انتخابات الشيوخ 2025.. اصطفاف العشرات أمام لجنة عابدين الثانوية بنات    بدء ماراثون انتخابات مجلس الشيوخ 2025 في دمياط.. وزحام أمام اللجان في أول أيام التصويت    أسعار الدواجن والبيض اليوم الاثنين 4 أغسطس 2025    الرئاسة الفلسطينية: لا أمن في المنطقة دون حقوق الفلسطينيين.. وعزلة دولية متزايدة لإسرائيل    جوزيف عون: الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها ملتزمة بكشف الحقيقة كاملة في حادث تفجير مرفأ بيروت    انتخابات الشيوخ 2025.. اصطفاف الناخبين أمام اللجان بالوراق| صور    توافد المواطنين على لجنتي مدرسة ياسر الحديدي والملك فهد بمدينة نصر للإدلاء بأصواتهم في انتخابات الشيوخ (صور)    تنسيق الثانوية العامة 2025.. كليات تقبل من 65% في المرحلة الثانية أدبي «قائمة كاملة»    أسعار الذهب في مصراليوم الاثنين 4 أغسطس 2025    أسعار الدولار اليوم الاثنين 4 أغسطس 2025    أسعار اللحوم بشمال سيناء اليوم الاثنين 4 أغسطس    طوارئ بالسكك الحديد لنقل القضاة والمشرفين على الانتخابات    فتح لجان التصويت أمام المواطنين ب«عابدين الثانوية بنات» في أول أيام انتخابات الشيوخ 2025    بدء ماراثون انتخابات الشيوخ بشمال سيناء.. وتوافد كبير للناخبين علي لجان العريش وبئر العبد    الدفاع الروسية: إسقاط 11 مسيرة أوكرانية في أجواء عدد من المقاطعات الروسية خلال ساعتين    موقف الزمالك من ضم وسام أبوعلي (خاص)    موعد مباراة ليفربول وأتلتيك بلباو الودية والقنوات الناقلة    تمهيدًا لإنتقاله إلى الزمالك؟ سر استبعاد مصطفى فتحي من وديتي بيراميدز أمام سيراميكا وأسوان    أجواء آمنة ومنظمة.. انطلاق عملية التصويت بلجان انتخابات الشيوخ في الإسماعيلية    تجديد حبس عاطل بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين في الزيتون    الأرصاد: الأقمار الصناعية ترصد سحبا منخفضة على القاهرة والوجه البحري    ميرنا جميل تكشف عن أعمالها الفنية المقبلة    قبل «ابتدينا».. جانا وعبدالله عمرو دياب حاضرين في مشوار «الهضبة» منذ 13 عامًا    ليلى عز العرب: كنت أتمنى الاتجاه للغناء.. وما زال الحلم مستمرًا    حملة «100 يوم صحة» تقدم 28 مليونا و901 ألف خدمة مجانية خلال 19 يوما    70 شهيدا من طالبي المساعدات في قطاع غزة.. و"أوكسفام" تحذر من إبادة جماعية    أستراليا تتعهد بتقديم مزيد من المساعدات لغزة بعد مسيرة حاشدة في سيدني    ارتفاع عدد ضحايا غرق قارب مهاجرين قبالة سواحل اليمن إلى 140 شخصا    حدث استثنائي لياسر إبراهيم.. 20 صورة ترصد أبرز أحداث مباراة الأهلي الودية ومنتخب مصر للشباب    اشتعال النيران في سيارة ملاكي بطريق كورنيش النيل بمدينة أسوان    «اللقب الغائب والحلم الأهم».. تحديات تنتظر زيزو مع الأهلي في الموسم الجديد    4 لاعبين أثاروا الجدل خلال فترة الانتقالات الصيفية الجارية    إعلام عبري: إسرائيل وأمريكا قد تستغرقان عدة أشهر للتوصل إلى اتفاق جديد مع حماس    النادي في أزمة.. النفطي يكشف تفاصيل محادثته مع حمزة المثلوثي    أحداث ساخنة بعد منتصف الليل.. تغطية لليوم السابع حول ما يحدث فى العالم (فيديو)    الزمالك يعلن قبول اعتذار أحمد سالم.. تفاصيل    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 4 أغسطس    