احتفت وسائل الإعلام المصرية والعالمية كثيراً بالشباب والفتيات الذين كان لهم دور باز في التحضير والقيام بثورة الخامس والعشرين من يناير بعد النجاح الجزئي الذي حققته تلك الإنتفاضه حينها من اسقاط رأس النظام متمثلاً في حسني مبارك، وكان هذا احتفائاً مستحقاً وممدوحاً إذ قد استطاع هؤلاء الشباب بكل جدارة وعزم وحماس بالقيام بحراك ثوري مشهود حققوا من خلاله تغييراً سياسياً عجز عن القيام به شيوخ السياسة ومفكروها حبيسي الكتب والندوات.
في لحظة تاريخية فارقة قرر الشباب المصري النزول للشوارع والاعتصام بها والمناداة بضرورة التغيير ورحيل النظام القائم حينها ، لكن الأمر لم يكن واضحاً لديهم إذ لم يكن عندهم خطه بديله لهذا النظام وظنوا أنه بمجرد رحيله تنتهي مساوئ ستون عاماً من حكم العسكر انتشر خلالها الفساد المالي والإداري ووصل الظلم والجبروت مداه وعم الإجرام والقمع وتكميم الأفواه وإغلاق الصحف وعدم السماح بإنشاء أحزاب معارضه أو أن تمارس عملها إلا تحت سمع وبصر الحزب الوطني الحاكم ولأشخاص يضمنون ولائهم ويصيرون دميه مطيعه لأوامرهم وإلا حرموهم شرف الافضل عليهم بكرسي أو اثنين في مجلس الشورى أو السماح لهم بالتمثيل النيابي في مجلس الشعب فصارت الأحزاب حينئذ أحزاباً كرتونيه وعراس ماريونيت يحركها الكهل القابع في غرفة السياسيات بمقر الحزب الوطني الحاكم.
كانت الغلبة والقوة في حراك يناير للشباب الذين لم يتلوثوا بتلك الدنايا بل رفضوا الذل وأبوا الضيم ولجأوا للشواراع وهموا بتحريك الضمائر وألبوا الشعب المسكين وبثوا فيه روح التمرد على الظلم والطغيان والجبروت وقد تحقق لهم شيئ من ذلك فاستمع الناس لهم ونزلوا معهم وأيدوا وجهتهم ورحل مبارك وترك إدارة شئون البلاد لمن عينهم هو في مناصبهم ومن يدينون له بالولاء في غفلة تامه لهؤلاء الشباب عن تلك النقطة الخطيرة.
وبعد الثورة تفرق شمل هؤلاء الشباب وتشرذموا وتقطعت أوصالهم فمنهم من تحالف مع أعوان مبارك وأذنابه وسب رفقاء دربه وأصدقاء الميدان والبعض الآخر أسس حزباً ودخل من خلاله مجلس الشعب ومارس حياته السياسية الخاصة باحثاً عن منصب وزارئي أو لقاء تلفزيوني والآخر استمر في حركاته الثوريه ولازم الشوارع ولم يبرح الميادين فشوه إعلام مبارك صورته واتهمه بالعماله والتواطئ مع الأعداء لهدم الوطن وقتل ثورته المجيده، والبعض الآخر من شباب الثورة اتهم بأنهم خرفان للمرشد وأنهم عملاء لمكتب الإرشاد ولا رأي لهم في شيئ إلا بعد استشارة كبارهم في الجماعه كل هذا السواد القاتم لحال شباب الثورة اندثرت فيه الرؤية الواضحة لبناء الوطن وتاهت في غياهبه كل الآمآل وقضت على أحلام الوحدة والبناء الجاد لبلد لازالت رازحة تحت سطوة الدولة العميقة المتسلطه حيناً من الدهر سامت فيها الناس سوء العذاب ورمتهم بالفقر والجهل والأمراض وهم سكارى في معاشهم يبحثون فقط عن لقمة يسدون بها رمقهم.
إن الحال الذي وصل إليه شباب الثورة اليوم لم يكن ليفيد أحد سوى فلول الحزب الوطني وإعلاميوا مبارك ورجال أعماله الذين سرقوا الأموال وجمعوا بين السلطة والسطوة والجاه فصمتوا وعملوا على قتل الثورة في مهدها وتآمروا عليها مستعينين بالعسكر تارة وبأقطاب الدولة العمية تارة أخرى وبأعداء الثورة في الداخل والخارج تارة وفرقوا شمل شباب الثورة واستقطبوا بعضهم فأفقدوهم القدرة على جمع الناس من حولهم ومن ثم ضاع الزخم الشعبي الذي لطالما تمتعوا به، فسرقت الثورة وضاعت مكاسبها التي كثيراً ما نادوا بها وفي مقدمتها إسقاط حكم العسكر وضحوا في سبيل ذلك براحتهم ومعاشهم وصحتهم وسنوات قضاها بعضهم في السجون، ضاعت أحلام الثورة التي داعبت مخيلتهم سنيناً
إن الحال الذي وصل إليه هؤلاء الشباب بعد الإنقلاب العسكري لا يخفى على أي متابع فمنهم من لقي ربه أثناء التظاهرات ومن يرقد الآن جريحاً في إحدى المستشفيات ومن في سجون العسكر يلقى مصير المناضلين ومنهم للأسف الساكت عن الحق والمتحالف مع العسكر ورجال مبارك بغضا وكرها في جماعة ما، ومنهم من ألهته مصاعب الحياة فسافر للعمل وكسب العيش والبعض الآخر سافر في الأمان يتحدث ويحلل الأحداث السياسية عن بعد في القنوات الفضائية ومتمتعاً بالتكيفات الدافئة والفنادق الفارهة والأطعمة اللذيذة تاركاً أبناء وطنة يلاقون متاعب النضال ويتجرعون مرارة القبضة الأمنية التي تشنها عليهم قوات العسكر تارة وقوات الأجهزة القمعية تارة أخرى، لا سبيل لعودة الحراك الثوري والنضال الحقيقي في مصر إلا بوحدة هؤلاء الشباب والإتفاق على رؤية واضحة لمستقبل الوطن لا الاستسلام لما حدث في الأيام الخاليه وأن يضعوا خارطة شبابية ودستوراً توافقياً لا خارطة للقمع أو دستور كتبه شباب ثورة 1919 كما يقال عليهم إعادة الصفوف وترتيب الأوراق وترك الجدال المرير والنقاش الغبي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.