" لست إلا.. بعض الأوراق" هذه هي فلسفة الكاتب شيرين الكردي في الحياة والتي سردها في كتاب بنفس العنوان صدر عن دار الدار، واصفا صفحات من حياته وقت تجنيده للحرب ثم زواجه وهكذا، والكتاب في الأصل عبارة عن مدونة.. لكن لشيرين وجه آخر لم يتحدث عنه كثيرا ولا يعرفه سوي المقربين، وهي تأملاته الروحانية والدينية. بدأها مع تأويله وقراءته للآية 109 من سورة الكهف " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي"، فقد تساءل من قبيل الفلسفة: لماذا تحتاج كلمات ربي إلي بحر؟ وتوصل إلي عدم قراءة النص القرآني بنظرتنا الآنية الواقعية والتي تنزعه من سياقه.. شيرين يري أنه في هذه الأيام المباركة، تزداد الحاجة إلي تلك الرحلات الفكرية والروحية في الكتب والتفاسير، فهي مطلوبة كما العبادات. وقد ركزت أبحاثه الروحية علي موضوع يبدو بعيدا عن التفكير، فقد أخذ يحلل مصطلحي عباد الله وعبيد الله، ليجيب عن سؤال: ما الفرق بين العباد والعبيد؟ وهل نحن عباد الله أم عبيد الله؟ . الكلمتان وردتا في القرآن الكريم، لكننا في الحياة الدنيا عباد الله، وفي الآخرة عبيد الله، والكلمتان من أصل ثلاثي هو "ع، ب، د" وهو من ألفاظ الأضداد في اللسان العربي التي تعني الشيء وضده معا. مثل لفظ "مولي" الذي قد يأتي بمعني خادم أو بمعني سيد. أما فعل عَبَدَ فيعني الطاعة والمعصية في آن واحد. قال تعالي: "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" (الزخرف 81) والعابدين هنا بمعني الرافضين.. توضح اجتهادات الكردي أن لفظة "عبد البعير" التي تداولها سكان أرض الحجاز تعني حرن وأبي ولم يطع سيده أو راكبه إذا كان فرسا. أما تفسير آية "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات 56) هو أنه سبحانه وتعالي خلق الجن والإنس ليكونوا عبادا يطيعون ويعصون بملء إرادتهم واختيارهم، وليس ليصلوا ويصوموا ويكونوا عبيدا، فالعبودية غير مطلوبة أصلا. . أما مصطلح العبيد، فقد ورد في القرآن الكريم خمس مرات منها: "وأن الله ليس بظلام للعبيد" (آل عمران 182 والأنفال 51 والحج 10)، "وما ربك بظلاّم للعبيد" (فصّلت 46)، "وما أنا بظلام للعبيد" (ق 29). ويلاحظ الكردي هنا أن مناسبات الآيات وردت كلها في مجال اليوم الآخر. لماذا ؟ لأننا في اليوم الآخر عبيد ليس لنا من الأمر شيء.. كما يتضح أن مفهوم الحرية في كتاب الله تعالي سبق مفهوم العدالة، بدليل ورود الظلم مقرونا بالعبيد في الآيات الخمس. لأن العبد لا يستطيع أن يقيم العدالة، ومن هنا اقترن الظلم بالعبودية. أما العباد الأحرار فلا حاجة لتذكيرهم بالعدالة لأنهم يستطيعون أن يقيموها بأنفسهم باعتبارهم أحرارا.