رفضت محكمة القضاء الإداري الشق المستعجل في دعوى أهالي «طوسون» لوقف إزالة منازلهم بدعوى "التطوير"، وأمام المحكمة تقدم الأهالي لوقف مشروع حكومي يهدد بإزالة منازلهم، لإقامة طريق ضمن مخطط «تطوير»، وأحالتها إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني، بما يعني رفض الشق المستعجل الذي يستند إليه الأهالي في مواجهة ما يعتبرونه تهديدًا مباشرًا لحقوقهم السكنية. وعلى سبيل التماثل في ضعف جدوى الشق المستعجل في معظم القضايا (مثل طوسون، والوراق، وماسبيرو، وميناء العريش.. وغيرها)، رفضت المحكمة طلبات وقف التنفيذ الفوري، ما سمح للسلطات بالمضي في الإزالات قبل صدور حكم نهائي. وغالبًا ما تُحال الدعاوى إلى هيئة المفوضين لإعداد تقارير، وهو مسار يستغرق شهورًا أو سنوات، بينما تكون القرارات التنفيذية قد نُفذت بالفعل. وغالبا أيضا ما تغلب المحكمة "المنفعة العامة" حيث تميل إلى اعتبار مشروعات التطوير والاستثمار ذات صفة النفع العام، حتى لو اعتبرها الأهالي مشاريع استثمارية خاصة، ما يضعف حججهم القانونية.
ويرى المنتقدون أن القضاء الإداري يتعامل مع هذه القضايا باعتبارها جزءًا من سياسات الدولة الكبرى، فينحاز عمليًا للسلطة التنفيذية القائمة، على حساب المواطنين.
وأكدوا أن القضاء الإداري تحول إلى أداة شكلية للاعتراض، تمنح المتضررين فرصة للتعبير القانوني، لكنها لا تغيّر مسار التنفيذ على الأرض، ما من شأنه تعزيز الإحساس بأن الحقوق السكنية والاقتصادية غير محمية قضائيًا في مواجهة سياسات الدولة الاستثمارية.
في يونيو 2025، نظّمت نقابة المحامين وقفات احتجاجية واسعة بعد حكم القضاء الإداري بوقف انعقاد جمعيتها العمومية، معتبرة أن المحكمة تنفذ إرادة السلطة التنفيذية عبر فرض رسوم غير دستورية على أعمال المحاماة. ووصف النقيب العام للمحامين عبد الحليم علام القرار بأنه انتهاك دستوري وقانوني، مؤكداً أن القضاء الإداري أصبح أداة لتكريس قرارات الحكومة بدلًا من مراجعتها. وأشار باحثون في القانون العام إلى أن القضاء الإداري في مصر يميل إلى تغليب مفهوم "المنفعة العامة" في مشروعات التطوير، حتى لو كانت ذات طابع استثماري، وهو ما يضعف جدوى الطعون المقدمة من الأهالي.
وقالت تقارير حقوقية مثل تلك الصادرة عن (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية): إن "رفض الشق المستعجل في قضايا مثل طوسون أو الوراق يعكس انحيازًا للسلطة القائمة، ويجعل اللجوء إلى القضاء الإداري مجرد مسار شكلي لا يوقف التنفيذ الفعلي". المحامي والباحث القانوني عبد الخالق فاروق (المعتقل حاليًا) انتقد سياسات استبدال الديون ببيع الأصول، وربطها بضعف دور القضاء الإداري في حماية الحقوق، معتبرًا أن هذه السياسات والقضاء الذي يساندها قد تدفع مصر إلى مزيد من المخاطر الاقتصادية والسياسية. قضاء منحاز كما تبنى أكاديميون في كليات الحقوق الإشارة إلى أن القضاء الإداري فقد دوره ك"قضاء حماية"، وأصبح أقرب إلى قضاء تبرير لقرارات السلطة التنفيذية. من بين الأسماء التي تناولت نقد دور القضاء الإداري في مصر واعتبرته أقرب إلى "قضاء تبرير" لقرارات السلطة التنفيذية، د. حسام الدين عبد الحميد محمد الباحث في الدكتوراه بكلية الحقوق – جامعة حلوان وله دراسة منشورة بمجلة بحوث الشرق الأوسط (2022)، تناول دور القضاء الإداري والدستوري في حماية الحقوق المكتسبة، وأشار إلى أن الرقابة القضائية فقدت فعاليتها في مواجهة تعسف الإدارة، ما جعلها أقرب إلى تبرير قرارات السلطة بدلًا من حماية الأفراد.
ونشرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير وهي حقوقية قانونية (بالتعاون مع أساتذة حقوق) في تقاريرها حول كليات الحقوق (2009)، انتقادا لعمداء كليات الحقوق بجامعتي عين شمس والمنصورة لعدم تنفيذ أحكام القضاء الإداري، ووصفت ذلك بأنه استهتار بأحكام القضاء الإداري وتحويله إلى أداة شكلية لا تُنفذ. الباحث القانوني المستقل د. أحمد عبد الحليم الأستاذ بجامعة القاهرة في القانون العام، كتب في مقالات رأي أن القضاء الإداري في مصر أصبح "قضاء مشروعات الدولة" أكثر من كونه قضاء حماية، حيث يُغلّب مفهوم المنفعة العامة على حساب الحقوق الفردية (مقالات منشورة في صحف قانونية مصرية). وأكد الأكاديميون والباحثون القانونيون أن القضاء الإداري في مصر فقد دوره ك"قضاء حماية"، وأصبح أقرب إلى أداة لتبرير قرارات السلطة التنفيذية بدلًا من التصدي لها.
بيان ل"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" أكد أن هذا الرفض يزيد من مخاوف السكان، الذين طالب دفاعهم بالتحقق من جدوى المشروع وضرورته، مؤكدًا على افتقاره إلى صفة النفع العام، وحمله طابعًا استثماريًا، ما استند فيه إلى خرائط تفصيلية تُظهر وجود طريق قائم يمكن أن يغني عن المسار الجديد أو يستلزم بحث بدائل أقل ضررًا.
وسبق ورفض أهالي طوسون تمكين لجان الحصر من إتمام عملها في بيوتهم، ضمن حملات منظمة لمواجهة المخطط الجديد الذي يزيلهم ومساكنهم ضمن خطة تطوير تربط محور طريق المحمودية بمدينة أبو قير الجديدة، فيما واجهت الشرطة محاولاتهم السلمية لرفض الإزالة، وحذرتهم من خطورة أي تحركات جماعية قد تفسر بأنه "تسييس للقضية". دلالات القرار القضائي برفض الشق المستعجل لأهالي طوسون ويعد رفض الشق المستعجل إشارة إلى أن المحكمة لم ترَ وجود خطر عاجل أو ضرر لا يمكن تداركه يستوجب وقف التنفيذ فورًا كما أن إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني تعني أن القضية ستأخذ مسارًا طويلًا، ما يضع الأهالي أمام احتمال استمرار الإجراءات الحكومية لحين صدور الحكم النهائي.
ويعكس هذا القرار ميل القضاء الإداري إلى التعامل مع قضايا الإزالة والتطوير باعتبارها مرتبطة ب"المصلحة العامة"، حتى لو كانت محل جدل حول جدواها. مخاوف الأهالي وزاد قرار القضاء الإداري من مخاوف السكان الذين يشعرون بأن حقوقهم السكنية مهددة دون ضمانات بديلة، ورأوا أن المشروع يحمل طابعًا استثماريًا أكثر من كونه ذا نفع عام، خاصة مع وجود طريق قائم يمكن أن يغني عن المسار الجديد. ورفض لجان الحصر من دخول البيوت يعكس حالة عدم الثقة بين الأهالي والجهات التنفيذية، وقلقهم من أن الحصر مقدمة للإزالة القسرية. واعتبر أن تحذير الشرطة من أن التحركات الجماعية قد تُفسر بأنها "تسييس للقضية" يكشف حساسية الملف، حيث يُنظر إلى أي احتجاج جماعي باعتباره تهديدًا للنظام العام. كما عبر الأهالي عن احباطهم من القرار القضائي، الذي كان رسالة بأن الدولة ماضية في مشروع التطوير، وأن القضاء لن يوقفه بشكل عاجل، ما يضع الأهالي في مواجهة مباشرة مع السلطة التنفيذية، أمام تسريع الإخلاء والإزالة قبل أن يُحسم النزاع قضائيًا، وهو ما يضعف فعالية اللجوء إلى القضاء كوسيلة لحماية الحقوق. وكشفت القضية عن توتر في مفهوم "التطوير" ومفهوم "الحق في السكن"، وتوتر من استخدام مشاريع البنية التحتية كذريعة لإزالة مجتمعات قائمة.