«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



02عاما علي رحيله أسرار في حياة الموسيقار
عبدالوهاب.. حكايات المرأة والحب والزواج
نشر في آخر ساعة يوم 14 - 06 - 2011

الوجه بيضاوي في استطالة، أشبه بحبة المانجو التيمور المكتنزة بالدم الوردي. جبهة كرأس الجزرة يعلوها شعر ناحل يأخذ شكل الهلب، كأنما الحلاق البارع رسمه بسن القلم الفحم. أنف طويل نافر عريض المنخرين يفصل بين عينين حالمتين في تطلع ناعس سهتان، تطل منهما نظرة ذكية شيقة مفتونة.. الفم شهواني واسع مضموم الشفتين علي أسرار لا حصر لها.. ضمة تشي بالكياسة والمكر وحب الصمت برغبة دائمة في الشراء لا البيع!.. رغبة في أن يعرف ويعرف إلي ما لا نهاية. ملامح غنية، رحبة كأبهاء البيوت القديمة، كالدواوير والمناور الريفية، كصحون الجوامع.. ملامح فيها كهانة ونعومة وأريحية وانبساط وولع بالحياة وبكل المتع. هكذا وصفه الأديب اللامع خيري شلبي. تلك هي صورة الموسيقار محمد عبدالوهاب في زمن »الوردة البيضاء« وما بعده، أي في الأربعينيات من القرن الماضي.. وقد استطاع أن يحافظ علي هذه الصورة ويحتفظ بها حتي وهو علي مشارف التسعين. في حياة الموسيقار الراحل.. الذي يمر علي رحيله هذه الأيام عشرون عاما.. أسرار كثيرة.. وهذه السطور تقلب في علاقة عبدالوهاب الحميمية بالمرأة.. الحب والجنس والزواج في حياة موسيقار الأجيال.
هو ابن برج الحوت الذي اختلفت الآراء حول تاريخ ميلاده فالبعض قائل هو 31 مارس 7981، وهناك من يؤكد أنه 1091 أو 3091، أما جواز سفره فقد كان مدونا فيه أنه من مواليد 31 مارس 0191.
ومن الثابت أنه عمل مدرسا للموسيقي والأناشيد في الفترة من 5291 إلي 8291 ويشهد علي ذلك تلاميذه وهم صبيته ومنهم إحسان عبد القدوس ومصطفي أمين وصالح جودت وعلي أمين.. فهل كان مدرسا وعمره 51 سنة فقط إذا ما أخذنا بتاريخ الميلاد المسجل في جواز السفر.
وجاء في حديث لمنيرة المهدية أن عبد الوهاب حينما مثل أمامها دور »مارك أنطونيو« عام 7291 كان عمره خمسة وعشرين عاما.. ومازال هذا الخلاف قائما حول تاريخ ميلاده: هل هو 31 مارس من العام 1091 أو عام 2091 أو عام 0191، ويبدو أن عبد الوهاب لم يحسم هذه النقطة متعمدا، وإن كان عام 2091 يظل أرجح الآراء حول مولده، وهو ما تؤكده شهادة منيرة المهدية.
إن تاريخ ميلاد عبد الوهاب كان وسيظل دائما محل خلاف بين الكثيرين، بل إنه بالفعل يمثل لغزا غامضا.
لكن المؤكد أن عبدالوهاب رحل في الثالث من شهر مايو من عام 1991، وشيعت جنازته ظهر يوم الثلاثاء الخامس من مايو إلي مثواه الأخير بجنازة عسكرية تقديرا من الدولة للفن ولشخص محمد عبدالوهاب الرائد العظيم .. حامل قلادة النيل.
موسيقار الأجيال
كان اللقب الذي اشتهر به الفنان محمد عبد الوهاب هو »مطرب الملوك والأمراء«.. وبعد ثورة 2591 عز علي الناس تهميش فنان الملوك والأمراء فأطلقوا عليه لقب »فنان الشعب«.. وشاء الله أن يمد في عمره إلي الشيخوخة دون أن تهتز قيادته للفن ومكانته الأولي فيه فأطلق الذين أحبوه عليه لقب »موسيقار الأجيال«.. والحقيقة أن فنان القرن العشرين سحر بفنه وإبداعه كل أجيال هذا القرن من المصريين والعرب علي السواء.. وأسهم في صنع تطور الفكر المصري والإبداع علي مدي سنوات القرن العشرين.
