استقالة سيادة النائب محمد مصيلحي من رئاسة نادي الاتحاد السكندري، التي أعلنها من خلال وسائل الإعلام مؤخرا كانت أشبه بخطاب التنحي الشهير لجمال عبد الناصر، فكلاهما لم يستمر أكثر من 24 ساعة، فلماذا لا نتعلم ثقافة الاستقالة؟ أو بمعنى آخر احترام عقلية المتلقي؟ باستثناء استقالة الوزراء الجماعية يوم 13 مايو 1971 واستقالة وزير الخارجية الأسبق إسماعيل فهمي؛ اعتراضا علي زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس. ففي أغلب المشكلات والكوارث التي واجهتها مصر، لم نجد مسئولا أو وزيرا أعلن مسئوليته عن هذه الكوارث، بل يقيل النظام عددا من الصغار ك"كبش فداء"، في حين أن الكبار محميون من النظام، ولا يبقى أمام الشعب المطحون إلا الموت، إما غريقا نتيجة عبّارات متهالكة، أو حرقا في قطارات، أو شهيدا تحت أنقاض الجبال، وإذا نجا من كل ذلك بفضل دعاء الوالدين، سيجد أكياس الدم غير المطابقة للمواصفات في انتظاره. فهل يرجع ذلك إلى أن كل المسئولين في مصر يدورون في فلك الرئيس مبارك، وينتظرون إشارته، ولا يجرؤ أحد على أن يخالفه في الرأي، كما صرّح مؤخرا المهندس هاني أبو ريدة بعد أن منح صوته لقطر أثناء التصويت على مونديال 2022؟ أم نحن لم نصل بعدُ إلى ثقافة تقديم الاستقالة، والتي تعدّ من الأمور الحضارية والديمقراطية المتقدّمة، فضلا عن أن المسئول المصري إذا قدّم استقالته فلن يجد بديلا عن الأضواء التي كانت محيطة به أثناء توليه منصبه، وسيخسر العديد من العلاقات والمصالح التي كوّنها خلال تواجده في المنصب. تُعرّف الاستقالة في الدول الديمقراطية العريقة بأنها ثقافة تحمّل المسئولية، وهي ثقافة ليست فقط غائبة وغير معروفة ولا مفهومة في مجتمعاتنا، بل تقابَل بالاستهزاء، باعتبارها هزيمة وانسحابا لا تليق بالفرسان، وإذا لم يكن الوزير -عندنا- فارسا، فمن سيكون غيره؟! وتصوّر من جهة أخرى على أنها طعنة للرئيس أو رئيس وزرائه؛ لأنها قد تُتخذ ذريعة على سوء إدارته؛ لأنه اختار من أعضاء حزبه أو طائفته وترك الوطن بطوله وعرضه، وتقف نظرية المؤامرة بالمرصاد لتحليل دوافع الاستقالة، كما حدث مع الوزير فاروق حسني في صيف العام 2005 الذي لم يقبل الرئيس مبارك استقالته أول الأمر، وكيف يقبلها من وزير مكين، بدليل أنه يتبوّأ هذا المنصب منذ 20 سنة فقط! والجدير بالذكر أن استقالة فاروق حسني هي ثاني استقالة يتقدّم بها وزير منذ ثورة يوليو 1952، بعد استقالة وزير النقل الأسبق إبراهيم الدميري بعد كارثة احتراق قطار الصعيد عام 2002. فالاستقالة والإسراع بتقديمها تعني أولا الاعتراف بالخطأ المهني، وهذا يعني أن الوزير أو المسئول يعترف بضعف متابعته للمسئولين الأدنى، وعدم نجاحه في اختيار من هو الأصلح للمركز الوظيفي، وهي تهدف إلى إعلاء شأن قيمة المسئولية الأدبية والالتزام الأخلاقي للموقع الوظيفي, الاستقالة وتحمّل المسئولية عمل شجاع، وسيؤدي شيوع ثقافة الاستقالة إلى انتشار وتقبّل مفهوم تحمل المسئولية والمحاسبة والمراقبة. ولا يجب تقديم الاستقالة دائما بسبب حريق أو قطار جامح، أو حتى الحصول على صفر في اقتراع المونديال، بل يجب أن تحدث لأسباب أخرى تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، الاعتراض على مستوى الأداء الحكومي وتفشي الفساد الإداري والمالي، وربما تكون مرتبطة بالثبات والإصرار على موقف؛ كاستقالة الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديجول الشهيرة عام 1969 عندما ربط مصيره السياسي بنتيجة استفتاء شعبي، طالب خلاله بتعديل عضوية مجلس الشيوخ، وإعطاء صلاحيات موسّعة لمجالس الأقاليم، وعندما لم تأتِ نتيجة الاستفتاء كما أراد استقال وانسحب بهدوء من الحياة السياسية بعد تاريخ وطني حافل بالمفاخر. مثل هذه الأمثلة توضح معدنا من الرجال يعتقدون أن ذواتهم أعظم من كراسي الحكم، وأنه لا وجود لأي أنواع من اللواصق والمثبّتات بينهم وبين الكراسي التي يجلسون عليها! وأن استقالاتهم تعني لهم أشياء ولمن حولهم أكبر وأعزّ من بقائهم في المنصب. فهل من الممكن أن تشهد دولنا العربية بداية صحوة لفهم معنى ومغزى تلك الثقافة، فرئيس الوزراء الياباني "يوكيو هاتوياما" قدّم استقالته من منصبه رسميا؛ لفشله في الوفاء بتعهّد قطعه للناخبين خلال حملته الانتخابية بنقل قاعدة أمريكية من جزيرة أوكيناوا، فهل نسينا ما تمّ للدكتور علاء صادق عندما تجرأ وطالب السيد وزير الداخلية بالاستقالة بعد أحداث مباراة الأهلي والترجي التونسي في بطولة الأندية الأبطال؟! وعجبي..