ماذا يحدث في منطقتنا التي تشهد صراعات وحروبا وسفكا للدماء والتخريب والتدمير لا يحدث مثله في أي منطقة أخرى في العالم؟!. على قدر ما أقرأ وأكتب وأجتهد إلا أنني لا أتوصل لاستنتاجات نهائية، أو أجد آراء حاسمة من كبار المفكرين والساسة تشفي الغليل فيما يجري في البيت العربي تفك الألغاز وتحل الأسرار وتكشف حقيقة ما هو رائج عن مؤامرات وخطط تُحاك سرا لجعله مشتعلا على الدوام لتفتيته وتقسيمه ووضع الأيدي عليه. إذا اقتنعت بوجهة نظر تجاه أي حدث أو قضية ساخنة أجد على ضفة أخرى من ينسف القناعات ويجعلنا نعيد التفكير، ونذهب مرة أخرى لمنطقة التيه والغموض وعدم الوضوح والضبابية بكلامه المختلف. من يمسك مفاتيح تلك المنطقة، ويحركها كيفما يشاء، ويفعل فيها ما يشاء، وما هي أهدافه، هل ليصل بها لوضع معين لتنفيذ أجندته وخططه الخاصة، وإذا قلنا كما يُشاع إن أمريكا هي من تفعل ذلك، فأليس ذلك تفكيرا تآمريا، وماذا تريد أمريكا من المنطقة طالما إمدادات الطاقة تصلها، وتصل حلفاءها في أوروبا، وطالما تتسابق الأنظمة لإثبات الولاء لها، وتأكيد حرصها على أمن إسرائيل الحليف الأهم لها في المنطقة. ماذا تريد أمريكا منا أكثر من ذلك، وهو متحقق لها بالفعل، وعدوان غزة الأخير كشف أن التعامل مع إسرائيل والقرب منها صار أكثر وأوثق من السابق، وصار بلا حمرة خجل، وكأن بعض الأنظمة كان لديها في فترة ماضية حياء معقولا عنه اليوم. ماذا يجري في اليمن وسورياوالعراقولبنان ومصر وليبيا والسودان والصومال، وإذا كان هناك من لديه قول نهائي وقاطع في كل بلد من تلك العينة من بلادنا فليقل لنا، ومدهش جدا مثلا موضوع اليمن وما يُقال عن تحالف الرئيس السابق علي عبدالله صالح مع الحوثيين للسيطرة على العاصمة، وصالح هو من حارب الحوثيين ست مرات سابقة، فكيف، ولماذا يتحالف معهم اليوم، وماهي مراميه ومكاسبه، وكيف تصمت بلدان خليجية على ذلك خصوصا السعودية أكثر المتضررين من تمدد الحوثيين، وهؤلاء الحوثيون هم أداة إيران في اليمن مثل حزب الله في لبنان، ومثل الأحزاب والجماعات والميليشيات الشيعية في العراق، ومثل آخرين في بلدان عربية عديدة تمثل رؤوس حراب للهيمنة الإيرانية. هل هناك قول فصل في سقوط صنعاء، وهل يفعل ذلك صالح - إذا كان شريكا في مؤامرة - من نفسه، أم من هو الذي يحركه، وماهو الغرض الأخير، هل إقصاء الإخوان عن السلطة والمشهد كله هناك في إطار عملية إقصاء شامل لهم من كل البلدان التي يتواجدون فيها بالسلطة، أو يمكن أن يستحوذوا عليها ولو بانتخابات، وهل التوجه هو إقصاء الإسلام السياسي كله، سواء كان معتدلا وهادئا وراغبا في الاندماج السياسي والمجتمعي أم متشددا وجهاديا وعنيفا ومسلحا مثل "داعش" ذلك التنظيم الذي لم يكن بلا ذكر مهم قبل أشهر ثم فجأة ظهر على السطح وتحول إلى خطر على العالم يفوق خطر الاتحاد السوفيتي السابق حسب الدعاية الغربية، فالغرب بقيادة أمريكا لم يجيش الجيوش لحرب الاتحاد السوفيتي، بل ظل بين المعسكرين فقط ما يسمى الحرب