إذا كان أساس الحوار عند المتحاورين الجادين الصادقين هو: « الفرصة التي تقدم للآخر كي يعبرعن نفسه بالتساوي معنا وبكلماته هو وبتوقعاته هو » و «الاعتراف بالآخر وبالفروق التي لايمكن إلغاؤها وفي حقه وشرعيته وفي تطلعاته وفي معارفه بعيدا عما يمكن أن يوحي لنابه فهمنا الذي نحمله عنه » ( راجع كتاب الدولة في القلب مبادىء تسيير آليات الحكم للمؤلفين الفرنسيين :« بييركالام »«وأندريه تالمان » . إذا كان هذا هو أساس الحوار عند الفرنسيين الخبيرين في : مباديء تسيير الحكم وأخلاقيات إدارة الاختلاف الذي لابد منه بين الشركاء ، ومن قبلهما بعشرات السنين أبدى «فولتير» ( مبعوث العناية العلمانية ) استعداده لدفع حياته ثمنا لأن يقول من يختلف معه رأيه . فإننا نجد أن أساس الحوارعند الغالبية العظمي من أعضاء الجماعة الليبرالية العلمانية ( في تحاورها مع التيار الإسلامي خاصة )هو: العمل بكل الوسائل لمنع التيار الإسلامي من التعبير عن حقيقته كما هي دون تشويه أو تشويش ،و انتهاز كل فرصة ممكنة كي تفسد علي التيار الإسلامي حقه في التعبير عن نفسه بكلماته وبتوقعاته وبرؤيته وبمرجعيته كما يعبرون هم عن أنفسهم بكلماتهم وبتوقعاتهم وبرؤيتهم وبمرجعيتهم . فهم يحسبون أنفسهم جزءا لا يتجزء من قيم الحكم الرشيد وما ينطقون إلا عن «سفر»من أسفار الحكمة والرشاد ؛ ومن ثم لا يقرّون بالحقوق الطبيعية لتيارالأغلبية الكاسحة ؛إلا أن يرهن تصوراته بتصوراتهم ومصطلحاته بمصطلحاتهم ورؤيته برؤيتهم ومنهجه بمنهجهم ومرجعيته بمرجعيتهم ! . تنعكس تلك القناعات المعرفية (المغشوشة)على سلوكيات التعامل مع الآخر الإسلامي ؛ ففي الفعاليات الحوارية التي تشرف عليها عناصر من الجماعة الليبرالية العلمانية ، نجد أن المساحة الكاملة الخالية من التدخل أو المقاطعة تمنح غير منقوصة لأغلبية المتحاورين من الليبراليين والعلمانيين (لأنهم حكماء هذه الأمة!) ،ومعها ابتسامة عريضة يظهر معها أكبرعدد ممكن من الأسنان ، وتُشدّ معها عضلات الشفتين ذات اليمين وذات اليسار؛ من أجل إظهار أكبر ابتسامة ممكنة لتوفير أكبرشحنة ممكنة من التشجيع ( وإن نطق سفاهة !) وبعث رسائل مطمئنة للمتحدث وإشعاره أنه في بيته وبين أهله ! . أما إذا تكلم من يمثل التيار الإسلامي غالبا ما تتغير «سحنة» المقدم أو المقدمة ويتلبّسه مائة «عفريت»،ويقطب الجبين ، وتعلوالوجه ملامح منكرة ومستنفرة،ومن ثم تمارس كافة عمليات التشويش على المتحدث : بكثرة مقاطعته حتي لايتمكّن من استكمال فكرته ( وإن نطق بالحكمة ) ، وكثرة تقاطع الفواصل مع مداخلته تحديدا ، فضلا عن انتهاء البرنامج مع مداخلته غالبا ، والضغط أثناء ذلك عليه حتي تخرج أفكاره غير مرتّبة ومرتبكة ، إلي آخر الوسائل التي تدل على حقيقة المستوي الأخلاقي « الديمقراطي » الذي يقف عنده رعاة الحوار أو مقدمي الحوار من المنتسبين للجماعة الليبرالية العلمانية . وكذلك الحال في تغطية كل ما يتعلق بشئون وأخبار التيار الإسلامي