في الأيام الأولى من شهر رمضان سألتني صحيفة عربية كبيرة، عما إذا كان من المتوقع عودة "الكاريزما السياسية" للحكم مجددا في العالم العربي. طرح السؤال وفي هذا التوقيت يعني أن قطاعا من صناع الرأي لا يزال مراوحا مكانه عند نقطة "ما" خارج التاريخ والجغرافيا.. وفي منطقة تنتقل فيها رياح التغيرات السياسية الكبرى من دولة إلى أخرى بشكل لا يكاد يصدقه أحد! زمن "الكاريزما" انتهى.. وبات الناس يبحثون عن الرئيس "الإدارجي" وليس إلى الزعيم "الثورجي".. بمعنى أن معايير المفاضلة لم تعد تحتكم إلى الخطابات السياسية التعبوية، وإنما إلى "البرامج" والمهارات المؤهلة للوفاء بالوعود التي قطعها المرشح على نفسه، وهي في مجملها وعود تتقاطع مع المراكز التي تلتقي عندها مصالح الناس الحياتية اليومية. في حفل افطار نظمه مركز "الدراسات الإنسانية" التابع لمجلية البيان، حضرته أنا ومجموعة كبيرة من المثقفين والصحفيين والنشطاء السياسيين، قال نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام، الزميل والصديق الأستاذ ممدوح الولي، إن الصورة التي نشرت لعدد من الشباب السلفي، وهم يوزعون أنابيب الغاز على الناس بسعر 5 جنيهات، والخبز الشعبي أبو "5" قروش، والخضار الطازج بأسعار شعبوية، غير كثيرا من الصورة النمطية و"المخيفة" لكل شاب يرتدي الجلباب القصير الأبيض، ويطلق لحيته بلا أسقف.. وجعلها صورة "محببة" وأكثر إنسانية لدى المخيال الجمعي المصري. الناس لم تعد تثق في "المظهر" وإنما تنظر إلى "الجوهر" وتبحث عن أي الفريقين هو الأنفع للناس. مصر الآن تغيرت.. والوعي العام بات يميل إلى منطق "الحداثة السياسية" بشكل عفوي وبتراكم الخبرات وتواتر المواقف.. وليس من خلال تلقي الدروس داخل أطر تنظيمية أو مدارس سياسية.. الناس ستختار على أسس اخرى.. ولن تثق إلا فيمن يملك الإجابة على أسئلة المستقبل على اتساعها وتنوعها، وتقاطعها مع أحلامها وأفراحها واطراحها.. ستكون مع من هو "الأكثر إنسانية" وليست مع "الخشب المسندة". مصر اليوم تحتاج إلى "برامج" وليس إلى "منصات".. تحتاج إلى "مؤسسة رئاسة" وليس إلى "رئيس".. تحتاج إلى "مؤسسات" وليس إلى "أيديولوجيا".. مصر تغيرت ومن لم يعد يدرك ذلك فعليه أن يخلي مكانه فورا. [email protected]