الباردة. ربما يكون مفهوما إلى حد ما الذي يجري في عواصم الربيع العربي السابق من صراعات وأهداف ، لكن ما يجري بشأن "داعش" ليس مفهوما ولا معروفا بالمرة. ما الذي حرك الأمريكان فجأة لضرب التنظيم، وهم يعلمون به منذ فترة، بل هناك من يقول إنه صنيعة أمريكية، وهناك من يقول إنه صنيعة سورية إيرانية وبعضهم ينسب تضخمه إلى دعم من بلدان عربية، بل ويذهب آخرون إلى أن زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي تربى وتعلم في إسرائيل ليأتي الآن ويقوم بدوره. وإذا كنت قد أدنت عنف "داعش" وذبحها صحفيين ونشطاء أجانب وقتل وتهجير سوريين وعراقيين فقد خرج من يقول إن عمليات الذبح مجرد فيلم دعائي أمريكي لتبرير ضرب التنظيم الذي هب للدفاع عن العرب السنة المضطهدين في العراق ولمقاتلة بشار الأسد الذي يذبح الشعب السوري، وقدم هؤلاء لقطات مصورة يزعمون أنها لمراحل الفيلم الهوليوودي الأمريكي للذبح. وعندما أقول إن "داعش" تشوه الإسلام يخرج من يقول إنه يدافع عن المسلمين المستضعفين ويدعو للتنظيم ويتمنى انتصاره على أعداء الإسلام وهو الغرب والأنظمة المتحالفة معه. وعندما نتحدث عن جرائم "داعش" يقولون وماذا تكون - إذا صحت - مقارنة بجرائم الأسد، ولماذا لم يتدخل العالم لإنقاذ الشعب السوري طوال أكثر من ثلاث سنوات، وأليس إرهاب نظام الأسد مبررا لبروز كل تيارات التشدد وحاملي السلاح في المنطقة، وأليست طائفية نوري المالكي وجرائمه بحق العرب السنة هي من خلقت "القاعدة" و "داعش" وغيرهما من الجماعات المسلحة. الاستبداد والمظالم تصنع من يرد عليها وبنفس أسلوبها. لا أفهم ما يحدث بالفعل، وحتى أردوغان الذي رفضت حكومته التوقيع على بيان جدة أو استخدام قواعد تركيا ضد "داعش" ها هو بعد العودة من نيويورك يصرح بأنه يمكن أن يغير رأيه بعد تحرير الدبلوماسيين المختطفين، أي المشاركة في التحالف الدولي؟!. وأليس لافتا أن تبادر واشنطن إلى إعلان أسماء دول عربية شاركت في أولى ضرباتها على "داعش" في سوريا مطلع الأسبوع الماضي ولا تتحدث تلك الدول عن هذا الأمر إلا بعد أيام، أمريكا تؤمن نفسها لتقول إن العرب والمسلمين هم من يقاتلون معنا، ونحن لا نستهدف الإسلام ولا المسلمين. ويخرج جزار دمشق ليرحب بكل جهد دولي ضد الإرهاب، وهو راعي الإرهاب الرسمي، واضطر لقول ذلك صاغرا بعد أن سبق وحذر بإسقاط أي مقاتلات تنتهك سيادة بلاده، ولما انتهكتها أمريكا خرج يتنطع. من هو "داعش"، وما حقيقته، وما هدفه، وهل هو نتاج الطغيان والدماء في سورياوالعراق ضد الشعوب، أم هو تنظيم دموي بطبيعته، وأن هناك من الشباب من لديه نزوع للتطرف والعنف لأسباب عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية ودينية. من لديه مفتاح اللغز في تلك المنطقة التي لا تشبع من الدماء؟!. من سيقول: "أنا السؤال والجواب" بشأن كل ما يحدث هنا وهناك، كما كان يقول الفنان يحيى الفخراني في تتر مسلسل "زيزينيا" البديع ؟!. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.