وقادته ورموزه ، حيث يتم التركيز على كل ماهو من سقطات البشر والتي لا ينفكّ عنها بشر، في حين يتم تغافل معظم الإيجابيات إن لم يكن كلها،وإهمال المحاسن المؤكدة والتركيز « الوقح » على السوءات المتوهمة ، والتركيز على جرائم لم تثبت نسبتها وإهمال مآثر ثبت نسبتها . فمثلا تأكد للجميع أن الآلاف من أبناء التيار الإسلامي السلفي تولوا أثناء الثورة حماية العشرات من الكنائس ، كما تأكد أن الآلاف منهم كانوا يقومون بتوفير السلع الغذائية الأساسية بسعر الجملة حماية للفقراء من الاستغلال (حكي لي أحد المستفيدين من هذه الخدمة وهو يبكي تأثرا )،كما عاين الملايين كيف كان بلاء شباب الإخوان يوم موقعة الجمل . أنظر كيف ابتلع الضمير الديمقراطي تلك المآثر المؤكدة النسب ،في حين تم التركيز(المسعور) على سقطات حوارية أوحوادث همجية فردية لم يتأكد نسبتها . وعلى الجانب الآخر يتعاملون بأخلاق التغافل ( الحضاري ) عن جرائم الحبس خلف أسوار الكنيسة لمن أسلمن من المسيحيات ،وعن جريمة قتل إحداهن ومعها أسرتها بيد التطرف المسيحيي . ومن أكثر العبارات ( الحواريّة!) التي تجري على ألسنة أعضاء الجماعة الليبرالية والعلمانية (المحترمة) :«يجب» ، «ونريد» ، و«عليهم أن يفعلوا كذا» ، و«عليهم أن يثتبوا وطنيتهم» ، إلى آخر الألفاظ والعبارات التي توحي بأنّهم بوجهون ( إلى السلوك القويم ) «خدم العزبة » التي ورثوها عن آبائهم أو أمهاتهم ، أو كأن أحدهم أحمدعرابي أو مصطفي كامل جاء ليعلّم أبناء التيار الإسلامي معني الوطنيّة ! . غير وارد أن نميّزوطنيًا بين التيارين الليبرالي العلماني من جهة والإسلامي من جهة أخري ، ولكن إذا كان من لوازم «الحبكة» الليبرالية العلمانية «الديمقراطية » أن نحدّد من هو الفصيل الأكثر وطنية فهو لاشك لن يكون التيارالأول ، وإذا كان هناك فصيل مطالب بإثبات وطنيته فالتاريخ والجغرافيا وحجم التأييد الشعبي الجارف يؤكد أنه ليس التيار الثاني ،ولا أتصور أن يجادل في هذا عاقل عنده الحد الأدني من حس الإدراك والوطنية . إن الجماعة الليرالية العلمانية بما تشنه من حملات تشويه وتشويش سوداء تتجافي مع المنطق والقيم والأخلاق الديمقراطية المزعومة على التيار الإسلامي بكافة أطيافه ؛إنما تستهدف ( بالإضافة إلى تشويه المرجعية الإسلامية مع سبق الإصرار والترصد ) استفزازأبناء التيار الإسلامي حتي يخرج عن سماحته واعتداله ويكفر بالممارسة السياسية الديمقراطية الرشيدة ويلجأ إلى العنف فيهدر فرصة تاريخية سانحة . ومن ثم تتهيأ للجماعة الليبرالية العلمانية (والتي تزعم أنها ديمقراطية ) الأجواء وتتوفر الذرائع ( الداخلية والخارجية ) لإقصاء أبناء مصر الوطنيين الأصلاء عن توجيه دفة مصر إلى قبلتها التي تستحقها (ويشمئزون هم منها) ، في حين يوجهون هم الدفة صوب قبلتهم ووجهة سجودهم وركوعهم واطمئنان قلوبهم (الغرب المتصهين) ، فانتبهوا يا أولي الألباب . الحرية هي الحل [email protected] Ashrafawzy.blogspot.com