاقد الزمالك مع أيمن الرمادي    الطب الشرعي يفحص طفلة تعدى عليها مزارع بالوراق    بروشتة نبوية.. كيف نتخلص من العصبية؟.. أمين الفتوى يوضح    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. نقيب المحامين: أي زيادة على الرسوم القضائية يجب أن تتم بصدور قانون.. شرطان لتطبيق الدعم النقدي.. وزير التموين يكشف التفاصيل    3 ساعات «فارقة».. تحذير شديد بشأن حالة الطقس ودرجات الحرارة: «احذروا الطرق»    تعرف على ملخص احداث مسلسل «آسر» الحلقة 28    جامعة حلوان الأهلية تفتح باب القبول للعام الجامعي 2025/2026.. المصروفات والتخصصات المتاحة    حادث دهس واشتعال نيران وعنف، احتفالات باريس سان جيرمان تنقلب إلى فوضى (فيديو)    ميدو يكشف موقف الزمالك حال عدم تطبيق عقوبة الأهلي كاملة    إكرامي: عصام الحضري جامد على نفسه.. ومكنش يقدر يقعدني    شوبير يوجه رسالة بشأن قرارات لجنة التظلمات المنتظرة الخاصة بمباراة الأهلي والزمالك    إعلام إسرائيلي: تل أبيب وواشنطن تسعيان لإقناع الأمم المتحدة بالمشاركة في خطة إسرائيل لغزة    السفير جيمس جيفرى المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط ل«المصري اليوم»: خطة «ترامب» في غزة ليست واقعية وأدعوه إلى تنفيذ مشروع «كلينتون» .. حوارات مستقبل الشرق الأوسط (الحلقة الثانية والعشرون )    تفاصيل خطة التعليم الجديدة لعام 2025/2026.. مواعيد الدراسة وتطوير المناهج وتوسيع التعليم الفني    تفاصيل إطلاق كوريا الشمالية عدة صواريخ اتجاه بحر الشرق    خبى عليا وعرض نفسه للخطر، المخرج خالد يوسف يكشف عن مشهد لا ينسي ل خالد صالح (فيديو)    بحضور نواب البرلمان.. «الاتحاد» ينظم حلقة نقاشية موسعة حول الإيجار القديم| صور    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    ارتفاع الأسهم الأمريكية في يوم متقلب بعد تحذيرات مجلس الاحتياط من التضخم والبطالة    هدنة روسيا أحادية الجانب تدخل حيز التنفيذ    محمد ياسين يكتب: وعمل إيه فينا الترند!    نشرة حوادث القليوبية| شاب يشرع في قتل شقيقته بسبب السحر.. ونفوق 12 رأس ماشية في حريق    إطلاق موقع «بوصلة» مشروع تخرج طلاب قسم الإعلام الإلكتروني ب «إعلام جنوب الوادي»    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالمنيا    الدولار ب50.59 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 8-5-2025    وزير الاستثمار يلتقي مع السفير السويدى لتعزيز العلاقات الاقتصادية    قبل ضياع مستقبله، تطور يغير مجرى قضية واقعة اعتداء معلم على طفلة داخل مدرسة بالدقهلية    رسميًا.. انطلاق سيارات Lynk & Co لأول مرة في مصر - أسعار وتفاصيل    نقيب المحامين: زيادة رسوم التقاضي مخالفة للدستور ومجلس النواب صاحب القرار    بوسي شلبي ردًا على ورثة محمود عبدالعزيز: المرحوم لم يخالف الشريعة الإسلامية أو القانون    أسفر عن إصابة 17 شخصاً.. التفاصيل الكاملة لحادث الطريق الدائري بالسلام    خبر في الجول - أشرف داري يشارك في جزء من تدريبات الأهلي الجماعية    لا حاجة للتخدير.. باحثة توضح استخدامات الليزر في علاجات الأسنان المختلفة    مدير مستشفى بأسوان يكشف تفاصيل محاولة التعدي على الأطباء والتمريض - صور    واقعة تلميذ حدائق القبة.. 