توحدت الآراء حول قدرة الشيخ على تجسير العامة لفهم النص القرآني المبارك ، بل و امتدت إلى أن أصبحت دروس الشيخ حلقات إعجاب بنتائجه التفسيرية، فكثيرا ما سمعت في تسجيلات الشيخ صيحات العامة إعجابا بما أتي به من نتائج ، و أهم ما وجدته في خواطره التفسيرية قدرته - الشيخ - على الإتيان بنتائج لم يتعرض لها سالف المفسرين ، فالشيخ الشعراوي لم يسلم بكل ما أتى به المفسرون تسليما قاطعا ، بل كان مؤمنا بإلوهية النص القرآني المبارك الذي لا ينضب إعجازه حتى قيام الساعة ، فكان لا يدخر جهدا للكشف عن المواطن التي يتم من خلاله إصلاح حال الأمة الإسلامية، فضلا عن سعيه الدءوب في محاولة إبراز إعجازه القرآني الذي بلا شك يعمق اليقين في نفوس العامة و الخاصة تجاه النص المبارك و من أبرز اللطائف التفسيرية التي تنسب لفضيلة الإمام ، تجلياته حول دلالات بعض الألفاظ القرآنية ، نقتطف نتائجه التفسيرية حول إبراز الفارق بين اللفظتين القرآنيتين " عباد، وعبيد " التي دارت في فلكهما الآراء التفسيرية لفهم مراد النص القرآني المبارك فيهما، فمن العلماء من نظر إلى الفارق اللغوي القائم بينهما؛ فوجدوا أن ( عبيد ) جمع لعبد ، وأن ( عباد ) جمع لعابد. و من العلماء من قال : أن (العبيد) تؤخذ منها العبودية ، وأن (العباد) تؤخذ منها العبادية، و العبادية في العباد أن يطيع العابد أمر الله – سبحانه و تعالى - وينتهي عن نواهيه طمعا في ثواب الآخرة وخوفا من عقابه فيها ؛ فلم تصل هذه التعريفات إلى اصطلاح وافٍ يؤصل لدلالة اللفظتين في كل الآيات المباركة التي وردت فيها اللفظتان المباركتان في القرآن. غير أن الشيخ تلقف الفارق الكائن بين "العبيد و العباد" بما أقنع و أمتع العامة و الخاصة من المستمعين من خلال فهمه للنص القرآني المبارك باعتباره وحدة واحدة . فعند تعرضه إلى لفظة ( عبيد ) بيّن أننا كلنا (عبيد ) لله تعالى : المؤمن والكافر والطائع والعاصي فما دام يطرأ عليه في حياته ما لا يستطيع أن يدفعه مع أنه يكرهه فهو مقهور؛ فمثلا إذا ابتلي الإنسان بمرض و لم يستطيع إبراء نفسه منه ؛ فهو مقهور على ذلك . وقد وردت هذه اللفظة المباركة على اختصاص العاصي في العديد من الآيات المباركة ،كما في قوله تعالى :(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10))) الحج ووردت لفظة (عبيد) أيضا على اختصاص الطائعين ، كما في قوله تعالى : (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30))مريم و على هذا يؤصل الشيخ اصطلاحا للفظة (عبيد) من خلال فهمه لمرادها القرآني ، فقال : كلنا (عبيد )فيما نحن مقهورون عليه، ثم لنا بعد ذلك مساحة من الاختيار، لتشمل بذلك اللفظة المباركة العاصي و الطائع على حد سواء. ولأن الشيخ ينقب عن المواطن الإصلاحية الكائنة في النص المبارك ، نجده يلفت المستمع إلى أن المنهج الوحيد الذي أعلى من قيمة (العبودية) هو المنهج الإسلامي ؛ و ذلك إذا ما كانت خاضعة لله – سبحانه و تعالى –، ويحط من شأنها إذا كانت خاضعة لمخلوق إنسانا أو حجرا ، فما أعظم أن نكون (عبيدا) للرحمن؛ لذلك كانت حيثية تكريم الله لرسوله صلي الله عليه وسلم في الإسراء هي عبوديته لله تعالى حيث قال : " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ..(1) "الإسراء" ليبين الشيخ أن (العبودية) هي علة الارتقاء في حادثة الإسراء و المعراج ، على خلاف ما كان سائدا في الثقافة العربية لمراد هذه اللفظة في عصور ما قبل الإسلام. فلما أخلص رسول الله (العبودية) لله؛ نال هذا القرب الذي لم يسبقه إليه بشر لذلك وصف الملائكة بأنهم " عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) " الأنبياء فلفظة ( عباد ) خصها الشيخ للطائع دون العاصي من خلال استقراءه لآيات الذكر الحكيم ؛ لأنه خرج عن اختياره الذي منحه الله في أن يؤمن أو يكفر وتنازل عنه لمراد ربه فاستحق أن يكون من (عباد )الله ، و هؤلاء من قال فيهم الحق : " وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) ..(63)" الفرقان فعندما تعرض إلى مراد (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ) ؛أصل للفظة (العباد) واختصها لمن هم تنازلوا عن اختيارهم و أهوائهم البشرية ؛ فاختارهم الله – سبحانه و تعالى – لنيل كرامته. وباستقراء الآيات لم نجد سوى آية واحدة تخالف في ظاهر الآمر هذا المعنى الذي قلناه في معنى "العباد" وهي قوله تعالى في الآخرة : " أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) " الفرقان فقد تلقف المشككون هذه الآية المباركة ؛ لمحاولة الطعن في صحة نتائج خواطر الشيخ الشعراوي ، ومن ثم النيل من آيات الله المباركات . فإذا كانت لفظة (عباد) خاصة بمرتبة عالية للمؤمنين كما بين الشيخ في نتائجه التفسيرية؛ فإن الآية السالفة المدرج فيها لفظة (عباد) تختص بالضالين ، فقال للضالين ( عبادي) وهي لا تقال إلا للطائعين ، لماذا ؟! فبيّن الشيخ بفطنته اللغوية أن اللفظة تتغير دلالتها و تتبدل بتغير الأزمان و الأماكن،ليكشف عن جانبا من الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم ، فلفظة ( عباد ) في يوم القيامة تخص الطائع و العاصي معا ؛ لأن في القيامة لا اختيار لأحد فالجميع في القيامة (عباد) حيث انتفى الاختيار الذي يميزهم . و بهذا يتبين لنا عناية الشيخ بالنظر إلى دلالة اللفظة الواردة في النص القرآني المبارك و علاقتها بحيثية الزمان و المكان ، ولم يتطرق إلى الموطن البلاغي الكائن في الآية المباركة الذي يبرز لنا مرادها حيث أن الإخبار في الآية الكريمة مجاز مرسل لعلاقة اعتبار ما سيكون مستقبلا ، و لكن الشيخ فسر الآية المباركة بنمط يتفق و حال المستمع العامي الذي ربما يجد عائقا في فهم مراد الآية من الكتب التفسيرية السالفة ؛ ولعل هذه الوسيلة الشفاهية هي التي دفعت بالمتلقي لدروس الشيخ إقبالا، و تيقنا بأن النتائج التفسيرية التي جاء بها الشيخ تجليات و استشراقات لم يسبقه إليها أحد من سالف المفسرين . فالشيخ الشعراوي تجاه آي الذكر الحكيم أعطى الحرية لفكره في استشراق آفاق جديدة لمراد النص القرآني المبارك معتمدا في ذلك على ثقافته الواسعة؛ و ارتكازا على الخطاب الشفاهي العامي لبيان مقاصد آي الذكر الحكيم ؛ فآل له التواصل مع مستمعيه الذين يشكلون السواد الأعظم في دروسه الدينية، و لعل ذلك ما أدي بخواطر الشيخ الشعراوي إلى الخروج برؤى تفسيرية جديدة، و ملائمة لروح عصره في شكلها اللغوي من حيث الارتكاز على اللهجة العامية الشفاهية ، و من حيث الإتيان بنتائج تفسيرية تبدو في شكلها و مضمونها جديدة و إن كانت لها أصول تفسيرية قديمة .