عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصائب لا تأتي فرادى والكوارث تنهال على الشعب المصري .. الحمى القلاعية تلحق بأنفلونزا الطيور .. وتحذيرات من كارثة بيئية بسبب إلقاء الطيور النافقة في الشوارع ومن ظهور إصابات بشرية .. وانتقادات لرسم حلمي التوني عن "الطير الأبابيل وأصحاب الفيل" ..
نشر في المصريون يوم 21 - 02 - 2006

تضاربت الأنباء أمس في الصحف حول ظهور حالات بشرية مصابة بأنفلونزا الطيور .. فالصحف الحكومية أكدت عدم وجود أية إصابات بين المواطنين حسب بيانات الحكومة .. في حين قالت صحيفة الكرامة ان هناك إصابات بشرية في 4 محافظات .. وتوقعت لجنة الصحة بمجلس الشعب حدوث إصابات بشرية بأنفلونزا الطيور .. فيما رفض وزير الصحة عرض البرنامج الوقائي في حالة انتقال المرض من إنسان لآخر وقد استمرت صحف القاهرة الصادرة أمس (الثلاثاء) في متابعة الحدث الجلل الذي تمر به مصر .. فروت الوفد القصة الحقيقية لوصول الوباء إلى مصر .. باكتشاف الإصابة الأولى في الجيزة بداية الأسبوع الماضي وتم الإعلان عنه بقرار سياسي .. وأكدت معامل البحرية الأمريكية النتائج المصرية مما حدا بمنظمة الصحة العالمية الاعتراف بالكارثة .. ولأن المصائب لا تأتي فرادى ، فانهالت المصائب على الشعب المصري بالإعلان عن تفشي الحمى القلاعية في الريف المصري مما يهدد الثروة الحيوانية إلى جانب الثروة الداجنة .. وأكدت الصحف أن الجيزة أكثر هي المحافظات الموبوءة تليها بني سويف والمنوفية والقاهرة .. فيما حاصرت كتائب الإعدام الطيور في المحافظات ، مما حدا بالتجار لإطلاق الفراخ في الشوارع خوفا من المرض .. وحذرت وزارة الصحة من كارثة بيئية بسبب إلقاء الطيور النافقة في الشوارع .. وطالب نواب البرلمان الحكومة بتعويض مربي الطيور .. ودراسة جدولة ديون منتجي الدواجن وإنشاء صندوق طوارئ .. وفي إطار دفاعها الحار عن النظام انتقدت روز اليوسف على لسان رئيس تحريره عبد الله كمال رسما كاريكاتوريا للفنان حلمي التوني نشره الأهرام أمس يصور طيور مصابة بالفيروس تحلق فوق رؤوس مواطنين وأسفلها تعليق يقول :"يا خوفي ليكون ده الطير الأبابيل ونكون إحنا أصحاب الفيل" ووصفت الرسم بأنه يحمل معاني هدمية ويسوق الخوف والرعب بين الناس !! .. نبدأ تقرير اليوم من صحيفة الوفد التي كشف القصة الحقيقية لظهور أول حالة إصابة بفيروس أنفلونزا الطيور في مصر . وقالت ان ظهور الفيروس بدأ في طيور منزلية في محافظة الجيزة ، وان ذلك تم الأحد قبل الماضي . وبمجرد ظهور العينة الايجابية هرعت أجهزة الدولة في وزارتي الصحة والزراعة بجمع عينات أخري في سرية تامة من جميع محافظات مصر ، وأثبتت التحاليل المعملية التي أجريت في المعامل المركزية بوزارة الصحة ، ومعامل الرقابة علي الإنتاج الداجني بمعهد بحوث صحة الحيوان بوزارة الزراعة . وأثبتت وجود عينات إيجابية في محافظتي القليوبية والمنيا . وتم إرسال العينات مرة أخري في سرية تامة أيضا إلى المعامل التابعة للبحرية الامريكية "الناميرو" الموجودة في العباسية والتي جاءت نتائجها ايجابية . وهنا بدأت منظمة الصحة العالمية الاعتراف بوجود الفيروس في مصر وكان ذلك يوم الخميس الماضي . وتم عرض نتائج التحاليل علي القيادة السياسية في نفس اليوم وعقد اجتماع سري اقتصر علي عدد محدود من الوزراء والدكتور نظيف وعدد من قيادات الأجهزة الحساسة في مصر . واستقر الرأي علي التعامل مع الكارثة بشفافية ، وإعلان الحقائق للناس ووضع خطة قومية لمقاومة الفيروس الفتاك تشارك فيها الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمواطنون . وتم اتخاذ قرار بشراء 600 ألف عبوة من عقار "تامي فلو" الذي يحد من نشاط الفيروس من الشركة المنتجة . وتبين ان الشركة الأمريكية المنتجة تبيعه بأسعار مرتفعة وان الشركة الأوروبية رفعت أسعارها بعد انتشار الفيروس في عدد من البلاد . واضطرت مصر لطلب 200 ألف عبوة فقط من العقار ، خاصة ان وصول الكمية يحتاج إلى وقت قد يصل إلي 6 أشهر كاملة. من جهة أخرى أبرزت الصحف اجتماع لجنة الصحة بمجلس الشعب ، التي توقعت حدوث إصابات بشرية بأنفلونزا الطيور ، بسبب ظهور المرض بشكل متلاحق وسريع في 8 محافظات حتى الآن . وتعهد الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة خلال الاجتماع الطارئ للجنة برئاسة الدكتور احمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب بالالتزام بالشفافية في عرض أي حالة إصابة للمواطنين بأنفلونزا الطيور في حالة حدوثها . وكشف وزير الصحة ان الحكومة فتحت اعتمادا يوم الجمعة الماضي لاستيراد 74 ألف عبوة دواء ، وستصل غدا الأربعاء . وقال ان الدواء المتاح يخفف المرض فقط . ورفض الجبلي عرض البرنامج الوقائي حاليا في حالة انتقال المرض من إنسان إلى آخر حتى لا يحدث هلع للمواطنين . وأوضح الجبلي ان علامات الإصابة البشرية بأنفلونزا الطيور هي سوء حالة المريض وإصابته بالتهاب رئوي ، ويتم علاجه بمضادات حيوية . وأكد أن فيروس أنفلونزا الطيور ظهر في 100 موقع في 11 محافظة حتى الآن منها 90% بالمنازل .. ولم تحدث إصابات بين المواطنين .. وقال الوزير أمام مجلس الشورى أمس ان اللجنة الوزارية العليا لمكافحة أنفلونزا الطيور تلقت 17 ألف بلاغ من المواطنين خلال اليومين الماضيين .. وتم فحص 299 مواطناً وجاءت نتائج التحاليل سلبية . ومن جانبه كشف المهندس ماجد جورج وزير البيئة عن تخصيص 53 موقعا لإقامة مدافن صحية آمنة للدواجن والطيور النافقة ، كما تبرعت وزارة الدفاع بعدد 25 سيارة لوري لنقل الطيور ، وتم صرف ألف بدلة واقية للمتعاملين مع الطيور النافقة . وأوضح انس الفقي وزير الإعلام ان الخطة الإعلامية للتعامل مع هذه الكارثة تتم علي فترات متباعدة لمنع إثارة الفزع ، وقال ان الحملة الإعلامية سوف تتغير إذا ظهر المرض في البشر . ورحب الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية بانضمام النقابات والأحزاب السياسية إلى اللجنة القومية التي شكلها مجلس الوزراء للاستفادة من خبراتها . وناقشت اللجنة الوزارية تحصين الثروة الداجنة باللقاح الواقي .. وبحثت نقاط الضعف في تنفيذ الخطة القومية خاصة في التخلص من الطيور