تأثر النقد الأدبي العربي أوائل القرن العشرين، بمناهج النقد الغربية، ومن الطبيعي أن الأخذ من الثقافات الغربية يثري الثقافة العربية، لكن على المستوى التطبيقي نجد أن واقع النقد العربي يشهد خللا منهجيًّا؛ حيث النظريات الغربية الحديثة قد لا تنطبق على الأدب العربي، فهل ينبغي على النقاد التوقف قليلا عند النظريات النقدية المأخوذة عن الغرب ومقاربتها برؤية أكثر عمقًا، لأخذ ما يتناسب منها مع النتاج الأدبي في العالم العربي؟ أم ينبغي الانفتاح التام على الآخر والاطلاع على معارفه وثقافاته المختلفة عنا؟
يرى د. حامد أبو أحمد، أستاذ اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، أن تداخل الثقافات لا يعد غزوًا ثقافيًا - كما يصفه كثيرون – فلا يمكننا أن نختصر النظريات النقدية والمدارس الأدبية على مكان دون الآخر، فقديمًا استطاع النقد بنسبة كبيرة التأثير في الثقافة الغربية، لأن بعض المعارف القديمة المأخوذة عن أمم أخرى، مثل الفلسفة والمنطق وعلوم البلاغة كان لها دور في تكوين الرؤى النقدية عند (ابن طباطبا والقيرواني)، ولكن في كل الأحوال كانت الثقافة محلية.
وأكد د. أبو أحمد، "نحن لدينا تراث نقدي واسع، فعباس محمود العقاد ومحمد مندور ومحمد غنيمي شكلوا تراثًا وطرحوا قضايا في غاية الأهمية، وأحدثوا تراكمًا كبيرًا من النقد الأدبي في القرن العشرين، والآن نحن في حاجة إلى إعادة النظر، وتفكيك كل وجهات النظر السابقة وتحليل أساليب السابقين، فمحمد مندور في (كتاب الميزان) ناقش موضوع علمية الأدب، وكيف يأخذ الأدب منهجية العلم، والبعض يرى أن النقد الأدبي يقوم على عدة نظريات وهذا خاطئ، والأجيال الجديدة مطالبة أن تصحح هذا الخطأ، لأن النقد الأدبي قد توجد فيه نصوص لا يمكن تطبيق النظريات عليها مثل النص الطليعي".
ويتساءل د. أبو أحمد: لماذ يرفض البعض التقاء الحضارات ويعتبره غزوًا ثقافيًا؟ فالحضارة الغالبة والثقافة الأكثر تأثيرًا من الغرب، هي حضارة دائمة الحركة والتغيير ولها تأثير طاغٍ في كل الأنحاء العالم، كما أنه لكل المذاهب الأدبية والنقدية الغربية حضور قوي عندنا وكلها ذات طابع عالمي، فنحن لا نملك حق رفاهية رفض مذهب معين، ولكن يمكننا أن نطوعها بحيث لا تكون غريبة بالنسبة للقاريء العربي صاحب الذائقة الثقافية المختلفة عن الآخرين.
وأوضح د. محمد عبد المطلب، أستاذ البلاغة والنقد الأدبي بكلية الآداب جامعة عين شمس؛ وجهة نظره قائلا: "عند الحديث عن النقد الأدبي يجب أن نبين مفهوم القراءة الثقافية وليس النقد الثقافي؛ لأن مهمة النقد الكشف عن أدبية النص للوصول إلى الحكم الجيد، أما القراءة الثقافية فتوصف بأنها انفتاح النص على أنساقه الثقافية التي أنتجته".
وأضاف د. عبد المطلب، "النقد الثقافي هو ربط المنتج الدلالي بحالة الإنسان الثقافية التي أنتجته، والخطورة هنا أن بعض النقاد الثقافيين أخطأوا منهجيًًّا، فتحركوا من الثقافة إلى النص، ففرضوا على النص أنساقًا أخرى، والمنهجية الصحيحة أن يبدأ القارئ من النص ثم يحيله إلى الثقافة التي استمدها، وهذا النقد الثقافي يعتمد على التراكم، فذاكرة الإنسان الثقافية لا تحتفظ لنفسها بصورة واحدة دائمًا، وتدعو إلى التحول الحضاري والتحول الثقافي لتعميقه النظر في النص والوصول إلى أعماقه الثقافية".
في حين يرى د. رضوان القضماني، أستاذ علم اللغة بالجامعات السورية، أن "النقد اللساني في العمل الأدبي يتحول إلى لغة تشكلت من وحدات متراتبة، صوتية وصرفية ومعجمية ونحوية ودلالية في الانتقال من الملفوظ والقول والحديث والخطاب والنص، قامت على فعل كلامي، ليتوج هذا النقد مقولاته بمفهومي الخطاب والنص، وما أفرزه من بؤر ومقولات وتشكيلات دلالية تجعل النقد يكشف عن دلالة موضوعية في النص".