بشرط تسجيل المواشي.. رئيس شعبة القصابين: الحكومة ستوفر الأعلاف المدعومة لصغار المربين    بعد تضارب أقوالها.. قرار عاجل من النيابة بشأن والدة أطفال المنيا الستة المتوفين    القليوبية تنتهي من الاستعدادات النهائية لانتخابات مجلس الشيوخ| صور    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال شهر يوليو 2025    مصرع شاب مجهول الهوية صدمه قطار في قنا    ال 92% ب 12 ألف جنيه، القبض على سيدة زعمت قدرتها على تعديل درجات الثانوية العامة    تعانى من ألم شديد.. تفاصيل تطورات الحالة الصحية للمطربة أنغام    «لا تقلق.. أنا بجانبي» للكاتب عمرو فؤاد.. خواطر أدبية تغوص في أعماق المشاعر الإنسانية    ليلى عز العرب: لم أعاصر جدي الموسيقار أبو العلا محمد.. لكنه كان متفتحا وعظيما    بعد القبض على تيكتوكرز.. محمد هنيدي يعلق: «إللي بيشتم أهله بيكسب أكتر من الشقيان»    حدث بالفن | أزمات حفلات الساحل وورطة تامر حسني على المسرح والحالة الصحية ل أنغام    ما حكم عدم تنفيذ الابن لوصية الأم برعاية أخواته؟.. أمين الفتوى يجيب    القبض على ليلى الشبح عقب بث مباشر في منزلها    «القومى للاتصالات» يختتم فعاليات المرحلة الثالثة من مسابقات المنتدى الأفرو- آسيوى للابتكار    طريقة تحضير أفضل صلصة طماطم في مطبخك.. أحلى من الجاهزة وبدون مواد حافظة    وكيل صحة شمال سيناء يوجّه برفع معدلات الأداء ضمن مبادرة "100 يوم صحة"    مديرية الصحة بشمال سيناء تضع ضوابط جديدة لتنظيم العمل بالإدارات الفنية والإدارية    الإفتاء: فقدان قلادة السيدة عائشة كان سببًا في تشريع رخصة التيمم للمسلمين    كتب ممنوعة (1)    دعاء الفجر | اللهم فرج همي ويسّر لي أمري وارزقني رزقًا مباركًا    "الدنيا ولا تستاهل".. رسالة مؤثرة من نجم بيراميدز بعد وفاة بونجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعجبني هؤلاء
لأول مرة.. محمد عبدالوهاب امبراطور الموسيقي والغناء
نشر في أخبار اليوم يوم 21 - 10 - 2011

يوم ولا أي يوم: الغداء مع عبدالوهاب وفي بيته؟! الموسيقار العظيم يدعوني إلي الغداء علي مائدته ومعه لكي أراه عن قرب وهو يأكل. وأنا معه؟! هذا كثير جدا أن يقع في يوم واحد!
أما الأستاذ عبدالوهاب فقصير القامة أصلع أبيض، أحمر الوجه، كبير الأذنين والأنف. ويكرر أن نسبه يتصل بأهل البيت، فجده الأعلي هو الشيخ الشعراني صاحب الطريقة الصوفية. وهو طوال الوقت يقول انه ليس معك، فهو مشغول بشيء ما ولذلك يدندن. ثم نظارة غليظة. ضعيف النظر. وإن كان صديقه الأمير بدر بن عبدالعزيز يقول انه يتظاهر بأنه ضعيف وفي الحقيقة يري الأشياء بوضوح. ولكن لماذا؟ يقول انه يخاف من الحسد.
وجاء الطعام وبدأ الأستاذ يأكل. وقد أدخل دماغه في الطبق كأنه يريد أن يتأكد من شيء. ولكنه يفعل ذلك عادة. ويأكل الدجاج المسلوق بيديه. ولحسن حظ محبي عبدالوهاب أنهم لا يرونه وهو يأكل ويمضغ ويمصمص اللحم بصوت مسموع ويدندن في نفس الوقت. ولكنه يتابع ما يدور حوله من مناقشات ويتدخل ويقول ونحن نسمع ونري. وله ضحكة كان عبدالحليم حافظ يقلدها.. وله طريقة في الكلام كأنه يغني. كلماته واضحة الحروف. وقد قلده الملحنون جميعا، فيما عدا الموسيقار كمال الطويل.. فهو صاحب لهجة شعبية. وله ضحكة مزعجة لو سمعها هو لعدل عنها!
