في صيف عام 2014 انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لما عرف وقتها بتحدى «دلو الثلج»، حيث يقوم الشخص بإحضار دلو كبيرة مملوءة بالمياه الباردة والثلج ويسكبها كاملة وبسرعة على رأسه.. وعلى الرغم من أن ذلك التحدى كان الهدف الأساسى لمن أطلقوه وقتها هو «هدف إنسانى» بحت وهو جمع التبرعات لصالح حملة تهدف إلى نشر الوعى حول مرض التصلب العضلى الجانبى وجمع التبرعات لمكافحته.. خاصة أنه مرض يصيب الجهاز العصبى بالضمور، ويسبب نسبة وفيات عالية بين مصابيه، وانضم العديد من الشخصيات العالمية وقتها للحملة ومن بينهم أوبرا وينفرى وكريستيانو رونالدو وستيفين سبيلبرج كنوع من جدية الحملة.. إلا أنه للأسف فرغت من مضمونها خاصة فى محيطنا العربى والمصرى، وأصبح الأمر «هزليا»!.. وبدأنا نشاهد مقاطع مصورة كثيرة ممن ليس لهم صفة يفعل هذا التحدى على سبيل الهزار والتسلية أو من منطلق السير مع القطيع، ودون أن يفكر أى منهم لماذا يفعل ذلك الفعل.. أو دعم الهدف الأساسى وهو وضع نهاية لهذا المرض!.. وبطبيعة الشعب المصرى فإنه دائما ما يبهر العالم فإن بعض المصريين ألقوا بأنفسهم فى أحضان السوشيال ميديا أو بمعنى أدق رافقوا «الترند» دون ضوابط أو قواعد منظمة لعلاقتهما معا، بهدف البحث عن الشهرة لبعض المغمورين من الفنانين، وزيادة شهرة المهووسين بالترند، فبعض الفنانين يلهثون وراء الترند حتى المشاهد أو المتلقى أصبح هو الآخر يبحث عن الترند دون أن يتأكد من صدق المعلومة أو صحتها، وهو ما يسهم فى رفع نسب المشاهدة لبعض الأشياء التى قد تكون كاذبة أو مفبركة.. وزاد من حدة الهوس أن الجميع شاهد أشخاصا فى غفلة من الزمن وفى فترة قصيرة جدا ينتقلون من خانة «المعدومين ماليا» إلى خانة أصحاب الشقق والسيارات والمطاعم وفلوس بلا عدد أو حساب بفعل مشاهدة مثل هذه «الترندات» على بعض المواقع!.. ومن ناحية أخرى نجد أن هناك قضايا وموضوعات على درجة عالية من الأهمية ولا تجد نفس صدى الموضوعات التافهة أو الكاذبة، وكأن المشاهد أو المتلقى صار يبحث عن الإثارة أو الأشياء التافهة فقط لا غير، وفى الواقع تقوم الدولة بمشروعات قومية كبيرة، لم تحدث فى تاريخ مصر ومع ذلك لا نجد من يلقى الضوء عليها إلا بعض المواقع أو القنوات الإخبارية، أما باقى المواقع فقد دخلت هى الأخرى فى سبوبة الترند وصارت تبحث عن المكسب السريع، فنجد على سبيل المثال عشرات اللقاءات مع ملك الضانى، وأبوطربوش صاحب أشهر عربية سمين فى السيدة، وسندوتشات مش بالبيض والذى ينادى صاحبها بعلو صوته «مش يا معفنيين»، والجملى هو أملى، وغيرها من الموضوعات التى لن تفيد المتلقى فى أى شىء ولو عقدت هذه الصفحات والمواقع لقاء مع عالم أو مفكر أو طبيب لن تجد المشاهدات التى تحقق لها أى أرباح من أى نوع!. وعلى النقيض نجد من يمشى فى الشارع ممسكا هاتفه المحمول ورزقه على الله، فيصور ما يحلو له لا يعرف عواقب ما يصوره سواء معدات عسكرية تسير على الطريق فى