أنشئت كلية الآداب بالمنيا سنة 1970 وضمت في سنواتها الأولى ثلة من الأساتذة والمدرسين بل والمعيدين الذين صاروا - فيما بعد- أساتذة يشار إليهم بالبنان، ومنهم الأستاذ الدكتور أحمد محمد جودة السعدنى، الذي عين فيها مدرسًا للأدب والنقد، سنة 1976، بعد أن حصل على الماجستير في النقد الأدبى من كلية الآداب بالقاهرة في رسالة بعنوان "الالتزام في المسرح الشعرى المعاصر" سنة 1974، ورسالة الدكتوراه عام 1976 في رسالة بعنوان قضايا المجتمع في المسرح المصري (1914- 1952) وكلا الرسالتين تحت إشراف الأستاذ الدكتور عز الدين إسماعيل، ومازال الدكتور السعدنى يترقى حتى عين أستاذًا ثم رئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها من 1990- 2000، ووكيلا للكلية من سنة 1994- 1997، وتخرج على يده عدد كبير من أساتذة الأدب والنقد في الجامعات المصرية والعربية. أثرى الدكتور أحمد السعدنى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والأبحاث منها: "نظرية الأدب..الجزء الأول مقدمة في نظرية الفن"، و"أدب باكثير المسرحى الجزء الأول المسرح السياسى"، و"المسرح الشعرى المعاصر"، و"شكول الصراع في مسرح شوقى"، و"منظور مجيد طوبيا بين الحلم والواقع"، و"القصة القصيرة المعاصرة في السعودية"، وخلال إقامته أحدث نهضة أدبية خارج أسوار الجامعة، فاستفاد منها المثقفون وعامة الجمهور، فأسس نادى الأدب في قصر ثقافة المنيا مع زميليه الدكتور عبدالحميد إبراهيم والدكتور على البطل، وخرج منه معظم الأساتذة والشعراء والقصاصون والروائيون منهم: الدكتور جمال التلاوى، والدكتور محمد نجيب التلاوى، والدكتور منير فوزى، وأحمد عارف حجازى، ومجدى حجازى، وطنطاوى عبدالحميد، والدكتور شعيب خلف، وغيرهم كثير.. كما تم عرض مسرحيات شعرية في مسرح الجامعة منها مسرحية "محاكمة رجل مجهول" للدكتور عز الدين إسماعيل، و"منين أجيب ناس" لنجيب سرور. (المصريون) التقته ليسرد لنا تجربته في الحياة وفي الآداب، وكان حديثًا ثريًا لأنه من القلب طفنا من خلاله موضوعات عدة منها نشأته في مدينة الفيوم لأب كان واعظًا بالأوقاف وأسس فيها المعهد الدينى، كما تعرضنا للدوافع التي جعلته يلج مجال الأدب وقراءته لأمهات كتب الآداب العالمية التي كانت تنشر مترجمة في سلسلة روايات الهلال وموضوعات أخرى، سوف نطالعها من خلال هذا الحوار: كيف كانت للنشأة دورها في حياتك الأدبية والأكاديمية؟ نشأت في مدينة الفيوم حيث ولدت بها في 12 نوفمبر سنة 1937 لوالد كان يعمل إماما وخطيبا في وزارة الأوقاف، الوالد جاء إلى الفيوم من مديرية بنى سويف، بعد أن حصل على العالمية من الأزهر الشريف عام 1925، وقد شارك في ثورة 1919 عندما كان يدرس في معهد الإسكندرية الأزهري، ومن الذكريات المهمة في هذا الشأن والتي قصها على ومازالت عالقة بذهنى هو أنه نجا من الموت بأعجوبة في أحداث الثورة عقب اقتحام القوات البريطانية لمبنى الطلاب "سراى الطلبة"، بعد أن قتل القائد البريطانى بواسطة الطلاب، فانتقم البريطانيون لمقتل قائدهم بأن فتحوا النار على الطلاب ونجا والدى من الموت بأعجوبة، وكان لوالدى علاقة حميمة بحمد باشا الباسل (ابن الفيوم) وصديق سعد زغلول، وهو الذي ساعده في تعيينه بوزارة الأوقاف بالفيوم، وفي الفيوم كان له نشاط ثقافى ممتد فقد قام هو ورهط من زملائه بإنشاء المعهد الدينى الأزهري بالفيوم وواصل العمل أستاذا فيه إلى جانب عمله بالخطابة، وكان والدى مثلى