لم ألتفت إلي الطعام ولا أذكر ماذا أكلنا، فقد كنت مشغولا تماما بمراقبة عبدالوهاب. لم أجد فيه الرقة والشجن كما الذي في أغانيه..
وعبدالوهاب (صنايعي) يعني أنه فنان بالعقل، وليس بالقلب. يعني يصطنع الحب والشجن والعذاب والآهات وهو في كامل صحته وعافيته.
وعرفت منه فيما بعد أن الفنان يجب أن يحمي نفسه من متاعب المهنة. يعني لا يوجع قلبه إذا غني للحب ولا يبكي علي الذي فات. حنجرته فقط هي التي تبكي. أما قلبه فسلامته أهم من أي شيء آخر. وأكثر الناس حبا لعبدالوهاب وحرصا علي سلامته وثروته ومستقبله هو: محمد عبدالوهاب!
ومن المألوف أن يترك عبدالوهاب ضيوفه ويغيب عنهم لأسباب لا يذكرها ولا يعرفها أحد. كأن يكون قد خطر له أن يسجل لحنا جديدا أو يأخذ حماما ساخنا. أو أن ينام. وسوف يعتذر للناس عن كل هذه النزوات. أليس هو محمد عبدالوهاب؟ أليس هو أعظم موسيقار عربي؟ أليس هو الذي غني »ياجارة الوادي« و»بلبل حيران« و»جبل التوباد«؟ أليس هو تلميذ أمير الشعراء شوقي صديقه ومن رعاياه؟!
لثاني مرة: عبدالوهاب!
عندما غنت له فيروز: ياجارة الوادي، وخايف أقول اللي في قلبي، واسهار بعد اسهار.. جاءت هذه الأغنيات علي أسطوانة.. ودارت الأسطوانة بيننا شهورا مبهورين بلقاء عبدالوهاب وسيدة الغناء اللبناني فيروز.. التغيير الوحيد في كلام أغنية خايف أقول اللي في قلبي هو أن الأغنية المصرية تقول: أنا زارني طيفك في منامي.. ولكن فيروز غنتها: أنا زارني طيفك بمنامي.. ما الذي بهرنا؟ إننا سعداء بأن نسمع الأغنية من أروع صوتين في دنيانا عبدالوهاب وفيروز.. وكان انبهارنا أقوي من انبهارنا فيما بعد بلقاء عبدالوهاب وأم كلثوم بتوصية من الرئيس عبدالناصر. ودعانا عبدالوهاب ليسمع رأينا.. وكان صادقا في هذه الدعوة. انه يحب أن يسمع ويحب أن يجيب. ومادام الموضوع خاصا به فعبدالوهاب لا يغفل ولا ينام. وإذا كان لديه لحن جديد دعا أصدقاءه من الكتاب والفنانين ليسمع الرأي في اللحن الجديد.. ومن الطبيعي أن يكتب هؤلاء الكتاب عن الذي سمعوه والذي يبهرهم في الأغنية قبل أن تنزل الأسواق. وهي دعاية مجانية علي أرفع المستويات. سؤال من عبدالوهاب: أيهما أفضل؟
فقلت: بصوتك يا أستاذ رائعة وبصوت فيروز جميلة. أنت السمو وهي الجمال.. ويكون تعليق عبدالوهاب: الله.. حلوة.. كلام حلو.. آه.. ولا ينظر إليك وإنما هو لا يقوي علي التركيز إذا نظر أو استمع.. انه ينظر إلي داخله. وهو مشغول بما في داخله. ماذا بداخله لا تعرف حتي يقول. حتي يفصح.. ورأي عبدالوهاب في فيروز: انها معجزة لبنانية. وأم كلثوم معجزة قومية.. ويقول عبدالوهاب: لم يعرف الغناء صوتا أرق وأجمل من صوت فيروز.. إنها خيوط الحرير.. إنها أشعة من الفضة.. أما أم كلثوم فهي الأبهة والفخامة والكبرياء في الحب وفي الغضب وفي الوطنية. وسألت: ومحمد عبدالوهاب؟.. قال: أقول لك ولا تكتب.. عبدالوهاب: امبراطور الموسيقي والغناء. إذا كتبت فقل ان هذا رأيك.. لا تنس ياحبيبي.. ولم يحدث أن استطاع شاعر غنائي أن يؤدي ما قدم الاخوان رحباني من سرعة في ايصال الكلام إليك فالكلام سريع والموسيقي والمطربة.. كل هؤلاء معا شكلوا هذه المعجزة الغنائية أو هي التي جمعتهم وصعدت بهم إلي فوق.