لقد ولد عبد الوهاب في العقد الأول من القرن العشرين، ورحل عنا في عقده الأخير، فكأنه عايش كل الأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية لهذا القرن العشرين.
ولم يكن عمرو موسي مبالغا ولا متجاوزا عندما قال وكان وقتها سفيرا لمصر لدي الأمم المتحدة: »محمد عبد الوهاب من أعظم من أنجبتهم مصر في عصرها الحديث فهو نتاج انطلاقتها الثقافية والحضارية وتاريخها الضارب في القدم، وهو تاريخ غني ثري يجمع كل تيارات الشرق والغرب وهكذا كان عبدالوهاب فهو يطاول في شموخه أحمد شوقي أمير الشعراء، وأم كلثوم أميرة الطرب، وحافظ إبراهيم شاعر النيل، وطه حسين عميد الأدب«.
وإذا كانت السعادة تنهض علي عدة أجنحة مثل الفن والحب والشهرة والصحة فإن عبد الوهاب كان أسعد رجل في العالم، فهو عاش في صحة جيدة حتي شبع من الأيام كما تقول التوراة عن سيدنا نوح، وتمتع بالشهرة طوال 07 عاما تقريبا من عمره المديد، كما أنه حظي بلذة العشق فأحب وتزوج ثلاث مرات.. أما زينة الحياة الدنيا »المال والبنون« فقد رزق من الأولي بغير حساب، وأنجب من الثانية خمسة أبناء هم: محمد وأحمد وعائشة وعفت وعصمت.
وحتي الآن لم يتمكن أحد من رصد وحصد وجمع تراث عبد الوهاب كله، لأن هذا التراث الذي يزيد علي 07 عاما موزع بين أغنياته ومواويله وألحانه لنفسه ولغيره، ومقطوعاته الموسيقية وأفلامه وأحاديثه الإذاعية والتليفزيونية وموسيقاه التصويرية وألحانه للأناشيد القومية لبعض البلدان العربية.. وغير ذلك.
لقد كان عبد الوهاب غزير الإنتاج.. ووفقا لما ذكرته صحيفة »لوكوتيديان دي باري« الفرنسية عقب رحيله فإن عبدالوهاب قام بغناء وتلحين 0081 عمل، لنفسه ولغيره، منها 86 أغنية وطنية، كما أنه قدم للإذاعة مسلسلا واحدا هو »شيء من العذاب«.. أما أشهر من غنوا ألحانه فهم: عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وليلي مراد وفايزة أحمد ونجاة وصباح وفيروز ووردة ومحمد عبدالمطلب وشكوكو وإسماعيل ياسين وغيرهم.
أوراقه الخاصة
وقد ترك الموسيقار محمد عبد الوهاب وراءه قصاصات قصيرة وأوراقا عديدة كان يسجل عليها آراءه ويكتب فيها أفكاره حول الحب والجنس والمرأة والحياة والسياسة والموسيقي والذين عرفهم من كتاب وأدباء وشعراء وصحفيين وفنانين وملحنين ومطربين ومطربات وموسيقيين وسياسيين.. هذه الأوراق تكشف عن جوانب شتي من فكر وثقافة رؤي الموسيقار الراحل الباقي وتقدمه للأجيال التالية صاحب فكر ونظر للحياة والكون والعالم والبشر.
وربما في السطور التالية يتكشف للقارئ جانب خفي من حياة عبدالوهاب الخاصة.. جانب يتعلق بالمرأة.. والحب والجنس .. وزوجاته الثلاث.. إنه جانب حرص عبدالوهاب في حياته أن يظل في جانب الأسرار.
وفي هذه السطور يكشف عبدالوهاب كثيرا من الأسرار، بل ويقدم كثيرا من المفاجآت.. فلنستمع إليه يقول:
المرأة تحب الفنان.. لأن المرأة تحب اقتناء الشيء الغالي الثمين.. والفنان شيء غال وثمين.
وتحب المرأة اقتناء الشيء الذي لايكون عند غيرها.. أو أنها تقتني الشيء الذي تستحوذ عليه وتنتزعه من الناس ويكون لها وحدها. وتعتبر ذلك نصرا بالنسبة لها.. إنه تكريم لجمالها وأنوثتها.
والشيء الآخر وهو المهم أن الفنان فيه عنصران متناقضان: فيه الروح بأسمي ماتكون فيها المشاعر من الإحساس والأحلام والخيال والحب الحراق.. وفي الوقت ذاته فيه المادة الصارخة.