النافقة .. وأصدر وزير الزراعة قرارا بحظر نقل الطيور الحية بمختلف أنواعها وطيور الزينة لمدة 15 يوماً من وإلى المحافظات إلا بتصريح من اللجنة الفنية .. وحظر ذبح الطيور خارج المجازر المرخصة . وفي سياق متصل نشرت صحيفة الجمهورية على لسان وزير الزراعة أن الحكومة تدرس جدولة ديون منتجي الدواجن وإنشاء صندوق لمواجهة الطوارئ والأزمات في هذه الصناعة . لكن حسني جاد رئيس مصلحة الضرائب رفض الطلبات التي تقدم بها التجار من أعضاء بورصة الدواجن بتأجيل مطالبتهم بسداد الضرائب المستحقة عليهم . وقال ان مصلحة الضرائب لا علاقة لها بكارثة أنفلونزا الطيور !! ، ولا يجوز ان يتقدم احد من تجار الدواجن بطلب تخفيض نسبة الضرائب علي نشاطه أو ترحيلها!! وقال جاد: الضريبة واجب وطني لا يمكن استثناء احد منها لأي ظرف وأشار إلي ان أسلوب استحقاق الضريبة يرتبط بتحقيق أرباح . وانتشار وباء أنفلونزا الطيور لا يعني استثناء تجار الدواجن من الضريبة ، إلا إذا كشف الفحص الضريبي عدم تحقيق ضرائب . وأوضح رئيس مصلحة الضرائب ان نشاط تجار الدواجن يخضع لنظام الربط الذاتي الذي يعتمد علي تقديم الممول سواء صاحب مزرعة أو تاجر دواجن ، إقرارا بحساباته وبعد فحصها يتم تحديد نسبة الضريبة المستحقة ، والمطالبة بسدادها بلا تهاون . الكاتب الساخر احمد رجب تهكم في زاويته بالأخبار على البيانات الحكومية قائلا : "لأن الحكومة طول عمرها كدابة فالناس لا تصدقها مع إنها صادقة تماما الآن فيما تقوله عن أنفلونزا الطيور ، وكان أول اكتشاف فجر الخميس الماضي فعلا وليس من شهور كما رددت الإشاعات ، كذلك لم يصب أي مواطن بأنفلونزا الطيور حتى كتابة هذه السطور ، والحكومة وهي تقدم كل الحقائق للمواطنين لحظة بلحظة تعدكم بالعودة إلي الكذب بعد زوال الظروف المؤسفة التي اضطرتها إلي الصدق" . والى موضوع الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول الكريم حيث كتب سلامة أحمد سلامة في الأهرام عن هشاشة البنية الفكرية والذهنية للمجتمعات الإسلامية وقال : ربما تكون عاصفة الغضب والثورة التي تسببت فيها رسوم الكاريكاتير المسيئة للرسول الكريم قد هدأت بعض الشيء‏ ،‏ بعد أن أخرج المتظاهرون هنا وهناك في بلاد إسلامية عديدة براكين السخط التي اعتملت في نفوسهم لأسباب متباينة‏ ..‏ فلو تلفت المرء حوله لالتمس العذر لعالم إسلامي محبط‏ .‏ فلا تكاد تقع أزمة هذه الرسوم البذيئة حتى تتكشف تفاصيل فضيحة التعذيب التي مارسها الجنود الأمريكيون في سجن أبو غريب علي نطاق أبشع من سابقتها .‏ وقبلها بأيام تعرض شاشات التليفزيون مشاهد لا تقل إذلالا لجنود بريطانيين يتناوبون علي ضرب أطفال عراقيين لمجرد أنهم قذفوهم بالطوب‏ .‏ كلها أحداث لا تقع إلا في العالم الإسلامي الذي تطؤه الآن أقدام قوي غاشمة‏ ،‏ تتلذذ بحالة الضعف والتهتك والتشرذم التي يمر بها .‏ وهو ما يبرر الغلو في ردود فعل المتظاهرين المسلمين ،‏ ويعبر عن حالة خلل تاريخي عميق في العلاقة بين المسلمين والغرب‏..‏ لن تختفي بمجرد الاعتذار وإبداء الأسف .