لثالث مرة: عبدالوهاب!
قالت لي أم كلثوم: بمناسبة زواجك عندي لك هدية أنت وزوجتك تعاليا واستمعا إلي تسجيل أغنية محمد عبدالوهاب.. أنت عمري..
ياخبر أغنية محمد عبدالوهاب لأم كلثوم عند أم كلثوم وفي حضور عبدالوهاب والفرقة الموسيقية؟
وكانت أم كلثوم قد حفظت اللحن الذي سجله عبدالوهاب علي شريط تسمعه أم كلثوم وتردده وبعد ذلك يجيء ويستمع إليها. ويراجع ويدخل تعديلات علي الأداء وعلي الموسيقي أيضا.
وكان لابد أن نكون بعيدين تماما عن الفرقة الموسيقية. لم يكن تسجيلا وإنما كانت البروفة النهائية في بيت أم كلثوم. وبعد ذلك يكون التسجيل في الإذاعة وفي أي مكان آخر تراه أم كلثوم وعبدالوهاب.
وجئنا. واحتفت أم كلثوم بزوجتي. وكأنني لست موجودا.. تعالي هنا.. اتفضلي.. وتحبي تشربي ايه.. أشكرك علي الوليمة التي دعوتني إليها.. وكانت الوليمة بمناسبة حصولي علي جائزة الدولة.. وهذه دعوة لحضور اللقاء الذي انتظرته الملايين لحن لعبدالوهاب وصوت أم كلثوم.
استمع إلي الأغنية بصوت عبدالوهاب..
وبدأت أم كلثوم تغني.. أيوه ياست. ويقول لها عبدالوهاب: هكذا. ويغني وتغني أم كلثوم ويقول لها: الله يا ثومة موافق علي النطق هكذا.. الله يا ثومة موافق علي النطق هكذا.. الله يا ثومة.. تاني مرة.
وتغني أم كلثوم.. ويوقفها عبدالوهاب ويطلب إليها أن تعيد وأن تغني كما أراد.. ويبدو أن أم كلثوم قد أدخلت تعديلا علي اللحن فقال لها عبدالوهاب: أيوه.. حلو كده.. موافق ياثومة.. قولي كمان مرة.. الله.. الله.
كم من الوقت مضي. لم يكن هناك أي معني للزمان.. فلا زمان ولا مكان.. وإنما نحن من الدهشة في أي مكان.. عبدالوهاب شخصيا يغني.. وأم كلثوم شخصيا تغني.. عبدالوهاب بصوته المبجل.. وعبدالوهاب يغني بصوته والست أم كلثوم تقول له حاضر.. يا خبر أم كلثوم تقول لعبدالوهاب حاضر كأنها تلميذة وهو ناظر المدرسة.. ايه الجمال ايه التواضع ده.. وايه العظمة دي. ولما انتهت أم كلثوم من أغنية أنت عمري.. وقالت في النهاية كما نعرف: أنت عمري توقف عبدالوهاب ليلتها وقال: بل أنت عمري.. أم كلثوم تقول: متشكرة يا محمد. شكرنا أم كلثوم وعبدالوهاب علي الهدية وتمنينا النجاح لهما في أغنيات أخري. فأكد أن هناك أغنيات أخري اتفقا عليها.
لرابع مرة: عبدالوهاب!
فوجئت بسفرجي محمد عبدالوهاب يسأل عني أكثر من مرة. غريبة. اتصلت بمنزل عبدالوهاب. قال لي السفرجي: الأستاذ قال لي أطلبك.. لأن أمه ماتت!
السفرجي يطلبني بإلحاح ليخبرني أن الأستاذ يخبرني أن أمه ماتت. عرفت ما الذي يريده عبدالوهاب. يريد أن أعرف لكي أكتب.. أو لكي ألحق به في البيت. بيته أو بيت والدته. ولاحظت أن أحدا لم يعرف خبر الوفاة، ولكن سوف يعرف ذلك كل الناس. إذن عبدالوهاب يريد شيئا آخر.
