الداعية الشاب محمد مسعد ياقوت، هو أحد أبرز الدعاة الشباب الذين ظهروا على الساحة فى السنوات الأخيرة، بلغة خطاب جديدة، وثقافة مختلفة فى التعامل مع الآخر وجذب الشباب وشرائح مختلفة من المجتمع إلى حقل الدعوة والعمل الإسلامي. "ياقوت" هو عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، والمشرف العام على موقع نبي الرحمة، عضو المجلس التنسيقي للجهات المعنية بالتعريف بالنبي – صلى الله عليه وسلم - برابطة العالم الإسلامي، والمنسق العام لحملة " الثروة الاجتماعية " بجمعية رسالة، فضلا عن اهتمامه بالبحث العلمى إلى جانب نشاطه الدعوى، وله عدد من المؤلفات والدراسات البحثية. العديد من التساؤلات كانت محور اللقاء مع الداعية الشاب مسعد ياقوت. *نبدأ من واقع تجربتك السابقة فى الرد على الإساءة للرسول بالرسوم الكاريكاتيرية .. هل يمكن أن تطلعنا على تفاصيلها؟ كانت الرسوم المسيئة فى الدانمارك سببًا في ظهور موقع نبي الرحمة وكتاب نبي الرحمة، إضافة إلى إصدار "غزوات الرسول دروس في آداب الحرب والسلام"، وكتاب "السيرة النبوية" ، وقد تعلمنا أن الإساءات يأتي من ورائها فتح ونصر للإسلام، فمثلا حينما ظهر فلم فتنة المسيء للقرآن في هولندا؛ نفدت طبعات المصحف من المكتبات، وحينما ظهرت الإساءة للنبي في الدانمارك؛ كانت أكثر كلمة تكتب في محركات البحث حسب إحصاءات جوجل "من هو محمد"، وهذا مصداق لقول الله تعالى (إنا كفيناك المستهزئين).
*وهل سلكت نفس الطريق عندما أسيء للرسول من قبل أقباط المهجر؟ أنا لا أتحدث عن جهودي، بل أشعر بالتقصير في كل مرة نحو هذه القضية، فهي قضية أمة وشعب مسلم، وقضية النصرة أمانة في عنق الجميع ولاسيما الحكومات التي تنفق الملايين على اللهو واللعب والسباقات المختلفة.
*بوصفكم عضوا فى الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. ما رد الإتحاد على الإساءة الأخيرة للرسول الكريم؟ لستُ هنا متحدثًا عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لكن أعتقد أن أي هيئة علمية فقهية دعوية ما عليها سوى البلاغ، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فلسنا على الناس بمسيطرين، وجهد الاتحاد في قضايا الأمة أراه جيدًا أو مقبولا على قلة ذات يده . وأقل ما يمكن ذكره؛ القوافل الدعوية التي تقوم بها لجنة الدعوة بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حيث تجوب البلدان المختلفة تحمل برنامجًا عمليًا بعنوان "كيف ننصر رسول الله؟ ".
*تشهد ساحة الإفتاء تضاربا واسعا وجدلا كبيرا.. بتقديركم هل إنشاء مؤسسة متخصصة في تخريج أهل الإفتاء يعد مخرجاً من تلك الأزمة؟ الأولى أن نترك باب الاجتهاد مفتوحًا، والتنافس بين هذه المؤسسات مطلوب، والاختلاف والتباين سنة كونية، "وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"،المائدة : آية48 .
*رأينا صورا من الربيع العربي فى بلداننا تعبر عن الانفلات والفوضى.. من وجهة نظركم ما أسباب ذلك، وكيف يمكن وقف هذا الانفلات؟ نعم، هذا الربيع العربي إن لم يصل إلى الأخلاق، ويغير الإنسان إلى الأفضل، فإنه لن يكون الربيع الأخير. نعم ، الانحلال يدمرُ الأمم، وصدق أمير الشعراء إذ يقول : وإِنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيَتْ ... فإِن همُ ذَهَبَتْ أخلاقهُم ذَهَبوا ونقرأ في كتاب ربنا : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم4، نسمعها كثيرًا في تلك الندوات والأمسيات التي تستذِّكر مولدَ محمد – صلى الله عليه وسلم، وما قيمة القول من دون العمل، وملاعبنا وشوارعنا وفضائياتنا تقول غير ذلك.