‏ فهي ما فتئت تعاود الظهور بأشكال مختلفة ولم تكن إساءات الصحيفة الدنماركية غير القشة التي قصمت ظهر البعير .‏ وسوف يمضي وقت طويل قبل أن تعود الأمور إلي وضعها الطبيعي ،‏ الذي يحاول كل طرف فيه أن يتجنب استفزاز الآخر ،‏ حتى وإن بقي ما في القلب في القلب‏ .‏ والدليل علي ذلك أن زيارة خافيير سولانا لتهدئة الخواطر باسم الاتحاد الأوروبي وحديثه عن جهود دولية للتأكيد علي احترام الأديان‏ ،‏ قابلتها في الجانب الآخر قرارات صدرت من المفوضية الأوروبية بتأييد الدنمارك ومساندة حقها في الدفاع عن نشر الرسومات باعتبارها من حقوق حرية التعبير‏..‏ وهو ما تمسكت به صحف أخري باعتباره يمثل قيمة خبرية في حد ذاتها .‏ والحق أن هاتين القاعدتين اللتين يؤخذ بهما في معايير النشر الصحفي‏،‏ من أكثر القواعد التباسا‏،‏ لأنها تخضع لاعتبارات تقديرية تختلف من مجتمع إلي مجتمع ،‏ إلي الحد الذي التبس فيه الأمر علي صحف عربية‏ ،‏ مما أدي إلي طرد رئيس تحرير صحيفة أردنية وتوبيخ صحيفة قومية مصرية‏،‏ بسبب نشر الرسومات لكي تطلع قارئها علي ماهية المشكلة التي أثارت الأزمة .‏ وهو عذر مقبول صحفيا ولكنه في خضم هذا الجحيم من المشاعر الملتهبة‏،‏ يصبح أشبه بإشعال عود كبريت بجانب برميل من المواد الملتهبة .‏ غير أن الدرس الذي يجب أن نخرج به من هذه الأزمة التي أسقطت القناع عن هشاشة البنية الفكرية والسياسية لمجتمعات وشعوب إسلامية من ناحية‏ ،‏ وعن نفاق عنصري يخفي ضيقا حقيقيا بالجاليات الإسلامية المقيمة في أوروبا من ناحية أخري ،‏ هو أن المجتمعات الأوروبية والغربية عموما لن تقبل بوجود هذه الأقليات المسلمة بين ظهرانيها ما لم تتكيف معها وتجد طريقها إلي الاندماج .‏ وكما أن السكوت علي الإساءات العنصرية لم يكن هو الحل السليم فإن مواجهتها لابد أن تتم بأساليب لا تتعارض مع القيم الحضارية السائدة والتمسك بالإجراءات القانونية الدولية التي تضع حرية التعبير في إطار منظومة متكاملة من احترام الآخر بكل أطيافه وثقافاته ومعتقداته‏..‏ وبشرط أن نكون نحن أول من يحترمها‏!!‏ . نبقى مع الأهرام لنطالع مقال د‏.‏ مصطفي الفقي الذي جاء بعنوان : (إنها مصر وليست هونج كونج) ووجه فيه انتقادا مبطنا للسرعة المحمومة في تنفيذ الخصخصة التي تنتهجها أطراف حكومية من فئة رجال الأعمال لا يفهمون غير لغة الربح والخسارة .. وقال في ذلك : تطفو علي السطح من حين لآخر نغمة مقلقة تخلط بين مفهوم قيادة الدول وبين إدارة الشركات ،‏ وهما أمران قد يكون بينهما قاسم مشترك يرتبط بتعريف القرار الرشيد ولكنهما لا يتطابقان أبدا في المبني أو المعني‏ ،‏ إذ أن الوطن أمر يختلف عن سواه‏ ،‏ ففيه مضامين إنسانية عميقة ومشاعر عاطفية قوية وله روح لا يمكن قياسها بمعيار الربح والخسارة‏ . وأكد أن مصر وطن يختلف عن غيره فهي تنتمي إلي دول الحضارات القديمة مثل الصين والهند وغيرهما حيث لعب المكون البشري الدور الأساسي في صياغة الحياة وصنع المستقبل‏،‏ فدول الحضارات القديمة لا تنصاع في قراراتها اليومية لمنطق الربح والخسارة ،‏ ولكنها تحتكم إلي مخزون حضاري ضخم وتراث ثقافي عريق ،‏ لقد رأيت في الهند الأبقار تتهادي في الشوارع لا يمسها أحد بسوء بينما الشعب الهندي يعاني نقص الغذاء أحيانا ،‏ فالقيم الروحية والاجتماعية قد تضرب القرار الاقتصادي بل وتعطل عملية التنمية برمتها .‏ لذلك فإنني ممن يعتقدون أن التحديث مرتبط بالتحول