ذهبت إلي بيت عبدالوهاب لكي أعرف ومعي مصور. ودخلت غرفة نوم عبدالوهاب لأعرف كيف كانت حالة عبدالوهاب عندما تلقي النبأ. ضحكت. ولكن لا يهم فهذه هي الصورة التي أرادها عبدالوهاب. وجدت صحيفة »الأخبار« وقد فتح الصفحة التي فيها مقالتي وإلي جوار السرير برطمان عسل نحل وكوب لم يكمل شرابه من الينسون. ولا لقمة خبز. إذن هي حالة الأستاذ عندما تلقي النبأ.. هو الذي وضع هذه الصورة وأخرجها.. وكنت لا أحب أن أنشر صورة فيها كتابي ومقال لي. ولكن هذا ما أراد محمد عبدالوهاب المخرج السينمائي والصحفي الذي يعرف كيف يصنع الخبر وكيف يخرجه أيضا.
طلبت أم كلثوم وقلت لها. صمتت لحظة وقالت: الباقي هو الله.. وهل قابلت محمد؟ قلت: لا.. عبدالوهاب قال للسفرجي يبلغني الخبر. قالت: البقاء لله.
طلبت عبدالحليم حافظ. قالوا: نائم.
ومن الطبيعي أن نبحث عن صور لوالدة محمد عبدالوهاب. لم نعثر لها علي صورة واحدة. اتصلت بابن أخيه المطرب سعد عبدالوهاب. قال: ليست لها صورة. اتصلت بإش إش ابنة عبدالوهاب قالت: لم نر لها صورة.
لم يكن عبدالوهاب حريصا علي نشر صورة والدته.. تماما كأبناء الريف. فأنا شخصيا لم أسمح لأحد أن ينشر صورة والدتي المعلقة في مكتبي.. إننا أبناء الريف نري أنها شيء مهم جدا لا يخص أحدا سوانا. ونشر صورة أمي عيب. حاولت أن أناقش هذا التحريم علي نفسي. لم أخرج بأي سبب. ورأيت ايه يعني أنشر صورة أمي. ولكن بعد المناقشة مع نفسي لم أوافق علي نشر صورتها! أستاذنا العقاد لأمه صورة واحدة.. تردد في نشرها. ولما ماتت أمه لم يخبر أحدا فلم ينشر نعيا لها. سألت الأستاذ قال: يامولانا هذه حالة خاصة. إنها أمي أنا.. ولا تعني أحدا سواي!
ولما ماتت أمي فعلت نفس الشيء.. فنشرت صحيفة »أخبار اليوم في صفحة الوفيات: شيعت جنازة والدة الكاتب الكبير أنيس منصور. وفي الصفحة الأولي صدر قرار بتعيين أنيس منصور رئيسا لتحرير مجلة »آخر ساعة«..
وكنت أتلقي برقيات التهاني والتعازي في وقت واحد!
عبدالوهاب في سوريا!
كنت في بلودان بسوريا. وعلمنا أن محمد عبدالوهاب وعروسه الأردنية نهلة القدسي موجودان. ومن المؤكد أنني سوف أراهما علي غداء أو عشاء. وكلمت عبدالوهاب في التليفون: صباح الخير ياعريس.. هاها.
وعند الظهيرة نزل عبدالوهاب وحده.. ووجدته قد حمل صينية شاي. وقال: هات لك واحدة. فقلت: لماذا؟ قال: بس هات واحدة. وعدت ووجدت عبدالوهاب ينقر عليها وظهرت العروس. ووقفنا وراءهما.. وراح ينقر علي ظهر الصينية: واتمخطري يا حلوة يا زينة.. لابد أن نزف نهلة، فلم تكن لها زفة هذه المرة.. وهبطنا درج الفندق والناس مندهشون، فعبدالوهاب يزف عروسه. ووقف الناس ونظروا إلي عبدالوهاب وراحوا يرددون: اتمخطري يا حلوة يازينة.. وفجأة انفرد عبدالوهاب بالغناء قائلا: كلنا بنحبك يانهلة.. كلنا بنحبك يانهلة.. وأنا أقول والناس حولنا.. ولما عدنا إلي مصر تحولت أغنية كلنا بنحبك إلي أغنيته الشهيرة: كلنا بنحبك يا ناصر.. كلنا بنحبك يا ناصر.. وقالت عروسه: انه يدندن بهذا اللحن أياما. ولم أعرف ان الدندنة تتحول إلي هذه الأغنية.
