"معادلة صعبة تتمثّل فى كيفية تحقيق الاستقرار حتى وإن أدى ذلك إلى بعض التجاوزات".. هكذا لخّص المرشّح الأوفر حظًا في الانتخابات الرئاسية بمصر، المشير عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع السابق، رؤيته لحقوق الإنسان في حال توليه المسؤولية، كما نقل عنه رؤساء تحرير صحف حكومية وخاصة القول إنه"يعطي أولوية للاستقرار". هذه المعادلة لاقت تباينًا في مواقف الحقوقيين في مصر، ففي الوقت الذي اعتبرها البعض تحقيقًا لما نصّ عليه الدستور، رآها البعض أنها غير كافية، وتستلزم أفعالاً على الأرض، في ظل حبس المئات من سجناء الرأي في السجون خلال الشهور الأخيرة. وفي ظهوره الأول خلال بث مشترك للفضائيتين المصريتين "سي بي سي" و"أون تي في"، قال السيسي، إنه "حريص على الموازنة بين تحقيق الأمن والأمان وبين احترام حقوق الإنسان، مع الأخذ في الاعتبار أن الارتباك الأمني يؤدي إلى بعض التجاوزات". وأضاف: "خلينا أرجع الأمن بدعم الشرطة ودون تجاوز لحقوق الإنسان". وفي ظهوره الثاني على فضائية "سكاي نيوز"، أكد السيسي على أهمية حرية الاعتقاد والفكر، وقال إنه لا قيود على هذه الحريات في عهده، وإنما ضوابط قانونية لحماية حقوق الآخرين. وأضاف: "الأمر مرتبط بالثوابت والقناعات، هل هو محترم الحريات ومحب لها أم لا". وفي حواره الثالث خلال بث مشترك لفضائيات "النهار" و"دريم"، و"الحياة"، أوضح السيسي أن قمع الحريات يؤدي إلى ممارسة ديمقراطية منقوصة، لافتًا إلى رفضه عملية التجريح التي قد يقوم بها البعض. وخصص السيسي لقاءه بالمفكرين والكتاب في 11 مايو الماضي، للحديث حول الحقوق والحريات، حيث قال إن "مستقبل الحريات والديموقراطية سيكون مصونا بالدستور". وأضاف أن "مستقبل الحريات والديموقراطية سيكون مصانا بنصوص الدستور والقانون الذى اتفق عليه المواطنون"، وذلك حسب ما ورد في بيان أصدرته حملته عقب اللقاء. وقال السيسي لضيوفه إنه "يدرك حجم قلقهم على مستقبل الحريات والديموقراطية"، مؤكدًا أن "فكرة الدولة العسكرية أو الدينية غير متاحة تماما فى المرحلة المقبلة". وأوضح أن "هناك معادلة صعبة دائما تواجه الدولة تتمثل فى كيفية تحقيق أمن بدرجة كافية ومرضية للمواطن دون المساس بمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان وعدم الجور على الأبرياء". سبق هذا اللقاء، اجتماع للسيسي مع عدد من رؤساء تحرير الصحف المصرية، قال فيه إنه "يعطي أولوية للاستقرار على حساب الحريات"، وهو ما أثار مخاوف كثيرة. وعن قانون التظاهر، قال السيسي إنه "آلية لضبط التظاهر وليس لمنعها"، مشيرًا إلى أن "حق التظاهر متاح للجميع، ولكنه لن يسمح بانهيار البلاد جراء تلك التظاهرات الكثيرة". ودخل قانون "تنظيم التظاهر" الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور، حيز التنفيذ في نوفمبر الماضي، ويفرض على الراغبين في التظاهر إخطار وزارة الداخلية بها قبل تنظيمها بعدة أيام، وإلا تُعتبر غير قانونية، ويقع تغريم وحبس من يخالفه. سهير لطفي، عضوة سابقة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، قالت إنها "مطمئنة للغاية" من احترام السيسي لحقوق الإنسان، مشيرة إلى أنها "رأت منه في كل حواراته ولقاءاته أنه يضع الإنسان وحقوقه نصب عينيه". وأضافت في تصريح إلى وكالة "الأناضول"، أن "حديث السيسي عن الحريات والحقوق، يتطابق تمامًا مع ما جاء في الدستور، خاصة في اهتمامه بحق الإنسان في التعليم والصحة والتنمية وغيرها من القضايا غير المتعلقة فقط بالحريات". وتابعت: "السيسي لم يطلق وعودًا تخالف القانون، ولم يقل إنه سيلغي قوانين بدون عرضها علي مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) المختص بالتشريع"، مشيرًا إلى أن "من يريد إلغاء أو تعديل مواد قانون التظاهر فلينتظر مجلس النواب ولا يستغل سلطته". وردًا على انتقاد موجّه للسيسي عندما قال إن إحكام الاستقرار قد يؤدي إلي بعض التجاوزات، قالت العضو السابق بالمجلس القوي لحقوق الإنسان: "حريتي تنتهي عند حرية الآخرين، وليس لي حق في الحرية إذا جورت علي استقرار الوطن، وبالتالي فحديث السيسي يشير إلى مدى إدراكه حق الآخر وحق المجتمع، مع التزامه بحق الفرد". واختلف معها، جمال عيد، المدير التنفيذي الحالي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، الذي قال إن "حقوق الإنسان ليست مجرد أقوال، وإنما أفعال وممارسات، وما شاهدناه منذ عزل مرسي في 3 يوليو الماضي، هي انتهاكات حادة لحقوق الإنسان". وأضاف: "هناك المئات من المحبوسين في السجون حاليا، هم من حاربوا الرئيس الأسبق حسني مبارك، وشاركوا في الثورة (ثورة يناير) ضده، وهم محبوسون الآن بقوانين وقرارات من إدارة الحكم في عهد الرئيس عدلي منصور والسيسي". وردًا على اضطرار السيسي للتجاوزات في سبيل تحقيق الاستقرار، قال عيد: "الاستقرار الذي سينتج عن القمع، قد يأتي بشكل أفضل عن طريق الديموقراطية، وهذا هو سمت الدول المتقدمة، التي يجب أن نسعى إليها". وأضاف: "القمع إحدى السمات الأصيلة في السيسي، ومع ذلك فقد سئمنا من حكم الجنرالات وحكم رجال الدين، وآن الأوان لحكم مدني". ويتضمن الدستور المصري الذي تم الاستفتاء عليه وإقراره في يناير الماضي، علي باب للحريات والحقوق تنص مواده من 51 إلى 93، على التزام الدولة بحرية المواطنين وحظر انتهاكها. وفي 3 يوليو الماضي، أطاح قادة الجيش، بمشاركة قوى دينية وسياسية، بالرئيس مرسي، في خطوة يعتبرها أنصاره "انقلابا عسكريا" ويراها المناهضون له "ثورة شعبية".