7 علامات شائعة قد تشير لإصابة طفلك بمرض السكري    عودة أكرم وغياب الساعي.. قائمة الأهلي لمباراة المصري بالدوري    «لعبة الحبّار».. يقترب من النهاية    أحد أبطال منتخب الجودو: الحفاظ على لقب بطولة إفريقيا أصعب من تحقيقه    حدث بالفن| عزاء حماة محمد السبكي وأزمة بين أسرة محمود عبدالعزيز وطليقته    تحرك جديد من المحامين بشأن أزمة الرسوم القضائية - تفاصيل    بيولي ل في الجول: الإقصاء الآسيوي كان مؤلما.. وأتحمل مسؤولية ما حدث أمام الاتحاد    تفاصيل اعتداء معلم على تلميذه في مدرسة نبروه وتعليم الدقهلية يتخذ قرارات عاجلة    "أولياء الأمور" يشكون من جداول امتحانات الترم الثاني: تؤثر على نفسية الطلاب    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    "الرعاية الصحية": تقديم الخدمة ل 6 مليون مواطن عن منظومة التأمين الصحي الشامل    أخبار × 24 ساعة.. التموين: شوادر لتوفير الخراف الحية واللحوم بدءا من 20 مايو    صحة الشرقية تحتفل باليوم العالمي لنظافة الأيدي بالمستشفيات    المحامين": النقاش لا يزال مفتوحًا مع الدولة بشأن رسوم التقاضي    أمين الفتوى: مفهوم الحجاب يشمل الرجل وليس مقصورًا على المرأة فقط    رئيس جامعة مطروح يشيد بالمعرض التطبيقي لطالبات كلية التربية للطفولة المبكرة    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود عوض يروى مأزق عبد الوهاب مع الرئيس والوزير
34 عامًا من الغياب بطعم حضور «موسيقار الأجيال»
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 07 - 05 - 2025


محمود عوض
اكتست القاهرة والعواصم العربية فى 4 مايو 1991 برايات الحزن عندما انتشر خبر رحيل موسيقار القرن العشرين، مطرب الملوك والأمراء محمد عبد الوهاب، عبر الإذاعات والفضائيات المصرية والعربية والأجنبية التى سردت الكثير من أغانيه ومشوار حياته، واليوم تشارك صفحة «كنوز» فى إحياء الذكرى 34 لغياب موسيقار الأجيال الذى كتبت فيه عشرات الكتب والمجلدات ومئات المقالات ورسائل الماجستير والدكتوراة التى تزخر بها مكتبات معاهد الموسيقى وأكاديميات الفنون، ومن أهمها كتاب «محمد عبد الوهاب الذى لا يعرفه أحد» للكاتب الكبير محمود عوض الموصوف بلقب «عندليب الصحافة» وكان من أقرب المقربين لموسيقار الأجيال، ويسعدنا أن نقدم ما كتبه عنه فى أحد مقالاته بما يكشف لنا جانباً من شخصية محمد عبد الوهاب لا نعرفه عنه، فيقول: «ذهبت» لمنزل محمد عبد الوهاب لتناول الغداء معه، وفجأة جاءت مديرة المنزل «سعاد» بالتليفون للمائدة بما يعنى أن المتحدث شخصية مهمة، وهمست له: «وزير الإعلام عايز يكلم حضرتك حالاً»، أمسك عبد الوهاب بالسماعة ليرد : «أهلا أهلا أهلا سيادة الوزير.. إيه الشرف العظيم ده ؟».
بدا سرور محمد عبد الوهاب يتضاعف بمجرد أن قال له الوزير: «أستاذ عبد الوهاب..
أنا مكلف بنقل رسالة عاجلة إليك من سيادة الرئيس السادات»، فقال الموسيقار: «والله أنا أتابعه أول بأول فى نشرات التليفزيون ومنبهر بالمجهود العظيم الذى يقوم به فى أمريكا، والمعاهدة التى وقعها فى كامب ديفيد، وألف مبروك سيادة الوزير، والله أنا بدعو لسيادته بالتوفيق فى كل صلواتى، والحمد لله إن ربنا وفقه، وحافضل أدعى لربنا يرجع لنا بالسلامة».
اقرأ أيضًا| حكاية أثر| دموع الخلود على تابوت «جد حر».. مشهد أسطوري يجسد حزن الإلهتين إيزيس ونفتيس
قال الوزير: «الشعور متبادل يا أستاذ.. وأنت مقامك كبير عند الرئيس.. ولهذا فأنت الوحيد الذى طلبنى من أمريكا لأنقل لك رسالة منه»، رد عبد الوهاب فى سرور: «والله سيادته فيه الخير.. معقول ييجى على باله واحد اسمه محمد عبد الوهاب رغم مشاغله فى أمريكا؟».