واتصل عبدالوهاب بمؤلفي الأغاني.. ووجد أحدا لا أعرف اسمه وقال: أنا عاوز كلام علي هذا الوزن.. وراح يغني في التليفون: كلنا بنحبك يا ناصر.. كلنا بنحبك يا ناصر.. ثم ضحك وقال لي: لا مانع أن ينقل اليهود هذه المكالمة.. فقد أذاعت إسرائيل حديثا خاصا جدا بين عبدالوهاب وعروسه نهلة وفيه كلمات تجري بين المحبين!
وقد تكررت إذاعة الأحاديث الخاصة بعد ذلك بثلاثين عاما.. عندما أذاعت إسرائيل الحديث بين الرئيس حسني مبارك ونجله علاء مبارك. فقد وعد الرئيس قبل سفره بأن يبلغ ابنه علاء بوصوله، فطلبه في التليفون فقال له علاء: حمدلله علي السلامة يابابا.. فرد الرئيس قائلا: لا يا ابني، لقد وقعت محاولة اعتداء. والحمد لله نجوت منها، فاتصل بوالدتك في ألمانيا وأبلغها قبل أن تسمعها في التليفزيون وتنزعج.. وعندما طلبوا منا، أعضاء مجلسي الشعب والشوري. أن نتجه إلي المطار لاستقبال الرئيس وسمعت من إذاعة إسرائيل هذا الحديث. وفي كتاب (القناع) أن الأمريكان سجلوا الحديث الذي دار بين الرئيس ومستشاره السياسي د. أسامة الباز!
إذن هي عادة منحطة لتؤكد لنا قدرة المخابرات علي التسلل إلينا في بيوتنا. وغضب محمد عبدالوهاب عندما أذاعوا حديثه كاملا بكل ما فيه من كلمات يقولها عاشق ولهان جدا لعروسه.. ثم همس عبدالوهاب في أذني: اطلبني في التليفون، فإذا سمعت صوت نهلة قل لها: فيه واحدة ست منتظرة الأستاذ، وشوف حتقول ايه!
وطلبت كما اتفقنا فقالت نهلة: آلو.. قلت لها: واحدة ست في انتظار الأستاذ. ووضعت سماعة التليفون. وبعد دقائق وجدتها وحدها. ونزلت تبحث عن الست. ولما لم تجد أحدا قالت لي: طبعا أنت الست..
قلت: هاها.. أيوه أنا.
عبدالوهاب الأديب الفنان!
لا أخفي اعجابي بمحمد عبدالوهاب الموسيقار والمطرب وكنت أردد أغانيه لنفسي وتلامذة المدرسة. ووجدت تشجيعا لأن صوتي جميل. وأنا صغير كنت أغني له: يا وابور قل لي.. ويا جارة الوادي.. ومن زيك عندي ياخضرة.. أنت عزولي وزماني. حرام عليك.. ويدهشني انني كنت أغني في البلكونة ويسمعني زملائي. هذا الترتيب من عندي ولا أعرف لماذا. وازداد اعجابي بعبدالوهاب كلما كبرت أو أنني أحببته العمر كله.
وعندما تركت صحيفة »الأهرام« سنة 2591 إلي »أخبار اليوم« كان عبدالحليم حافظ يتردد علينا لكي ننشر له صورة أو خبرا. وكنا نغلق الباب علينا لكي نغني له. وكنا أربعة ويسمعنا عبدالحليم ويقول: الله.. ولم نكن نطلب إليه أن يغني فقد كانت له أغنيتان من تلحين الموجي.
وفي يوم أقنعني عبدالحليم أن صوتي جميل ولماذا لا نذهب إلي عبدالوهاب لاعتماد الصوت. وبعد ذلك أترك التدريس في الجامعة والكتابة في الصحف وأتفرغ للغناء. أقنعني فاقتنعت. وذهبنا إلي عبدالوهاب: عبدالحليم حافظ والشاعر الغنائي مأمون الشناوي والموسيقار كمال الطويل. والهدف أن أكون مطربا.
وكان في مكتبه. فوجدناه يرافق بالعود امرأة ريفية افترشت الأرض وتغني. وعبدالوهاب يقول لها: الله الله. فاقتربت من عبدالحليم حافظ وهمست في أذنه أن صوتها ليس جميلا في أغنية صعبة مثل عاشق الروح. فكان رد عبدالحليم: أنت لا تعرف أن عبدالوهاب أكبر مجامل في الدنيا!