الأعلى، هو الذي علمنى كيفية القراءة المنفتحة والاهتمام بالثقافة والجانب البحثى لأنه كان يطلب منى أن أقرأ له في كتاب يسميه، ثم يطلب منى أن أقرأ في كتاب آخر يسميه وهكذا، كما كان يشارك في الندوات الثقافية التي تعقد في مدينة الفيوم، وأذكر مرة في إحدى هذه الندوات أنها كانت بعنوان "عقوبة الإعدام بين التأييد والمعارضة"، هناك من كان يؤيد تطبيق عقوبة الإعدام وآخر يؤيد إلغاءها أسوة بالدول الغربية، وكنت في ذلك الوقت في سن ال15 ، وعقبت برأى بعد المناقشات ذهبت فيه أن الذي يعارض عقوبة الإعدام يعتمد على الجانب العاطفى لدى المتلقى، ويطرح كيف تنفذ عقوبة الإعدام، والمكان الذي ينفذ الإعدام، كان الوالد يعلمنا على إبداء رأيى دون حرج، وأذكر أيضًا أن أول قصة قصيرة كتبتها في سن السادسة عشر وقد أثنى عليها الوالد وشجعنى على السير في هذا المسار.
ما الدوافع التي جعلتك تلج مجال الأدب والنقد؟ كثرة القراءة، وكانت نواها مكتبة الوالد ثم في مكتبة مجلس المدينة وكنت أصاحب أمينها وكان لا يضن على بشىء يسهل لى الاستعارة، وقد قرأت الأعمال العالمية لكبار الكتاب في الآداب الغربية مثل: برنارد شو، وشكسبير، وجوجول، وتورجنيف، وديستوفسكى، وتولستوى وجوته، وبلزاك، وهوجو، وزولا، وغيرهم من خلال سلسلة روايات الهلال التي كانت تطبع في طبعات فاخرة مزدانة بالرسوم والأغلفة الرائعة.. إضافة تجميع الأعمال والقراءة حول موضوع واحد.. مثلًا قرأت معظم ما كتب عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثل معظم كتب التراث التي تناولت السيرة النبوية كسيرة ابن هشام، وتاريخ الطبرى، وابن كثير، والسيرة الحلبية، كما طالعت كتب المحدثين مثل حياة محمد لهيكل، وعبقرية محمد للعقاد، وعلى هامش السيرة لطه حسين وحياة محمد لأميل درمنجم ترجمة عادل زعيتر وغيرها.
التراث وكيفية توظيفه في إنتاج نصوص أدبية رفيعة؟ أرى أننا في حاجة إلى عودة الوعى للعقل العربي وتقوم هذه الإعادة على محورين: المحور الأول: العودة إلى التراث وأن ننظر إليه بعين معاصرة. المحور الثانى: الأخذ من الحداثة بما يناسب ثقافتنا العربية الإسلامية دون انبهار بالغرب، لأننا إذا انبهرنا بالغرب فإننا نأخذ بذرة مختلفة عنا ثقافيًا ومعرفيًا وحضاريًا ونزرعه في بيتنا فنصبح مسخًا وقد أعجب بهذا الرأى أستاذنا الدكتور عز الدين إسماعيل في مؤتمر النقد الدولى الثالث، وهذا الكلام أغضب أحد حضور هذا المؤتمر كمال أبوديب (أحد المنبهرين بالغرب) الذي هاج وماج، ولم يعجبه هذا الكلام. كيف السبيل إلى إعادة الريادة الثقافية والأدبية لمصر مرة أخرى؟ عودة الوعى إلى العقل العربي كما ذكرت سلفا ويتطلب أيضًا مجموعة من الأشياء: 1- محو الأمية. 2- الاهتمام بالتعليم لأن التعليم في مصر سيئ من الحضانة وحتى الجامعة. 3- الاهتمام بالمناهج والأستاذ وحتى أستاذ الجامعة وكيفية تكوين أستاذ الجامعة لأن هناك تسيبا في إعطاء رسائل الماجستير والدكتوراه والتسيب أيضًا في الأساتذة والأساتذة المساعدين. 4- التركيز الشديد على البحث العلمى وكيف يكون هناك بحث علمى، خاصة أننا نمتلك من الطاقة البشرية العلمية ما يجعلنا نستطيع أن نتقدم تقدما كبيرًا بدليل أن عددًا كبيرًا من الأساتذة في شتى التخصصات العلمية يعارون إلى الجامعات الغربية المتقدمة علميًا (وقد رصدنا في هيئة الطاقة الذرية 1969 أن عدد الأساتذة المعارين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية 16 أستاذًا.