إنه يعيش الروح بأسمي ما فيها ويحلق بها إلي السماء، ويعيش المادة بأحط ما فيها علي الأرض.. عنصران قل أن يوجدا في شخص واحد.. والمرأة لاتستغني عن أحدهما.. فالمرأة تحب الحب وتحب العاطفة وتحب الأحلام وتحب أيضا الجنس بشراهة.. إنها الدنيا بروحها السامية وبمادتها الهابطة. والفنان فيه الروح بقدر صارخ.. وفيه من المادة نفس القدر أيضا.
والمرأة تحب أن تنعم بالعاطفة الرقيقة الحالمة فإن فيها الحب الذي لايمكنها الاستغناء عنه وتحب أن تستمتع بجسدها ففيه الارتواء الممتع.
المرأة عاطفية تحب الحب.. تحب الخيال.. تحب البكاء والحزن.. وهي كأنثي تستقبل المتعة الجنسية صافية.. تحب لجسدها الارتواء العاصف والدائم والمتوحش.
حب مبكر جدا
ويضيف عبد الوهاب: لو مشيت وراء منطق جسدي لكنت هلكت.. أول مرة خفق قلبي للحب كان عمري تسع سنوات، كان حبا خطيرا.. كانت سيدة عمرها 52 سنة! أكبر مني بستة عشر عاما، كانت تسكن بجوارنا في حي الشعراني وكان زوجها كاتب وقف المسجد.. كانت اسمها خديجة.. سيدة رائعة الجمال، طويلة سمراء.. عيناها واسعتان، لا أزال أذكر أسنانها البيضاء.. ابتسامتها الحلوة المنورة عندما تضحك.. كنت أري نورا ينبعث من شفتيها من شدة بياض أسنانها وجمالها، وكانت تحب صوتي، وكانت تطلب مني أن أغني لها »عذبيني فمهجتي في يديك« فكانت تحتضني وتنظر إلي عيني نظرة ساحرة فأذوب بين يديها وأحس بمتعة وهناء غريبين وإذا بزوجها يغار مني ويطردني ويمنعني من دخول البيت ويضربني.. ولم يكتف الزوج بذلك فأبلغ أخي الشيخ حسن فانهال علي ضربا، ولكن هذا الضرب لم يشفني من الحب .. بقيت أحبها ولا ألقاها، وأغني لها ولا ألقاها إلي أن التقيت بزينب.. كنت التقي بأصدقائي في منزل واحد منهم بالحلمية، كان يسكن بيتا فخما، وكنت أغني لهم، وسمعتني زينب فأعجبت بي، ورأيتها فهمت بها غراما، والتقيت بها في حوش البيت وأعطتني منديلا، وبقي المنديل معي 51 سنة، أشمه فأجد في عطره رائحة حب حقيقي، لحنت عدة أغاني حب والمنديل في يدي كان المنديل يوحي لي بالنغم، كنت أري فيه صورتها، أشم فيه رائحتها ورائحة الحب.. سافر أخو زينب في بعثة في لندن فانقطعت زيارتي لبيت حبيبتي، ومرت سنوات ورأيتها في قطار الإسكندرية في سنة 8291 وكنت أصبحت عبد الوهاب المشهور الذي غني » يا جارة الوادي« و»مريت علي بيت الحبايب« وأحسست بشعور غريب، أحسست بذكري حزينة مؤلمة ولكنها لذيذة.. عجيب أن تجتمع اللذة بالألم، أحسست بمتعة وبلذة الذكري وبألم الفراق في وقت واحد، سألتها: أزيك يازينب؟ وعملت إيه؟
وجدتها ست بيت، متزوجة، سيدة سمينة، معها طفل.. هذا المنظر قضي علي إحساسي الأول، رأيت شيئا آخر، وليست هذه زينب التي عشت أحبها وأحلم بها وألحن علي صورتها، تجاهلت صورتها الأخيرة، وبقيت في خيالي صورتها الأولي.. زينب فتاة الحلمية، صاحبة المنديل.
خديجة هانم بنت الأكابر
في عام 3391 قدم عبدالوهاب أول أفلامه السينمائية، وهو فيلم »الوردة البيضاء«.. وقد ذاع عقب عرض الفيلم أن القصة قصة حقيقية وقعت لبطل الرواية »عبدالوهاب«، وأنها تمثل صفحة من تاريخ حياته، وأن »سميرة« الوردة البيضاء ليست إلا السيدة خديجة هانم كريمة صاحب العزة حامد بك العلايلي..