مجامل؟ يعني يقول لي: صوتك حلو.. فأترك الجامعة والصحافة وأتسول في الشوارع. وطلبت من الأصدقاء أن ننصرف. وانصرفنا. وكتبت القصة. وظهر عبدالوهاب في التليفزيون يقول: انني ظلمته. فلم أستمع إلي صوته. وعلي كل حال إذا كان خسارة علي الطرب فهو مكسب للأدب!
إلي أن كان يوم ونحن في بيت عبدالوهاب وأصر أن أغني له. فغنيت أغنية ليست من لحنه كأنني أردت أن أضايقه وأغيظه. فقال: الله.. الله..
وكأنني لم أسمع شيئا. وهرولت إلي مكتبي.
وراجعت نفسي. واكتشفت ان اعجابي كان لشيء آخر. كان اعجابي بأسلوب عبدالوهاب: السهولة في الأداء وانتقاله إلي المقامات دون عناء وإنما باقتدار فريد. أي الذي أعجبني هو الموسيقار البديع والمطرب الرائع.. والأداء السهل المريح.
أي اعجابي بالأديب الفنان محمد عبدالوهاب.. وفي عشاء فاتن حمامة همس عبدالوهاب في أذني: هل كنت جادا في أن تتفرغ للغناء؟ قلت: كان في نيتي لو أنت وافقت. ولكن فكرت وأطلت التفكير فاكتشفت ان السبب شيء آخر يدهشك. قال: ماذا؟ فقلته له. فقال: اذن أنت تستطيع أن توجه من يريد أن يؤلف كتابا عني. ولم يقل لي أن تؤلف أنت كتابا عني. ولكني لا أستطيع لو أراد عبدالوهاب، لأنه من الضروري أن أفهم في الموسيقي لأعرف مواطن الابداع والجمال في التأليف الموسيقي.
عبدالوهاب.. ثروة قومية!
لأول مرة يؤكد الرئيس السادات ضرورة أن أكون موجودا، مع أنه الموعد الأسبوعي للقاء الرئيس. ذهبت قبل الموعد. وجدت الرئيس السادات جالسا يستدفيء بالشمس ويقرأ الصحف. وأمامه كوب الشاي الصغير. الاستكانة كما يقول أهل الخليج. وهي كلمة فارسية أصلها روسي ومعناها الكوب الصغير.
صباح الخير ياريس.
أهلا يا أنيس.. تعال اقعد هنا في الشمس. أنت تعرف عبدالوهاب؟
أيوه ياريس..
صاحبك؟
أيوه ياريس..
التفت ورائي فوجدت عبدالوهاب وقد وضع منديلا علي أنفه.. ونهض الرئيس وقال أهلا يامحمد. الجو النهاردة بارد علشان يخيفك.. هاها.
يقول عبدالوهاب: تحياتي ياسيادة الرئيس. الآن صار الجو أدفأ يا أفندم.
الرئيس: أنت جاهز يامحمد.
عبدالوهاب: تمام يا أفندم.
وأشار الرئيس السادات إلي واحد من الحراس. تعالوا: جاهزين يا أفندم.
ولم أفهم. وإنما نهض الرئيس وأخذ عبدالوهاب وقال: أنت ثروة قومية. أنت أعظم ما تملك مصر.
عبدالوهاب: العفو يا أفندم أنت الأعظم يا أفندم.
وذهبنا إلي احدي القاعات. لقد جاء عبدالوهاب ومعه تسجيل وتوزيع جديد للسلام الوطني.. ونهض عبدالوهاب وقال: سيادة الرئيس أنا جعلت النشيد بثلاث سرعات.. سريع وبطيء وبطيء جدا..
وأداروا الشريط.. وسمعنا مرة بعد مرة.
سألني السادات: يا أنيس وأنت ما رأيك؟ فقلت: السرعة المتوسطة ياريس.
ولكن الرئيس قال لنا: بل السرعة البطيئة فأنا لا أريد اثارة الناس. أنا لا أريد حربا بعد اليوم.
الرجل الذي يغسل الصابون!
كان يقال عن الموسيقار محمد عبدالوهاب انه من شدة هوسه بالنظافة كان يغسل الصابون قبل استعماله. وكنا نلاحظ ذلك.. فهو يغسل يديه قبل الأكل وبعد الأكل إذا كان في نيته أن يأكل وإذا كان في نيته ألا يأكل.. وكان يضع منديلا علي أنفه، حتي لا يشم رائحة كريهة يتوهم مصدرها من أي انسان قريب منه.