*كيف إذن يمكن أن نحدث ثورة أخلاقية بين صفوف الشباب، وكيف ننقل أجواء الربيع العربي إلى مجالات التربية وإصلاح المجتمع؟ بالتربية، ونشر الفضيلة، وأن يتعاون الجميع على ذلك، وخصوصًا وسائل الإعلام. وأقول : ينبغي على وسائل الإعلام الكف عن نشر الرذيلة، فقد كان لوسائل الإعلام دورًا بارزًا في أيام العهود الظلامية في محاربة الأخلاق. وهذا الدور مناطٌ بالمسئولين عن الصحف والفضائيات والمواقع الإعلامية المختلفة. "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"، وإعداد حملة توعوية بين صفوف الشباب في المدارس والجامعات تتألف من مجموعة من العلماء والدعاة والكتاب لتنبه الشباب. وعلى أولياء الأمور في البيوت أن يتحملوا تلك التبعة، وأن يعملوا على غرس قيم الأخلاق، والحب والأخوة بين المسلمين. كما ينبغي على مَن يحكمون هذه الشعوب؛ أن يستشعروا خطر تسفيه الشباب، فالشباب المائع الخاوي لن يكون سلاحًا لكم، إنما سيكون في صدوركم.
*هناك بعض المجتمعات العربية محافظة بطبعها ومتدينة، ولا تسمح بالاختلاط ، ومع هذا تكثر فيها الرذائل فما هي الأسباب وكيف يمكن علاج هذا الأمر؟ أعتقد أن هذا بسبب وسائل الإعلام التي تخترق البيوت، إضافة إلى غياب الوازع الديني الحقيقي والتركيز على المظهر دون الجوهر، والعتب أيضًا على بعض الأنظمة والحكومات التي سخّرت وسائل الإعلام، لا للتوعية، إنما للتلهية، ونشر الميوعة، والخنوسة، والخلاعة، وتغييب القيم، وقلب الحقائق، فمثلاً جعلوا من الاستشهاد انتحارًا، ومن الحلال حرامًا، ومن الحرام حلالاً، واتخذوا من دون المنهج الإسلامي أوثانًا فكرية – كروسو وفولتير وماركس، وقدسوا هذه الأوثان، وكانت هي معالم دعوتهم لغزو عقول العرب، وقالوا: بل نتبع مع ألفينا عليه الغرب، وناعقٌ غربيٌ أجمل في عيونهم من ألف داعيةٍ عربيٍ !
*بوصفكم أحد المهتمين بالبحث العلمي.. ما تقييمك لاستراتيجيات تطوير ها المجال فى العالم العربي؟ هناك مشكلات كبيرة لا يزال يعاني منها البحث العلمي، والمتأمل لواقع البحث العلمي يتبين له مدى الفجوة الواسعة بينه وبين المستوى البحثي والأكاديمي العالمي، حيث نفتقد وجود سياسة علمية محددة المعالم، والأهداف والوسائل. وانظر إلى ما أسميه ب " 5 ليس" وهى تتضمن عوائق البحث العلمى فى بلداننا: - ليس لدينا سياسة إستراتيجية للبحث العلمي. - ليس لدينا ما يسمّى بصناعة المعلومات. - ليس لدينا مراكز للتنسيق بين المؤسسات والمراكز البحثية. - ليس لدينا صناديق متخصّصة بتمويل الأبحاث والتطوير. - ليس لدينا حرية أكاديمية كافية، كتلك التي يتمتع بها البحث العلمي عند الغرب. إضافة إلى البيروقراطية والمشكلات الإدارية والتنظيمية، والفساد المالي والإداري في مؤسسات البحث العلمي الحكومية، إلى جانب تأخر عملية نقل المعلومة التقنية من الدول المتقدمة، وبقاء كثير من مراكز البحوث العربية تحت قيادات قديمة مترهلة، غير مدركة لأبعاد التقدم العالمي في ميادين البحث العلمي، لاسيما في العلوم التكنولوجية والفيزيقية، وإهمال التدريب المستمر للباحثين، بل قد وصل حال كثير من مؤسسات البحث العلمي إلى تهميش الكوادر البحثية التي لا تتفق وسياسة السلطة أو إمكاناتها، ومن ثم يتم تهجير أو هجرة هذه العقول إلى الدول الغربية، لتجد هذه العقول البيئة العلمية المناسبة لها، والمعززة لمواهبها، والداعمة لأفكارها الابتكارية. *كيف يمكن تحفيز الشباب للعمل في مجال البحث العلمي وماذا سيعود على الأمة حينها؟ ينبغي أن يكون البحث العلمي هدفًا قوميًا في كل بلد، ويربى الصغار على حبه، ويكون رسالة الإعلام، وحديث المنابر، وقضية القضايا، حتى تنهض هذه الأمة. والمشكلات التي يعاني منها الشباب كثيرة، وظاهرة هجرة العقول هي أكبر دليل على تلك المعاناة ، ففي كل يوم تطلع فيه شمسه، يعاني العالم العربي والإسلامي من هجرة يومية لعقول وكفاءات وخبرات شابة فضلاً عن تلك الخبرات والكفاءات التي هاجرت منذ عقود واستقرت في دول الغرب، وراحت ثمراتها وجهودها ابتغاء حضارة الغرب ومدنيته .. ! فهناك أكثر من مليون طالب من البلدان العربية يتابعون دراستهم في الخارج، لاسيما الخريجين الذين حصلوا علي درجة الدكتوراه .. لا يعودون إلي بلادهم، إذ يعتقدون أن الفرص قليلة والأجر منخفض، كما أنهم يشعرون بعدم الأمن والعدالة في بلادهم، إذ يرون أن المؤسسات البحثية والجامعية يسودها الاستبداد والمحسوبية، إلى جانب ضعف الإنفاق على البحث العلمي.
*هل من الممكن توحيد أهداف الشباب العربي من جديد أم أن الربيع العربي جعل لكل مجتمع قضيته الخاصة؟ بالطبع، يمكن أن يتحد الشباب العربي، تحت راية الإسلام ولغة الإسلام.. وهذا أقوى ما نمتلكه، ولذلك كان "محاربة وحدة الصف" هو مدخل أعداء هذه الأمة لاحتلال أرض المسلمين، وذلك بزرع الشقاق والفتن والقلاقل بين الشعوب المسلمة، والمحاولات الدءوبة في تقسيم المسلمين إلى طوائف وفرق، وتنشئة قضايا تحت مسميات "أقليات دينية" و"أقليات عِرقية" و"طوائف" في العراق ومصر والسودان والمغرب وغيرها، بحيث تكون هذه القضايا هي حصان طروادة أو مسمار جحا لدخول هذه البلدان الإسلامية ونهب خيرها واحتلال أرضها وتنصير أهلها.. فهبو يا شباب !
*ما أبرز الفروق بين الشباب العربي والغربي من وجهة نظرك من حيث الايجابيات والسلبيات؟ لا شك أن ديننا لا نعدل به بديلا، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. لكن إذا أردتَ أن تهدم شَعبًا فسلط عليه الأدب الرقيع، والشعر الرخيص، وقصص الجنس، وروايات العهر، وقصائد الخمر، فالأدب الخليع لا يقل ضراوة في الهدم من الصواريخ ! وإذا أردنا أن نؤسس جيلاً نظيفًا، ونبني أُمةً رائدة ، - نستجيب لقول الله تعالى: "وأعدوا" – فإن من تمام الإعدادِ؛ تربيةُ الشباب والشابات على الأدب الإسلامي الجهادي، والشعر العربي الحماسي، وأناشيد الشجاعة، ومقالات الإباء، وقصص البطولة.. و"حرض المؤمنين".
*كيف يمكن أسلمة مواقع التواصل الاجتماعي والتي تزايد تأثرها فى الآونة الأخيرة؟ الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فمن شاء انتفع بها، ومن شاء استخدمها في غير ذلك، وكل امرئ بما كسب رهين، ومن محاسن الشبكة كثرة انتشار المواقع والمنديات والمدونات والمجموعات البريدية وصفحات الفيس بوك التي تخصصت في التعريف بالإسلام، فمن موقع للنصرة، إلى منتدى في حب النبي، إلى مدونة لمقاومة التنصير، إلى مجموعة بريدية للحوار الإسلامي . ويمكن استغلال الإقبال الكبير على هذه المواقع في إفادة الأمة من خلال التوعية، كما يجب أن نوفر البديل الإسلامي فى كل مجال، فنحن نبحث عن البديل الإسلامي في كل فن، وهذا المجال ثغرة، لطالما يؤتى الإسلام من قبلها، فلا أقل من توجيهها التوجيه السليم لخدمة هذا الدين العظيم.