ويذكر عبدالوهاب في أوراقه الخاصة بعض تفاصيل هذا الحب الذي لم يكتب له النجاح.. يقول: »عرفتها في بيت أسرتها وهي أسرة كبيرة كان حبا خطرا مجنونا! كنا لا نتكلم وإنما نتبادل النظرات لم أجرؤ أن ألمس يدها، لم أجرؤ أن أقول لها أحبك، لم أكن أستطيع أن أجلس إلي جوارها، وأنفرد بها، كانت من أسرة شوقي أمير الشعراء، وكانت مهابة شوقي وعظمته تقف بيني وبينها، وكان شوقي يحبها ويدللها، ولم أجرؤ أن أطلب يدها منه، كان شوقي بالنسبة لي ملكا، ولم يخطر ببالي أن أتزوج ابنة الملك!.
ومات شوقي، ولم أعرف بنبأ وفاته إلا في القطار الذي كان يحملني من الإسكندرية إلي القاهرة، كان ذلك في محطة بنها، ونزلت من القطار عند وصولي القاهرة وذهبت مباشرة إلي بيت شوقي ووجدت الدنيا مقلوبة وسرادق المأتم ينصب، ودخلت البيت من باب المطبخ.. وما كدت أخطو بعض خطوات داخل البيت حتي رأيت الفتاة التي أحبها تبكي، وما إن رأتني حتي عانقتني وقبلتني.. كانت مفاجأة أذهلتني أن أقبل حبيبتي يوم وفاة رب نعمتي، كان موقفا خطيرا ودقيقا وتمالكت نفسي عندما اجتمع أسوأ وأسعد يوم في حياتي في لحظة واحدة!.. وأردت أن أبتعد عنها فقالت لي: »اتركني أقبلك لأن شوقي كان يحبك«.
وانقطعت عن زيارة البيت، وتزوجت الفتاة بابن رئيس الوزراء، وإذا برئيس الوزراء يدعوني إلي الفرح لأغني فيه، وذهبت وغنيت في زفاف الفتاة التي تمنيت أن تكون زوجتي، كان قلبي يتمزق وأنا أغني لها، وكان أكثر ما يؤلمني أنني أحاول أن أتظاهر بالفرح وقلبي يبكي.. وبعد سنتين قررت تمثيل فيلم »الوردة البيضاء« ووضعت فيه قصتي مع الفتاة التي أحببتها.. وفي هذا الفيلم عدة مواقف تنطبق علي قصتي مع الفتاة، كانت أغنية »يالوعتي ياشقايا ياضني حالي«.. تنطبق علي عذابي وتعاستي وشقائي في هذا الهوي المجنون.. وكانت أغنية »ياوردة الحب الصافي« مستوحاة من أحداث حبي عندما كنت أجلس في حديقة دار هذه الأسرة، وتجيء فتاتي وتنزع وردة وتقدمها لي بغير أن تقول كلمة، وكنت أحتفظ بالوردة وأشمها وأقبلها إلي أن تجيء لي الفتاة بوردة أخري.. وكانت أغنية »ضحيت غرامي علشان هناكي« ترسم صورة صادقة لمشاعري وأنا أتنحي عن الفتاة التي أحببتها حبا يقرب من العبادة لتتزوج ابن رئيس الوزراء! وقد توهمت يومها أن ابن رئيس الوزراء يستطيع أن يسعدها أكثر مما يسعدها موسيقار شاب، وكنت مخطئا في تقديري فإن الزواج فشل بعد سنوات وتزوجت الفتاة مرة ثانية وثالثة!.
حكاية الملك.. وليلي مراد
ذات مرة سأل الكاتب الكبير مصطفي أمين صديقه الموسيقار محمد عبدالوهاب: ألم تحب ممثلة من الممثلات اللاتي ظهرن معك في أفلامك؟ نجاة الكبيرة أو راقية إبراهيم أو سميرة خلوصي أو ليلي مراد أو غيرهن؟
قال عبدالوهاب: لا.. ولا واحدة!.. ولكن حدث أن ليلي مراد قالت لي إن الملك فاروق رآها في استراحة مصر الجديدة وقال لها: أنت تحبين عبدالوهاب! فقالت ليلي: يامولانا أنا أحب فنه! قال فاروق: لا أنا واثق أنك تحبينه.. وسوف أخلص عليه!.