وفي يوم كنا في طريقنا إلي الغداء عند الأستاذ يوسف وهبي فقيل لعبدالوهاب: مع الأسف الماء مقطوع.
فانزعج وطلب من السائق أن يعود به إلي البيت.. مع ان الحل بسيط وهو أن نأتي له بالماء من أي مكان أو يذهب إلي جار ليوسف وهبي ويغسل يديه وسوف يكون مصدر سعادة لهذا الجار.
وكان توفيق الحكيم يداعبه قائلا: سوف تتعذب كثيرا يا عبدالوهاب، فجهنم ليس فيها ماء لغسل اليدين.. والناس في الجنة ليسوا في حاجة إلي غسل أيديهم وأرجلهم.. هاها..
وكان يقول في تفسير ذلك انه (هوس) الدقة.. فهو حريص جدا علي فنه وحريص جدا علي أن يكون في أكمل صورة.. وعبدالوهاب يجري بروفات كثيرة علي ألحانه إذا كانت له وإذا أعطيت لأي فنان آخر.. انه يسهر بالساعات لا طعام ولا شراب حتي يكتمل العمل علي النحو الذي يراه.
وقد وصفه أحد النقاد الإنجليز بأنه مثل (الراقون) وهو طائر مشهور بأنه يغسل طعامه.. ويجلس إلي جواره حتي يجف، وعرفت الطيور الأخري هذه الخصلة فتنقص من طعامه.. ولكن الراقون يعود يجمع طعامه من الحشرات ومن الأعشاب والزهور ويغسلها ويجلس إلي جوارها حتي تجف، فإذا جفت تناولها بمنتهي العناية.
وله طائر صديق.. يحرس هذا الطعام إذا نام الراقون.. والراقون ينام مباشرة بعد جمع هذه الأطعمة وغسلها.. ولكن عبدالوهاب ليس له صديق يحمي هذا الهوس الفني.. انه هو حارسه وحاميه وحده!
الله يا أستاذ.. وبس!
كان الموسيقار محمد عبدالوهاب يعتز بأنه من أحفاد الشيخ الشعراني الصوفي الشهير. وأن عبدالوهاب قد اتخذ اسمه أيضا. فهو أبوالمواهب الإمام عبدالوهاب علي الشعراني.
وهو من أصل مغربي، وقد هاجرت أسرته إلي مصر واستقرت في محافظة المنوفية ثم القاهرة. والشيخ الشعراني يتيم الأبوين، فقير أقام حياته كلها في المساجد يتردد علي مشاهير المنوفية. وقد أقام في مسجد واحد سبعة عشر عاما.
وهناك وجه للشبه بين الموسيقار والإمام الصوفي. فعبدالوهاب قفز بالموسيقي والغناء إلي العصر الحديث فأنقذ الأغنية. وقفز بالآلات الموسيقية وجعلها تتقدم لتقف إلي جوار المطرب وأحيانا تتقدم عليه. واستخدام الآلات الحديثة والأوزان المودرن.
وقد فكر عبدالوهاب في تلحين بعض آيات القرآن. أسمعنا تلحينه لآيات من سورة الرحمن. وسألنا هل يمكن مصاحبة اللحن بموسيقي هادئة.. وأسمعنا، ولكنه ونحن أيضا ترددنا في ذلك فسوف يساء فهمه ويقال له: إنها الكنائس التي تفعل ذلك. وكان عبدالوهاب يقول: ان جدي الشيخ الشعراني كان جميل الصوت.
وقد حاول عبدالوهاب وأراد أن يلتفت أحد إلي ذلك في تقليد الأذان في احدي أغانيه. والتفت إليها الناس. ولكنهم لم يذهبوا إلي أبعد من أنه حاول أن يؤذن. ولكن أحدا لا يقدر علي أن يقول ان عبدالوهاب يحاول أن يلحن القرآن.
وفي احدي ليالي رمضان جمعنا عبدالوهاب نحن بعض أصدقائه وقال: سوف أسمعكم شيئا وأرجو ألا تعلقوا عليه وأن تعدوني جميعا بذلك.
وأسمعنا تلحينا لنصف سورة الرحمن مع موسيقي هادئة في الخلفية.. الله يا أستاذ.. وبس!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.