قال الوزير: «طبعا يا أستاذ.. مش قلت لك مقامك كبير عند سيادة الرئيس، وبعد الإنجاز العظيم الذى توصل إليه الرئيس فى كامب ديفيد بيقول لك جاء دورك يا فنان يا عظيم.. جمهورك بالملايين فى مصر والعالم العربى.. لو تعمل أغنية وطنية سريعة لتحية الرئيس وتكرر الإذاعة والتليفزيون بثها فوراً لترددها الملايين فى استقباله عند عودته بالسلامة.. سيادة الرئيس أمرنا بتنفيذ كل طلباتك بأى ميزانية تطلبها ونترك لك الحرية بالكامل.. عايز الأغنية تبقى بالصوت.. أو بالصوت والصورة.. عايز أكبر مخرج وتختار أكبر عازفين و.. و ..». وهنا تغيرت ملامح الموسيقار لتصبح أكثر جدية وكلماته أكثر بطئاً، يختارها بعناية ودقة قائلاً: «لكن يا أفندم سيادة الرئيس فنان من يومه ويعرف إن الفنان لازم يأخذ وقته»، فقال الوزير: «طبعا يا أستاذ.. خد وقتك.. الرئيس سيذهب إلى المغرب قبل رجوع إلى مصر، يعنى أمامك يومين ثلاثة.. أو بالكثير أربعة أيام»
وبعد لحظات بدت كالدهر.. فوجئت بعبد الوهاب يقول للوزير: «سيادة الوزير.. أكيد سيادة الرئيس قال لك على حد تانى وأنت سمعت اسمه غلط ..أصل وأنا والله بادعى للرئيس فى كل صلواتى لما أفكر أعمل حاجة لازم أفكر فى شىء كبير يليق بمكانة الرئيس وآخد وقتى.. حضرتك هنا مش محتاج لمحمد عبد الوهاب.. حضرتك محتاج فقط لواحد «يزغرد» فهل ترضى سيادتك بعد العمر ده كله.. يكون المطلوب منى هو.. «زغرودة»!
اقرأ أيضًا| كنوز| أمريكا فى مرمى نيران محمود السعدنى فى ذكراه ال 15
قالها عبد الوهاب بعفوية وتلقائية ليغطى بكلمة «زغرودة» اعتذاره الفوري، وعندما أغلق السماعة وجدنى واقفاً على مسافة أمتار من مائدة الطعام لكى آخذ راحتى فى ضحكة مجلجلة مما سمعته، فسألنى بوجه شبه متوتر: «لماذا كل هذا الضحك ؟»، فقلت: «أنا غير مصدق لما سمعته.. أكيد أنت لست محمد عبد الوهاب الذى أعرفه»، استغرب مقاطعاً: «ياه.. للدرجة دى كنت رامى طوبتى؟!»، فقلت: «مش بالضبط.. المسألة هى أننى أراك دائماً كمحمد عبد الوهاب .. الآن رأيت أمامى نابوليون بونابرت»!
لم تعجبه المداعبة، ركبته هموم الدنيا بمجرد انتهاء المكالمة مع الوزير فقال: «طيب يا أخويا.. ابقى خللى نابوليون بونابرت ينفعنا.. وربنا يجيب العواقب سليمة»، وفى طريق عودتى لمنزلى استعدت شريط تلك الواقعة مرة ومرات، وبرغم ما سمعته وشهدته، لم تكن لدى أى أوهام، لكن حتى مع معرفتى بشخصية محمد عبد الوهاب وسلوكه مع أهل السلطة، يظل ما رأيته ممثلاً لجملة اعتراضية تماماً فى شخصية عبد الوهاب وسلوكه، وأعرف أنه سواء بحكم تلك الطبيعة، أو للإلحاح المتوقع عليه تالياً، فربما يكون له موقف آخر معدل، لكننى كنت متأكداً أن عبد الوهاب فى جميع الحالات لن يقدم «زغرودة» بالتعبير العفوى الجامع المانع الذى اختاره يوم دعانى للغداء، فى الواقع لم تكن تلك وجبة غداء، كانت وجبة شجاعة، ولو مؤقتة، على حد تعبير عبد الوهاب فيما بعد.