البشري كما أن الانتقال إلي المستقبل يحتوي أبعادا ثقافية وفكرية وليست فقط حسابات تجارية أو توقعات اقتصادية‏.‏ وإذا أخذنا المثال الهندي مرة ثانية لأنه نموذج مشابه لنا كما أنني عايشته شخصيا لسنوات أربع فسوف نجد أن جواهر لآل نهرو عندما أشرف علي المجلس القومي للتخطيط غداة استقلال بلاده فإنه استوعب مفهوم القومية الهندية لشعب متعدد الأصول والأعراق والديانات واللغات .‏ ولكن الزعيم الهندي الراحل احتوي برؤيته الثاقبة جميع العوامل المحيطة بالكيان الهندي الواحد ولم يقع فريسة التصور المجرد للإدارة بمفهوم حسابي قد يدفع الدولة خطوات ولكنها تكون رخوة قابلة للتراجع أمام حدث كبير أو الإنهيار في مواجهة ضربة مفاجئة‏ ،‏ لذلك فإن الذين يتصورون أن التنمية عملية اقتصادية بحتة أو أن الديمقراطية إجراء دستوري فقط هم واهمون فالتراث يحيط بالقرارات .. والحارة الضيقة هي التي تحدد أحيانا مصائر الشعوب ويجب ألا نغفل أبدا تأثير الشارع مهما بدا هادئا كما يجب ألا نمضي بثقة وراء الأرقام والإحصاءات والإستقصاءات مهما يكن الإغراء شديدا ،‏ فالوطنية تعبير شديد التعقيد فيه معاني الإنتماء والولاء والتضحية والفداء والرغبة في النهوض والقدرة علي العطاء‏،‏ قد يجوز أن تكون هناك دول أو أقاليم يصلح لها المنطق الحسابي عند تحديد مسار المستقبل هكذا فعلت بعض الدول الآسيوية الصغيرة ولعل جزيرة هونج كونج التي عادت إلي أحضان الوطن الأم منذ سنوات مع الاحتفاظ بوضع خاص نظرا لظروفها الخاصة تمثل نموذج الإعتماد المطلق علي القرار الاقتصادي المجرد بينما وطننا في مصر تختلف تماما فالمضمون الاجتماعي متجذر والوظيفة الأخلاقية أساسية في السلطة والثروة معا كما أن الأمم العريقة تستلهم خطاها من رصيد ماضيها وزخم حاضرها ،‏ إن حديث نيتشه إلي الأمة الألمانية مثله مثل نداء أتاتورك للأمة التركية أو شعارات الوحدة الوطنية التي رددها سعد زغلول مخاطبا أمته المصرية ،‏ فالدولة العصرية ليست هي المباني والمنشآت وليست هي المصانع والشركات وليست هي المدارس والجامعات ولكنها تلك الروح ذات الخصوصية التي تهيمن علي كل أولئك لهذا فإنني أقول وبيقين كامل ،‏ مرحبا بكل الاجتهادات الفكرية والقرارات الاقتصادية والأنشطة الاستثمارية‏،‏ مرحبا بالتزاوج بين السلطة والثروة في إطار من الشفافية المطلوبة والصدقية الكاملة مرحبا بهم جميعا شريطة أن يقف الكل علي أرضية وطنية كاملة لا يتطلعون خارج حدود الوطن ولكن ينظرون إلي فقرائه قبل أغنيائه ،‏ يؤمنون بالعدل الإنساني والتكافل البشري والتضامن الاجتماعي ،‏ ويضعون الوطن قبل كل قرار‏ ،‏ وفوق كل موقف ،‏ خصوصا إذا كان درة الأوطان منذ فجر التاريخ وطفولة الإنسان .‏

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.