متى نرى نظرية أدبية أصيلة تنبع من تربتنا العربية؟ حين نعود إلى التراث بعين معاصرة ويدخل في هذا الإطار التأصيل، وأن نؤصل لهذه المفاهيم التي وردت إلينا على سبيل المثال: السرد: وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم في سورة لقمان (قدر في السرد) ومعنى السرد حسب المعنى اللغوى هو إتقان الصنعة لأن هذا الحديث عن صناعة سيدنا داود، والصورة الشعرية (إتقان الصنعة من كافة الجوانب خيال وصورة وموسيقى....). النقد الثقافى: فلو رجعنا إلى مقولة ابن سلام الجمحى حيث يقول: (وللشعر صناعة وثقافة، يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات، منها ما تتثقفه العين، ومنها ما تتثقفه الأذن، ومنها ما تتثقفه اليد، ومنها ما يتثقفه اللسان، من ذلك اللؤلؤ والياقوت، لا يعرف بصفة ولا وزن دون المعاينة ممن يبصره؛ ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم، لا تعرف جودتهما بلون، ولا مس، ولا صراط، ولا وزن، ولا صفة، ويعرفه الناقد عند المعاينة، فيعرف بهرجها وزائفها، وكذلك يعرف الرقيق فتوصف الجارية، فيقال ناصعة اللون، نقية الثغر، حسنة العين والأنف، جيدة النهود، طريفة اللسان، واردة الشعر، فتكون في هذه الصفة بمائة دينار وبمائتي دينار، وتكون أخرى بألف دينار وأكثر، لا يجد واصفها مزيدا على هذه الصفة). وابن سلام في هذا النص يذكر الشروط التي يجب أن تتوفر في الناقد، أو بالأحرى جسد لنا عوامل ثقافة الناقد، ويتمثل العامل الأول عنده في ذوق الناقد، فالكثير من أحكام الناقد تعتمد على ذوقه الشخصي، وعليه أن يقرأ كثيرا للشعراء. ما الجديد الآن الذي تنوى تقديمه وكتابته؟ أنا أعيد كتابة نظرية الأدب مرة أخرى فقد تحدثت في الطبعة القديمة عن حازم القرطاجنى في 8 صفحات إضافة إلى النقاد الغربيين وبعد التعمق في قراءة النصوص القديمة عند ابن سلام الجمحى وابن قتيبة، ولما قلت إن الفن تخيل وقفت عند حازم القرطاجانى من ص86: 102 يعنى 16 صفحة فقط، أنا الآن أعيد كتاب نظرية الأدب كما ذكرت وقفت أمام ابن سلام وكتابه طبقات فحول الشعراء وتساءلت هل عرف العرب نظرية للأدب؟ الإجابة نعم فقد عرف العرب نظرية للأدب. عندما أقف عند نص ابن إسلام ورؤيته للشعر حينما يقول: (وللشعر صناعة وثقافة، يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات)، وما قاله محمود محمد شاكر إن الصناعة في المعقولات وليس في المحسوسات، وأقارن بينها وبين ما نتجه الغرب، وأقارن بينها وبين الحضارة الإسلامية واتجاهها إلى التجريد والحضارة الغربية واتجاهها إلى التجسيد وأثرها في الفراغ الروحى في الحضارة الغربية، لم يقف أمامه أحد من قبل وكذلك طالعت "الشعر والشعراء" لابن قتيبة، وأنا الآن أقف عند الآمدى ووصلت لصفحة 46 كلمة كلمة ورغم أن ما كتب عنه كله يتناول احتجاج الخصمين والإطار العام، فأنا أفصص الكلام هو هنا موضوعى أو لا موضوعى وسوف أتناول أبوالعلاء المعرى لأن له آراء رائعة. سوف أقف أمام العرب وأثبت أنه لهم نظرية أدبية.