من خلال تتبع خواطر الشيخ الشعراوي التي تناولت الأيات القرآنية التي بها إشارة علمية» وجدنا أن هناك بعض المسائل التي يفيض الشيخ فيها الحديث ويجذب أطرافه من قضية عقدية الي قضية علمية.. وهذا ما دفع الي أعمال العقل في هذه الخواطر» فوجد أن هذا المطلب يتبعه الشيخ في كثير من المواقف التفسيرية منها في قضية الدفاع عن الدين الإسلامي وتنزيهه عن أي طعن ببيان إعجازه وإثبات مصدريته الإلهية وكان ذلك بينا في مستهل خواطره تجاه أية قرآنية مباركة في سورة النساء وإثبات أن النص القرأني معجزة ومنهج دون غيره من الكتب السماوية. ثم انتقل إلي بيان ما بالنص القرأني من إعجاز علمي ذكر فيه قبل أن تتوصل إليها الدول التي تحمل لذاتها راية الابتكار العلمي. بقضية مراكز الإحساس التي دارت العقول حولها وحامت منذ مئات السنين لمعرفة مكانها. وحينما توصلوا إليها وجدوا أن النص القرأني المبارك قد بينها منذ مئات السنين» وهذا ما بينه الشيخ الشعراوي في أن المعجزة القرأنية الذي بلغ بها الرسول صلي الله عليه وسلم عن الله جل جلاله جاء منهجا محروسا بالمعجزة حيث تحدث عن أمور من أكثر من أربعة عشر قرن ولم يدركها العقل البشري ولم يعرف كنهها إلا في العقود الأخيرة ومنها بيان مراكز الإحساس في الإنسان. حيث تعددت في هذه المسألة الأقاويل التي أشارت إلي أنها في المخ تارة والنخاع الشوكي تارة أخري إلي أن تبينوا أن مراكز الإحساس كامن في جلد الإنسان» رابطا ما سلف ذكره بقول الحق سبحانه وتعالي: "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً" فالثقافة الواسعة للشيخ. والمتابعة الجيدة للابتكارات العلمية الحديثة وما بها من نتائج تفتخر بها أممهم» جعلت الشيخ يقبل بجرأة علي ذكر هذه الأكتشافات وينسبها لأصحابها. غير متحرج من ذلك في ثنايا ذكره لأحاديثه الدينية لبيان وإظهارالمعجزة الخالدة النص القرأني المنزلة من عند الخالق. وكذلك لتكون دليلا بينا لمن كان له قلب. وقد استفاض الشيخ في هذا المراد عند تفسيره لقوله تعالي: "أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ماكنتم تكسبون" تعرض لقوله: "إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً" وبين الشيخ أن نظرية ¢الحسن¢ شغلت العلماء الماديين. وأرادوا أن يعرفوا كيف يحس الإنسان؟ وعرض لأرائهم حول هذه النظرية فمنهم من قال: إن الإنسان يحس بالمخ. بيد أنه أثبت أن هناك مسائل لا تصل للمخ ويحس بها. بدليل أنه عندما يأتي واحد أمام عين الإنسان ويوجه أصعبه ليفتحها ويثقبها. وبمجرد أن يصل أصبعة بقرب العين يتم إغلاق العين» أي أن شيئاً لم يصل للمخ حتي يحس به. واستشهد برأي بعض العلماء قائلا: إن الإحساس يتم عن طريق النخاع الشوكي والحركة العكسية. ثم انتهوا إلي أن الإحساس إنما ينشأ بشعيرات حسية منبطحة مع الجلد» بدليل أن الإنسان عندما يأخذ حقنة في العضل. فالحقنة فيها ¢إبرة¢. ويكون الألم مثل لدغة البرغوث يحدث بمجرد ما تنفذ الإبرة من الجلد. وبعد ذلك لا يحس. إذن فمركز الإحساس في الإنسان هو الشعيرات الحسية المنبطحة علي الجلد. واستشهد علي ذلك أن الله سبحانه وتعالي أوضح: أنه عندما يحترق الجلد يمتنع الإحساس. فالحق سبحانه وتعالي يبدل لهم الجلد ليستمر الإحساس: "كلما نضجت جلودهم" أي صارت محترقة احتراقاً تاما وتعطلت عن الإحساس بالألم. أتيهم بجلد أخر ليديم عليهم العذاب» إذن فالأية مست قضية علمية معملية. لو أن القرأن تعرض لها بصراحة وجاء بصورة في الإحساس تقول: يا بني أدم محل الإحساس عندكم الجلد. لما فهموا شيئاً لكنه تركها لتنضج في العقول علي مهل. "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب" فتكون علة التبديل للجلود التي أحرقت بجلود جديدة كي يدوم العذاب ويذيل الحق الأية: "إن الله كان عزيزاً حكيماً" والعزيز: هو الذي لا يغلب ولا تقدر أن تحتاط من أنه يهزم الإنسان أبداً. فقد يقول كافر: لقد تلذذنا بالمعصية مرة لمدة خمس دقائق. ومرة لمدة ساعتين فيما يضيرني أن يحترق جلدي وتنتهي المسألة!! نقول له: لا إن الذي يعذب العاصي لا يغلب فسوف يديم عليه العذاب بأن يبدل له الجلد بجلد أخر. وسبحانه حكيم. فالمسألة ليست مسألة جبروت يستعمله. لا. هو يستعمل جبروته بعدالة.