قول منظم، يصور هذا القول ويقول: الجيش المصرى متجه إلى سيناء، ولا يدرى ذلك الجاهل أن العدو يرصد كل هذه الفيديوهات وكأنه يقدم معلومة على طبق من ذهب لمخابراته، وآخر يقول: جاهزين للحرب، ويصور إحدى القطع العسكرية فى أى كمائن على الطريق وكأنه قام بسبق صحفى لم يسبق له مثيل. وللأسف بعض المراهقين يقومون بتقليد الترند الذى قد يؤدى إلى الوفاة، وعلى سبيل المثال فى عام 2021 ظهر تحدٍ خطير ومخيف ومثير، ذلك التحدى الذى انتشر على منصة «تيك توك» بعنوان «بلاك أوت» (Blackout)، يقوم خلاله المراهق بخنق نفسه حتى فقدان الوعى، لتبدأ سلسلة من حالات الوفيات بين الشباب والمراهقين التى تعزى إلى المشاركة فى التحديات المميتة على منصات التواصل الاجتماعي، وترند آخر يؤدى إلى كسر الجمجمة من خلال ثلاثة أصدقاء يقومون بالقفز معا فى الهواء تم يضربون قدم من فى المنتصف فيسقط على رأسه مما يؤدى إلى إصابات بالغة، ووقع ضحيته أحد أبطال الجمهورية فى الجودو أصيب بكسور فى العمود الفقرى وقطع بالنخاع الشوكى وأصبح طريح الفراش مصابا بشلل كلى وهو ابن 13 عاما. وللأسف يبحث البعض عن البطولات الزائفة فى الترند مثلما فعلت أمانى فتاة الشرقية، التى اختلقت قصة إنقاذها لأسرة من الغرق، حيث تمكنت من نيل إعجاب الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعى؛ نظرا لرواية قصتها المزعومة عن سقوط سيارة لأسرة مكونة من 6 أفراد فى المياه وعدم اندفاع أحد من المتواجدين فى موقع الحادث لإنقاذ الغرقى الأمر الذى جعلها تتقدم وتنقذ الضحايا بنفسها، ثم تبين كذب روايتها وكل ذلك من أجل الحصول على الترند، ومن ضمن كذبها ادعت أنها من العاملين فى الجيش المصرى. الترند في مصر أصبح مرضا وهوسا يلقى بأيدى صاحبه سواء للموت أو خلف قضبان السجن من أجل حفنة جنيهات، المصريون خير من يركبون الترند ولكن يجب أن يكون بشكل هادف لا يؤثر على سلامة المجتمع، وهنا يجب أن يتم عمل تشريع فى مجلس النواب من أجل سن قانون معاقبة من يضر بنفسه أو بغيره من أجل الترند، ويجب أن يكون للجامع والكنيسة دور فى توعية الشباب بخطورة ما يفعلونه وأن هذه الترندات أغلبها يكون موجها من أعداء الخارج من أجل تدمير المجتمع، وعلى وزارة التربية والتعليم أن توعى التلاميذ والمعلمين بخطورة الترند وأن يشاهدوا ما هو مفيد وهادف، وأيضا الكارثة أن هناك بعض المعلمين يقومون بتصوير فديوهات لهم داخل المدرسة تماشيا مع الترندات فيجب عقابهم. وعلى المشاهير بشكل عام ونجوم الكرة والفنانين بشكل خاص أن يعلموا أنهم ربما يكونون قدوة لبعض الشباب والمراهقين فعليهم أن يختاروا ما يقومون به من أعمال درامية أو فى أفلامهم وحتى فى حياتهم الخاصة، ولا يمكن أن نشاهد أحد الفنانين يخرج علينا ويطالب الجيش بأن يعطيه السلاح لكى يذهب لمحاربة جيش الاحتلال وأن يفتحوا له الحدود وبعدها بعدة أشهر يظهر فى إحدى الحفلات مرتديا بدلة رقص ويهز وسطه ولا أجدع رقاصة.. كل ده من أجل الترند.