الدكتور عصام شرف رئيس حكومة الثورة , يتخبط ويتصرف بهزلية شديدة فى مواضع ينبغى عليه التحلى فيها بأعلى درجات الجِد والجدية ,إذ أن "مصر" لا تحتمل مزيدا من الفساد والإستهتار بمقدراتها ومقدارها , وكفى تخريباً لها , و تقزيماً , وتصغيراً من شأنها ..أقول هذا بمناسبة إصرار "شرف" على إستمرار الزميل الصحفى أسامة هيكل رئيس تحرير جريدة الوفد , وزيرا للإعلام ,بالحكومة الجديدة ,التى أدت اليمين الدستورية يوم الخميس الماضى (21/7) , وتكليفه مجددا بما يسمى إعادة هيكلة الإعلام ..قرار تعيين هيكل جاء صادما للمعنيين, و كل المتابعين للشأن العام ,فهو ليس "مسخرة" فحسب بل هو "أم المساخر" , ذلك أن "هيكل" المذكور, ومع إحترامنا لشخصه الكريم , لا يمتلك أى مقومات تؤهله لتولى هذا المنصب الخطير, فهو مجرد صحفى عادى جدا , وليس صاحب نظرية تلفزيونية,أو رؤية, سواء فكرية , أو سياسية ,أو إعلامية , حتى نتعلل بأنه سوف يطبق تلك النظرية أوالرؤية فى مجال عمله وزيرا للإعلام , فلم نسمع بشئ من هذا القبيل سابقا , ومعلوم ان وزير الإعلام هو وزير للتلفزيون ومن بعده الإذاعة,وكانت مهمة صاحب هذا المنصب قبل الثورة هى مراجعة قوائم ضيوف البرامج الهامة ,مثل صباح الخير يامصر , والبيت بيتك ,وغيرهما , وهو ما جعل إعلامنا التلفزيونى "متميزا" فى التخلف ,وغياب المهنية, ومن ثم فإنه عندما حانت قيامة النظام السابق , وحلت ساعة سقوطة , مع قيام ثورة 25 يناير, لم يفلح هذا الكيان التلفزيونى الضخم فى إنقاذ النظام , برغم مايملكة من عشرات القنوات الفضائية و الأرضية , وأبواق وعملاء للنظام إرتضوا لأنفسهم القيام بأدوار "شعراء السلاطين" فى العصور الغابرة التى خيمت فيها غيامات التخلف والإستبداد والظلام ,مثلما كان الحال فى عصر مبارك المخلوع . إذا عدنا ل"هيكل" المُعيًن وزيرا للإعلام , فهو من فلول النظام السابق , ويكفى تدليلاً على ذلك مقاله المنشوربجريدة الوفد فى اليوم السابق لقيام الثورة, فقد كتب فى هذا المقال مستنكراً إختيار يوم عيد الشرطة (25 يناير) للتظاهر , ويسخر من الثورة التونسية ,ويتحدث عنها كما لو كانت ُسبة أو عاراً, ويستكثر علينا نحن المصريين أن نكرر ماحدث فى تونس,و هو فى ذلك لم يختلف عن باقى "كتَبة النظام" السابق الذين كانوا فى ذلك الوقت يرددون نفس النغمة والمعانى بنفس الجٌمل والتعبيرات تقريبا ,وهذا التوحد فى أفكار ومضمون مقالات كتبة النظام , يعنى ان مصدرا واحدًا أملى عليهم جميعا مضمون ما كتبوه,وهذا المصدر غالبا مايكون جهاز مباحث أمن الدولة .. هذا عن موقف هيكل المناهض للثورة . أما عن المسيرةالصحفية ل"هيكل" وزير الإعلام الجديد فقد عمل جل سنوات عمره الصحفى مندوبا لجريدة الوفد لدى وزارة الدفاع ,محرراً للشئون العسكرية ,ومثل هذا المحرر يكون دوره محدود جدا فهومجرد "ناقل حرفى" للخبر كما يُملى عليه ,نظرا لحساسية الأخبار العسكرية , وما يكون فيها من أسرار عسكرية يُخشى من أضرار نشرها على الامن القومى للبلاد . ومن المتوقع ان يكون "هيكل" ربما على علاقة طيبة , بقيادات عليا بالجيش , وأعضاء المجلس العسكرى الحاكم الآن أو بعضهم على الأقل , وهذا أمر لا غبار عليه , فمن الطبيعى أن تكون علاقة الصحفى جيدة بمصادر الأخبار التى يسعى لجلبها لجريد ته, أو المعين خصيصا لجلبها .. ومن هنا نكون بصدد ثلاث إحتمالات بشأن ملابسات إختيار "هيكل"..اولها أن يكون إختياره قد تم بمعرفة قيادة عليا بالجيش ,وتم فرضه على الدكتور عصام شرف , والاحتمال الثانى ..أن يكون قد تم تزكيته للمنصب من أحد اعضاء المجلس العسكرى الحاكم بصفة شخصية , ويبقى ثالث الإحتمالات .. وهو أن يكون هيكل من إختيار الدكتور عصام شرف نفسه .. فإذا كان الإحتمال الاول , فإنه يحق لنا التأكيد على أن مجرد سابقة عمل "هيكل" مندوبا لجريدة الوفد لدى الجيش , لاتعنى بحال من الأحوال صلاحيتة لمنصب وزير الإعلام ,مثلما أن علاقتة بقيادات عليا للجيش أوبعض الاعضاء بالمجلس العسكرى – إن وجِدًت- لا تكفى مبررا لتوليته مثل هذا المنصب الخطير فى هذا الوقت العصيب , الذى تمر به مصر المحروسة ,ويبقى أن يكون "هيكل" إختياراً خالصاً ل "شرف", ففى جميع الأحوال ,وأيا كان منَ أختارهه , فإنه يحق لنا التساؤل عن مبررات هذا الإختيار , سيما وأن كل مهارات "هيكل" أنه يجيد إقامة علاقات مع بعض المسؤلين , تعود عليه بمنافع مالية , تُزيد من دخله, ومع أن "زيادة الدخل" هو "غاية" مشروعة بحد ذاتها ,فإنه يلزم أن تكون "الوسيلة" مشروعة أيضا , غير انه المعلوم عن"وسيلة" هيكل لزيادة دخله ,أنها محرًمة قانونا ,وغير مشروعة بمعايير مهنة الصحافة التى ينتسب إليها ..