طرحت منظمات حقوقية 10 مطالب على الرئيس القادم تتعلق بحقوق الإنسان؛ يأتي على رأسها إيقاف العمل بقانون التظاهر واتخاذ التدابير للانضمام إلى الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان. وتجيء تلك المطالب قبيل نحو أسبوع من الانتخابات الرئاسية، التي يتنافس فيها عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع السابق، والسياسي اليساري حمدين صباحي. وقالت منظمات حقوقية في بيان لها اليوم بعنوان، "عشرة مطالب يتعين على الرئيس القادم فعلها بشأن حقوق الإنسان"، إن استعادة الاستقرار السياسي في مصر يتطلب أن يتبنى الرئيس القادم برنامجًا سياسيًا واقتصاديًا يضع على رأس أولوياته استعادة ودعم مرتكزات دولة القانون التي تحترم حقوق الإنسان والحريات العامة وإحداث قطيعة نهائية مع سياسات الإفلات من العقاب التي شكلت ملمحاً رئيسياً لنظام حكم مبارك ولمختلف السلطات التي أدارت البلاد من "ثورة 25 يناير" وحتى الآن. ومن أبرز المطالب العشرة التي ذكرها البيان، التعهد بإعمال قواعد المكاشفة والمصارحة مع الرأي العام بشأن حقائق الوضع الاقتصادي بالغ التردي وتبنى برامج وخطط مرتبطة بتوقيتات زمنية محددة تحقق المطالب المشروعة لقطاعات واسعة من المصريين في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتطبيق الفعلي للحد الأدنى والحد الأقصى للأجور والنهوض بمتطلبات تنمية المناطق المهمشة في سيناء والصعيد والعشوائيات. وتضمنت المطالب، ضمان حد أدنى لائق لتمتع المصريين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية كالرعاية الصحية والسكن والتعليم والصرف الصحي, وإجراء مراجعة فورية لأوضاع المحتجزين والسجناء عبر لجنة قانونية يشارك في عضويتها ممثلون لمنظمات حقوق الإنسان المستقلة تقود إلى الإفراج غير المشروط عن جميع الأشخاص المقيدة حرياتهم تنفيذًا لأحكام قضائية صادرة بحقهم، أو في إطار الحبس الاحتياطي بدعوى التحقيق معهم في اتهامات وثيقة الصلة بحقهم في التعبير عن آرائهم أو في التظاهر والاحتجاج السلمي. ودعت المطالب إلى إيقاف العمل بقانون التظاهر ومراجعته قبل عرضه على البرلمان القادم، وإعادة النظر في التشريعات الخاصة بتنظيم استخدام الأسلحة النارية من جانب أجهزة الأمن. ومن بين المطالب الأخرى التي تبنتها المنظمات اتخاذ التدابير التشريعية اللازمة لانضمام مصر إلي عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة باحترام حقوق الإنسان ومنها التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، والتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، والتصديق على البروتوكول الاختياري للعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ووقع على البيان ثماني منظمات حقوقية منها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز هشام مبارك للقانون ومركز الأرض لحقوق الإنسان. وفي الوقت الذي ترجح المؤشرات فوز السيسي بالانتخابات المرتقبة، فإن الأخير يعطي أولوية للاستقرار في البلاد بعد أكثر من ثلاث سنوات على حالة العنف والفلتان الأمني التي تشهدها البلاد. إذ نقل عنه رؤساء تحرير صحف حكومية وخاصة القول إنه "يعطي أولوية للاستقرار"، قائلاً إن "معادلة صعبة تتمثّل فى كيفية تحقيق الاستقرار حتى وإن أدى ذلك إلى بعض التجاوزات"، فيما يلخص رؤيته لحقوق الإنسان في حال توليه المسؤولية. هذه المعادلة لاقت تباينًا في مواقف الحقوقيين في مصر، ففي الوقت الذي اعتبرها البعض تحقيقًا لما نصّ عليه الدستور، رآها البعض أنها غير كافية، وتستلزم أفعالاً على الأرض، في ظل حبس المئات من سجناء الرأي في السجون خلال الشهور الأخيرة. وفي ظهوره الأول خلال بث مشترك للفضائيتين المصريتين "سي بي سي" و"أون تي في"، قال السيسي، إنه "حريص على الموازنة بين تحقيق الأمن والأمان وبين احترام حقوق الإنسان، مع الأخذ في الاعتبار أن الارتباك الأمني يؤدي إلى بعض التجاوزات". وأضاف: "خلينا أرجع الأمن بدعم الشرطة ودون تجاوز لحقوق الإنسان". وفي ظهوره الثاني على فضائية "سكاي نيوز"، أكد السيسي على أهمية حرية الاعتقاد والفكر، وقال إنه لا قيود على هذه الحريات في عهده، وإنما ضوابط قانونية لحماية حقوق الآخرين. وتابع: "الأمر مرتبط