طرائف «الموسيقار» فى ذاكرة أنيس منصور
لكاتبنا الكبير أنيس منصور عشرات من الحكايات الطريفة التى عاشها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب وشارك أنيس فى صنع بعضها، وقد نشر هذه الطرائف فى الكثير من مقالاته وبعض كتبها، ويقول فى واحدة منها إنه اتفق مع عبدالحليم حافظ على تسجيل شريط كاسيت بصوت الإعلامى أحمد سعيد يفيد باختراق طائرة كوماندوز إسرائيلية للمجال الجوى المصري، ونجاح جنودها فى التسلل إلى منطقة المهندسين، وفور الانتهاء من تسجيل الشريط، كان أنيس منصور على موعد مع عبدالوهاب، وبعد أن ركبا السيارة فى طريقهما إلى المهندسين لمقابلة خاصة، أدار أنيس التسجيل وعندما استمع عبدالوهاب للخبر، ارتجف قائلًا : «توقف» ثم نزل من السيارة وأخذ يبكى !
ويقول أنيس منصور: إن هوس محمد عبدالوهاب بالنظافة جعلته يغسل الصابون قبل استعماله فكان يغسل يديه قبل الأكل وبعد الأكل إذا كان فى نيته أن يأكل، وإذا كان فى نيته ألا يأكل، وكان يضع منديلاً على أنفه، حتى لا يشم رائحة كريهة يتوهم مصدرها من أى إنسان قريب منه، وفى يوم كنا فى طريقنا إلى الغداء عند يوسف وهبى فقيل لعبد الوهاب «مع الأسف الماء مقطوع»، فانزعج وطلب من السائق أن يعود به إلى البيت، مع أن الحل بسيط وهو أن نأتى له بالماء من أى مكان أو يذهب إلى جاره يوسف وهبى ويغسل يديه وسوف يكون مصدر سعادة لهذا الجار، وكان توفيق الحكيم يداعبه قائلاً: «سوف تتعذب كثيراً يا عبدالوهاب، فجهنم ليس فيها ماء لغسل اليدين، والناس فى الجنة ليسوا فى حاجة إلى غسل أيديهم وأرجلهم.. هاها»، وكان يقول فى تفسير ذلك أنه «هوس» الدقة، فهو حريص جداً على فنه، وحريص جداً على أن يكون فى أكمل صورة، وعبدالوهاب يجرى بروفات كثيرة على ألحانه إذا كانت له، وإذا أعطيت لأى فنان آخر، أنه يسهر بالساعات لا طعام ولا شراب حتى يكتمل العمل على النحو الذى يراه، وقد وصفه أحد النقاد الإنجليز بأنه مثل طائر «الراقون» المشهور بأنه يغسل طعامه ويجلس إلى جواره حتى يجف!
ويأخذنا أنيس منصور للقطة أخرى يبين من خلالها طريقة محمد عبد الوهاب فى تناول الطعام فيقول: «دعانى الموسيقار العظيم إلى الغداء على مائدته لكى أراه عن قرب وهو يأكل، جاء الطعام وبدأ الأستاذ يأكل وقد أدخل دماغه فى الطبق كأنه يريد أن يتأكد من شيء، ولكنه يفعل ذلك عادة، يأكل الدجاج المسلوق بيديه، ولحسن حظ محبى عبد الوهاب أنهم لا يرونه وهو يأكل ويمضغ ويمصمص اللحم بصوت مسموع ويدندن فى نفس الوقت، ولكنه يتابع ما يدور حوله من مناقشات ويتدخل ويقول ونحن نسمع ونرى، وله ضحكة كان عبد الحليم حافظ يقلدها، وله طريقة فى الكلام كأنه يغنى، لم ألتفت إلى الطعام ولا أذكر ماذا أكلنا، فقد كنت مشغولاً تماماً بمراقبة عبد الوهاب، لم أجد فيه الرقة والشجن كما الذى فى أغانيه، وعبد الوهاب «صنايعى» يعنى فناناً بالعقل وليس بالقلب، يعنى يصطنع الحب والشجن والعذاب والآهات وهو فى كامل صحته وعافيته، وعرفت منه فيما بعد أن الفنان يجب أن يحمى نفسه من متاعب المهنة، يعنى لا يوجع قلبه إذا غنى للحب ولا يبكى على الذى فات، حنجرته فقط هى التى تبكى، أما قلبه فسلامته أهم من أى شيء آخر، وأكثر الناس حباً لعبد الوهاب وحرصاً على سلامته وثروته ومستقبله هو محمد عبد الوهاب!
