قال تعالي: "ألم نجعل له عينين "8" ولسانا وشفتين "9" " "البلد". في هاتين الآيتين الكريمتين يذكر الله سبحانه وتعالي الإنسان بما أمده من نعم في جسمه. تشمل العينين واللسان والشفتين. وذلك في صورة استفهام تقريري لكي يعتبر ويتعظ ويتأمل في كل نعمة منها. وعندما نتوقف عند نعمة "اللسان" ووظائفه في الإحساس بالذوق نجد ان القرآن الكريم لم يقتصر علي ذكر "الذوق المادي" كما في قوله تعالي: ".... فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما....."22" " "الأعراف". بل انه تطرق إلي "الذوق المعنوي" أو المجازي كما في قوله تعالي: "...... فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون "35" " "الأنفال" وقوله سبحانه: "كل نفس ذائقة الموت..... "57" " "العنكبوت". ويجلي العلم الحديث بعض المعاني القرآنية المتعلقة بالإعجاز الإلهي في تركيب اللسان والإحساس بالذوق. فالإنسان يتناول في حياته اليومية عديدا من الأطعمة المختلفة والمشروبات المتنوعة. وهو في تذوقه لها يعتمد علي اللسان في الإحساس بالذوق ومعرفة ما إذا كان الطعام أو الشراب به ملح كثير أو قليل. أو انه حلو بالدرجة المقبولة أو شديد الحلاوة. كما اننا إذا تناولنا أي نوع من الأدوية ندرك علي الفور ان هذا الدواء مر أو انه شديد المرارة بدرجة كبيرة أو صغيرة. ومعني هذا ان الإنسان يستطيع عن طريق اللسان أن يميز بين مختلف المواد الموجودة فيما يتناوله من طعام أو شراب لا من حيث نوعية هذه المواد فقط. بل أيضا من حيث تركيزها في الطعام أو الشراب. ولقد تعرف العلماء علي أن هذه القدرة علي تذوق المواد والتعرف علي خصائصها وتركيزاتها يرجع الفضل فيها إلي "البراعم الذوقية" التي تنتشر انتشارا كبيرا علي سطح اللسان وعلي جوانبه ويوجد منها ما يقرب من العشرة آلاف برعم تستقر بين خلايا الغشاء المخاطي الذي يغلف اللسان ويتكون كل "برعم ذوقي" من مجموعة من "الخلايا الحسية" الخاصة التي تتجمع معاً علي هيئة المغزل وتخرج من أطرافها الداخلية "النهايات العصبية" التي تحمل الإحساس إلي المخ. وهناك أربعة أنواع من إحساسات الذوق عند الإنسان هي: الحلاوة والملوحة والمرارة والحموضة فهو يستطيع التعرف عليها وإدراك وجودها في سهولة تامة ولا يتم مثل هذا الاحساس إلا إذا كانت المادة المذاقة قابلة للذوبان في الماء أما المواد غير القابلة للذوبان كالطباشير مثلا فإنها تكون عديمة الطعم. وهكذا فإن المواد التي نتناوولها لا نحس بطعمها عند وصولها إلي الفم إلا بعد ذوبانها في اللعاب لان النهايات العصبية المرتبطة ببراعم الذوق تتأثر بالتغييرات الكيميائية ولذلك يطلق أحيانا علي حاسة الذوق انها "حاسة كيميائية". والواقع ان الأجزاء المختلفة من اللسان لها تخصصات مختلفة فيما يتعلق باحساسات الذوق فبراعم الذوق التي تتأثر بالمواد الحلوة توجد بصفة رئيسية عند طرف اللسان وتوجد البراعم التي تتأثر بالملوحة علي جانبي اللسان وطرفه بينما تتركز البراعم الخاصة بالاحساس بالمرارة علي السطح العلوي لمؤخرة اللسان ولذلك فإن الإنسان عندما يتناول "شربة ملح انجليزي" مثلا فانه يشعر أولا بالملوحة عندما يصل هذا السائل إلي طرف اللسان وجوانبه علي حين لا يحس بمرارته إلا عند وصوله إلي الجزء الخلفي من اللسان قبل البلع مباشرة. والاسبرين كمثال آخر مادة طعمها مر فإذا ابتلع الإنسان قرصا من الاسبرين بسرعة فانه لا يحس بمرارته اما إذا تباطأ في ابتلاعه فسرعان ما يذوب جزء منه في اللعاب ويتم ادراك هذه المرارة عند وصول القرص إلي نهاية اللسان. وكم في اللسان ووظائفه من اعجازات علمية أخري تستوجب التأمل في حكمة الخالق سبحانه وتعالي.