وأشار فاروق إشارة معناها أنه سيقتلني!
وفزعت.. أصبت بالرعب، ذهبت إلي صديقي عبدالحميد عبدالحق وزير الشئون الاجتماعية ورويت له ما قالت ليلي مراد.. قال لي عبدالحميد: نهارك أسود! والله يعملها!
قلت له: أنا في عرضك! أعمل إيه؟ قال عبدالحميد: لازم تهرب.. سافر! قلت: كيف أسافر إنه يستطيع أن يتخلص مني في ساعة! قال: »اركب سيارتي واذهب عندي في بلدي أبوقرقاص واختفي هناك.. وتأكد أن فاروق سوف ينساك!«
وركبت السيارة وأمضيت في أبوقرقاص عشرين يوما مختفيا في بيت عبدالحميد عبدالحق!
هو ابن برج الحوت الذي اختلفت الآراء حول تاريخ ميلاده فالبعض قائل هو 31 مارس 7981، وهناك من يؤكد أنه 1091 أو 3091، أما جواز سفره فقد كان مدونا فيه أنه من مواليد 31 مارس 0191.
ومن الثابت أنه عمل مدرسا للموسيقي والأناشيد في الفترة من 5291 إلي 8291 ويشهد علي ذلك تلاميذه وهم صبيته ومنهم إحسان عبد القدوس ومصطفي أمين وصالح جودت وعلي أمين.. فهل كان مدرسا وعمره 51 سنة فقط إذا ما أخذنا بتاريخ الميلاد المسجل في جواز السفر.
وجاء في حديث لمنيرة المهدية أن عبد الوهاب حينما مثل أمامها دور »مارك أنطونيو« عام 7291 كان عمره خمسة وعشرين عاما.. ومازال هذا الخلاف قائما حول تاريخ ميلاده: هل هو 31 مارس من العام 1091 أو عام 2091 أو عام 0191، ويبدو أن عبد الوهاب لم يحسم هذه النقطة متعمدا، وإن كان عام 2091 يظل أرجح الآراء حول مولده، وهو ما تؤكده شهادة منيرة المهدية.
إن تاريخ ميلاد عبد الوهاب كان وسيظل دائما محل خلاف بين الكثيرين، بل إنه بالفعل يمثل لغزا غامضا.
لكن المؤكد أن عبدالوهاب رحل في الثالث من شهر مايو من عام 1991، وشيعت جنازته ظهر يوم الثلاثاء الخامس من مايو إلي مثواه الأخير بجنازة عسكرية تقديرا من الدولة للفن ولشخص محمد عبدالوهاب الرائد العظيم .. حامل قلادة النيل.
موسيقار الأجيال
كان اللقب الذي اشتهر به الفنان محمد عبد الوهاب هو »مطرب الملوك والأمراء«.. وبعد ثورة 2591 عز علي الناس تهميش فنان الملوك والأمراء فأطلقوا عليه لقب »فنان الشعب«.. وشاء الله أن يمد في عمره إلي الشيخوخة دون أن تهتز قيادته للفن ومكانته الأولي فيه فأطلق الذين أحبوه عليه لقب »موسيقار الأجيال«.. والحقيقة أن فنان القرن العشرين سحر بفنه وإبداعه كل أجيال هذا القرن من المصريين والعرب علي السواء.. وأسهم في صنع تطور الفكر المصري والإبداع علي مدي سنوات القرن العشرين.
لقد ولد عبد الوهاب في العقد الأول من القرن العشرين، ورحل عنا في عقده الأخير، فكأنه عايش كل الأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية لهذا القرن العشرين.
ولم يكن عمرو موسي مبالغا ولا متجاوزا عندما قال وكان وقتها سفيرا لمصر لدي الأمم المتحدة: »محمد عبد الوهاب من أعظم من أنجبتهم مصر في عصرها الحديث فهو نتاج انطلاقتها الثقافية والحضارية وتاريخها الضارب في القدم، وهو تاريخ غني ثري يجمع كل تيارات الشرق والغرب وهكذا كان عبدالوهاب فهو يطاول في شموخه أحمد شوقي أمير الشعراء، وأم كلثوم أميرة الطرب، وحافظ إبراهيم شاعر النيل، وطه حسين عميد الأدب«.