فاكر لما ضربتنى بالقلم.. و«الشلوت»؟!
رصدت مجلة الكواكب لقاءً طريفاً جمع بين عميد المسرح العربى يوسف وهبى بك وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وكلاهما فى عز مجده، لكن مندوب المجلة سمع محمد عبد الوهاب وهو يقول ليوسف وهبى بك : «عايز أفكرك يا يوسف بيه إنى كنت أد إيه منبهر بيك، وفى ليلة لا يمكن أنساها انتظرتك فى شارع عماد الدين وهجمت على العربية بتاعتك وشديت ايدك علشان أبوسها لكنى فوجئت بجنابك تضربنى بالقلم وينالنى منك «شلوت» محترم، وانت بتقول لي: «امشى يا ولد»!!
ويستطرد الموسيقار محمد عبد الوهاب وهو يُذكِّر عميد المسرح العربى بهذه الواقعة قائلاً : «ومشيت وأنا أبكى وأسأل نفسى هل أوصل فى يوم لشهرة يوسف بيه ؟»
وهنا يرد يوسف وهبى بيه على محمد عبد الوهاب قائلاً : «امتى ده حصل ؟، معقول اكون بضرب بالقلم والشلوت ؟ مش معقول، أنت بتتجنى عليّ يا عبد الوهاب وعايز تشوه صورتى».. رد عليه محمد عبد الوهاب قائلاً: «أقسم بالله.. وغلاوتك عندى اللى بحكيهولك حصل.. ثم انت هاتفتكر الكلام ده.. أنا شايف اللى حصل عادى.. عشراء من الشباب اللى كانوا فى سنى وقتها كانوا بيبقوا واقفين منتظرين يسلموا على النجوم اللى بيحبوهم، وبالتأكيد موش أنا بس اللى نالنى القلم على وشى من يدك الكريمة، و«الشلوت» المحترم من قدم سعادتك.. بالتأكيد نال الشرف ده غيرى كتير» !
فقال يوسف وهبى بيه ضاحكاً : «دمك خفيف يا أستاذ عبد الوهاب.. أديك يا سيدى بقيت على كل لسان وشهرتك يمكن فاقت شهرتى، وبقيت معشوق الحسنوات، وأهى الأيام لفت وجمعت بينا فى فيلم «غزل البنات».. ومع ذلك إذا كان اللى بتقوله ده حصل فأنا بطلب السماح.
« الكواكب » - سبتمبر 1949
أنا عندى مانجة.. وصوتى كمانجة
وقف البلبل الصداح محمد عبد الوهاب لأول مرة على خشبة المسرح عام 1916 ضمن فرقة فوزى الجزايرلى التى كانت تعمل بمسرح «الكلوب الحسينى» فى حى الحسين، وغنى ليلتها أغنية تقليدية اعتاد مطربو الفرق على أن يغنوها للترحيب بالجمهور، وكان مطلعها يقول: «مرحبًا بالسادة النجب»، ويتذكر موسيقار الأجيال أنه تقاضى فى هذه الليلة 3 مليمات كأول أجر يتقاضاه فى بداية مشواره، وأعجب الجزايرلى بصوته بشكل كبير، وطلب من مكتشفه محمد يوسف شمعون إعداد أغنية جديدة خصيصًا ليغنيها هذا المطرب الوافد الجديد، وبالفعل استعان شمعون بالمؤلف الشيخ محمد يونس القاضى ليكتب كلمات الأغنية التى لحنها وغناها عبد الوهاب بين فصول الرواية التى تعرضها فرقة الجزايرلى، وكانت كلمات الأغنية تقول: «أنا عندى مانجة وصوتى كمانجة»، وكان عبدالوهاب وقتها طفلاً لا يتجاوز عمره 12 عاماً، ونال إعجاب الجمهور الذى صفق له تصفيقاً حاراً، وبسبب هذه الأغنية ارتفع أجره من 3 مليمات إلى 5 قروش، وكان يوسف شمعون يحصل منه على أغلب هذا المبلغ، وبعد هذه الأغنية ذاعت شهرة الطفل عبدالوهاب وزاد الطلب عليه وبدأ مشوار نجاحه.