وتفصيلا فقد عمل هيكل من قبل مستشارا إعلاميا لوزير البيئة مقابل راتب شهرى يبلغ 15ألف جنيه , وهو لم يكمل عاما واحدا فى هذه الوظيفة , ربما لفشله فى هذه المهمة الضئيلة , كما أن المذكور "هيكل" يتولى إدارة الصالون الثقافى للأوبرا المصرية , ومهام هذه الوظيفة هى تنظيم "الندوات" واستقدام المحاضرين لها , وهى "مهام" لا تحتاج لصحفى يقوم بها ,إذ يكفى لها "موظف" أو أكثر من العاملين فى العلاقات العامة بدار الأوبرا , ولكنها وسيلة لزيادة الدخل بالنسبة لهيكل,إذ لابد و أنه يتقاضى آلافا كثيرة من الجنيهات ,تغريه بأن يرتضى لنفسه أن يحل محل موظف العلاقات العامة بالأوبرا ,وهذا لايقلل من تقديرنا لموظفى العلاقات العامة بالأوبرا أو غيرها ..ولست أعلم يقينا إن كانت هذه الوظائف بالاوبرا ووزارة البيئة , قد جاءت ل"هيكل" بعد مقالات "غزل" أو "نقد" , ولكن ماأعرفه جيدا أن عمل هيكل بهذه الوظائف , وتقاضية رواتب عنها , هو عمل غير مشروع , وأن هذه الرواتب صغُرت أم كبُرت ,هى بمثابة "أتاوة" أو"منحة" أو "عطية" محرًمة طبقا لقانونى "تنظيم الصحافة", و"نقابة الصحفيين" , و"ميثاق الشرف الصحفى" , وجميعهم يحظرون على الصحفى قطعيا الحصول على أى منافع مادية من الجهات الحكومية , وكذلك يمنعون علىه العمل بأى مهنة أو وظيفة أخرى, لأن تقاضى الصحفى لرواتب من أى جهات حكومية أو التوظف لديها, يجعله أسيرا لرؤية هذه الجهات,وحجب المعلومات والاخبار التى لا تروق لها ,وهذا مما ينال من حرية الصحافة ويسهم فى تقييد تداول المعلومات بحرية , وإختصارا فهذا هو "الفساد" بعينه , وهو ما ينطبق على المذكور "هيكل", ويفقده صفته الصحفية ويوجب "شطبه" من جدول نقابة الصحفيين طبقا للقانون ,وليس تعيينه وزيرا للإعلام , كما فعل رئيس الحكومة.. وكأن"شرف" يؤكد للجميع أن مصرخالية من الكفاءات,ويثبت بمسلكه هذا أنه لا يختلف كثيرا عن النظام السابق,الذى أهدر الكفاءات , وعمل على إقصائها عن مواقع المسؤلية, ودفع بإنصاف المواهب والكفاءات وأشباه الرجال إلى صدارة المشهد , فلدينا آلاف الكوادر البشرية والخبراء عالية الكفاءة بالإذاعة والتلفزيون, ولدينا قسم للإذاعة والتلفزيون بكلية إعلام القاهرة , و أقسام شبيهه بجامعات الأزهر وغيرها, وبهذه الأقسام مئات الاساتذة المتخصصين فى علوم الإتصال و مجالى الإذاعة والتلفزيون, كان يمكن إختيار واحد منهم ليكون وزيرا للإعلام .. على ان أمرأسامة هيكل وزير الإعلام الجديد لا يخلو من الطرافة , إذ جاء فى تصريحاته المنشورة عقب تكليفه بالوزارة أنه سوف يعمل على تطبيق ميثاق الشرف الإعلامى , مع أنه ليس هناك "ميثاق للشرف الإعلامى" من الأصل(!!), وإنما هناك ما يسمى "وثيقة مبادئ تنظيم البث والإستقبال الفضائى الإذاعى والتلفزيونى فى المنطقة العربية" وهى وثيقة سيئة السمعة, وتؤصل للدكتاتورية وتفرض قيودا صارمة وتضرب حرية الإعلام فى مقتل , وهى وثيقة غير ملزمة وافق عليها وزراء الاعلام العرب عام 2007,ماعدا قطر وسوريا وغيرهم ..فإن كان هيكل يعلم بعدم وجود الميثاق ويقصد تطبيق تلك الوثيقة سيئة السمعة ,فتلك كارثة لا تبشر بالخير, وإن كان لا يعلم أنه ليس هناك مايسمى ميثاق الشرف الإعلامى ,فالكارثة أعظم بلا شك,وكان الأولى ب"هيكل" ألا يخون ميثاق الشرف الصحفى , مثلما خان القسم الذى يؤديه الصحفى قبل مباشرة المهنة ,وقانونى الصحافة ونقابة الصحفيين , وهذه الخيانات كلها تكمن فى عمله موظفا بوزارة البيئة ,والأوبرا المصرية, وربما غيرهما ,مما قد يكون خافيا .. خسارة يا مصر. [email protected] *( كاتب صحفى )