وإذا كانت السعادة تنهض علي عدة أجنحة مثل الفن والحب والشهرة والصحة فإن عبد الوهاب كان أسعد رجل في العالم، فهو عاش في صحة جيدة حتي شبع من الأيام كما تقول التوراة عن سيدنا نوح، وتمتع بالشهرة طوال 07 عاما تقريبا من عمره المديد، كما أنه حظي بلذة العشق فأحب وتزوج ثلاث مرات.. أما زينة الحياة الدنيا »المال والبنون« فقد رزق من الأولي بغير حساب، وأنجب من الثانية خمسة أبناء هم: محمد وأحمد وعائشة وعفت وعصمت.
وحتي الآن لم يتمكن أحد من رصد وحصد وجمع تراث عبد الوهاب كله، لأن هذا التراث الذي يزيد علي 07 عاما موزع بين أغنياته ومواويله وألحانه لنفسه ولغيره، ومقطوعاته الموسيقية وأفلامه وأحاديثه الإذاعية والتليفزيونية وموسيقاه التصويرية وألحانه للأناشيد القومية لبعض البلدان العربية.. وغير ذلك.
لقد كان عبد الوهاب غزير الإنتاج.. ووفقا لما ذكرته صحيفة »لوكوتيديان دي باري« الفرنسية عقب رحيله فإن عبدالوهاب قام بغناء وتلحين 0081 عمل، لنفسه ولغيره، منها 86 أغنية وطنية، كما أنه قدم للإذاعة مسلسلا واحدا هو »شيء من العذاب«.. أما أشهر من غنوا ألحانه فهم: عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وليلي مراد وفايزة أحمد ونجاة وصباح وفيروز ووردة ومحمد عبدالمطلب وشكوكو وإسماعيل ياسين وغيرهم.
أوراقه الخاصة
وقد ترك الموسيقار محمد عبد الوهاب وراءه قصاصات قصيرة وأوراقا عديدة كان يسجل عليها آراءه ويكتب فيها أفكاره حول الحب والجنس والمرأة والحياة والسياسة والموسيقي والذين عرفهم من كتاب وأدباء وشعراء وصحفيين وفنانين وملحنين ومطربين ومطربات وموسيقيين وسياسيين.. هذه الأوراق تكشف عن جوانب شتي من فكر وثقافة رؤي الموسيقار الراحل الباقي وتقدمه للأجيال التالية صاحب فكر ونظر للحياة والكون والعالم والبشر.
وربما في السطور التالية يتكشف للقارئ جانب خفي من حياة عبدالوهاب الخاصة.. جانب يتعلق بالمرأة.. والحب والجنس .. وزوجاته الثلاث.. إنه جانب حرص عبدالوهاب في حياته أن يظل في جانب الأسرار.
وفي هذه السطور يكشف عبدالوهاب كثيرا من الأسرار، بل ويقدم كثيرا من المفاجآت.. فلنستمع إليه يقول:
المرأة تحب الفنان.. لأن المرأة تحب اقتناء الشيء الغالي الثمين.. والفنان شيء غال وثمين.
وتحب المرأة اقتناء الشيء الذي لايكون عند غيرها.. أو أنها تقتني الشيء الذي تستحوذ عليه وتنتزعه من الناس ويكون لها وحدها. وتعتبر ذلك نصرا بالنسبة لها.. إنه تكريم لجمالها وأنوثتها.
والشيء الآخر وهو المهم أن الفنان فيه عنصران متناقضان: فيه الروح بأسمي ماتكون فيها المشاعر من الإحساس والأحلام والخيال والحب الحراق.. وفي الوقت ذاته فيه المادة الصارخة.
إنه يعيش الروح بأسمي ما فيها ويحلق بها إلي السماء، ويعيش المادة بأحط ما فيها علي الأرض.. عنصران قل أن يوجدا في شخص واحد.. والمرأة لاتستغني عن أحدهما.. فالمرأة تحب الحب وتحب العاطفة وتحب الأحلام وتحب أيضا الجنس بشراهة.. إنها الدنيا بروحها السامية وبمادتها الهابطة. والفنان فيه الروح بقدر صارخ.. وفيه من المادة نفس القدر أيضا.
والمرأة تحب أن تنعم بالعاطفة الرقيقة الحالمة فإن فيها الحب الذي لايمكنها الاستغناء عنه وتحب أن تستمتع بجسدها ففيه الارتواء الممتع.