«فول وفلافل» مطرب الملوك والأمراء
استمتع الملايين من كل الأجيال بموسيقى وألحان وغناء موسيقار الأجيال الفنان الكبير محمد عبدالوهاب الذى أثرى الموسيقى والطرب بإبداعاته التى عاشت وستعيش على مر العصور.
ولكن هل يعرف محبو فن موسيقار الأجيال أنه فكر ذات يوم فى أن يخوض مجالاً جديداً من خلال افتتاح مشروع خاص بعيداً عن مجال الفن؟ وهل تخيل عاشقو عبدالوهاب أن يروا نجمهم المفضل وهو يقف فى محل فول وفلافل ليبيع لهم الساندوتشات الساخنة، وأن يكون شريكه فى هذا المطعم الفنان المحبوب محمد فوزى؟
تفاصيل هذا المشروع تحدث عنه موسيقار الأجيال فى عدد نادر من مجلة «الكواكب» عام 1954، وكان وقتها قد انتهى من بناء عمارة «الجندول» التى تحمل اسم أحد أشهر أغانيه وتقع فى 26 يوليو - شارع فؤاد سابقاً - وتقول المجلة: إن فكرة المشروع طرحها محمد عبد الوهاب فى سهرة حضرها المطرب محمد فوزى والكاتب فتحى رضوان وعدد من أصدقائه، وأكد الموسيقار فى هذه السهرة أنه اقتصادى بارع دون أن يدرس الاقتصاد، مؤكداً أن لديه فكرة مشروع غير مُكلِف ولكن «يكسب دهب»، وأشار إلى أنه يريد استغلال الدكاكين والمحلات الموجودة بعمارته لأنه لا يريد أن يتركها للتجار يكسبون منها ذهباً ويعطونه إيجاراً متواضعاً.
فأقترح تأسيس شركة برأس مال بسيط لاستغلال 4 دكاكين من عمارة «الجندول»، وقال الموسيقار: «أنا أحب الطعمية السخنة وأنتم تحبونها، ولكننا لا نرضى أن نتناولها فى المحلات إياها، ولو أن رائحتها تخلخل ركبى، ولولا بقية من عزم وإرادة لكنت الآن صاحب لقب «المرحوم» من أكلها، فماذا لو فتحنا كلنا دكاناً كبيراً لبيع الطعمية والساندوتشات بشارع فؤاد»، ومضى يتحدث عن خطته لنجاح المشروع فقال : «ولنجاح المشروع وجذب الزبائن اقترح أن نطلق اسم» طعمية عبد الوهاب «على مطعمنا ونعلن عنها على أبواب دور السينما عند دخول وخروج روادها بمطبوع يقول: «عبدالوهاب يبيع اليوم سندوتش الطعمية بيده..
خد سندوتش وسلم على عبد الوهاب»، وإعلان فى يوم آخر نقول فيه :«محمد فوزى يبيع اليوم سندوتش الطعمية بيده.. تمتع بتناول السندوتش ومصافحة محمد فوزى».
وأقسم عبدالوهاب أنه على استعداد لقضاء ليلتين فى الأسبوع فى محل الطعمية، ومستعد لمصافحة 10 آلاف شخص فى هذين اليومين، بل ومستعد للنداء بنفسه على الطعمية السخنة والغناء لها لجذب الزبائن قائلاً «طعمية عبدالوهاب أطعم وأحلى من الكباب».
أنا والآنسة أم كلثوم !
بقلم: محمد عبد الوهاب
قد لا يعرف الكثيرون أننى والآنسة أم كلثوم غنينا سوياً أغنية «على قد الليل ما يطول» فى منزل والد الصديق أبو بكر خيرت المهندس المعروف، وقيل لى قبيل الحفلة أننى سأغنى مع أم كلثوم، ففرحت واعتبرت الخبر بشرى كبيرة لمطرب غير معروف، فى حين أم كلثوم كانت وقتذاك قد وطدت قدمها وعرفها الناس وأعُجبوا بصوتها وفنها الرفيع، غنيت مع أم كلثوم، وأحسست وأنا إلى جوارها أننى أتحدث إلى أستاذ، وهذه الحفلة يتوقف عليها شيء غير قليل من مصيرى كمطرب ناشئ.