بالثوابت والقناعات، هل هو محترم الحريات ومحب لها أم لا". وفي حواره الثالث خلال بث مشترك لفضائيات "النهار" و"دريم"، و"الحياة"، أوضح السيسي أن قمع الحريات يؤدي إلى ممارسة ديمقراطية منقوصة، لافتًا إلى رفضه عملية التجريح التي قد يقوم بها البعض. وخصص السيسي لقاءه بالمفكرين والكتاب في 11 مايو الماضي، للحديث حول الحقوق والحريات، حيث قال إن "مستقبل الحريات والديموقراطية سيكون مصونا بالدستور". وأضاف أن "مستقبل الحريات والديموقراطية سيكون مصانا بنصوص الدستور والقانون الذى اتفق عليه المواطنون"، وذلك حسب ما ورد في بيان أصدرته حملته عقب اللقاء. وقال السيسي لضيوفه إنه "يدرك حجم قلقهم على مستقبل الحريات والديموقراطية"، مؤكدًا أن "فكرة الدولة العسكرية أو الدينية غير متاحة تماما فى المرحلة المقبلة". وأوضح أن "هناك معادلة صعبة دائما تواجه الدولة تتمثل فى كيفية تحقيق أمن بدرجة كافية ومرضية للمواطن دون المساس بمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان وعدم الجور على الأبرياء". سبق هذا اللقاء، اجتماع للسيسي مع عدد من رؤساء تحرير الصحف المصرية، قال فيه إنه "يعطي أولوية للاستقرار على حساب الحريات"، وهو ما أثار مخاوف كثيرة. وعن قانون التظاهر، قال السيسي إنه "آلية لضبط التظاهر وليس لمنعها"، مشيرًا إلى أن "حق التظاهر متاح للجميع، ولكنه لن يسمح بانهيار البلاد جراء تلك التظاهرات الكثيرة". ودخل قانون "تنظيم التظاهر" الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور، حيز التنفيذ في نوفمبر الماضي، ويفرض على الراغبين في التظاهر إخطار وزارة الداخلية بها قبل تنظيمها بعدة أيام، وإلا تُعتبر غير قانونية، ويقع تغريم وحبس من يخالفه. سهير لطفي، عضوة سابقة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، قالت إنها "مطمئنة للغاية" من احترام السيسي لحقوق الإنسان، مشيرة إلى أنها "رأت منه في كل حواراته ولقاءاته أنه يضع الإنسان وحقوقه نصب عينيه". وأضافت في تصريح إلى وكالة "الأناضول"، أن "حديث السيسي عن الحريات والحقوق، يتطابق تمامًا مع ما جاء في الدستور، خاصة في اهتمامه بحق الإنسان في التعليم والصحة والتنمية وغيرها من القضايا غير المتعلقة فقط بالحريات". وتابعت: "السيسي لم يطلق وعودًا تخالف القانون، ولم يقل إنه سيلغي قوانين بدون عرضها علي مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) المختص بالتشريع"، مشيرًا إلى أن "من يريد إلغاء أو تعديل مواد قانون التظاهر فلينتظر مجلس النواب ولا يستغل سلطته". وردًا على انتقاد موجّه للسيسي عندما قال إن إحكام الاستقرار قد يؤدي إلي بعض التجاوزات، قالت العضو السابق بالمجلس القوي لحقوق الإنسان: "حريتي تنتهي عند حرية الآخرين، وليس لي حق في الحرية إذا جورت علي استقرار الوطن، وبالتالي فحديث السيسي يشير إلى مدى إدراكه حق الآخر وحق المجتمع، مع التزامه بحق الفرد". واختلف معها، جمال عيد، المدير التنفيذي الحالي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، الذي قال إن "حقوق الإنسان ليست مجرد أقوال، وإنما أفعال وممارسات، وما شاهدناه منذ عزل مرسي في 3 يوليو الماضي، هي انتهاكات حادة لحقوق الإنسان". وأضاف: "هناك المئات من المحبوسين في السجون حاليا، هم من حاربوا الرئيس الأسبق حسني مبارك، وشاركوا في الثورة (ثورة يناير) ضده، وهم محبوسون الآن بقوانين وقرارات من إدارة الحكم في عهد الرئيس عدلي منصور والسيسي". وردًا على اضطرار السيسي للتجاوزات في سبيل تحقيق الاستقرار، قال عيد: "الاستقرار الذي سينتج عن القمع، قد يأتي بشكل أفضل عن طريق الديموقراطية، وهذا هو سمت الدول المتقدمة، التي يجب أن نسعى إليها". وأضاف: "القمع إحدى السمات الأصيلة في السيسي، ومع ذلك فقد سئمنا من حكم الجنرالات وحكم رجال الدين، وآن الأوان لحكم مدني". ويتضمن الدستور المصري الذي تم الاستفتاء عليه وإقراره في يناير الماضي، علي باب للحريات والحقوق تنص مواده من 51 إلى 93، على التزام الدولة بحرية المواطنين وحظر انتهاكها. وفي 3 يوليو الماضي، أطاح قادة الجيش، بمشاركة قوى دينية وسياسية، بالرئيس مرسي، في خطوة يعتبرها أنصاره "انقلابا عسكريا" ويراها المناهضون له "ثورة شعبية".