المرأة عاطفية تحب الحب.. تحب الخيال.. تحب البكاء والحزن.. وهي كأنثي تستقبل المتعة الجنسية صافية.. تحب لجسدها الارتواء العاصف والدائم والمتوحش.
حب مبكر جدا
ويضيف عبد الوهاب: لو مشيت وراء منطق جسدي لكنت هلكت.. أول مرة خفق قلبي للحب كان عمري تسع سنوات، كان حبا خطيرا.. كانت سيدة عمرها 52 سنة! أكبر مني بستة عشر عاما، كانت تسكن بجوارنا في حي الشعراني وكان زوجها كاتب وقف المسجد.. كانت اسمها خديجة.. سيدة رائعة الجمال، طويلة سمراء.. عيناها واسعتان، لا أزال أذكر أسنانها البيضاء.. ابتسامتها الحلوة المنورة عندما تضحك.. كنت أري نورا ينبعث من شفتيها من شدة بياض أسنانها وجمالها، وكانت تحب صوتي، وكانت تطلب مني أن أغني لها »عذبيني فمهجتي في يديك« فكانت تحتضني وتنظر إلي عيني نظرة ساحرة فأذوب بين يديها وأحس بمتعة وهناء غريبين وإذا بزوجها يغار مني ويطردني ويمنعني من دخول البيت ويضربني.. ولم يكتف الزوج بذلك فأبلغ أخي الشيخ حسن فانهال علي ضربا، ولكن هذا الضرب لم يشفني من الحب .. بقيت أحبها ولا ألقاها، وأغني لها ولا ألقاها إلي أن التقيت بزينب.. كنت التقي بأصدقائي في منزل واحد منهم بالحلمية، كان يسكن بيتا فخما، وكنت أغني لهم، وسمعتني زينب فأعجبت بي، ورأيتها فهمت بها غراما، والتقيت بها في حوش البيت وأعطتني منديلا، وبقي المنديل معي 51 سنة، أشمه فأجد في عطره رائحة حب حقيقي، لحنت عدة أغاني حب والمنديل في يدي كان المنديل يوحي لي بالنغم، كنت أري فيه صورتها، أشم فيه رائحتها ورائحة الحب.. سافر أخو زينب في بعثة في لندن فانقطعت زيارتي لبيت حبيبتي، ومرت سنوات ورأيتها في قطار الإسكندرية في سنة 8291 وكنت أصبحت عبد الوهاب المشهور الذي غني » يا جارة الوادي« و»مريت علي بيت الحبايب« وأحسست بشعور غريب، أحسست بذكري حزينة مؤلمة ولكنها لذيذة.. عجيب أن تجتمع اللذة بالألم، أحسست بمتعة وبلذة الذكري وبألم الفراق في وقت واحد، سألتها: أزيك يازينب؟ وعملت إيه؟
وجدتها ست بيت، متزوجة، سيدة سمينة، معها طفل.. هذا المنظر قضي علي إحساسي الأول، رأيت شيئا آخر، وليست هذه زينب التي عشت أحبها وأحلم بها وألحن علي صورتها، تجاهلت صورتها الأخيرة، وبقيت في خيالي صورتها الأولي.. زينب فتاة الحلمية، صاحبة المنديل.
خديجة هانم بنت الأكابر
في عام 3391 قدم عبدالوهاب أول أفلامه السينمائية، وهو فيلم »الوردة البيضاء«.. وقد ذاع عقب عرض الفيلم أن القصة قصة حقيقية وقعت لبطل الرواية »عبدالوهاب«، وأنها تمثل صفحة من تاريخ حياته، وأن »سميرة« الوردة البيضاء ليست إلا السيدة خديجة هانم كريمة صاحب العزة حامد بك العلايلي..
ويذكر عبدالوهاب في أوراقه الخاصة بعض تفاصيل هذا الحب الذي لم يكتب له النجاح.. يقول: »عرفتها في بيت أسرتها وهي أسرة كبيرة كان حبا خطرا مجنونا! كنا لا نتكلم وإنما نتبادل النظرات لم أجرؤ أن ألمس يدها، لم أجرؤ أن أقول لها أحبك، لم أكن أستطيع أن أجلس إلي جوارها، وأنفرد بها، كانت من أسرة شوقي أمير الشعراء، وكانت مهابة شوقي وعظمته تقف بيني وبينها، وكان شوقي يحبها ويدللها، ولم أجرؤ أن أطلب يدها منه، كان شوقي بالنسبة لي ملكا، ولم يخطر ببالي أن أتزوج ابنة الملك!.