سمِعنا فى هذه الحفلة، بين من سمِعنا، الأستاذ حسن أنور وكيل معهد الموسيقى، فهمس فى أذنى بأننى قد أديت دورى على أكمل وجه وأننى أحسنت الأداء، وحسبته يجاملنى، ولم آبه.. إلا لشهادة أم كلثوم التى قالت لى همساً : «انت كويس»، أحسست بفخر عظيم أننى أغنى مع مطربة لها شعبية كبيرة فى وقت لم أكن أنا أتمتع فيه بمثل هذه المكانة، إن لأم كلثوم فضلين، فضلاً كمغنية، وفضلاً كمساهمة بعقلها فى بناء النهضة الموسيقية الحديثة فى مصر والشرق، من حيث فضل أم كلثوم كمغنية، فهى جمعت من مواهب المطرب التى يجب أن تتوافر فيه، كل ما يمكن للطاقة البشرية أن تجمعه، لأن المطرب منذ أربعين عاماً أو أكثر، كان لكى يشق طريقه إلى المجد، يجب عليه أن يتمتع بميزات خاصة، والمغنى الحديث، فى عصر الراديو وآلات التسجيل والميكروفون، يجب أن تتوافر لديه ميزات خاصة أخرى.
الفرق واضح بين هذه المواهب وتلك، فمواهب مطرب ما قبل ظهور الميكروفون والراديو كانت الصوت القوى فحسب، وقوة احتمال طويلة المدى وصوتاً ذا قماش واسع، وكان يتعين على المطرب الناجح أن يذهب إلى الحفلة ليحييها فى سرادق كبير به آلاف المستمعين غير مستعين بآلات «التكبير»، وأن تكون لديه قوة احتمال لكى يغنى ساعة أو أكثر غناء متواصلاً، وأن يتمكن من «التنويع» و«التلوين» وتغيير المقامات، لكى يذهب السأم والملل والضجر عن الآلاف التى تسمعه داخل السرادق، وربما ظهر فى ذاك الوقت مطربون لا يملكون «قوة الصوت» وليست لديهم «قوة الاحتمال».. ولكنهم يتمتعون بحلاوة وطلاوة فى الصوت، ومع ذلك فهؤلاء لم يشتهروا، ودليلى على ذلك أن المرحوم الأستاذ الشيخ محمد رفعت لم يشتهر ولم يعرفه الناس كإمام للمقرئين إلا بعد ظهور الراديو والميكروفون، لأنه على الرغم من جمال صوته فقد كان ضعيفاً لا يُسمِع أكثر من صف أو صفين من السرادق.
أم كلثوم.. جمعت فى صوتها كل هذه المواهب، وتتمتع بكل ما يجب أن يتوافر فى المغنى الذى عليه أن يسمع الآلاف وأن يبدد السأم الذى قد يعتريهم، فيظل يشدو ويشدو، متنقلاً من «مقام» إلى «مقام» فى سهولة ويسر، وهذا سر عظمة أم كلثوم، وفى عصرنا الحاضر يندر أن تتوافر فى مطرب مشهور إحدى هذه الصفات أو معظمها، ومع ذلك فهو يتمتع بالشهرة ويتمتع بالمجد العريض، إذ لم يعد مطلوباً منه أن يُسمِع الألوف فى سرادق بصوته المباشر، بل يستطيع أن يوصل صوته عن طريق الميكروفون، وأصبح غير ضرورى أن يتحمل الغناء الطويل لساعة أو ساعتين لأنه يستطيع أن يستغنى عن الحفلات العامة ويستطيع أن يسجل أغانيه فى السينما والإذاعة، وكل هذه موارد تجلب الشهرة والرزق الواسع، وأصبح من المهم لدى المطرب الناجح أن يتمتع بجمال الصوت وجمال إخراج المقامات من صوته.
وقد توافرت هذه الميزات أيضاً فى أم كلثوم لأننا نُطرب لسماعها عندما نسمعها فى حفلة، ونُطرب عندما نسمعها فى تسجيل، وما تتمتع به أم كلثوم يُعد نادراً فى فن الغناء فى الشرق.
« الكواكب » - 12 مايو 1953
يظل الرجل طفلاً حتى ترحل أمه عن الدنيا.. فإذا ماتت أحس أنه شاخ فجأة.. وانقطع من لسانه كلمة أمى.
محمد عبد الوهاب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.