ومات شوقي، ولم أعرف بنبأ وفاته إلا في القطار الذي كان يحملني من الإسكندرية إلي القاهرة، كان ذلك في محطة بنها، ونزلت من القطار عند وصولي القاهرة وذهبت مباشرة إلي بيت شوقي ووجدت الدنيا مقلوبة وسرادق المأتم ينصب، ودخلت البيت من باب المطبخ.. وما كدت أخطو بعض خطوات داخل البيت حتي رأيت الفتاة التي أحبها تبكي، وما إن رأتني حتي عانقتني وقبلتني.. كانت مفاجأة أذهلتني أن أقبل حبيبتي يوم وفاة رب نعمتي، كان موقفا خطيرا ودقيقا وتمالكت نفسي عندما اجتمع أسوأ وأسعد يوم في حياتي في لحظة واحدة!.. وأردت أن أبتعد عنها فقالت لي: »اتركني أقبلك لأن شوقي كان يحبك«.
وانقطعت عن زيارة البيت، وتزوجت الفتاة بابن رئيس الوزراء، وإذا برئيس الوزراء يدعوني إلي الفرح لأغني فيه، وذهبت وغنيت في زفاف الفتاة التي تمنيت أن تكون زوجتي، كان قلبي يتمزق وأنا أغني لها، وكان أكثر ما يؤلمني أنني أحاول أن أتظاهر بالفرح وقلبي يبكي.. وبعد سنتين قررت تمثيل فيلم »الوردة البيضاء« ووضعت فيه قصتي مع الفتاة التي أحببتها.. وفي هذا الفيلم عدة مواقف تنطبق علي قصتي مع الفتاة، كانت أغنية »يالوعتي ياشقايا ياضني حالي«.. تنطبق علي عذابي وتعاستي وشقائي في هذا الهوي المجنون.. وكانت أغنية »ياوردة الحب الصافي« مستوحاة من أحداث حبي عندما كنت أجلس في حديقة دار هذه الأسرة، وتجيء فتاتي وتنزع وردة وتقدمها لي بغير أن تقول كلمة، وكنت أحتفظ بالوردة وأشمها وأقبلها إلي أن تجيء لي الفتاة بوردة أخري.. وكانت أغنية »ضحيت غرامي علشان هناكي« ترسم صورة صادقة لمشاعري وأنا أتنحي عن الفتاة التي أحببتها حبا يقرب من العبادة لتتزوج ابن رئيس الوزراء! وقد توهمت يومها أن ابن رئيس الوزراء يستطيع أن يسعدها أكثر مما يسعدها موسيقار شاب، وكنت مخطئا في تقديري فإن الزواج فشل بعد سنوات وتزوجت الفتاة مرة ثانية وثالثة!.
حكاية الملك.. وليلي مراد
ذات مرة سأل الكاتب الكبير مصطفي أمين صديقه الموسيقار محمد عبدالوهاب: ألم تحب ممثلة من الممثلات اللاتي ظهرن معك في أفلامك؟ نجاة الكبيرة أو راقية إبراهيم أو سميرة خلوصي أو ليلي مراد أو غيرهن؟
قال عبدالوهاب: لا.. ولا واحدة!.. ولكن حدث أن ليلي مراد قالت لي إن الملك فاروق رآها في استراحة مصر الجديدة وقال لها: أنت تحبين عبدالوهاب! فقالت ليلي: يامولانا أنا أحب فنه! قال فاروق: لا أنا واثق أنك تحبينه.. وسوف أخلص عليه!.
وأشار فاروق إشارة معناها أنه سيقتلني!
وفزعت.. أصبت بالرعب، ذهبت إلي صديقي عبدالحميد عبدالحق وزير الشئون الاجتماعية ورويت له ما قالت ليلي مراد.. قال لي عبدالحميد: نهارك أسود! والله يعملها!
قلت له: أنا في عرضك! أعمل إيه؟ قال عبدالحميد: لازم تهرب.. سافر! قلت: كيف أسافر إنه يستطيع أن يتخلص مني في ساعة! قال: »اركب سيارتي واذهب عندي في بلدي أبوقرقاص واختفي هناك.. وتأكد أن فاروق سوف ينساك!«
وركبت السيارة وأمضيت في أبوقرقاص عشرين يوما مختفيا في بيت عبدالحميد عبدالحق!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.